جرافيتي العائلة
هشام الصباحي
رَائِحَةُ دُخانٍ تُزهرُ مِنْ جَسدِ الْمَيْتِ
تَصلُ إِلَى السَّمَاءِ سَرِيعًا
تُوقِظُ موتى نَائِمِينَ مُنْذُ قُرُونِ
أُنْثَى لَمْ يَبْقَ لَهَا مِنْ أَحدٍ
سوى أثَرِ الدَّمِ عَلَى جَسَدِهَا
تُنَادَى عَلَى عَائِلَتِهَا بالغناءِ
أَغلقتُ نَافِذَةَ الْغُرْفَةِ الْمُطِلَّةِ عَلَى الْخَرَابِ الْخَارِجِيِّ
لَا أَرِيدُ الْمَزِيدَ مِنْ أَفْكَارِ الْقِتْلِ الْمُنْتَشِرَةِ فى الشّوارعِ
لَنْ أَفْتَحَ بَابَ الْبَيْتِ لِلزّائِرِينَ الْيَوْمَ
أَدخلُ أَنَا وَالْعَائِلَةُ فى مَوْتٍ مؤقتٍ
نَنْتَظِرُ مَلاَئِكَةَ الْحسابِ
نُجْرَبُ مَعَا عَدَالَةَ سَمَاوِيَّةً مُتَخَيَّلَةً
لَدَى الْكَثِيرَ مِنَ الْحِكَايَاتِ
أُرِيدُ أَن أسَلِّمَهَا إِلَى اللهِ
رُبَّما أَدْعُو طفلتى لِنَسْجُلَ مَعَا تَارِيخَ الْعَائِلَةِ
بجرافيتى عَلَى حوائط الْبَيْتِ
بَعيدًا عَنْ شَرْطَةِ النّظامِ الْحاكِمِ
التى تَكَرهُ الثَّوَرَةَ وَالرَّسْمَ
أُدَوِّنُ ما تقوله الأجساد الْحَيَّةُ وَالْمَيْتَةُ
أَمْنَعُ زوجتى مِن دُخُولِ الْمَطْبَخِ
فَالْمَوْتى لا يحتاجون إِلَى طعامٍ
سَيَّاراتٌ تَهْرَبُ مِنْ زِحامِ الطُّرُقِ
تسيرُ دَاخِلَ أمعائى
أَشربُ الشَّاي الْأَخْضَرَ دُونَ سُكَّرٍ
أحبُ الْوَطَنَ بَلَا سَبَبٍ
أغفرُ خياناته الْمُتَكَرِّرَةِ
جَلاَلُ الدِّينِ الرُّومِيِّ ينشدُ رُبَاعِيَّاتهِ مِنْ فَوْقِ مئذنةٍ
وبن لادن يَخْطَبُ فى الْجَمِيعِ
وَالْجُنُودُ يَحْرِسُونَ أَوْهَامَ الدِّيكْتاتُورِ الْجَدِيدِ
انتحاريون جددٌ يعزفونَ مُوسِيقَى الْوداعِ
أَجْسَادَهُمْ مُعَلِّقَةٌ عَلَى حوائط الشّوارعِ
كآلاتٍ موسيقيةٍ قديمة
فى اِنْتِظارِ جَنَازَةٍ عَسْكَرِيَّة
يُعزفُ فيها السّلامُ الْوَطَنِيُّ لِلْمَوْتِ
تَحْتَضِنُ الْأرْضَ بِرحمةٍ
كُلُّ دَمْعَةٍ سَقَطتْ
بَعيدًا عَنْ أَقدامِ الْعَابِرِينَ
أُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِظَ فى بِلادٍ غَرِيبَةٍ
أَكْثَرُ أمْنًا ، بِهَا هَوَاءٌ طَازَجٌ
وَعددٌ قَلِيلٌ منَ الْموتى فى الْيَوْم الْوَاحِدِ
شوارع خَالِيَّةٌ ، سِوَى مِنْ هَوَاءٍ خفيفٍ
ليلٌ ميتٌ ، يبحثُ عن قبرٍ
أَصْوَاتُ تَنَادِي عَلَى بِلادِ شِرِّيرَةٍ وآثمة
أَضْغاثُ أحْلاَمٍ تَحْرثُ فى اللَّيْلِ أَرضًا لَمْ تُزْرَعْ مُنْذُ اِنْفِصالِهَا عَنْ جَسَدِ أَبِيهَا
بيوتٌ تَتَذَمَّرُ مِن طَبِيعَتِهَا
التى تَمْنَعَهَا مَنِ الْهجرةِ
مِنْ هَذه الْبَلَدِ
تُكَرِّرُ مرارًا أَنَّهَا مُجَرَّدُ حِجارَةٍ
لَيْسَ لَهَا ذَنْبٌ
فى هَذَا الصِّراعَ السياسى
تَتَكَوَّنُ أُلْفَةٌ شَاذَّةٌ
بَيْنَ الدِّيكْتاتُورِ وَأَنْصَارِهِ وَضَحَايَاهِ
كَانَ القَتْلُ يسيرُ
بِإيقَاعٍ مُنَظّمٍ وَمُرَتِّبٍ وَنَظِيفٍ
أصطادُ النُّجُومَ التى تُتَابِعُ مَوْتَنَا كُلَّ لَيْلَةٍ
أَشُرِبَ عَدَدًا لا نهائياً مَنِ المياة الْغَازِيَةِ
أَضَعُ لِلُوِّطْنَ لَوْحَةً عَلَى حائِطِ غُرْفَةِ الْاِسْتِقْبالِ
يراها الضُّيُوفُ كُلَّمَا أَتَوا
تَعْبِيرَا عَنْ أقْصَى دَرَجَاتِ الْحَبِّ
معاركُ وَهْمِيَّةٌ تدورُ حَوْلَي، أَتَخَلَّصُ جَسَدِيًّا مِنْ كافّةِ الْمُحِيطِينَ، أُغَنّي بِصَوْتِ قَبِيحِ عِنْدَ سُقُوطِ كُلّ قتيلٍ
أُغْنِيَّةً جَدِيدَةً مَنْ تَأْلِيفِ حَيَوَانَاتٍ
كَانَ الْجِنِرالُ يُزَيِّفُ مَعَ أَنْصَارِهِ الْحاضِرَ وَالْمُسْتَقْبِلَ ، يُطْلِقُونَ الرَّصاصَ معًا عَلَى الْمَاضِي وَالتَّارِيخِ .
