القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث الموضوعات [LastPost]

أنا… لا يموتُ أبي / هاجر أبو شعيشع

 

أنا… لا يموتُ أبي 

هاجر أبو شعيشع

 
أنا… لا يموتُ أبي - هاجر أبو شعيشع - بيت النص

 
أقلّب في الصوَر.. ما زالتْ روحي لا تألفُ الغياب، حلمتُ بك أكثر من مرّة، رأيتُك صحوًا مرّات أكثر، يومًا رأيتُ -فيما يرى النائم- أني صليتُ غرب الحرم، وأنتَ في شرقِه، ثمّ فجأة صرنا معًا، يدًا بيد، لأوّل افتراقٍ وأقربه، أنا فوق سطح الأرض، وأنت تحتَها!
كعادتي أعتني بالدعاء، أنتَ تعلم، كما تعلمُ أيضًا أنني غضبتُ من الإمام الذي ركعَ دون أن يذكرَ سادات بني هاشم واكتفى بقولِ «الغائبین». ورغم كلّ هذا أنا لا أصدّق، أنا لا أصدّق انتهاء المزيد منك.. رحلتَ وأنا في انهماك حزمِ العودة لهذا العُمر المسروق.. دُفنتَ وأنا كنتُ في حِضنٍ غير حِضنك أكتم نفسي، وأخفى تورم قلبي عن الغرباء. وأنا لا أصدّق، إنما أبثّ تأخرك شكايةً. كنتَ قريبًا لا أذكركَ أمام الذين بلا آباء، قالتْ لي رفيقة حديثة اليُتم أنها الآن تفضّل الجلوس مع فاقدي الآباء، وأنا بدأتُ أنتبه لتواجد الآباء بالخارج أصلا، ألتفتُ أكثر للآباء الذي يزين رأسهم الشَّيب، من يُشبهك، ولا يُشبهك سواي، من له نظرتك، لا أحد له نظرتك إلّا أنا.. لقد كنتَ كبيرًا، هائلًا، تحملُ كثيرًا من الناس، نحن أحوج لك اليوم ولكنّ الله معنا، وكلّ الجمعات القادمة لا تعدّ بالبهاء، حين لا تقول: “أنتِ فرحتي من بينهم”، والأعياد القادمة لا تتحضّر بالسرور، إذ لن تدخل أنيقًا أوّل الصبح، ومحمد كذلك، يحمل أُنسًا في مطلعِه، وتحمل خيرا في أياديك..
تذهب أبي، مشكلة الحزن أنه لا يأتي بالرّاحة، نظلّ في ألمٍ مستمر، نحتاج لأن نأكل، ننام، نتحدث، ونضحك أيتها الرحمة الإلهية: ذهبتَ إلى ربك، في ذهابٍ لم تتيّسر له سواعدنا، ذهبتَ هكذا، بسهولةٍ وسكينة، وكلهم فجيعة، أنهم قبل ساعة نظروا إلى بهائِك، غرقتَ في بحرٍ عميق، وأنت السبّاح، الذي تعلمتها طفلا في ماء السماء، نذهب من موجك نحو الأطراف، وأنك حامينا -بفضل الله- تحت عين الله، علمتنا كيف نربط سُترات النجاة أولًا، ثم كيف نستغني عنها ثانيا!
لا أحد يعرف كيف، لا أحد يسأل لماذا. كانت ساعتك الفضية متروكة جانبًا، كلحظة قررت الدخول، الدقائق من خانتْك أولا. يقولون أنك شهيد، طوال عمرك في مُعاناة، وأنّك المُحبّ لله، الناس شهود الله في أرضه، شهدوا لك بالخير والصّلاح، يتفلت مني كل هذا، حين أدخل غرفتك مرارا وتكرارا، ولا أجدك في جانبك، وأني أتصنم في الصالة طويلا، ولا تدخل.
هاكَ صدري، أرعى ما تبقّى من أحلامِك، هاكَ عمري، أكمل سني كهولتك من شبابي. هاكَ أنا، كلّي، خذني حكاية لما توحّد من لياليك، وخذني مِظلة عن الشموس التي تؤذيك، وخذني غيمة ترعى ندى ترابِك. يا بابا، أنا هاجر، جوجو، هويجر، هجير، فاطمة، ريم الفلا، زينب، ليلى، أنا بكل ما دعوتني، بأقل مما ظننتني، لا تنسني، أناديك، أبحث عنك، أقبّل وسادتك، أسرق أقلامك -كعادتي طفلةً وشابّة- أُخبّئ خبرا حلوا لك، كلّنا بانتظارك، لا توغل في الذّهاب كثيرا، إنني لا أصدّقهم. تعال أبي، اسحبْ لحافي للصالة، اقرصني، لن أتذمر، أدخل أصابعك في شعري، واسحبها فجأة، ولتمزح أنك عنيت مشطا، لنضحك سوية، لمرة واحدة، لمرة لا تنتهي، مرة بطول الأفلاك، وتوقد النجوم، بطول الأبديّة، أنا هنا، أتوه في مكتبتك، أمام قصاصات بخطك الفتّان، تعال، لمرة واحدة، أقسم أن أقيم لك مأدبة ذكرى في قلبي، لا مأتم عزاء يتحدث فيه الغرباء بسواك. تعال، ليمتدّ جدثك الطاهر فيّ. أيها الرجل العظيم، الكبير، الهائل، سليل الأنبياء اتّقدْ، تذكرنا، نحن الذين غرقى دموعنا. وادعُ لنا ربّك!
 
 

تعليقات