القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث الموضوعات [LastPost]

غرفة من بحر العرفان / عبد الوهاب الشيخ


غُرْفَة من بحر العرفان

عبد الوهاب الشيخ

الـمحبَّة خطاب فهواني (غُرْفَة من بحر العرفان) عبد الوهاب الشيخ


 

 

"أنا عطاؤك" .. قال لي:
" يا عبدي أنا عطاؤك .."

 

*


وقال لي : يا عبدي لاتزال تطلبُني ما دمت أطلبك ، ولا تزالُ ترجو وصالي مادمتُ أرجوهُ لك ، ولا تزالُ تدعوني ما دمتُ أدعوك ، وقال لي : يا عبدي لا تكتفِ مني فأكتفِ منك ، وقال لي : اكتفاؤك غفلةٌ لقلبِك فلا تغفَلْ عنه فيغفَلْ عنِّي ، وقال لي : إن غفل عني قلبُك أنا أدعوهُ فيلبِّي ، أدعوهُ ولا أقلوه ، وأقلبُّه بين الحب والمحبَّة فيشتفي ولا يكتفي ، وأقلِّبُه بين الوَصْل والوِصَال فيكونُ لي صلةً بالواصلين من عبادي ، ويكونُ لكَ صلاة  .

 

*


وقال لي : أُكلِّمُك بكلامٍ لا أُكلِّمُ به غيرَك ، وقال لي : كلامي فَيْضُ قلبِك وفَيْضُ محبَّتِي فيه ، وقال لي : إذا كلَّمتُكَ فاحفَظْ كلامي ، ولا تجعَلْه حديثَك ولا تتحَدَّثْ به ، خُذْ كلامي منِّي إليك وتكلَّمْ أكُنْ نُطْقَكَ وأكُنْ مَنْطوقَك ، وقال لي : فَيْضُ محبَّتي في قلبِك هو سِرِّي فيك ؛ فاحفَظْ سِرِّي بحِفْظ محبَّتي ، وقال لي : حِفْظُ المحبَّةِ ثُبوتُها ، وثُبُوتُها لا يكون إلا بحِفْظي ، فاحفَظْني في محبَّتِك لي ؛ أحفَظْكَ بحِفْظِي وأُدَاوم محبَّتَك ، وقال لي : أنا هو المُرْتَجَى بحَدْسِك وحَدِيثِك ، فاجعَلْني رجاءَك ما حييتَ وارجُ فَضْلي ، وقال لي : فَضْلي في عبادي محبَّتي فيهم وحبيبي فيهم ، فالزَمْ محبَّتي وحبيبي تكُنْ فيك محبَّتي وحبيبي ، وقال لي : حديثُ الحُبِّ كلامُ المُحِبِّين وحديثُ الحبيبِ حَدِيثُك وحَدِيثي ..

 

*

 

وقال لي : تكلَّم بكلام أهل الحب ، تكلَّم بالمحبَّة واسكَرْ سُكْرَةَ العشَّاق دونما خَمْر ، ومُتْ شوقًا ، ومت عشقًا ، واحكِ نجواكَ ما بين قلبِكَ وربيعي فيك ، واحكِ مناجاتَكَ ما بين محبَّتي وسبيلِك إليّ ، ولا تذَر حرفًا إلا أنطقتَهُ بي ولا تذَرْ حرفًا إلا سمَّيْتَهُ باسمِك ، واجعَلْ بين قلبك وحرفِكَ سبيلاً ، ولا تجعل بَيْني وبَيْنك حرفًا ولا لغةً ولا تجعل بَيْني وبَيْنكَ بَيْنًا ولا بَيَان  ..

