تحتفظ الظلال الرقيقة بسحرها
لي تشينغ تشاو
ترجمة : نداء يونس
تقدم هذه الترجمة للشاعرة
الصينية لي تشينغ تشاو التي ترجمتها وقدمت
لها الشاعرة الفلسطينية نداء يونس تجربة
أصيلة ومغايرة تماما تعيد أفهمة الشعر وتعريفه كونها تؤسس منذ الف عام لما بعد
حداثة شعرية بحساسية نادرة. تكتب لي ببساطة عبقرية، باختزال وكثافة مذهلة، تجمع
العناصر التي لا تجمع عادة في صورة واحدة ثم تربط بينها بشكل مذهل.لم
تنتقد السياسيين فقط، بل والشعراء الرجال، وليس هذا وحده، بل وضعت أول نقد تفصيلي لمقاييس الشعر الصيني.
الموهبة
الشعرية التي لم يكن ممكنا التشكيك فيها، كانت مرفوضة اجتماعيا. بطبيعة الحال، "المرأة التي
بحثت عن الإلهام من خلال المشي بمفردها على أسوار المدينة أثناء العواصف الثلجية
كانت مناسبة بشكل سيء لأدوار وأخلاق امرأة من "سونغ""، وحيث "القدرة الأدبية
ليست شيئًا مناسبًا للمرأة".
في الوقت الذي كانت النساء
يدمرن كتاباتهن أو كان الكتاب الرجال يختارون ويتلاعبون بقصائد النساء لخدمة جمهور
من الرجال، استخدمت لي قصائدها لانتقاد الحكومة وقصائد الشعراء الرجال علنًا. الشاعرة برؤية جريئة استطاعت ان تحول هذا كله الى
تجربة أصيلة وتمكنت بشكل مذهل من تحويل تجربتها الخاصة الى فلسفة عبرت ألف سنة
لتصل الى ايدينا.
-1-
درست
لغة الشعر ثلاثين عاما
وأقفلت
فمي،
لم
أسعَ إلى أن يعرفني أحد.
من
ذا أرسل رجلا نبيلا مغرما بالرائع والغريب
للقاء
شيانغ سي،
ونشر قصائده بين الأنام؟
-2-
تتساقط
الأزهار من تلقاء نفسها،
يتدفق
الماء من تلقاء نفسه.
هناك
نوع واحد من الشوق.
وحزن
مقيم في مكانين.
لا
سبيل للتخلص من هذا الشعور، الذي،
وبمجرد
أن يجتاز حاجب العين
فانه
يغمر القلب.
-3-
ضوء شمس دافئ، رياح تسري، الجليد يبدأ في
الذوبان.
جفون الصفصاف، خدود شجرة البرقوق،
وحماسة
الربيع تهيج في قلبي.
طعم
النبيذ والشعر - من سيتشاركهما معي؟
تجف
الدموع على البودرة الباهتة،
ومشبك
الشَعر المرصّع ثقيل.
أجرب
جاكيتًا مبطنًا مطرزا بخيوط الذهب،
أريح
رأسي على الوسادة المكومة،
فيما
ينفك دبوس شعري الذي على شكل طائر الفينيق.
أمسك
بمفردي حزنًا ثقيلا،
ولا
يأتي حلم يَسُر.
متأخرا في الليل،
قصصت
فتيل المصباح،
الذي
ألعب به الآن.
-4-
يخفي
المبنى الصغير موسم الربيع،
وتحجب
النوافذ المشبكة الصباح في الداخل،
القاعة
المطلية الجدران
عميقة
بشكل لا نهائي ومعزولة.
تحول
المسحوق في المباخر الى رماد،
وظلال
الشمس تتحرك أسفل الستارة المعلقة.
البرقوق
الأسود الذي زرعته بنفسي يزداد جاذبية
أكثر
من أي وقت مضى،
لماذا
أتعب نفسي بالذهاب إلى النهر
أو
الى الشرفة؟
لا
أحد يأتي.
الشعور
بالوحدة هنا يشبه تماما
ما
أحسَّ به "هي شون" الذي كتب القصائد
عن
جمال أزهار البرقوق في "يانغتشو".
