نصوص / ألان بوسكيه / ترجمة : محمد خطاب

 نصوص 

ألان بوسكيه

ترجمة : محمد خطاب




1

جِلْدٌ

تعالي وأقيمي في جلدي، لا تحملي
سوى نداوتَك، لعبةَ النرد،
النجمةَ المحمولةَ على الباب،
دَمَك، الشمسَ العتيقةَ.
سيكون لي إِذْنُ هذا البواب
الذي يسخر مني: قلبي.
كي يصير لحمُك عذريا،
وجبَ أن نمزج جساراتنا.
ها هو العَقْدُ: عليك أن تولدي ثانية.
لسنا مطالبين بأي ضريبة،
ولكن إذا جسدي بمائة نافذة،
قد أغراك، تعالي وأقيمي في إهابي.
استقري، يا نزيلتي.
سأنتقلُ، هذا هو حال
من يحيون وحيدين:
حتى جلدهم يرميهم خارجا.

2

البعضُ يتكلم عن القلبِ.
وأنت تتكلم، بخجل أكبر،
عن الكِلية والبطن والرئة.
البعضُ يتكلم عن الحب.
وبتواضع أكبر، أنت تتكلم،
عن الريق،
وعن الدم الذي يغلي وعن الشفة التي ترتعد.
البعضُ يتكلم أيضا عن المطلق.
وبتردد أكبر، تتكلم أنت،
عن شيءٍ ما مدهشٍ
لا تملكُ القدرةَ على شرحه.
البعض يتكلم عن الإله.
وأنت تصغي إليهم،
في الصمت وترتبك.

3

هل من اللازم،
هذا الجسدُ المحموم،
وهذه الروحُ الثقيلة
وهذا الأملُ وسط الحلازين؟
هل من النبل،
هذه النجمةُ العليا،
وهذا الصُّوان الصلب،
وهذا النهرُ الهارب؟
هل من الضروري،
هذا البؤسُ بالقلب،
وهذه العقلُ الشبيه بالجرذ
وهذه الكلمةُ العدوة للكلام؟
يقول الإله: « أنتَ على حق:
الإنسانُ عندي
خطرٌ عظيمٌ.

4

أرغب أن يحفروا لي ثلاثةَ قبور.
قبرا لهيكلي العظمي:
عظم الفخذ، جمجمة، مفصل الركبة.
وقبرا لروحي،
ظنا أن يروا فيّ
نفحةً غامضةً.
والقبرَ الأخيرَ
للمجهول الذي يعبُرُ،
إذا قَبِلَ حصتي من الأبدية.
أرغب أن يحفروا لي عشرة قبور،
لخواطري الأكثر زيفا،
ولكلماتي التي أفتعلها،
وللمتضخم من صوري.

5

إسعافُ النثر

يَخْمُدُ الشعرُ في داخلي شيئا فشيئا،
سوى الآحاد،
حيث ألقي إليه،
حطبا ميتا، وكلمات عاطلة.
حينها أشهدُ تجلي
بعضِ الطيور التي تشكو
كونها بجناح وحيد.
زهرةً تتفتح
على جذوة شاحبة.
ولكني لا ألحُّ أبدا، تظلُّ الكلماتُ ميتةً-وليدةً.
أغفو أسفل كتابي
وأصير أثاثا،
وسجادا أخرسَ.
أريدني بلا اسم
مثل نثر بلا غموض.

6

- لماذا ولدتَ؟
- كي أهب للواقع سحرا.
-من علمك؟
- الغامضُ داخل البداهة.
- من تحب؟
- المرأة التي تصير امرأتين،
والرجل جاهلا من يكون الرجل.
- من أجل ماذا أنت تعمل؟
- لأجل مجد اللامرئي فيما أعتقد.
- هل تجلُّ إلها؟
- أحيانا أجل خنفساء،
أو نجمة باهتة
أو كلمة جديدة أجهل معناها.
- متى ستموت؟
- البجع ذو الأجنحة الستة وحده من سيقضي بذلك.

7

أنا متحضر.
أقول للطفل الجائع:
"اذهب وكُلْ هيكلَك العظمي"
أنا متحضر.
أقول للأعمى:
"جرب الانتحار، إنه عذب جدا"
أنا متحضر.
أهب للفقير رحلة طويلة
إلى الله.
أنا متحضر.
أحمل الكثير من القنابل
حول العنق، وبين الأسنان،
وعلى الصدر،
وتحت الخصية اليسرى.

