على خطاي أسير
(مختارات من ديوان سأمضي إلى العدم)
موسى حوامدة
ذاهلٌ عني
ذاهلٌ
عني
عنْ مَطلعِ الشمسِ
وميعادِ الذنوبِ
ذاهلٌ عن صَفاءِ
الخَييبةِ
ورَصانةِ المَسافةِ
وحَريرِ الذِّكرياتِ
إن لم تَعضُدي روحي
بجُروحِها
وتَسكُبي ماءَكِ
المُستريبَ على وَحْشَتي.
ذاهلٌ عن مَعْنى
المَعَاني
وأنتِ تَرشُقينَ
هواجِسي بالخِذْلان
وهَشاشَتي بزَوَغان الكَلمات
وأعْذاريَ بالخَطيئة.
كلُّنا كُهوفٌ مَخبوءَةٌ
تعجزُ الأبوابُ عن سَرْدِ عَتمتها
قلبي لا تُقيةَ لَديهِ
ولا أشجارَ تَحميهِ من النُوْر
وعُذري لا تكافئُه النُدوب.
كم مرَّةً جرَحَني اللهُ
وسَكتُّ..
فلا حَرْفَ عندي يَخدِشُ النَبيل
كم نمتُ على خَطلِ اللِّسانِ
وغَدرِ النسيانِ
ولم تغفرْ ليَ الكُروم
لم تَحسَبْني السَّنواتُ من أيَّامِها
ولا الفصولُ من حِصةِ الأعيادِ فيها.
نَفَتْني الأَرْضُ كَما تُنفَى الخَطايا
ولمْ تُشوِّه جَبينيَ العُيوبُ
بقيتُ خارجَ العُزلَة
مَطْوياً
مَكْسوراً صَالحاً لهَزيمةٍ
طَريَّاً مُغْبَرّاً كما تَشاءُ الصحراءُ
مريضاً بألمِ الطينِ
وَوجعِ الجبالِ
مُعافى من تُرابِ الحِقد
وغُبن التَّضَاريس.
أصيرُ شيئاً لا مَلامحَ له
عبثاً يُطاردُ الوَهم
وَهْماً مَريضاً بَلا سَببٍ
سببٍ ناقصٍ من كَمالِ الطُفولَةِ
من صَولَجانِ الرُّعونة.
أَنْبِئيني أيُّتهَا الوِهَادُ عنْ حَالي في العَراءِ
وسَّحْنَّتي فوقَ لَعنةِ الجُنودِ
وخَوفي من دُنوِّ الفُرسان
أخْبِريني يا خائنةَ الأَرْضِ
أيُّ ريحٍ حَملتْ نَعْشي
يومَ سُقوطِ الشُّهب
أيُّ بَلاءٍ حَمَى جثُّتي
من رَصَاصِ الضَّغَينة.
عاقرٌ هيَّ الأرضُ
ومتِّسخٌ ثوبُ النَّوايا
فكوني غرابَ البّينِ
يَجلسُ مرتاحَ الضَّمير
بعدَ حَريقِ الغابة.
الخُبر
16/3/2014
سأمضي إلى العدم
سَأمْضي إلى العَدم
بخُطى مَلك
وأمضي إلى الخَلاص
على دربِ المَسيح
وإن كنتُ لا أثقُ بالنجومِ والأدْعِياء
.....
سأمضي إلى العدم...
فلستُ نادماً على شيء
ولست طامعاً في شيء
سرابٌ كلُّ الذي مرَّ بي
من تلالٍ وسهولٍ وبحارٍ
وأناسٍ سيئين أكثرَ من عَدوٍ مُتَربِصٍ بالهزيمة.
كلُّ الأصدقاءِ الذين صادقْتُهم أصْداء
كلُّ الذين أحبَبْتُهم أسْماء
أمَّا أنا ......
فعلى خُطايَّ أسير...
لا وطنَ لي
ولا شارعَ يَعرفُني
لا شاعرَ لي
كلُّ الشعراءِ الذين أحببتُهم لصوصُ أوراقٍ وكتب
كلُّ النبلاءِ الذين تبعتُهم أوْغاد
كلُّ الصعاليك الذين أحببتُ أسماءَهم جُبناء
كلُّ الناسِ أشباهُ أشْياء
حتى النساء اللواتي أحببتُهن
......
