مِنْ أَجْلِكَ يَا حَبيبِي!
ﭼاك بريـﭭير
ترجمة: عاطف محمد عبد المجيد
من أجلك يا حبيبي
ذَهبْتُ إلى سُوقِ الْعصَافيرِ
واشْتريْتُ بَعْضَ الْعصَافيرِ
مِنْ أَجْلِكَ
يَا حَبيبي
ذَهبْتُ إلى سُوقِ الزّهورِ
واشْتريْتُ بَعْضَ الزّهورِ
مِنْ أَجْلِكَ
يَا حَبيبي
ذَهبْتُ إلى سُوقِ الْحديدِ
واشْتريْتُ بَعْضَ السَّلاسِلِ
سَلاسِلَ ثَقيلةٍ
مِنْ أَجْلِكَ
يَا حَبيبي
ثُمَّ ذَهبْتُ إلى سُوقِ
الرَّقيقِ
وبَحثْتُ عَنْكَ
لَكنِّي لَمْ أَجِدْكَ
يَا حَبيبي.
فنْجانُ الصَّباحِ
صَبَّ الْقَهْوةَ في الْفنْجانِ
صَبَّ الّلبنَ
في فنْجانِ الْقهْوةِ
وَضَعَ السُّكَّرَ
وَبِمِلْعقةٍ صَغيرةٍ
ذَوَّبَهُ
احْتَسَى قَهْوتَهُ بالَّلبنِ
ثُمَّ وَضَعَ الْفنْجانَ
مَرَّةً أُخْرى
دُونَ أَنْ يُحَدّثَني.
أَشْعلَ سِيجارةً
أَرْسلَ حَلقاتٍ مِن الدُّخَانِ
وَضَعَ الرَّمادَ
في الْمِنْفضَةِ
دُونَ أَنْ يُحدّثَني
دُونَ أَنْ يَنْظُرَ إِليَّ.
نَهَضَ واقِفًا
وَضَعَ قُبَّعتَهُ فوْقَ
رَأْسِهِ
ولأنَّها كانتْ تُمْطرُ
ارْتدى مِعْطفَ الْمطَرِ
ورَحَلَ
أَسْفلَ الْمطَرِ
دونَ أنْ يَقولَ كلمةً
واحدةً
دونَ أنْ يَنْظرَ إِليّ
أَمَّا أنَا فَوَضَعْتُ
رَأْسِي
فَوْقَ يَدِي
وَرُحْتُ أَبْكِي.
كَيْ تَرْسُمَ صُورةَ عُصْفورٍ
أَوَّلًا
اُرْسُمْ قَفَصًا
بِبَابٍ مَفْتوحٍ
ثُمَّ..
اُرْسُمْ شَيْئَاً رَائِعًا
شَيْئَاً بَسيطًا
شَيْئَاً جَميلاً
شَيْئَاً مُفيدًا
بِالنّسْبَةِ لِلْعُصْفورِ
ثُمَّ..
ضَعْ الَّلوْحَةَ مُقَابِلَ
شَجَرةٍ
فِي حَديقةٍ
فِي غَابةٍ
واخْتبئْ خَلْفَ الشَّجَرةِ
لا تَقُلْ شَيْئًا
ولا تَتَحرَّكْ..
أَحْيَانًا
قَدْ يَصلُ الْعُصْفورُ
مُسْرعًا
أَوْ رُبَّمَا
يَنْتظرُ لِسنواتٍ طَويلةٍ
دُونَ أَنْ يَضْعُفَ
انْتظرْ
حَتَّى يَدْخُلَ الْعُصْفورُ
فِي الْقَفَصِ
وَلَحْظةَ أَنْ يَدْخُلَ
أَغْلِقْ بِريشتِكَ الْبابَ
بِهدوءٍ
بَعْدَ ذَلكَ..
امْسحْ كُلَّ الْقُضْبانِ
وَاحدًا واحدًا
لَكنْ
احْذَرْ أَنْ تَلْمِسَ
وَاحدةً
مِنْ رِيشِ الْعُصْفورِ.
