السَّاحر خلعَ قُبَّعته / مختارات من أواخر أشعار فتحي عبد الله

 

السَّاحر خلعَ قُبَّعته

مختارات من أواخر أشعار فتحي عبد الله

 


 

 عطر بعيد
 

 
يأتي حصادون وبائعو غلال إلى قمح أبي
ويضعون المذراة على رأس الحقل
وينادون بأصوات مكسورة
أين الفراشة التي اصطادها الغلام
في الصباح
وتأخذها إلى صومعة قريبة
دون أن يذكر لأمه أن القمرعلي كتفها
مازال هلالًا
ومازال صوتها جيتارًا تنهبه الريح
وهو يركض في أحراش تملؤها المياه
حتى عثر على أساورها المفقودة
فرفعها إلى أعلي
ورقص على طبول تأتي من الادغال
وبينما يخلع قميصه الأخضر
وجدها علي التابوت
تغني للملاك الذي أخذ حذاءها
في المرة الأولي
ولم يترك لها إشارة واضحة على نومه
وحيدًا
فأغلقت الباب على سريرها العالي
وقالت ربما قتلوه بين أعواد الذرة
أو ذهب بمفرده إلى حانة بالمدينة
ونسي أن يعلق قبعته على النافذة
وأنا في انتظاره على المقهي
أشم عطره من بعيد
ويده في سؤالي الواسع
متى يحمل أعواده ويأتي إلى النيران
العازفون يدخلون حجرتي واحدًا بعد آخر
ويخرجون بالملابس التي هجرتها
منذ عام
والإيقاع على حاله
وأنا نائمة في الحوض الأبيض
ابكي على أزهاري التي أضعتها في الصيف
وعندما أـفتح النافذة على طائر مذبوح
أرى حبيبي بقبعة من قش
يملأ جيوبه بالورود
ويعزف بأصابع على الحشائش
وينحني لمن يسمعونه في الهواء
ألقي له محرمة من الصوف
وأكشف صدري
فيضحك وحده على الطيور التي
لا أراها
ويصعد درجة ويهبط أخري
حتى أدركه على السلم
وانام

 



 

 ذئب الثلوج
 

 

يالها من قبعات أحرسها في الليل
ولا ألبسها إلا قليلا
فقد تعثرت مرارا أمام الخيمة الأولى
وذهب مائي
فلا سرير يسمع رنين خلخالها
في الصعود أو الهبوط
تحب النوم في السهول دون غطاء
وتتقلب بين أعواد القصب
أين ذئب الثلوج الذي يلفه الضباب
عندما يأخذ يدي إلى رأسه المرفوع
ويذهب إلى أحراشي في حرارة عالية
فلا أرى حقولًا أو اشجارًا
أرى قمرًا على سفينة المهاجرين السود 

أنادي على ذراعه الذي حملني في الليلة
الأولي
وقطع الحشائش وحده كي انام
فيضحك كأنه هبط من شاحنة كبيرة
عليه غبار ثقيل
فيقبض مرة على لحيته الطويلة
ومرة على أصابعي
ويتركني بين ساقيه دون أن تطرف
له عين
فإذا أتى هواء من الحيوانات التي تمر
بجوارنا
رفعني على ركبتيه في وحشة
ووضع عقودًا من الأزهار على عنقي
وتمتم كأنه ذاهب إلى الصلاة
وكسر الخاتم دون أن أنتبه
مما جعلني عروسة قطن في ملهاة طويلة
لا أعرف لها نهاية
ولا اعرف من يتابعني بين الحجرات
فقد وجدته نائما في فراشي
وفي ملابس زوجي
وقد أراه يقص أشجار الحديقة
ويحمل حقيبتي في الليل
ونذهب معا إلى حفلةالجاز
ويتركني أمام البيت
دون إنذار
فقد سمع بكاء ابنه الملاكم

 

 

 

ياتى لها الطير أسود
 
 
 
