أفرك عينيّ بغُنْج سلطانة
مختارات
مريم كساب
اغتراب
أعرفُ أن العاديينَ لا يُناسبون النارَ بدَمي
حين أُخالِطُهُم
أتألمُ، أتمزّقُ ، أُستَلَب
أختنِقُ، أنتحِبُ، أموت !
تنبعثُ من ملابسِهِم
روائحُ الإذعانِ والأمانِ الزائف
تنسابُ من شفاهِهِم
وصايا الموتى
تنسَخُهُم أمواتاً بدورِها !
وأنا أسيرةٌ لشبقِ الحياة
لا تنحني هامتي لمقاصِلِ القدر
أعرفُ أن السهامَ الحادة
التي اخترقتْ لحمَ الروح
أدراجٌ تنتشِلُني من وحلِ العاديّ
حين أتعمّدُ التعامي
وألتحفُ بالغفلة ...
وحمائمُ تُبشّرُني بشمسِ المعنى
المتوارية مكراً
في نهايةِ أنفاقِ التجربة !
آهٍ .. من تلك المُختالة القاسية
لا يعنيها المُتوارين رُعباً
من فوضى الهزّاتِ الأرضية
لن تأخذها بي شفقةٌ
لن تلتفتَ لتمنحني نظرة .. !
إلا حين أمزّقُ ثوبَ الوداعةِ
وأُلقي به لحيتانِ البحر
فلا تَبقى له ذكرى أو أثر !
لتتجلّى الذئبةُ بداخلي في وضوحِ القمر
لترقصْ فوقَ عظامِ الذين مرّوا على عُشبِ الروح
ولم يتركوا إلا تصحّراً !
الآن يذهبون إلى مكانِهم المناسب
في قيعان النسيان ..
وأُحلّقُ أنا بجلدٍ جديد
تحرسُهُ أفعى مُقدّسة
وتباركُهُ بأنفاسِها الأُمومية
تلك المسئولةُ الأولى
عن رقصِ النار ..
في دَمي !
أفرك عينيّ بغُنج سلطانة
أفرُك عينيّ بغنج سلطانة،
اعتادت أن تقضِمَ الصحوَ مع شاي الظهيرة،
أتسمّرُ في فراشي،
أحدّقُ في سقف الغرفة،
ببلاهةٍ ودهشة.
ما هذا ؟
كيف اصطفاني النومُ أخيراً،
باشتهاءٍ فاضح،
حتى دخلتَ جنتَه؟
بعد ليالٍ خشِنة،
ممتدّة كطوابيرِ الفقراء،
حاصرتني فيها النصالُ،
وأسلمتْني للقلق،
فأجلسني على رُكبتَيه.
آه ! لقد تذكّرت !
بالأمس تبادلنا،
أنا ونفسي،
التي تقطنُ في عالمٍ موازي،
الأدوار.
لقد مللتُ من السيناريو المكرور،
وعقدتُ مع الطزاجةِ صفقةً عادلة.
لتذهب سِياطُ الأسئلةِ الوجودية،
إلى أنفاقِ الجحيم.
لا يهمُّ إن أشرقت الشمسُ من الغرب
أو أعاد المُتوفّى تجسّده كثور !
وماذا لو اختصمت الفلسفةُ مع التصوف؟
أو رافقت الفيزياءُ علمَ التنجيم؟
أنا غارقةٌ في فقاقيع "الهوت تشوكلت"،
مُنتشيةً بمُداعباته الساخنة.
قلبي الأحمق أدمن الاعتصارَ،
دموعاً حمراء،
تتدحرج ككُراتِ اللهب المفزوعة،
فوق صفحاتِ الجرائد،
التي تتقيأُ أخبارَ القتلِ والاحتلالِ
والاغتصابِ والتلوث البيئيّ.
ما أسعدُهُ اليوم،
يجلسُ القُرفُصاء،
ويُتمتمُ بصلاةٍ قُدسية،
في حضرةِ زهرةٍ فاتنة.
لا مزيدَ من لعق جراحٍ سحيقة،
علاها التراب واستوطنتها العناكب.
الآنَ أزرعُ فوقَ أطلالها الأشجارَ،
وأعطّرها بالهدايا والأجراس،
وأتوقفُ كمريضٍ يتعافى،
عن استحلابِ الألم.
خفيفةٌ كصحائف الرضيع،
أمضي نحو لحظتي الراهنة،
أعانقها لأنجو.
أنفُضُ عن كاهلي،
غُبارَ الحقائب التي تغلي بالغضب،
وأعدو كغزالٍ يافع،
يتملّصُ من أنياب مُفترسة،
ليرتمي بين ذراعيّ نهرٍ قريب،
يُراقب المسرح في فضول.
يتلوّى النهر ويهتاج ..
فيستنفر جيوشَ الحكمة،
الغافية في أسرّة أغوارِه.
هكذا، يُمسّدُ الجسدَ المُسجّى ببثورِه،
بأصابع طبيبٍ حاذقٍ تقطِرُ خمراً،
ثم يرشُّ القرفةَ والثوم والزنجبيل،
ويُحكِمُ شدَّ ضِّمادَات الحُنُوِّ،
على براعمِ التشافي،
الآخذةِ في التطاول.
الآن أراك يا عدوَّ اليوم،
فألوذُ بأستارِ الصفح والتغافل.
