القائمة الرئيسية

الصفحات

أعيش في دبلن وأفكّر بكِ / ماجد موجد

 

أعيش في دبلن وأفكّر بكِ

ماجد موجد

 
أعيش في دبلن وأفكّر بكِ - ماجد موجد - بيت النص

 
وصلتُ الى هذه الغربة الجميلة متأخراً،
لو كنتُ وصلتُ قبل عشرين عام
لكان في الشارع المجاور
ثمة فتاةٌ تشبه الوردة،
وردةٌ تشبه القمر،
قمرٌ يشبه التفاحة،
تفاحةٌ تشبه الفتاة التي تشبه الوردة،
شعرُها ملفوفٌ
بخيط من الأمنيات الذهبية،
وتحت فمها كلمةٌ تلمع
كأنّها كلمةُ نبيّ،
كلما أكتبُ لها سطراً
أفكّر بكِ لساعتين،
كلما أكتبُ لها سطرين
أبكي في حضنها
وأفكر بحبكِ ليومين،
لكنتُ سعيداً جداً وأنا أبكي،
لكن في الوقت الذي وصلتُ صارت الفتاة زوجةً
وأمّاً لثلاثة أطفال،
ولم يعد بأمكاني مهما فعلتُ
أنْ أشمّ حضنها وأبكي لأجلكِ.
 
وصلتُ الى هذه الغربة الجميلة متأخراً ومرتابا،
كنتُ في الطائرة مثل سمكةٍ
محشورةٍ بين أضلاع الفلّين وحجرِ الثلج،
كانت ابتسامتي
يثلمُها الخذلان والفزع،
كأنَّ سنارةً مسمومةً
انغرست في قفصي الصدري وسحبتني من نهركِ.
 
ها أنا أحاول أن أبحثُ عن عملٍ آخر،
غير ذلك الذي أنهي ساعاتهِ
أفكّر بكِ وبالندم وبالكآبة وبالشعر وبأمراض المعدة
 
حين وصلت متأخرا ومخذولاً،
رأيتُ في الشارع المجاور
امرأةً تدخن بشراهة
أمام أطفالها الثلاثة،
لم يكن الأمر مصادفة
فمنذ ذلك الحين
وأنا أعيش في ظلال أناس يشترون العدم كما يشترون الذهب،
يغطون جماجمَهم
بنبة (مايجروانا)
لئلا يبللهم الصحو،
يأكلون (الحشيش) بالملاعق،
يمسكون لفائف (البانجو)
كما يمسكون أصابعَ أولادهم،
يربون هواء (الأفيون)
في سلال الأحلام،
ويخرجون ألسنتهم لسيارات الشرطة وعلامات التعجب ،
في الصباح يشربون البيرة،
في الليل تطحن النشوة والعذابُ أجفانَهم،
من أنفاسهم تتطاير رائحة المستشفيات،
ومن جروح الجدران التي تنام على ظهورهم،
يتطاير غبار (الهيروين).
 
 يدخلُ الموتُ أبوابهم وشوارعهم بملابسهِ البيضاء ومعوله الأسود،
لا ليسترد الأرواح من مستحقيها،
ولا ليسرقها من قاعات الرقص والهواجس المجنونة،
إنهُ فقط يضعُ بصمةَ إبهامهِ
على وجوههم.
 
أعيش بين أناس
شفاههم ملوثة بالتراب
وأجسادهم تشبه التوابيت.
 
ربما لأني وصلتُ متأخرا
كلُّ شيء حولي
يريد أن يقفز من حياتهِ
ويعود الى القبر.
وأنا أعود اليكِ.

.
قد يعجبك ايضا

تعليقات