نونُ العشق باءُ العاشق (وأنا النقطة تحت الباء) / عبد الوهاب الشيخ

 

 غناء العيون

لمياء المقدم

 

 

غسلت السجاد أيضا ونشرته في الخارج، كان ثقيلا جدا، لولا الخيال ما استطعت حمله. ثلاثة أيام وهو معلق بالخارج وأنا أنتظر أن يعود البياض إلى طبيعته. الغريب أنه صار أوسخ مما كان. لا بد أنهما عيناي.
يقول الطبيب إن الضغط في عيني يسبب تآكل العصب البصري. في الطريق إلى المستشفى غنيت كثيرا بعيني وأنا أمر من أمام بيوت بحدائق خلفية صغيرة، لم يسبق أن مررت بها من قبل. هل تغني العيون؟ أجمل الغناء غناء العيون. صار الآن قاتلا.
يقول الطبيب أن حدقتي متفاعلة أكثر من اللازم، تندهش وتشخص وتضيق وتتوسع كثيرا وهو ما يسبب ضغطا إضافيا على العين ويقترح تغييرها بأخرى ثابتة. ما معنى ثابتة يا دكتور؟

ثبات العيون موت
 

كل أمهات الرجال الذين أحببتهم أوصينني على أبنائهن، رددت دائما "في عيني". أمي ماتت قبل أن توصي أحدا. أبي على العكس من ذلك أمسك بأيديهم وضغط عليها بقوة من دون أن يقول شيئا. أبي كان فلاحا لا يقول الكثير، الأيدي بالنسبة له هي التي تتكلم وتزرع، وتنجب وتتفق وتزوج وتدفن.

الأيدي لغة.

أردت أن أقول للطبيب: ربما حان الوقت لإنزال الذين سكنوا في عيني طويلا. وللأمهات احملوا ابناءكن في عيونكن، أنا عيناي لم تعودا تحتملان. حملت ابناءكن كما تحمل العاهرة من سفاح وهاهم يأكلون عيني من الداخل ويحولونها إلى قفص دجاج. هل قلتن ألف سلامة، هل أرسلتن وردا؟
 

في الفحص الأخير سألني الطبيب إن كنت أرى جيدا، قلت نعم، لكن كمن يتفرج على المطر من خلف الزجاج: الدراجات المتسابقة، المعاطف الملوثة بالماء، الأطفال الجارين في كل الاتجاهات، الأشجار المائلة، كل هذا يحدث في الخارج. العالم كله يا دكتور صار في الخارج بينما أجلس أنا خلف النافذة واتابع.

قد يعجبك ايضا