ضوءٌ ما يحرِّضهُ على الطيران
مختارات من ديوان " وردة القيظ "
فريد أبو سعدة
بورتريه للآنسة
امرأةٌ
فى هيئتها الأولى
لم تأخذْ بعد الحنكةَ من رفِّ الذاكرةِ
ولا
نقرتْها الوسوسةُ الهاجسةُ
ولم
تقترفِ النظرةَ فى بئرِ أنوثتِها
أو
تتملَّى
تتواثبُ فيها الكيمياءُ
تغيِّرُ من شكلِ القارورةِ،
تصهلُ أفراسُ التدويرِ
وأفراسُ التكويرِ
فينحلُّ ويلتمُّ
ويطفرُ مثل عجينٍ
يتخمَّرُ فى بطءٍ ويحولُ
يحولُ
إلى أن يأخذَ شكلا .
تأخذُها الرجفةُ حين ترى فى الخلوةِ
قدَّامَ المرآةِ
أفاعيلَ الربِّ السريَّةِ :
كيف يكورُ نهدينِ صغيرينِ
ويلمسُ بعصاهُ زواياها
فيدوِّرُها
ويرشُّ الزغبَ الهشَّ على سطحِ أنوثتِها
ثم يحكِّكُها ،
يجلوها
حتى تتجلَّى
امرأةٌ
فى هيئتها الأولى
تتوقَّى سناراتِ الأعينِ
حين تمرُّ أمام المقهى
تضغطُ كراسَ الرسمِ على النهدينِ
وترخى العينينِ
وتمضى
غاضبةً
جزلي!
لا تدري
- تحت الماءِ –
لماذا ينفرُ هذا الجسدُ العريانُ
وماذا تفعلُ
حين يدغدغُ رشاشُ الماءِ
قرنفلةَ النهدينْ
أو
ماذا تفعلُ إذْ ينفتحُ البئرُ
أتسقطُ
أم تتدلَّى
امرأةٌ أحلىَ
تتفتَّحُ فى العينين حدائقُ من عسلٍ
وتشبُّ نمورٌ هانئة ٌ
تتمرَّغُ فى الضوءِ
وتنظرُ للأشياءِ
بعينٍ كسلى
امرأةٌ
فى هيئتِها الأولى
إن مالتْ للعالم مِلتُ
وإن أغْضتْ
أغْضيتُ
ولا أدري
هل كانتْ تخرجُ منِّى
أم
حتى تخرجَ كنتُ ،
امرأةٌ
راغبةٌ فى العشقِ
إذا همَّ العشاقُ بها
فرَّتْ
وَجْلَى !!
نهود
النسرُ يبدأ في التململ ِ،
كان ضوءٌ ما يحرِّضهُ على الطيران ِ
يقتلني الفضولُ
لأن صوتهما خفيضٌ
( كنتُ أعرفُ أنها تشكو لأمي
زوجها الشامىّ)
**
هل يتسمّعُ السردينُ تحت الملح ِ .. !
كان الوقتُ عصراً
ربما
والشمسُ تملأ ُحجرَها بالمشمشِ المغسولِ
يقتلُني الفضولُ
خرجتُ
**
حين رجعتُ
كانا يهمسانْ
ووجدتها ترتجُّ كالعصفورِ
ثم وجدتُ مخروطينِ من ورقٍ مقوّى
حاولَتْ اخفاءَ ما تفعلُ
لكني فهمت !
**
في المرّةِ الأخرى
أتتْ ، فجريتُ
(كنتُ صنعتُ مخروطينِ
ثم رسمت فوقهما زهوراً تشبهُ النارنجَ)
قلتُ : تفضّلي
فتأملتني برهة ً
(حتى رأيت بعينها النارنج مشتعلاً)
: جميلْ
ثم ضمّتني فقلتُ
: رسمت نسراً
لونه ذهبٌ
على أرضية زرقاء شوفي
وسّعتْ عينينِ غامضتينِ
ثم فتحتُ كرّاسي فطار !