على خطاي أسير
حتى النساء اللواتي أحببتهن ..
...لا لن أقول
فأنا خلاصُ نفسي
ونبيُّ ذاتي
لستُ اليَسوع
لكن أبي عِقالٌ طائِشٌ
وأميّ بستانُ رجاء.
وعلى ذكرِ النُبوات أُفتي:
بأني أنا الشريرُ الذي أرسلَ
الطُغاةَ إلى ديار الأنبياء
فالأنبياءُ الذين ساروا على هَدْيي ليْسوا أنْبياء
والأنبياءُ الذي جاؤوا بعدي
تَعثَّروا في الحِقدِ
غَرِقوا في أوَّلِ البَحر
وظلَّلت وحدي أسيرُ على الماء
همْ فكرةٌ هنديةٌ
واللهُ حافظُها
وأنا رمُّان الزمانِ
وعَتمة الأشياء.
كلُّ ما على الأرضِ افْتراءٌ
"صخبٌ وعنفٌ"
وعواء
مسرحٌ مفضوحٌ
هدوءٌ يسبقُ الحقولَ
وثرثرةٌ تُصغي لتَفاهةِ المعنى
تقضمُ تفَّاحَ القَصائدِ
وشجرَ الهَوامشِ
في كتبِ الظَّلام
وتفسيرِ الضلال.
والآنَ يا صاحبي وحدَكَ تَرتَّقي شيئاً غامضاً
الآنَ قُلّ لي: ما أنتَ؟
....
لا لن أقول
فأنا سرُّ نفسي..
وعلى خُطاي أسير...
.....
على خُطاي أسير.
اسطنبول 29/1/2016
كما يَليق بصَديقين نَبيلين
هابَطاً من رَذاذِ السَّماوات
أعبرُ بَرْزخَ الروحِ
لا ألامسُ حَشَفَ الكونِ
لا أَقْبضُ شيئاً من حِكْمَةِ المُتَصوِّفِ العَجوز
ذاكَ الذي ذُبحَ بسَيْفِ كَلماتِه،
أدرْ وجهَك لي يا ربَّ السَّماواتِ
أدرْ فراغَكَ المُحيطَ
قلِّبْ وجهَ الأمرِ بينَ يديكَ
امْنَحْني فرصةَ المُعصيةِ
لا تَربطْ جُنونيَ بالخُرافات.
لم أمْسكْ يَديَّ آدم
ولمْ اغتَّصبْ ابْنيهِ تحتَ شَجَرِ الزَّقومِ
ما استُشِرتُ حينَ قُتلتُ
ولا أُعلمتُ حينَ انخلقتُ
ولا كانَ لي نُطقٌ بشكلِ النُطقِ عندي!
***
الطيورُ تطيرُ
الغيومُ تَمضي إلى حَتْفِها
الشمسُ تَسعى إلى بُرتِقالِها
كلُّ ما في الكونِ يَسيرُ على هَواه
إلا أنا تريدُني أن أتبعَ آثارَ أقدامٍ أُخْرَى
أبتعدَ عنْ ذاتي
أكرهَ رَغَباتي
وأُشْفِقَ على أعْدائي
أختمَ بالشَّمعِ على حِكَمِ سُليمان الجامِعة،
أعْبُرَ حقولاً ليستْ لي
وطريقاً لم أرَّهُ
أردِّدَ كلماتٍ لمْ تَقُلّهَا
وأَحْكُمَ على ضَميري بالفزع،
يا إله الأُوْلُمْبِ
لا أظنُّكَ مَقيتاً إلى دَرَجةِ المَسْخَرة
ولا أسْتَّسيغُ وَصْفَكَ بما لا تُحبّ.
دَعْني أراكَ بدونِ حَرَسٍ
أكتبُ أسْماءَكَ بلا قَتَلةٍ
أُصْغي إليكَ بلا كَلِمات
تُصْغي لي بلا شُروط
أحْمِلُكَ ناراً بلا صُلبانٍ أو شَمْعَدانات
أَغرُسُكَ سكيناً في جَسدي
تَمْنَحُني باباً من أبوابِكَ
سطراً من كتابِكَ
نوراً من عَتْمَتِكَ
وصَوْلَجاناً من أَسَاطيرِكَ.
