خمسة نصوص من ديوان " ثقب في سفينة المجانين "
مروة أبو ضيف
1
كل يوم أسير خطوة جديدة باتجاه الجنون
رغم الأساور العميقة بين رسغي و الواقع
وآلاف التفاصيل اليومية التي أدور بها كثور أليف
الْيَوْمَ عادت الضوضاء الخفية
التي تعبر بالساكنين
دون أن يلتفت إليها أحد
جلست علي فخذي و ثرثرت كثيراً
و أنا غبية كما كنت دائماً
لم أفهم حكاية واحدة
بين قراصنة نقشتهم الأساطير في تلافيف عقلي
و مشوهين يقفزون من رأسي إلي الوسادة
ليست الصرخة نوعا من الاستسلام
و من اللغط تصورها أملاً في المساعدة
بالأصل أنا أمل التي ذبحوا عُمَرَ أمامها
و لهذا فشلت تماماً في لعب الكرة
لا أهتم كثيراً أن يصدقني أحد
العقدة هنا أن اصدق نفسي فاوبِّخها جيداً
بين العبقرية و الجنون
لا شيء علي الإطلاق
مجرد دَجَل سخيف يزين خيبات متتالية و فارقة
أمسكت بكتاب بالأمس
كلما فتحت صفحة خرجت أفراس النهر
و عبرت الكوبري الصغير بين بيتها و بيت التماسيح
و تلك الحديقة شيدت ذات ليلة عجيبة في الحلم
كنت تائهة مثل حالي علي الدوام
أتحدث كثيراً جداً و لا يفهمني أحد
الوردة الحمراء التي دسّها أبي في أنف البائع
لم تكن ملوثة بالكوكايين و البودرة
لكنها كانت مسحورة بالتأكيد
ليلتها زارتني يد المهرج الظريف
بحثت عنه في أنحاء الغرفة
بشجاعة طفلة في الرابعة صافحت اليد
انتشت أمامي مروحة من الريش الأسود
لماذا إذن يشتعل جسدي بصهد لا يشبه الحمي
لحمي لظبية شاردة
و رأسي تركن للركود الجميل
هذه الحكايات ليست لي
والسيدة العجوز
التي رأسها أمامي في الفجر البعيد
لم تكن طيبة
كل يوم أخطو خطوة جديدة باتجاه الصعود
لأحلق خارج هذا الجسد اليابس
والتفاصيل الخائفة
و أريد شخصا واحدا يخبرني بما يحدث بالفعل
2
ليست
تلة
من الرمال و التراب
تلك التي تفصل بين ذات الرأس والجسد
يد تعبر بهدوء لتصافح كل الراحلين
ليست مقبرة
كل الذين ذهبوا
ذهبوا لمكانٍ أفضل
عُبَّاد الريح والرحيل
حضرة كبيرة تلك الحياة
و الجوقة ليست منظمة
ثمة نشاز مهول يزلزل أرض الطريق
الدفوف التي بأيديهم ممسوسة
و الناي لا ينتمي إلى أحد
هذا ذهب ملقى علي أرض الكابوس
وحدهم الأغبياء ينحنون لالتقاطه
أنا لست صحراء
و لا الريق السائل من فمي خمراً
بين الرسغ والحقيقة خيط كثيف من دماء
ليست قبة خضراء
يا مليح
انفض التراب عن جلدي السميك
جلدة واحدة
و يسيل السر و الخطيئة من ظهر الغراب
عرّابون و أوغاد و فسدة
و نسير في سوق ممسوس لا آخر له
أحبيني أيتها الحياة
أحتاج لخيط من الهواء لتنتعش الرئة
أنا نفسي سري
الذي صفعني ووشمني بغربة هائلة
أنا جميل ونائم
أنا هائل ومملح
أنا كبير وأرضي صلبة
أنا الريح التي غادرتني علي البوابة الخائفة
مدي يدك قليلا
اسحبي الخيط الأسود من دمي
قليل من المسك و كثير من الجمر و الحريق
جلدة أخري و تسيل الحقيقة من فمي
ليست تلة من الخراب
و لا أفعى تلصق هذه الرأس بالجسد