 

*

 

وقال لي : أنا هو الحق فحقِّق حقَّك باستعمالِ بَدَاهتي فيك ، واستَمِلْ قلبَك بوِجَاء فَضْلي ولا تلبِسْ حقِّي بحقيقتك ولا تَلْتبِسْ ، كلُّ ما أدعوكَ إليه منكَ وفيك ، منِّي فيكَ كان ، ومنك إليّ يعود، وقال لي : الحقُّ جَوْهَرُ الحقيقة ، والحقيقةُ جوهرُ الماهيَّات ، والماهيَّاتُ ثوابتٌ أقلِّبُها بيَميني؛ فكُنْ لحقيقتك حقًّا ولماهيَّتِك ثُبوتًا يتقلَّبُ بي ، وتقلُّبًا ثابتًا في حِفْظي ، وقال لي : ما أدركْتَ حقيقتَك فاطلُبْ حَقِّي ، وقال لي : ما أدركتَ حقيقتَك فلن تُدركَ حقِّي وإن طلبْتَه ، وقال لي : أنا هو الحقُّ والحقيقةُ في الظاهرِ والباطن ، وأنا هو الظاهرُ والباطنُ جلَّ جلالي وحَقَّتْ حقيقتي .

 

*

 

وقال لي : يا قلبَ كل مُحَبّ انا قلبُ كل محبٍّ وقلبُك ، وقال لي : قُلْ لقلبك يا قلبي لا تفرَحْ لعشق ، ولا تحزَنْ لعشق ، واعشق عشقَك ، وقال لي : ما بين عشقِك وعشق سواك شَجَرُ القلبِ يصْعَد ، ما بين عشقك وعشق غيرك أنا المعشوقُ الأكمل ، وقال لي : لا تحفَلْ بالعشق ولا بالعشاق ، واحفَلْ بفضلي فالعشق منه ومنِّي ، وقال لي : أنت العاشقُ فكُنْه وتخيَّرْ معشوقَكَ ، وقال لي: أنا اخترتُك فكيف تَخْتار وقد اخترت لك !؟ وقال لي : أنا ببن قلبِك ونبضِك ، وبين نبضِك ووَقْدك ، وبين وَقْدك وانطفاءة ذاتِك ، وبين ذاتِك وانطفائِها ، ولا بَيْن بيني وبينك لا بَيْنَ بينَك وبيني ..  

 

*

 

وقال لي : ما الحب ؟ وما المحبَّة !؟ وما العشق ؟ وما الهوى ؟ وقال لي : ما أنت ؟ وما سرُّك ؟ وما سرِّي فيك ؟ وقال لي : ما النور ؟ وما الضوء ؟ وما الأفلاك الساريةُ بالنور والضوء ؟ وقال لي : ما الماء ؟ وقال لي: ما الطين ؟ وقال لي:  ما الخمر ؟ وما التَمْر ؟ وما الطِيب ؟ وما الزَهْر ؟ وقال لي : ما الغناء ؟ وما الشَدْو ؟ وما الترنُّم ؟ وما التبَسُّم ؟ وما التأَلُّم ؟ وما الصَدْح والصُداح ؟ وقال لي : ما الشوق ؟ وما التَوْق ؟ وما الحنين ؟ وما الأنين ؟ وما السعادة ؟ وقال لي : ما الفَرَح ؟ وقال لي : ما الأَمَل ؟ وقال لي : ما العَمَل ؟ قلت : أسماء

وعلمني الأسماء كلها .....

 

*

 

وقال لي : لا تبدأ بالسلام ابدأ بالمحبة يأتك السلام مُحِبًّا لك ، وقال لي : في السلام العزَّة والمحبةُ بابُ كل باب ، وقال لي : اطرق البابَ برفق ، وقال لي : ادخل ليس ثمَّة باب ليس إلا ذاتك في مرآةِ ذاتِك فاخلعْها ؛ أنا عند حُسْن ظن عَبْدي بي .

 

*

 

وقال لي : كل حرفٍ صفتي وكل كلمةٍ اسم لي ؛ فالزمْ الكلمةَ والحرف تلزمْك الصفةُ والاسماء ، وقال لي : كل حرفٍ هو لي وكل كلمة ، فاقرأ الكلمة واقرأ الحرف ؛ يستبن لك في كل كلمةٍ حرف وفي كل حرفٍ كلمة .. وأستبن لك .