8

قدر الكلمات

"في كل صباح تستيقظُ كلمةُ فَرَسٍ
وترعى حقلَ الشوفان.
كلمةُ فَصْلٍ
تضعُ قميصَها الأخضرَ وتدفعُ بالمحراث.
كلمةُ لقلق
تشتغلُ بصلابة
من أجل قطعة نجم.
كلمةُ منفى
تتحدث عن أمل عنيد.
فقط كلمةُ محيطٍ ربما تبدو أكثرَ حريةً
إنها تسافرُ بلا انقطاع
رفقةَ الحيتان الصغيرة.
فلنكنْ لطفاءُ مع الكلمات:
فليس لهن حق في التقاعد.

9

لقد عرفتَ سيدا لطيفا،
بفندق رخيض.
وأخذتَ شرابا فاتحا للشهية.
أخبركَ عن محيطٍ،
وعن غابةٍ بطرائدها الكثيرة
وعن علاقات حب هالكة!
قرأ لك قصيدةً:
هذا النص كان لك.
كيف ستتصرف:
تهنئ السيد اللطيف كونه قرينك
أم تحمرّ من الغضب؟
لقد صرتما صديقين كبيرين:
سيدين لطيفين بعين العمر،
بصدد كتابة
النص نفسه،
مع بعض التنويعات أحيانا.

10

قسمة

 
كان لي دائما جمجمتان:
كبيرةٌ للحزن،
وصغيرةٌ جدا للفرح.
وأيضا لي ذاكرتان:
ما أجمل ما في الأولى سابقا.
في الثانية نجد
أشياء قليلة، نسيانا قديما.
كان لي دائما قلبان:
واحد لكي أحب،
والثاني للتجاهل.
أما لحيواتي،
فلا أستطيع عدّها:
عادةً أعتقد أنها بالمئات
مأهولة بالورود والعصافير،
وبالنُصُبِ الأكثر عذوبةً من شفاه النساء،
وأحيانا أخشى ألا يكون لي أي واحدة.
كان لي دائما ظلان:
ظل كي أتفاخر،
وآخر لكي أتذمر.
أنا عادل مع نفسي،
أكيد سيكون لي موتتان:
واحدة للضحك،
والثانية رغم كل شيء للأنس.

10

أحيانا أذهل
كوني عدما قديما.
أقيم في ذاتي مثل شبح
بقبعة كبيرة.
أخاف من البداهة.
منْ نُروِّض غدا:
الضبابَ أم النمرَ؟
أيّها العبثُ، أنت أيضا تملي عليَّ الحكايات!

11

ثُمّ قيل لي:
"أيّها السيّد، لقد ضللتَ العصر."
فبحثتُ عن آخر.
ثُمّ قيل لي:
"أيّها السيّد، لقد ضللتَ الحياة."
فبحثتُ عن أخرى.
أكملتُ رحلتي، ثلاثَ مرات في اليوم،
من الماضي إلى النسيان،
ومن الموت إلى الموت.
أنْ أضلَّ، أنْ أضلَّ،
هذا هو ابتهاجي الوحيد.

12

الحجر، والشجرة،
واللازورد، وطائر الدوري، أتوني بمنتصف النهار
كي يقيسوا عدمهم بعدمي.
للمرمر نومه الطويل
من دون حلم.
ولشجر البلوط صمته القديم
الجاثي على آلاف أخرى من الصمت.
السماء كانت عالية جدا ونائية،
من أجل لازورد نزيه.
يعرج الطائر أمام ريشه
الذي انتزعه.
انتهيت إلى أن عدمي
أنسب من عدمهم،
لأنه يحتوي على كلمة لازورد
وشجرة، وحجر، وطائر الدوري،
بصحبة كلمة عدم
التي تعني ما ينبغي أن تعنيه
أو ضد ما تعنيه.

13

- أنتَ، ماذا تصنع لكي تحيا؟
- أترجمُ الندى،
أُلطّفُ طائرا،
أضعُ في جُمَلٍ،
قليلا من الثلج،
أُري الوردةَ
أن تكون وردةً أخرى.
- ومن أجل الموت، ماذا ستصنعُ؟
- اسأل الندى،
والطائرَ، والثلجَ،
والوردةَ يا صديقي:
فلهم ألفُ خطة من أجلي.

14

لقد فقأتَ عينيك
هذا شجاع.
لقد قطعتَ أذنيك الاثنتين
هذا عادل.
لقد سددتَ المنخرين
هذا حكيم.
افتحْ فمَك
والتهمْ الكونَ
قطعةً بعد قطعةٍ
ستصيبُه بألمٍ أقلَّ
بدل أن تراه أو تسمعه.


تعليقات