الْقَتْلُ بَاسِمُ الْوَطَنِ أَصْبَحَ مُبَاحًا شَرَعَا و الْقِتْلُ بَاسِمُ الدِّينِ مُجْرِمٌ بِقَانُونِ مُعَطَّلِ عَمِدًا
وَنَحْنُ قِتْلُي الإثنين
نُدفنُ فى قُبُورٍ مُتَجَاوِرَةٍ
حَدائِقُ تَزْهَرُ موتى جدداً
أَعْشَابُ تُغْطَى الجروحَ
مُوسِيقَى تَنْبَحُ
آلاتٌ مُوسِيقِيَّةُ جَدِيدَةُ
تَصْعَدُ إِلَى مَسْرحِ جَديدِ
إِضاءةٌ جَدِيدَةٌ تُشْعِلُ الْخَيَالَ
عَازِفُونَ جددٌ بِأَصابِعَ وَأفْواهٍ لَمْ تُسْتَخْدِمْ مَنْ قَبْلَ
تُطْلِقُ مُوسِيقَى قَدِيمَةً
أَجَلَسَ وَسَطَ جمهورٍ يُصَفّقُ بِشَكْلِ مَحْمُومِ دَالٍ عَلَى أَنَّ اللَّحْنَ جَدِيدٌ
وأنّ وطنًا قديمًا يُولدُ لِلْمَرَّةِ الْأوْلَى
نورٌ جارحٌ ، ظلامٌ نائمٌ
أَوَجَاعٌ كَثِيرَةٌ تنبتُ فى جَسِّدِي أَثْناءَ النُّوَمِ
بكاءٌ يرسم على الحوائط خريطة للبلاد الميتة
أَتَأَكَّدُ أَنَّي عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ
بِالْمَزِيدِ مِنَ الْإِحْبَاطِ
لَمْ أَعدْ قَادِرًا عَلَى تَحَمُّلِ مَزِيدٍ منْ أَعْبَاءٍ
تُلقيها الْأحْلاَمُ فى نومى وَتَهَربُ
قَالَتْ الرَّصَّاصَةُ لِلْجَسَدِ قَبْلَ أَنْ تَسْتَقِرَّ بِدَاخِلِهِ
لِهَذَا خُلقنا نَحْنُ الاثنان
أَنامُ أَنَا فى جَسَدِك
تَنَامُ أنت فى حُضنِ اللهِ
كَانَتْ الْقُبُورُ تَبْدُو واضحةً
كَبُيُوتٍ صَغِيرَةٍ
لِجِيرَانٍ جددٍ غَيْرَ مُزْعِجِينَ
مَاءٌ مُلَوَّثٌ بِالكَرَاهِيَةِ
يَخْلقُ أجسادا تُعَرْقِلُ الأَشْجَارَ عَنِ الطَّيَرَانِ
تُزَيِّفُ الْمَشَاعرَ لِنَسْقط ُ كَموتى فى الْعَرَاءِ
لن يذكرهم التَّارِيخُ
اشتعلتْ المَعَارِكُ الوَهْمِيَّةُ
بَيْنَ الْحَيَوَانَاتِ وَالْفَرَاغِ
ظلت الْمُؤَامَرَاتُ الْمُزَيَّفَةُ تُذَاعُ كَأغَانٍ شَعْبِيَّةٍ رَدِيئةٍ
والخُرَافَاتُ تُطْلَقُ بِكَثَافَةٍ كإعْلاَنَاتٍ مَدْفُوعَةِ الْأَجْرِ
ديسمبر ٢٠١٤