 

*

 

وقال لي : لا تقل الحب قل المحبة لأنها بيني وبينك ، ولا تقل العشق قل عشقي لأنه لا كغيره من العشق ، ولا تقل الوجد فما تجده مني وما أوجده مني ولي ، ولا تقل المعشوق .. أنا العاشق والمعشوق والعشق وليس ثم سواي

 

*

 

وقال لي : الجمال .. وقال لي : الجلال .. وقال لي الجلالة ، وقال : الجمال لي ولعبدي .. وقال : الجلال لي .. وقال : الجلالة ، وقال لي : لا تندب الجميل إلى الجمال ..اندبه لي يسلم الجميل له ولك ويسلم الجمال ، وقال لي : الجلال دأب أرباب العرفان وهم لي ما داموا للجلال ، وقال لي : مادمتُ مقصودَك ومادام الجمال ومادام الجلال .. الجلالةَ

 فالزم .

 

*

 

وقال لي : الحَسَن ما حَسُن في عيني ، وقال لي : الحَسَن لا كما تراه ، وقال لي الحَسَن والحُسْن آلائي بين عبادي وآياتُ نعمتي ونعيمي ، وقال لي : الحَسَن أوّله حاء وآخره نون ، وقال لي : الحاء محبَّة والنون هي لي ولك ولكلِّ عارف كان قبلَك أو هو آتٍ بعدك فاتخذها كتابًا ..

 

*

وقال لي : يا عبدي قلبك مرآتي وروحك من نوري فاسكن قلبك أسكُنْه ، واجمع روحك عليّ يستضئ قلبُك وتستضئ روحُك ، وقال لي: القلب والروح عطاء المؤمن لربه والقلب والروح عطائي له ، وقال لي : يا عبدي في الجسد مُضْغَة ...

 

*

 

وقال لي : ما بين الصَحْو والمَحْو ظلُّ السُكْر فاسكَرْ بي ولا تَسْكَرْ بمحبَّتي فيأخذْك الشَطْحُ منِّي بي ، وقال لي : السُكْر مَحْو ، وقال لي:  السُكْرُ صَحْوٌ بي فاصحُ بي وانمَحِ فيَّ عن مَحْوك ، واشرَبْ خَمْري بأمري ولا تَجْرَعها إلا بإذن ، وقال لي: السُكْر والصَحْو صِنْوان وغيرُ صِنْوان ، وقال لي : أنا أَصْلُ السُكْر وأنا الصَحْو فاصحُ بي في فؤادك واشرَبْ من يدي لا بيَدِك تَسْلَمْ روحُك ، ولا تأمَنْ للأغْيَار وإن كانوا بي منِّي وإن كانوا منِّي بي ، وما يعُلِّمان من أحَدٍ حتى يقولا إنما نحن فتنةٌ ، وما يعُلِّمان من أحَدٍ .. فلا تأمن للأغيار.

 

*

 

وقال لي : اليومَ وغدًا وأمس ثلاث قطراتٍ راسياتٍ في بحر الزمنُ والزمن قطرةٌ في بحري ، وقال لي لا اليومَ اليوم ولا أمس أمس ولا غدًا غدًا ، وقال لي : أنا اليومَ وأمس وغدًا .. ، وقال لي : لا تعوِّل على ما هو منِّي ، وقال لي لا تعوِّل على ما هو لي ، وقال لي : عوِّل عليّ وحدي ثم اسقط في المشيئة .

 

*

 

وقال لي : لا تندم ..! وقال لي : الندم خَيْبة .. ! وقال لي : الندم مَنْقَصة والمَنْقصَة مَذمَّة والمذمَّة من عمل الشيطان ؛ فاعمل بي ولا تعمل لي ، وقال لي : إذا ندمتَ فاندَم على ندمك ، وقال لي : ليس بالندم ولكن بالأمل تجدني ؛ فإن وجدتني فلا ندم ولا أمل كذلك ..

 

*

 

وقال لي : كل فَقْد هو كَسْب وليس كل كَسْب فقدًا ، وقال لي : لا تفقدني فتفقد بفَقْدي كلَّ شيء .. وقال لي : إن فقدتَ كلَّ شيء وجدتني فوجدتَ بوجداني كلَّ شيء ، وقال لي : لا فَقْد ولا وجدان ، وقال لي : أنا وجودُ كلِّ موجود ، وقال لي: أنا الواجد الماجد .. إن فقدتَني وجدتُك .