أَرْغنٌ صَغيرٌ مُتنقِّلٌ
أنا أَعْزفُ على الْبيانو
قالها أَحدُهمْ
أمَّا الآخرُ فقالَ
أنا أعْزفُ على الْكَمَنْجةِ
أنا أعْزفُ على الْقيثَارِ..على
الْبانـْﭽو
أنا أعْزفُ على الكَمَانِ
على زَمَّارةِ الْقرْبةِ..على
النَّاي
وأنا أعْزفُ على النَّعَّارةِ
كانوا جميعًا يتحدَّثونْ..يتحدَّثونْ
يتحدثونَ عَمَّا كانوا
يَعْزفونْ
ولمْ نَكنْ نَسْمعُ أيَّةَ
موسيقى
كانوا جميعًا يتحدثونْ
يتحدثونْ..يتحدثونْ
ولمْ يكنْ ثمَّةَ شَخْصٌ
يَعْزفُ
لكنَّ رَجُلًا كانَ صامتًا
في رُكْنٍ ما:
(على أَيِّ آلةٍ تَعْزفُ يا سيّدي الصَّامتَ
الذي لمْ يَقلْ شيئًا ؟)
سَألَهُ الموسيقييونْ
(أنا أعْزفُ على الأَرْغُنِ الصغيرِ المُتنقلِ
وأَطْعنُ بالسّكّينِ أيْضًا)
يَقولُها الرجلُ الذي لمْ
يقلْ شيئًا مُطْلقًا حتَّى الآنْ
ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ بالسكينِ
وقَتَلَ كلَّ الموسيقيينْ
وراحَ يَعْزفُ على الأرغنِ
كانتْ موسيقاهُ سليمةً
جِدًّا
حَيَّةً جدًّا..رائعةً
جدًّا
كَبِنْتِ صاحبِ المنزلِ
التي أَخْرجتْ البيانو
من أسفل
حيثما كانتْ تَرْقدُ يُغطّيها
السَّأَمُ
وقالتْ:
(كنْتُ ألْعبُ بالطَّوْقِ
برصاصةِ صَيْدٍ
كنتُ ألعبُ الحِجْلة
كنتُ ألعب بالدَّلْوِ
بالْمِجْرفةِ
كنتُ أُقلّدُ أبي..أُقلّدُ
أُمِّي
والقِطَّ الراقدَ دونَ
حِراكْ
كنتُ ألعبُ مع أخي الصغيرْ
مع أُخْتي الصغيرةْ
كنتُ أُقلّد الشُّرْطيَّ
واللِّصَّ
لكنَّ هذا انتهى ..انتهى
..انتهى
أريدُ أنْ أُقلّد السَّفَّاحْ
أنْ أعزفَ على الأرغن.)
فأمْسكَ الرجلُ بِيَدِ
الفتاةِ الصغيرةْ
واخْتفيا في المدنِ
في المنازلِ..في الحدائقِ
وقتَلا ما اسْتطاعا مِنْ
بشرٍ
بعْدَ ذلك تَزوَّجَا
وأَنْجبَا أطفالًا كثيرينْ
لكنْ
تَعلَّمَ الْبِكْرُ العزْفَ
على البيانو
الثاني على الكمنجة
الثالث على القيثار
الرابع على النعَّارة
الخامس على الكمان
ثم راحوا يتمارون بالحديث
كانوا يتحدثون..يتحدثون
يتحدثون ..يتحدثون..يتحدثون
ولمْ نَعُدْ نسمعُ أيَّةَ
موسيقى
إذْ لمْ يَعْتبروا ممَّا
كان في الماضي!
تِلْميذٌ كَسولٌ
بِإِشَارةٍ مِنْ رَأْسِهِ
يَقولُ:
لا
غَيْرَ أنَّهُ يَقولُ بِقلْبِهِ:
نَعَمْ
يَقولُ نَعَمْ لِمَنْ يُحبُّ
أمَّا لِلْمُدَرِّسِ فَيَقولُ:
لا
إِنَّهُ واقفٌ يُسْتَجْوَبُ
والأسْئلةُ كُلُّها جَادةٌ
فَجْأةً
يَنْتابَهُ ضَحِكٌ مُتواصِلٌ
ثُمَّ يَمْسحُ كُلَّ شَئٍ:
الأرْقامَ والْكلمَاتِ
الأسْمَاءَ والتّواريخَ
الْعباراتِ والْمكائِدَ
ورَغْمَ تَهْديداتِ الْمُعَلِّمِ
تَحْتَ سُخْريةِ أوْلادٍ
عبَاقرةٍ
يَرْسُمُ بِطبْشورٍ
مِنْ كُلِّ الألْوانِ
عَلى سُبُّورةٍ سَوْداءَ
مِن التَّعاسَةِ :
وَجْهَ السَّعادةْ.
أَطْفالٌ مُتَحابُونَ
الأطْفالُ الْمُتحابونَ
يَتعانقونَ واقفينَ
ضِدَّ أبْوابِ الليْلِ
والْعابرينَ
الذينَ يُشيرونَ إِليْهمْ
بالأصابعِ
لكنَّهمْ
لَيْسُوا هناكَ مِنْ أَجْلِ
أَحدٍ
ذا فَقَطْ ظِلُّهمْ
الذي يَرْتعشُ داخلَ الليْلِ
مُثيرًا غَيْظَ العابرينَ
غيْظهمْ ..
إزْدراءهمْ..
ضَحِكاتِهمْ
ورَغْبتَهمْ.