لنكن واضِحَيْن بمَا يَليقُ بصَديقينِ نَبيلَيْن
كُنّ نَفسَكَ ودَعْني أكونُ ريحاً تُزَعْزِعُ أغْصانَ الشَّجَرِ
زَوْبَعَةً تَخْلَعُ الرداءةَ من الأرْضِ
كنْ كَبيرَ آلِهَتِكَ ورعاياكَ
ودَعْني أكونُ جَدْوَلاً
كنْ دائماً إنْ شئتَ فلستُ نَقيضَكَ
ليسَ لي زمنٌ في الزَّمن
أو حياةٌ في العَدَم.
أرى أنّكَ بالغتَ في صّدِّ هَواجِسي عن الظُهور
وبَيَادري عن الإصْفرار
أَرَى أنَّك مَدينٌ لي بمعرفتكَ
وأنا صاحبُ حَقِّ على بَلورِكَ الشَفَّاف
صاحبُ عينٍ تَخْترقُ مَنْثورَكَ السرّي
أُحطُّ إصْبعَ السَّماء في عينِ الفكرة
تَحطُّني في مَراكبِ النَّدم
تَطْلبُ مني العودةَ للأطلسِ القَديم
علمُ الجغرافيا تَبدَّلَ يا أَبي
صارت الأرْضُ محطةً للمَرْكباتِ المُحلِّقةِ في الفراغ
قرصاً ليِّنا لبيل غيتس
قبضةَ طينٍ في يد هولاكو.
(إيلي إيلي لاما شبقتني؟)
إلهي إلهي لِمَ خَدَعْتَني
أَبَتي يا أَبتي
لم، لماذا تَرَكْتَني
.......
وما ديانَةُ التَّرجِّي والهَوان هذه؟
إيلي يا إيلي
لا تُدْخلني من ثَقْبِ المَسَلَّةِ
لا تَقُلْ لي أَدِرْ خَدَّكَ الأَيْسَرَ
أو قدِّمْ خَدَماتِ النِّسْيَان
لا تَقُل لي: أَطِعْ أَوْلياءَ الأمْرِ
فليستْ لي شفاهٌ مِطْواعَةٌ
ولا تَقُل: غبارٌ كثيفٌ يَحْجِبُ الحَقَّ فاتَّبِعُوني
احمِّلوا صُلْبانَكُم وأنا خَلاصُكُم
صَلُّوا تَصِلُوا
ليسَ لي طَمَعٌ في جَنَّاتِكَ
أو حَنينٌ لتُراثِ الإسْفِنْجِ المَجْروح.
اسْمَعْني كَما أسْمَعُكَ
نادِني كَما تُحبّ
وأَناديكَ كما أَرْغَبُ
حَكِّمْ ريحَكَ في أَثَّرَي
لستُ عاقاً ولا يُعْجِبُني إبْليْس
لكنَّ عَقْلي لا يَقْبَلُ التَعْديْن
امْنَحْني النورَ والعَتْمَةَ
الحكمةَ والزَّلَلَ
حُزْمَةَ الشَياطين
شكَّ البَراكيْن
طَمَأْنينَّةَ الطين
امْنَّحني الإيمانَ والأَمَانَ
الكفرَ والعصيان
لأكسِرَ عَتمَة العُقولِ
وأجْثو بيْنَ يَديكَ بلا ذُنوب.
عمان 2004م
لستُ خائِفَاً على شَيّء
كنتُ هَشَّاً وضَعيفاً
كنْتُ طَريِّاً ولَيِّناً
وانْحَنيْتُ
حتّى صارَ وَجْهُ الأَرْضِ وَجْهي
وصَارَتْ الأُمنِياتُ بَعيْدةً
والديارُ لمْ تَعُدْ
تَغَازلْني
لا ولا تلكَ النارُ
تَضحَكُ في أَتوْني
...وأفقتُ
لم أعدْ خائفاً
على شَيء
كُرومي ليست من عنب
والأغاني تَلاشتْ في رَغْوَةِ الهَذَيان.
لم أعَدْ خَائِفاً
منْ شَيء
حتى السنواتُ رَجَفَتْ
عَلى بَابي
وتخلَّتْ عن حِكْمَتي
صرتُ حُراً
وخَطْوَتي شاسِعَة.
21/8/2015
عمان