 

*

 

وقال لي : لا مَنْع ولا حرمان ، وقال لي : إن حرمتُك أو منعتُك فما حرمتُك ولا منعتُك ، وقال لي: ما أضيقَ المَنْع وما أضيق الحرمان ، وقال لي : لا تحسَبْ كلَّ منع منعًا ولا تحسب كلَّ حرمان حرمانًا ، وقال لي : جُعْ واظمأ ، وقال لي : بعد الظمأ الريّ ، وقال لي : دونما ارتواء ، وقال لي: أنا وحدي ريُّك وارتواؤك أيها الظامئُ لي ..

 

*

 

وقال لي : احمل موسى معك أينما سرت ، وقال لي : إن لم تحمل موسى فاحمل عصاه ، وقال لي : قلبك الطور ، وقال لي : نوري هو النار في الطور ، وقال لي : هو النار في النور ، وقال لي : انفطر في النور فإن لم تنفطر في النور حُجِبْتَ به عنه ، وقال لي : النور عين قلبك فانظر بعين قلبك تنظر النور بالنور ، وقال لي : اضرب بعصاك الحجر ينفجر الماء ، وقال لي : اضرب بعصاك الحجر ينفجر النور ، وقال لي : اضرب بعصاك الحجر .. ، وقال لي: اضرب بعصاك .. ، وقال لي : احمل موسى معك في قلبك ودعك من العصا ودعك من الماء ودعك من النار ودعك من النور .

 

*

 

وقال لي : احفَظْ نوري فيكَ وفي غَيْرك ، احفَظْهُ فيكَ بذِكْري وفي غَيْري بحِفْظي في غَيْري ، وقال لي : النورُ والضياءُ عطيَّتي وتاجي أخلَعُهُ على مَنْ شئت وهديَّتي لمَنْ أشاء ، وقال لي : لا نورَ لك إلا بي ولا ضياء ؛ فأدِمْ ذكري وشُكْرى واذكُرْني واشكُرني ما حييت ، وقال لي : النورُ أوَّلُ الحضور والنورُ سيِّدُ السُتور إن رفعْتُه لك تراني بي لا بنوري ، وقال لي : منه خلقتُ ملائكتي ليسبِّحوني بي وبنوري ويوقّروني بي وبنوري ، وقال لي : أسقِطْ عنك حجابَ مَنْ سواك وأسقط عنك حجابَك تكُنْ مَلَكًا وتمشي بنوري ، وقال لي : نوري في كل شيء فإن رأيتَه بي فاحفَظْه في كلِّ شيء ، واتركْ الزهرةَ على عودها والطائرَ في سمائه والأيْلَ في سهلِه وجبلِه ، وقال لي : الجمالُ بعضُ نوري ، والجلالُ بعضُ نوري ، وأنا نورُ كل شيء فاحفظْ نوري في كلِّ شيء واحفَظْ نورَك .

 

*

 

وقال لي : أنتَ عَبْدُ ربِّ الوجود وعَبْدُ ربِّك وأنا ربُّ الوجود وربُّك ، لا موجود سواي ولا واجد إلاي وما ثم غيري ، وقال لي : فدَعْ عنك قلبَك ودَعْ عنك عقلَك واخلَعْ نَعْلَيْ بدنِك لمَعيِّتي واصحَبْني بي أصحَبْك بنوري ، وفي كل بقعة أُقِمْ لك من فَضْلي طورًا وأُشْهِدْك نارَ محبَّتي وقُرْبي وأَدْعُك بندائي ، وقال لي : في كلِّ بقعةٍ تركتُ لك من ذِكْري علامة وأقمتُكَ عليه لا عليها ، وقال لي : فخُذْ من فَضْلي واسعَ في خَلْقي به وخُذْ من لُطْفي واسعَ في خلقي به ، فما لُطْفي إلا فَضْلي بين عبادي وما فَضْلي إلا لُطْفي ، وقال لي : العبوديَّةُ الحَقّ مَجْلى الربوبيَّةِ الحقّ ، فإذا تحقَّقتَ بعبوديَّتي لم تَرَني بها وإذا تحققت بربوبيَّتي رأيتَني بي وأريتَك بي ؛ فصرتَ شاهدًا مشهودًا واردًا مورودًا وأسقطتُ عنك كلَّ حجاب . 