الأطْفالُ الْمُتحابونَ
ليْسوا هناكَ
مِنْ أجْلِ أَحدٍ
هُمْ في مَوْضعٍ آَخرَ
بَعيدونَ عَن الليْلِ
مُرْتفعون عَن النَّهارِ
فِي ظِلِّ ضَوْءٍ فاتنٍ
لِحُبِّهمُ الأَوَّلِ.
باربارا
تذكّري يا باربارا
أنَّها كانتْ في ذلك اليَوْمِ
تُمْطرُ دونما تَوقّفٍ
على (بريست)
وأَنَّكِ كنْتِ تسيرين
بابتسامةٍ
مُتفتحةً.. مُشْرقةً..بشوشةً
تحْتَ المَطر
***
تَذكّري يا باربارا
أنَّها كانتْ تُمْطرُ فوْق
(بريست)
دونَ توقفٍ
وأنّي الْتقيْتكِ في شارعِ
(دي سيام )
كنْتِ تبْتسمينَ
وأنا مُبْتسمٌ مِنْ تلْقاءِ
نفْسِي
***
تذكري يا باربارا
أنكِ أنْتِ التي لمْ أكنْ
أعْرفها
وأنكِ لمْ تكوني تعْرفينني
***
تذكري
تذكري رغم ذلكَ .. ذلك
اليومَ
ولا تنْسي رجلاً قد اختبأ
قريبًا
وصاح ناطقا باسمكِ:
باربارا
فركضْتِ نحْوه أسْفل المطرِ
بشوشةً .. فرِحةً .. طَلْقة
المُحيَّا
وارْتميْتِ بيْن ذراعيْهِ
تذكري هذا يا باربارا
أنا لا أحْقدُ عليْكِ
حينَ أُخاطبكِ بـ (أنْتِ)
فأنا أقولها لكلِّ الذينَ
أُحبّهم
حتَّى وإنْ لمْ أرَهمْ
سوى مرةٍ واحدةٍ
أقولها لكلِّ الذين أُحبّهمْ
حتَّى وإنْ لمْ أكُنْ أعْرفهمْ
تذكري يا باربارا
لا تَنْسي
أنَّ هذا المطرَ حكيمٌ
ومُبْتهجٌ
على وجْهكِ السعيدِ
على تلكَ المدينةِ السعيدةِ أيْضًا
على البحْرِ
على ترْسانةِ الأسْلحةِ
وعلى مرْكبِ (دي ويسان)
آهٍ يا باربارا
كمْ للحرْبِ مِنْ حماقةٍ
؟!
فماذا أصْبحتِ الآنَ
أسْفل ذاك المطرِ القاسي
المُلتهبِ دَمَاً وفولاذا
وذاك الذي كنْتِ بينَ ذراعيْهِ
في حنانٍ؟
تُرى هلْ ماتَ أمْ ما زالَ
حيًّا ؟
آهٍ يا باربارا
إنَّها تُمْطرُ فوْقَ
( بريست ) بلا انْقطاعٍ
كما كانتْ تُمْطرُ مِنْ
قبْلُ
لكنْ لمْ يَعُدْ لهذا مِنْ
مثيلٍ
وكلُّ شَئٍ قدْ تلَفْ
هو ذا مطرُ الحِدَادِ المُخيفُ
ليْسَ كعاصفةٍ مُشْتعلةً
دَمًا وفولاذًا
إنَّها سُحبٌ
تنْفجرُ كما الكلابُ التي
تخْتفي
على صفْحةِ الماءِ في
(بريست)
ثمَّ تتعفَّنُ بعيدًا
بعيدًا جدًّا عَنْ (بريست)
حيْثُ لا يَمْكثُ هنالكَ
أَحــــــدْ.
**يُعْتبرُ الشَّاعرُ الْفَرَنْسيّ
" ﭼاك بريـﭭير " مِنْ أَهَمِّ وأَكْبرِ الشُّعراءِ
الْفَرَنْسيينَ الذينَ ظَهَروا خِلال الْقرْنِ الْعشرين.. فعندما بدأ نشر قصائده في
المجلات الأدبية عام (1930) أَحْدثَتْ ثَوْرةً في الوسط الأدبي وقتها,وفيها كان يُمارسُ
كلَّ ألعاب اللغة.كان ﭼاك بريـﭭير قد وُلِدَ عام (1900),بينما فارق الحياة في عام
(1977).
وقد تَرَكَ وراءه عَدَداً كبيراً مِن
الدواوين الشِّعْريةِ منْها: أحاديث (1951) ـ أوبرا القمر(1953) ـ المطر والطقس الجميل(1955)
ـ صور(1957) ـ لون باريس (1961) ـ الكلاب عطشى (1964) ـ أشجار(1968)
ـ أشياء وأخرى (1972) ـ شمس الليل
(صدر بعد رحيله عام 1980).