القائمة الرئيسية

الصفحات

فرح بالتراب (مفتتح ثان) / عفيفي مطر


فرح بالتراب

(مفتتح ثان)

محمد عفيفي مطر



أربعونَ بابًا .. تشتبك منها الدوائرُ وتتواشجُ
الدهاليزُ وتتفرَّعُ أشجارُ الدَّرَج صعودًا وهبوطًا
يفاجئني صديقي "زينون" الإيليُّ ويفتح المسافة
بين السهم والأفق
ويملأ فراغ الأوراق بوحشية السباق بيني
وبين سلحفاةِ البداية وكلمة الفَتْح
ويفاجئني صديقي النفَّريُّ بوردة الماء المدمَّمِ ووهج
البحرِ وطعمِ الهواءِ المالح
فأشتهي الخبز وأنتظر الوقتَ وطفولةَ المسامرة
والكشفَ وإيذانَ الذهول
أنا المولود من أربعين امرأة
أتربَّصُ لهذيان التذكر وجموحِ الأشكال
فالأرض محدودبةٌ على حصاد الموت وقوارير
الظمأ المعتَّق
فهل أنتَ على أُهبةٍ أيها الساقي
لتفتضَّ أختام الطين ، وتمُدَّ المائدةَ بالكئوس
وشظايا الطعام وأحزمة العشب المحنَّط والزيتون
أم تتلفَّت كما يتلفَّت الرأسُ الساقط من شجرة الجسد!
وهل أنتَ ــ بين من مضى ومن يأتي ــ خليفةٌ
على المسافة بين أول خطاك على حصْباء الموت
وأول خطاك على عتبة الزلزلة !

ها هو نهرٌ يجلس القرفصاء
يفك سيور خُفَّيْه المجدولين من البَرْنوفِ
                                      وليونة العشب
عباءتُه من هشاشة القشِّ وضفائر السنابل
تطرِّزُها أزهارُ القُرْطم والزَغَلَنْت
تتدلى من عُراها أربطةُ العُلَّيق وأزرارُ
الرمان الساقطةُ من وردة الدم السنوي
ها هو يتجلى كائنًا نباتيًا مزدحمَ الأعضاء
بالطحلب والبشْنين ورغوة الخضرة والرائحة الميتة
والليل يسَّاقط من أطراف الأيدي
وبين الأصابع تتلاصق الأحجارُ بيوتًا مغلَّقة
                النوافذ ومجهولة الدهاليز
فهل أنتِ امرأةٌ لأن الملوك يزدحمون بين القميص
                     وبين تضاريس الجسد ؟
أم أن الملوكَ يحاصرونك لأنك امرأة؟
أم أنت امرأةٌ لأن نهديك وفخذيك مقاصيرُ
للشجرِ المكتوبِ على أَكُفِّ الليل والنهار وداواماتِ الريح ؟

كشف الليلُ عن ساقيك وانتصبَ عمود الصبح
بين نهديك أرضٌ ممدودةٌ ليومٍ موعود
وهذا قِرَانُ العناصر
تسَّاقطُ عنك دريئةُ الحطب والشجر اليابسِ
وتعلو شجرةُ الأفق
والنحل البريُّ يبني سداسياتِه في صحن السرّةِ الناضجة
فيسلكون حولكِ مسالك الريح صفًّا صفًّا كأن
على رؤوسهم الطير
ذلك أوانُ الفَرَح والموت
وأنتِ من كل شيء ينبوعٌ ينتفض بالحمَّى
وصرخةٌ تفرفرُ في دمها
تلك آيةٌ لمشيئةِ الغضب وقيامةِ الأرض السابعة
فانظري ..
       هاهي الشمسُ مقطوفةٌ من براعمها
نثرت من قطيفتها زغبًا فوق برج الولادة
تكتبين الألف خطوةً ساقطةً كالقذيفة
على لحم الورق المُسْتسلم
وتكتبين الياء سريرًا يترجرجُ على زئبق اللغة
تتعلَّمين الأرقام والحساب:
           هذا هو الواحدُ .. ملتفٌ بالفرادة ,
          منتشرٌ وكثير
ترسمين الأربعةَ بيتًا من طابقين مفتوحًا للرياح والمطر
تجمعين فتحبلُ الكائنات باحتفاليَّة الزواج
تطرحين فينسلخُ النهار من الليل وينفلقُ النَوى
        ويخرجُ الحيُّ من الميت
تقسمين فتمتلئ السلالُ سمكًا وأ رغفة
تقفين على عتبة الألوان وإغراءات المساحةِ
والأقلامُ شجرةٌ مقطوعةٌ من قوس قزح
يسكنها النومُ المجنونُ بالصور
وتعشِّشُ فيها طيورُ الحلم والرغبة
تتقدمين خطوةً إلى أبهاءِ الشكل وأروقةِ العبارة
فينقلبُ كلُّ شيء
ينقلبُ كلُّ شيء ..
                                                     1975

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق

إرسال تعليق