 

*

 

وقال لي: أنا هو أنا لا أحتجبُ بحجاب ولا أنكشفُ بخطاب ، وقال لي : كل خلق حجاب وكل خرق خطاب ، وقال لي : أنت حجابُ ذاتك فاحتجب عن ذاتك تَرَني ، وقال لي : ما بالُ مَنْ راموا الحجب وانشغلوا بها عني .. !!؟ وقال لي : ارفع الحجب بالرجاء ، وقال لي : ولا نضيع أجر المحسنين .

 

*

 

وقال لي : لا ترجع عنّي أنا القصد وأنا السبيل وأنا حادي العيس وأنا القافلة وأنا الدليل ، وقال لي : ابدأ بالعشق ولا تنتهِ به ، وقال لي : ابدأ بداء القلب ودوائه ، وقال لي : العشق نور العاشق مَنْ سار به وصل ، وقال لي : الزم العشق فهو جناب من لا جناب له ، وقال لي : بالعشق وُجِد الوجود ، وبالعشق استنار كل موجود ، وبالعشق صارت طينة آدم اللازبة مستودع أنوار ، وبالعشق ذرأ آدمُ ذريَّته في الأرض فعمُرَتْ .. وقال لي: الزم العشق ولا ترجع عنّي فبالعشق وحده تصل إليّ، وبي وحدي تصل لعشقك .

 

*

 

وقال لي : خُذْ عطرَ مَنْ تهوى وتنَشَّقْ منه تَحْيَ بعطرِه ، وقال لي : العطرُ حياةُ الفؤاد ، والفؤادُ حياةُ القلب ، والقلبُ حياةُ الجسم ، وقال لي : لا تَحْبِسْ أنفاسَك عن رَوْضِ حبيبك ، وقال لي : روحك مُدّتْ من ضياءِ زَهْرِه وسَمَتْ إلى سمائِه ، وقال لي : ما العطرُ لولا الحبيب !؟ وما الزهرُ لولا الحبيب !؟ وقال لي : ما بين الزَهْر والعطر مثلُ ما بين الذِكْر والشكر ، وقال لي : زهرةُ القلبِ تذوي إن لم تُرْوَ بالدعاء وزهرةُ الروحِ لا تعرفُ الذبول ؛ فتنَشَّق زهرَة روحِك التي هي منِّي ، وقال لي : أنا إن شئتُ لك حياةٌ فوق الحياة ، وعطرٌ فوق العطر ، وزهرٌ فوق الزهر ، ونورٌ فوق النور ..

 

*

 

وقال لي : هي المحَبَّةُ طريقُك والعشقُ دربُكَ الواصلةُ المَوْصولة ، وقال لي أنصِتْ إلى خَفْق قلبِك هو حياةُ قلبِك وحياتُك بي فاسمع خَفْقَ قلبِكَ ورِقَّ له لأنني أَرِقُّ لهُ ، وقال لي : كلُّ موجودٍ بعِشْقِهِ وُجِدَ وبحُبِّهِ عاش ؛ فعِشْ بحُبِّك لي ولا تَعِشْ بحُبِّك ، وقال لي : بين الموتِ والحياةِ شَعرةٌ هي المحبَّة ، وإني واصِلُها ومُوصِلُها بوَصْلِك لها ، وقال لي : الموتُ والحياةُ هما لاشيء للعاشقِ المُحِبّ ؛ فاعرفْ العشقَ وتعلَّمْهُ منّي ولا تتعلَّمْهُ من سواي ، وقال لي : تعلَّمْ دَرْسَ يوسُف واسْكُنْ في العشق لا الغَرَام .

 

*

 

وقال لي : أنت يوسف أو كأنك هو ، وقال لي : لا تبحث عن زليخا في نون العشق ، وابحث عنها في باء الحقيقة ، واستبطن ظاهرك ترى الظاهر والباطن ، وقال لي : باب يوسف الرجاء ، وباب زليخا الأمل ، والعشق باب كل باب ؛ فادخل من باب العشق تبلغ الأمل والرجاء ، وقال لي : أنا مفتاح كل فضل ؛ بي عُرف العشق ، وتحقّق الرجاء ، وأزهر الأملُ في قلوب المحبين ..