أمرّ في حلقاتكم،
يا نافثي الغيّرة،
فأتدرعّ بضحكاتِ الأولياء.
أراقب نُباحَكم،
يا أشباح الطاقة السلبية،
يتقزّم حتى يتلاشى،
حين يمرُّ فستاني مُتوكئاً نورَه.
انظروا !
تتمطّع خلاياي وتستكين،
ترحلُ الحساسيةُ عن جسدي المُحتل،
يهبطُ منسوب الكورتيزون اضطراراً،
يعزفُ القولون مقطوعة سلام،
وتستردُّ البشرةُ نصيبها من الكولاجين.
الوسادة تتخفّف من الأفكار الهدّامة،
القلق يعضُّ ذيلَهُ من الغيظ،
وهو يشاهد الاطمئنانَ يتعرّى،
ليُشاركني فراشي.
ها هي قُبلة الله مطبوعة
حول مداخل القلب.
ها هي الحضرة تتهيأ
لأدور في مركزها.
ها هي الروح تعبُّ
من كأسِ الرضا، وتثمل.
الآن فقط أستطيع أن أقول :
أنا مؤمنة.
في حضرة زهرة فاتنة
لقد مللتُ من السيناريو المكرور،
وعقدتُ مع الطزاجةِ صفقةً عادلة.
لتذهب سِياطُ الأسئلةِ الوجودية،
إلى أنفاقِ الجحيم.
لا يهمُّ إن أشرقت الشمسُ من الغرب
أو أعاد المُتوفّى تجسّده كثور !
وماذا لو اختصمت الفلسفةُ مع التصوف؟
أو رافقت الفيزياءُ علمَ التنجيم؟
أنا غارقةٌ في فقاقيع "الهوت تشوكلت"،
مُنتشيةٌ بمُداعباته الساخنة.
قلبي الأحمق أدمن الاعتصارَ،
دموعاً حمراء،
تتدحرج ككُراتِ اللهب المفزوعة،
فوق صفحاتِ الجرائد،
التي تتقيأُ أخبارَ القتلِ والاحتلالِ
والاغتصابِ والتلوث البيئيّ.
ما أسعدُهُ اليوم،
يجلسُ القُرفُصاء،
ويُتمتمُ بصلاةٍ قُدسية،
في حضرةِ زهرةٍ فاتنة.
كحلٌ نورانيّ
يُراهن الناسُ على أحصنةٍ عِدّة في حَلبة الدنيا
فالبعض يخلعُ روحَه قُرباناً لتاجرِ الشهرة !
والبعض يظنُ أن جيوبَهُ المُتخمة
بالأوراقِ النقدية ...
مفاتيحُ سحريّةٌ لخزائنِ الرغبات التي لا تنفذ !
والبعض يُعوّضُ نقصاً مُزمناً في حنانٍ
لم يتجرّعْهُ مع حليبِ الطفولة
بشبكةِ علاقاتٍ بائسة لا تُغادرُ السطح !
أما أنا فلطالما اقتطفتْني ندّاهةُ العُزلة
وهذّبتْ فوراني ببعضِ الرياضات النفسية
كأن أجلسُ مثلا ً لأستظلَ بشجرةٍ عملاقة
تنتصبُ شامخةً أمامَ منزلنا الصيفيّ
أرنو إلى نَجمةِ الحقيقةِ البعيدة
بعيونٍ مُتوسلةٍ وقلبٍ مُلتاع
وألعبُ بضفائري الحائرةِ كما يجبُ لطفلةٍ
لأشتتَ اشتعالَ الأسئلةِ في أزقّة الروح
كانت السكينةُ مَطمحي وذُروةَ آمالي
أريدُ أن أنامَ دون أن تمتصَّني
براغيثُ القلقِ الليلية !
أريدُ لابتسامتي ألا تَحزِمَ حقائبَها وترحلَ غاضبةً
حين يُصيبني توعكٌ عارضٌ
إثرَ ارتطامي برذاذِ أنفُسٍ
ابتلعَتْها العتمة !
أريدُني صخرةً ..
ً تتكسّرُ عليها دواماتُ عالمٍ زائل
ولا تفقدُ سَنتيميتراً واحداً من تمركزها واتزانِها !
ما المالُ دون هدأةِ حال؟
ما الشهرةُ دون أن أرتاحَ في جِلدي ؟
ما الحبُّ دون عُريِ هشاشةٍ لا تخافُ البَوْح ؟
لم يعد يأسِرُني حشوُ الكتبِ أو اصطفافُ الحروف
جرادٌ يتعملقُ ويحجِبُ كُوّةَ النور !
لم يعد يُسكِرُني المديحُ العابر
كسولٌ لا يلتفتُ لغيرِ أناقةِ الواجهة !
رُبّ قطرةِ ندى في فجرٍ غيرِ معلوم
تنسابُ بتَؤدَةٍ ورفق
على زهورِ الروح التي طحنَها العطش
فلا تعرفُ الظمأََ بعدها أبدا
رُبّ طُمأنينَةٍ مُشتهاة تستقرُ بالحشا
تستوي معها المتعةُ والألم
رب إلهٍ راحمٍ يعطفُ بنظرةٍ
يغدو لها كُحلُ عَينيّ نُورانياً !