أقف على بابها كل ليلة
والأزهار قريبة
من يدى
وأسمع جيتارًا
يعزف الهيبيون عليه
وقد أخذوا ملابسها
.وأعطونى قبعة
كى أزور الحانة
وأحدث الأشباح عن
أناملها الصغيرة
تزور فى الصباح رأسه
المقطوع
وتبكى حامل الأختام
الذى نقل الجثة
إلى القرن الثالث عشر
وتعطى له النذور
فى المقهى
وتهرب فى زحام الناس
إلى أن تسمع هبوط الملاك
فى الليلة الأولى
يأخذ أصدقاءه واحدًا
واحدًا
فتخلع صندلها
وتطلب الحشائش
ياتى لها الطير أسود
لاترفع ذراعها
تعرف أنه يزور الحقول
أو يخرج عاريا
فى البرارى
وفراشات من حوله
يمسك لحيته وينادى فى
الأبراج العليا
أم حبيبتى عطر
ولها اكثر من كوفية
ولاتمنع يدى من الزيارة
وتحب الخشخاش فى
الجلسات الطويلة
ولا ترى ذراعى الا على
ظهرها
وتضحك من رعشات
الاصابع
وتغمض عينيها على
التوت الابيض
الذى ذهب وحده الى
الحشائش النائمة
 

 

 

للجبل رعاة لا ينامون 
 
 
 
1
 
 شمعة لروحهما
 
 
في رحلتها إلى الجبل لم تحمل طائرًا
ولا وضعت حقيبتها على الأرض
وتركت أصابعها في الهواء
وأنا في أمطار غزيرة ومعطفي ثقيل
اردد في سري
يا لها من ملاك اخذني من الطوفان
بعد أن فقدت ذراعي
وأبي
وسرق إخوتي عقود امي
وتركوني في أحراش مليئة بالذئاب
أسمع رنين خلخالها في الليل
واتبع عطرها من حانة لأخرى
فإذا جاء المجنون إلى بابي
ودق على طبلته
أعرف أن حبيبتي في صحراء
وحولها رعاة يشعلون النيران في
ملابسها التي تحملها
فأرفع ذراعي لغيمة قريبة
وأهرب إلى كهف بعيد
قد تكون مقيدة اليدين
أو لمسها الحواة في طوافهم الأخير
وتحتاج إلى أقدامي التي أكلتها الريح
فأصرخ في براري الله
أن يأتي لها المملوك الذي تحبسه
في صندوق أسود
وتعطي له كوفية من القطن
كي يزور حبيبها
ويضع أمامه الخاتم
فيخرج مجندون من الصحائف الأولي
يدورون على الكباش والتماثيل
ويحرقون البخور على رأسه
فإذا رأي قمرًا نصفه مظلم
يدرك أنهم خطفوا حبيبته في الليل
ولا بد أن يزور الضريح
ويوقد شمعة لروحهما كي تعود
في الصباح
على محفة من خيوط الكتان
فقد رأي (ابن عربي) إليتها على صدري
وأنا أقرأ فصوصه على شمعة ضعيفة
أدعو أن تقوم على أول الجبل
فالرحلة في أولها
ولا ذراع لي
وأبكي على صدرها في الصباح
وآخذها إلى غرفتي كي أنام على أنفاسها
وأنا في رعشة وراء اخري
حتى نصبح شجرة
 
 
 2
 
نسمع في أول الجبل طبولا وحشية
وندفن اعضاءنا في الرمال
وتقبض على رأسي بيديها الصغيرتين
وتغني بصوتها الذي يخطف الطير
فأرى أعناقًا مقطوعة
وريشًا على رأس أسد
وأبي يمضي وحده في الظلام
يتبعه لصوص إلى مخازن الغلال
فاصرخ على حارس الحقول الذي ترك
صندوقه أمام المنزل
حبيبتي تخرج عارية لقمر لا تراه
وتضع قميصي الممزق على رأسها
ولها جنود من البيض والسود
يحرسون ظهرها إذا نزل المطر
وأنا ألقى بكوفيتي على أقدامها
وآخذها إلى سفينة تمشي في الرمال
يدي على مفتاحها الاول
وأضحك من صدرها المملوء بالرغوة البيضاء
فإذا جاء المملوك وحملها إلى اعلي
وأعطاني قبعة واغصانًا طويلة
وأشار إلى غمامة ربما تهبط في سهل
بعيد
هناك رؤوس مقطوعة
واكياس بيضاء
وثعالب
وأدلاء ينامون على ظهورهم في الصباح
ويبكون في كل لحظةعلي من يخسرون
أرواحهم في أول الرحلة
فاقبض على ذراعها
والذئب أمامي وخلفي
واصرخ على أشباح تدور وحدها
على الأطراف
لقد أغلقوا الصندوق يا ملاكي
ولا هواء لنا ولا ممرات
فهل يأتي المقتولون بضجيجهم
إلى الموكب
ويوزعون علينا طوابع البريد
والتمر الذي احتفظوا به من الرحلة
السابقة
أم يملؤن السفينة بالأصابع المقطوعة
 