 

*

 

وقال لي : هَبْني أن أسمِّيك باسمي فتكونَ عبدًا خالصًا لي وأكونَ وحدي مولاك ، وقال لي : الشجَرُ والحَجَرُ والمَدَرُ يسجدُ لي فاسجُدْ لي وَحْدي ولا تسجُدْ لسواي ، وقال لي : الحجرُ يسبِّحُ والرعدُ يسبِّحُ والمطرُ يسبِّحُ فسبِّحْ لي وسبِّحْ باسمي واسْبَحْ في أسمائي بي ، وقال لي : كن بي ولي حامدًا شاكرًا لفَضْلي ، ولا تعبُدْني على حَرْف واعبُدْني بي يكُنْ لك العَرْشُ سَمَاء والكرسيُّ وِجَاء ، وأحسِنْ إلى نفْسِك بإحسانك للناس وأحْسِنْ إليّ بإحسانِك لنَفْسِك ، وقال لي : القُرْب والبُعْد آمادٌ وأبَاد وعزَّتي فوق القُرْب والبُعْد والزَمَان والمكان ، وقال لي : هَبْ روحَكِ لاسْمِي العزيز واسلك بالعزَّةِ في خَلْقي لي بي ، وقال لي :  ليس ثَمّ بين العَبْد وربِّه حِجَاب فتقرَّبْ لي بي ، وقال لي : أنت حجابُ ذاتِك ونجاتُك بي ، وقال لي : الجنَّةُ والنارُ عَطَايا ، وأنا الجنَّةُ في الجنَّة ، وأنا الجنّة في النار ، والجنَّةُ ونعيمُها لاشيء إلى جوار فَضْلي ، والنار وعذابُها لا شيء إلى جوارِ عذابي وقال لي : رَحْمَتي وسِعَتْ كلَّ شيء .

 

*

 

وقال لي : ابحَثْ عن الكَنْز ولا تَنْتَظر أن يأتِيَك ، وقال لي : في كل خرابةٍ كَنْز وفي كلِّ كَنْزٍ خَرَابة ، وقال : لي الكَنْزُ ابنُ مَحْض الزَكَانة وابنُ فَيْض الذكاء ، وقال لي : كَنْزُك قلبُك وخَرَابتُك قلبُك ؛ فابحَثْ في الخرابةِ عن الكَنْز وابحثْ في الكَنْز عن الخَرَابة ، وتعَلَّقْ بعَقْلك وعلِّقْه بي ، وقال لي : العقلُ عقالٌ فاجعَلْه كذلك ، وقال لي : العَقْلُ عقيلٌ فاجعَلْهُ كذلك ، وابحَثْ عن الكَنْز في قلبِك وعقلِك ، ودَعْ الروح فهي لي وحدي .

 

*

 

وقال لي : أنا مَدارُ كلِّ مَدار ليس لك أن تَبْرحَ حِفْظي ، وقال لي : سِرْ وسِرْ ولا تقْعُد ، وقال لي : اقعُدْ ولا تَسِرْ ، وقال لي : السائرُ خَيْرٌ من القاعِد ، وقال لي : سارَ مَنْ سارَ بي وقَعَدَ مَنْ قَعَدَ بي ؛ فأين هو الفارق بين السائرِ والقاعد !؟ وقال لي : كلُّ مَدارٍ دائرة وليس كلُّ دائرةٍ مَدار وأنا مركزُ كلِّ مدارٍ وكلِّ دائرة ، وقال لي : دُرْ وجرِّبْ مداراتِ قلبِك كلِّها ومداراتِ عقلِك كلِّها ومداراتِ روحِك كلِّها ، وطُفْ بي وحدي في مداراتك جميعًا ، وقال لي : مدارُك دورةٌ بين الروحِ والجَسَد والجَسَد والروح ، وبين الروح والجَسَد والجَسَد والروح نوري الذي هو فيك ، فإذا اكتمل نوري فيك واكتملَ نورُك فذَرْ الروح والجَسَد واسبَحْ في نوري ..