و أنا خائف و بردان
3
أريد ان اذهب الآن
إلى هذا المربع الأزرق
تلك النقطة الملقاة في العدم
الرجل الجالس وحيداً
يصطاد أسماكه الميتة
و السيدة السمينة
التي تظن دهونها قد تحميها من الصقيع
الكوخ الأزرق هو الحل يا سادة
وسط هذا الهيولي الأبيض
ليست ملائكة مفرودة حولكم
و لا أشباح طيبة سقطت سهواً من قلب العاصفة
هذا الشاسع صدري
روحي الممتلئة عن آخرها بالماء
ماء المطر و الدموع و الغرق
الرغبة و الطوفان و العرق
أسلمكم هذا كله
لكنه لن ينقذ الرجل و لا السيدة ولا حتي الأسماك الميتة
انا العربة الخربة علي الطريق
الحادث الأليم
المرحوم الذي لم يرحمه أحد
حسناَ
الحقيقة
أنا لا شيء علي الإطلاق
و هذا الأبيض عدم
يسلم العابرين إلي عدم اخر
4
غابة
كبيرة تنمو علي سريري
زهور أرجوانية و غربان ضخمة
علي جبيني ينزلق دود عملاق
و بين أصابعي تعبر أفاع صغيرة
صقور وأشجار مهيبة
و علي البعد أري سنابك خيل و غبار معركة
بجواري تمدد محارب جريح
يضع رمحه المشتعل في الجرح و يصرخ
انتفضت الغابة و فر من أشجارها خفافيش
عصافير الدوري تنقر رأسي
و كوب شاي غامق يجد طريقه إلي فمي
قابلة تصرخ"ستأكلها الحمَّي"
و غزالة حوراء تناديني من بعيد
قلبي يخور في خوف و ألم
و حربة المحارب مثبتة بقميصي الأبيض
دم كثيف يعلو في الغابة
أشجار تبكي و طيور تتساقط
أسمع صوت أجنحتها البائس
يقولون صائد همجي علي أطراف الغابة
يقتل كل شئ و يسبح في الدماء
له هيئة وحش و رأس انسان
يتجشأ فتنتفض الغابة
يقولون أنه يحمل منجلين علي كتفه
و موتاً بين عينيه
لا يهاب شيئاً وقد مات في معركة قديمة
مرتين
قبل أن يعلِّق الموت في منجله و يعود الي الغابة
5
تمسك بِنَا جيداً
سنردّك الي الحياة
لا تقلق
هذا الموج ليس حقيقياً
و الحوت الذي ابتلعك
رائع
كريستال لامع يجعل من تكورك الهزيل
شمساً جميلة
تلك الأصابع تعرفها جيداً
كم مرة خربشنا بها علي الجدران المهترئة
لا…
ليست قمامة تلك التي ركلتها بقدمك
تبدو قديمة
لكنها الضحكات التي ضحكناها قديماً
كنّا نخبأها في ركن المقهي المنسي
تنفع في وقت شدة كهذا
نحن لسنا هنا بالفعل
أغلبنا ممدد علي حافة سريرك
لكننا تركنا اقدامنا هناك
في وحل الحياة
لنبقي في شوارعها
ربما صادفناها مرة
ربما استطعنا التعرف عليها قبل أن نضيع
ربما أنقذنا أحدهم من الجنون
قبل ان يأكل ما تبقي من أعصابنا الهرمة
تمسك بِنَا جيداً
هذا المركب سينجو
قارب المجاذيب يحبه الله
دائما تخطئه سهام الجهّال و العامة
لنا عباءة نعرف بَعضنَا برائحتها
سترفعنا قليلا عن هذا الخراب
تعال
سننظف قدمك مما علق بها من حقيقة
و نطهر فمك من غثاء الكلام
ربما نغني نشيد الشباب
و نصفق حتي يسقط التراب فوق هؤلاء الأغبياء
يظنون أنهم يعرفون
يظنون أنهم يفهمون
لا حقيقة هنا
و الحق غريب
و أنت غريب
و نخن غرباء نحب بَعضُنَا البعض
و يحبنا الله
تعليقات
إرسال تعليق