 
 
 3
 
أتى حامل الصحائف ببخوره النفاذ
وحبيبتي بين طيور سوداء
تنقر أعضاءها في لذة واضحة
وأنا بين وحوش لا أسمع إلا أنفاسي
وأحاول أن أهرب إلى أثر بعيد
أو أشير إلى حبيبتي
أن تغطي وجهها من النيران
فقد أتى الملثمون بالأناشيد العالية
ويملؤون الجبل باللوز والمشمش
وقريبا يفتحون المزاد على آخره
فمن يقرأ المخطوط على جاره
في الليل
و يسمع طبلة المجنون
يخرج وحده على الطريق
ويأكل حبات العنب المتروكة
وأنا أملأ صندوقي من رمل لا يسمع
وأوانٍ مثقوبة
وأنام على ظهري بعد هروب الشمس
وملاكي مصلوب بين الأشجار
لا ورد لديه ولا حنّاء
ويريد الماء من العين الكبري
ورعاة الماعز يقتربون من القمر
المشقوق
من يصرف عني عتالين قساة
وجراحين يحبون الأطراف المنزوعة
واللاؤلؤ بين العينين
وأنا مخطوف من سارية تمشي
في وديان لا أحد عليها
ولا أجد سريرك إلا والنور يطوف
عليه
ليل نهار
 
 
 4
 
الساحر خلع قبعته وأخرج صقرين
أمام الخيمة التي ننام بها
وقال : لا يخرج من هنا ملاكم
أو لاعب بالطيور
فقبضت حبيبتي على عود القصب
وقالت : لا يمكن أن نترك الحزام على حاله
أريد أن أزور الضحية
والرمال تغلق النافذة
وهلالي تملؤه الرغوة البيضاء
فأين المحفظة التي ورثها المقتول
في أول الجبل
هناك غمامة سوداء علي الطرف البعيد
فنادِ على الحطّاب أن يجمع الأصابع
المقطوعة
والرؤوس التي أكلها الذئب
ويطوي الصحائف دون أن يهرب
الميتون منها
فأنا لا أترك ظهري لغلام
لا يعرف النقوش
وإنما ذراعي لتاجر الماعز
الذي أكل من طعامي
ووضع خاتمه على عصاة غليظة
وحملني في الطوفان
وأنا اضحك من طيوره الخضراء
التي تحط على كتفي
وتذهب إلى الخيمة وحيدة
 
 
 
 5
 
صعدنا على أطرافنا في الليل والنهار
ونمنا في الهواء
أخاف على صدرها من عواء الذئب
واضع يدي على الخوذة المقلوبة
وتضحك من أصابعي في الطعام
وترفع أكمامها لأعلي
لم أذهب لسيدي في المغارة
ولا أحب الأحراش بذبابها الأبيض
وأهرب إلى جبل عليه راية حمراء
يجتمع الملثمون على طبق من فضة
وينثرون النقود على الرمل
وأشهق عاليا مع الموزة الأولي
واضع كوفيتي بين الساقين
يؤلمني هلالي هذه المرة
فقد أهملته كثيرا
وأريد أن أدخل أصابعي في الرمل
واقضم الحشائش المبلولة
وافرح بالرغوة البيضاء على ظهري
واخلع سروالي أمام الشمس في نشوة
فإذا جاء الطوفان ولم أدرك السفينة
أنام على ذراعيك في خوف
وتأخذني إلى شجرة لاتأتي الطيور لها
وتسمع الصدقات بين حين وآخر
وننزع حمالة النهدين
ونذهب إلى فراش من الرمل
حتى الصباح
 
 
تعليقات