فيما مضى، بالكاد احْتَملَ جمالًا رائعًا كهذا : رشقات المطر
او
أن تتقاذفه الرياح.
الأسوأ
من ذلك أن أغنية الناي التي تعزف في مكان ما
تضفي
عليه حزنا بهذا العمق!
لا
تندم على تلاشي الرائحة أو ذوبان الجليد – يجب أن تفهم
يبقى
الشعور حتى بعد زوال الشكل.
ومع
ذلك، فإن الجزء الأصعب هو تذكر هذه الأسطر:
"في
أمسية رائعة في ضوء القمر الباهت،
تحتفظ
الظلال الرقيقة بسحرها".
-5-
يُظهر
اللون الأحمر نفسه،
تنفجر
الزهرة المرصعة بالجواهر.
أنظر
لأرى ما إذا كان الغصن الجنوبي
لم يكتمل إزهاره بعد.
لا
يوجد ما يدل على مدة احتجابها
للتحضير لهذا،
كل
ما نراه هو الاحساس اللامحدود الذي
تتسع له هذه الزهور.
تعرف الأزهار أن الشخص الذي يقف الى
جانب نافذة الربيع
جموح،
قلق وحزين جدًا
حتى
أنه يصعب عليه الاتكاء على درابزين الشرفة
والتحديق
في البعيد.
إذا
رغبت بالمرور قليلا لمشاهدة الأزهار،
أرجوك،
افعل!
ليس
هناك ما يضمن أن الرياح لن تهب في الصباح.
-6-
بحث،
صيد، رغبة، تلفُتٌ؛
بارد
جدا ومع ذلك شديد الوضوح،
حزين
وكئيب وبائس،
دافئ
ثم يبرد،
إنه
الموسم الأسوأ كي تعتني بنفسك.
كيف
يمكن أن يصمد
كوبان
أو ثلاثة أكواب من النبيذ العجوز
في
وجه قوة رياح المساء؟
طارَ
الإوز البري،
حزِن
القلب،
ماذا
أكثر،
هي
ذات الطيور التي كانت هاجرت من قبل.
بتلات
صفراء تفترش الأرض،
مبعثرة
في أكوام. منهكة أنا الآن
وواهنة،
من
يكثرت بعدٌ كي يقطفها – تلك البتلات –
قبل
أن تسقط؟
أجلس
إلى النافذة وحدنا،
كيف
صار الخارج
بكل
هذا السواد؟ أشجار الباولونيا
والأمطار
الخفيفة، وحتى يحل الغسق،
أستمع
إليها نقطة إثر نقطة،
قطرة
بعد قطرة.
هذا
المشهد، هذا الشعور-
كيف
يمكن أن تكفي كلمة "حزن" لوصفه؟
-7-
تصر
عجلات العربة وتصهل الخيول بحزن،
يبكي
الرجال الباسلون والجبناء.
لكن،
بصفتي أرملة أعيش في الشقق الداخلية،
هل
يفترض أن أعرف شيئا؟
أكتب
هذا بالدم لتقديمه إلى الأرشيف الإمبراطوري:
لطالما
امتلك البرابرة طبيعة النمر والذئب،
فما
الضرر الذي يلحق بنا إن أعددنا
لما
هو غير متوقع؟
أخفينا
الدروع تحت الملابس في خيمة "تشو" القديمة،
تعلمنا
الدفاع عن السور في "بينجليانج"
في
الأيام الغابرة.
أليست
"كويكيو" و"جيانتو"
أكثر من مجرد أنقاض؟
لا
تقلل من شأن نصيحة السادة أو ترفض مقولة
العلماء.
بيان
النصر كتب على ظهر جواد،
النجار
الماهر لا يرفض حتى الأخشاب الأقل شأناً،
والحكمة
تأتي أحيانا من أفواه جامعي الثمار.
نحن
لا نبحث عن لؤلؤة "سويْ" أو قرص اليشم الخاص ب "هوو"،
كل ما نريده هو أن تصل الاخبار الجديدة من
وطننا.
لا
يزال قصر "لينغ يانغ" قائمًا،
لكنه
قفر،
ما
قيمة التماثيل الحجرية ما دامت تكسوها
الأعشاب
الضارة؟