البونسيانا
هذا الصباحُ يليقُ بالموتى
هى امرأةٌ
(على كرسيها المتحركِ ) انتبهتْ
لضوءٍ رائقٍ يأتي من الشباكِ،
فوق الركبتينِ
تمدّدتْ سجادةٌ
هل مرَّ إصبعُها فأيقظَ في الصباحِ
قطيفةً من نومِها
هل كان وجهٌ غارقٌ
تلهو عليهِ النمنماتُ
يشدُّ إصبعّها إليهِ لعلهُ يطفو
هي امرأةٌ
كأن الضوءَ مبهورٌ بعينيها
ومبهورٌ
بشكل يدينِ نائمتينِ
هاهى تدفعُ الكرسىَّ فى ضعفٍ إلى الشباكِ
يتسعُ المدى
والبونسيانا
تمنحُ العصفورَ وقتًا كافيًا للبوحِ
وقتاً
كافياً لتحطَّ أغنيةٌ على الشباكِ
سحرٌ ما
أعادَ إلى المدى سورًا من الآجرِ،
مصطبةً
وأهلاً
آهِ ياندَّاهة الوقتِ الجميلْ
الليلُ كالحجرِ الكريمْ
والبونسيانا
ترقبُ الفهدَ الذي
ألقى غزالتَهُ على عشبٍ
ويرشقُ وردةً حمراءَ في جسدٍ
فتمرحُ فيهما الحمى .
نجومٌ
كان يدفعُها الفضولُ
تخبَّأتْ في البونسيانا ،
صبيةٌ في الحقلِ
يختبئون تحت لهاثِهمْ
هل هرَّبتْ ، سرّاً ، زغاريدُ الصبايا
شهقةَ امرأةٍ
وهل فضَّ النعاسُ الختمَ عن نخلٍ
له شكلُ الذكورِ
الآن يندلعُ الجنونُ
يهجُّ من فمها الفراشُ
سحابةً خضراءَ ضاويةً
كحبِّ الكهرمانْ
تتغامزُ النجماتُ
ثم يرحن قبل تساقطِ الجسدينِ فى حقلِ الضبابْ
البونسيانا
فى بخارِ الفجرِ
تنفضُ شعرَها المبتل كامرأةٍ
فيسقطُ زهرُها هشاً
على جسدينْ
طفلٌ يسيلُ مخاطهُ الشفَّافُ
يسندُ ظهرَهُ للسورِ
يلحظُ أن جدتهُ ترامقهُ
فيضحكُ
وهي لا تضحكْ
فرحٌ
يكبُّ الشمسَ بالمرآةِ
فى عينين ذاهلتينِ
يضحكُ
وهي لا تضحكْ
تأتي من اليومىِّ سيدةٌ
وتمسحُ كفَّها
فى ذيلِ جلبابِ المهامِ المنزليةِ
ثم تمضي
حيث كانتْ وحدها،
(تطفو على نهرٍ خجولٍ
ربما يستأذن الأشجارَ كى يمضي
ويبدهُ طائرًا فى الغيمِ معتذرًا
عن الصوتِ المبلّلِ بالأسى)
- هل أغلقُ الشباكَ
-كلا
اتركينى ساعةً أخرى أمام البونسيانا
-البونسيانا ؟!
لا شىء يا أمىِّ سوى ولدى
وسورٍ فوقهُ سجّادةَ الجيرانِ
هيّا
فالسماءُ مليئةٌ .
فرَّتْ على الخدِّ المموّجِ دمعتانْ
وتحرّكَ الكرسىُّ
فانكمشَ المدى !
الطائر
أيها الطائرُ
أنتَ أسيرُ ذاكرتي
ربما رأتكَ الغزالةُ غيمة ً
ورأتكَ السمواتُ
حجرا ً كريماً
أيها الطائرُ المسكين
أنتَ وهْمي
وأنا وهْمُكَ أيضاً
ترى
كيف ترانا الشجرهْ
الخشب
كان غاضباً
من الذين أفسدوا علاقته بالمطرْ
مستاءً
من اليدِ التي جعلته سريراً
إذا كان لابد من مغادرةِ الخضرةِ
فليكن نافذةً
لعله يستطيع مواصلة إغواءِ العصافيرْ
أو
يستقبلَ الشمسَ
مستعرضاً بدنه الملىءَ بالمساميرْ !
الآخر
كانت تخلعُ في بطءٍ
حمّالة ثدييها .
تلمعُ في زغب الضوء ِ
وترمي عينيها كالخطافِ
علىَّ
فتأخذني الرجفةُ
**
كل مساءْ
حين تقودُ السكانَ كوابيسُ النومِ المألوفةِ
وترصِّصهم
في الأقبيةِ المظلمةِ كأسماكٍ دون رؤوس ٍ
ينتظرون الصحو أو الموتْ
**
كل مساءْ
تقفُ المرأةُ في الشباكِ ،
قبالة شهوتي النافرةِ
كرأسِ حصانٍ
تبدأ في ترتيب طقوسٍ غامضةٍ
**
بينى والمرأة عشرون سنهْ
وثلاثة أمتار ٍ من ليل ٍ
**
حين تقابلنا بالصدفة ِ
كانت لاتعرفني
كنا غرباء تماماً !!
**
في الليل ْ
بدأتْ طقسَ العرى
صرختُ كفى
وبكيتْ
تعليقات
إرسال تعليق