 

*

 

وقال لي: لا تسر إلى أحد في المسير مشقة ، وقال لي : سر إليّ يسر إليك كل أحد ، وقال لي: أنا معك في الإقامة ومعك في المسير ، وقال لي : إنما تسير بي إليّ ، وقال لي : لا تركن إلى عمل ليس لي ، وقال لي : كل عمل هو لي ، وقال لي : اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا ، وقال لي : سر واعمل ، وقال لي : اعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ، وقال لي : سر ..

 

*

 

وقال لي : خُذْ عني و اشهَدْ بي ، وقال لي : ما لم تشهَد بي فشهادتُك ناقصة ، وما لم تأخذ عني فما أنت بمُدْركٍ غَوْثي وغياثي ، وقال لي : كلُّ آخذٍ عني حظِيَ بالقرب ، وكلُّ شاهدٍ بي هو شاهدٌ لي ، وقال لي : انزَعْ عنك غطاءَك ولا تحْتَجب عن حجابك فتُحْجَب ، وقال لي : القلبُ حجاب ، وقال لي : العقلُ حجاب ، وقال لي : الروح واصلةٌ موصولة فصِلْ بيني وبين روحك وصَلِّ لي ؛ فلا يكون غطاءٌ ولا يكون حجاب ، وقال لي : أنا روحُ روحِك وسِرُّ سِرِّك ومشكاةُ يقينك ؛ فما يمنعُك حجاب ولا يحجبك غياب ، فيك أنا حاضر لا أغيب ، وقال لي : فلا تصبِرْ عني لا أصبِرْ عنك ، ولا تقعُدْ عن ذِكْري أُوَاليك بالمَدَد ، وقال لي : أنا مَدُدُك لا الذكر ، وقال لي : بي ذِكْرك إيَّاي وبي شكرك إيَّاي ، وأنا الذاكرُ المَذْكور وأنا الشاكرُ المَشْكور ، وما صبرُكَ إلا بالله ..

 

*

 

وقال لي : اسكَرْ بي واسكَرْ لي أنا خَمْرك وأَمْرُك وعينُ قلبِك التي تراني بها والنورُ الذي تراهُ بعَيْن قلِبك ، أنا النورُ وأنا المرآة وأنت النورُ وأنت المرآة ، وقال لي : كل حُسْنٍ باطية خَمْر ، وكل جمالٍ شرابُ شوقٍ مروَّق ، عينُ كوثرٍ إن خَلُصْتَ خَلُصَتْ لك ؛ فلا تذُقْ العسَلَ في العَسَل ولا اللبنَ في اللبن ولا الخَمْرَ في الخَمْر ولا الماءَ في الماء ، وذُقْ عَسَلي وخَمْري ولَبَني ومائي ، وقال لي : بي صيَّر المسيحُ الماءَ خَمْرًا وبي يصيرُ الخَمْرُ ماءً لك ، وقال لي: مَنْ سَكِرَ بخَمْري مشى على الماء بأمري.. وقال لي : ما الخَمْر !؟ وما الأَمْر !؟ محبِّتي خَمْري !! محبَّتي أَمْري !! طوبى لمَنْ ذاق ..

 

*

 

وقال لي : انتَ فتى العشق سيزعمُه الزاعمون ويطلبُه الطالبون ولن يدركَه سواك ، وقال لي : خلِّ عنك صوتك ، وقال لي : وانزعْ عنك رؤياك وتراءَ لي وحدي ترَني بي ، وقال لي : ما العشق إلا حضرةُ فؤادك في حانِ القُرْب والقُرْب لي والقُرْب بي والقُرْب منِّي ؛ فاجعلْ العشقَ تاجك واجعَلْه رتاجَك وضَعْ قلبَك على رأسِك وسِرْ في هُدَاه ..

 

*

 

وقال لي : يا فتى العشق العشقُ يُحييك إذا متَّ بأنفاسي ، هو مسيحُك فامسحْ به قلبَك ودَعْ روحَك لي ، وتقاسم مع أوليائي كِسْرةَ العشق التي هي منِّي ، وقال لي : ما منِّي شيء إلا هو بي ، والعشق منِّي وبي فأدرِكْه تدركْكَ مشيئتي ، وقال لي : سِرْ بي ولا تسِرْ بالعشق وطُفْ بي ولا تطُفْ بالعشق ، واعرِفْني بي ولا تعرِفْني بالعشق ، إن عرفتَني بالعشق فما عرفتَني وإن عرفتَ العشق بي فقد عرفتَه ، وقال لي : أيها العاشق خُذْ العشق، وقال لي : أيها المعشوق أنتَ لي .

 

*

 

وقال لي : في ماءِ وَجْدِكَ فاسبَحْ وذُبْ وكُنْ بَحْرًا واسقِ قلبَك ، وقال لي : ماانفك البحرُ يدعوكَ فتدعوه ، وقال لي : هَبْ البحرَ قلبَك .. ، وقال لي : في المَدِّ لا تجْزَعْ ، وقال لي : في الجَزْر لا تفزَعْ ، وقال لي : ما جزعتَ أو فزِعْتَ استحالَ بحرُكَ غيَمْةَ واستحالَتْ أنوارُكَ ظلالاً .

 

*

 

وقال لي : لا تقصُدْ غيري بالخطاب وقد عرفتَني ، وقال لي : خطابُك غيري من قلِّةِ المعرفة لا قلِّة العلم ، ومحادثتُك سواي دليلُك إلى غيري لا دليلَك إليّ ، وقال لي : كلُّ خطاب وكلُّ حديثٍ نجوى ؛ فكيف تناجي غيري وأنا اصطنعتُك لنفسي !!؟ وقال لي : الخطابُ بين شاهدين والحديثُ شاهدٌ ومشهود ؛ فخاطِبْني ولا تتحدَّثْ إليّ وذاكِرْني واذكُرْني ،  وقال لي خصصْتُك بحديثي فخُصَّني بخطابك ، وقال لي : ما جعلتُ على قلبكَ ولا روحك من حجاب وأوقفتُك ببابي ؛ فقِفْ وادْعُ قلبَك وروحَك وخاطبني بخطابِ الحب ؛ أحدِّثْك بحديثِ القُرْب وتحظى بقُرْبي وحبِّي ،  وقال لي : في كلِّ خطابٍ حديث وفي كلِّ حديثٍ خطاب ؛ فلا تغفَلْ عنِّي في خطابِك لي ، ولا تغفَلْ عنِّي في حديثي إليك ، وشاهِدْني في كل خطاب واشهَدْني في كل حديث .

 

*

 

وقال لي : بيني وبينك الصمت وبينك وبين سواي الكلام ، وقال لي : إن تكلّمتَ مع سواي حُجِبتُ عنك به ، وإن تكلَّمتَ معي حُجِبْتَ عن سواي بي ، وقال لي : الصمتُ كالصوم جُنَّة والصومُ كالصمت وِجَاء ؛ ما أدرك الروحَ منهما أصابَها ، وقال لي : فصُمْ عن الكلام واصمُتْ عن الطعام وتوضَّأْ بتسبيح النَهْر لا بمائِه ، وصلِّ صلاةَ النورِ في الضُحى وصلاةَ الليل إذا سَجَى ، وقال لي : الصمتُ صلاةٌ بها يرقى قلبُك في مَرَاقي العِزّ وبها تصفو روحُك ، وقال لي : الصمت صلاةُ روحك ووضوؤها والصمتُ حياةُ قلبك ووجودُه ، وقال لي : ناجِني بالصمت وانجُ بي وخُذْ من حديثي زادًا لصمتك ولا تَزِدْ عليه ، وقال لي : الصمتُ طلبُ الزاهدين وأرَبُ العارفين وشرفُ الواقفين ؛ فاصمُتْ واقنُتْ واسكُنْ واكمُنْ وبلِّغْ مني ولا تُبلِّغْ عنِّي ، وقال لي : الصمتُ بلاغةٌ والصمت بلاغ .

 

 

ساحة القطب الشلقامي

1435 ـــ 1436 ه



تعليقات