من يوميات ناصر رباح
شاعر من غزة
لسنا حديداً يا إلهي كي يعاد في كل عام صهرنا، لسنا نحاساً أو رصاصاً يطلقونه بين الجيوش ويتركونه بعد انتهاء الحرب محض ذخيرة ورماد، لسنا حجارة يا رب يهدمها الجنود في أعياد ميلاد بناتهم. نحن خلقتنا لنموت نعم لكنها مرة لا ألف، نحن خلقتنا ليكون بيتاً حولنا لا نحن حول البيت نبحث عن بقايا لحمنا. ألست رب الجنود ورب العبيد ورب البيوت ورب الشجر ؟ لما يا رب في كل حرب نحن في المكان الخطأ؟ لا نار كي تخبز الرغيف لنا، ولا نبيذ كي ننسى؟ لسنا حديداً يا إلهي كي يعاد في كل عام صهرنا، لكنه يا رب حتى الحديد له التماع واحد وله صدأ ! يا رب قل لي : ما الخطأ؟
(٨ آذار/ مارس 2024)
☆☆
ها أنت تلقي موعظة بالصمت على كومة الميتين، وتمضي، تماماً كأنك تسأل بائع الخضروات عن شيء، وتمضي.
وهكذا يواصل السبت ركضه متعباً حتى الخميس،
يحاول دون جدوى أن يصدق نشرة الأخبار،
كبيته المهدوم يود لو يفر من ثيابه،
يدور في مكانه من ظهيرةٍ لمساءٍ مثل عقرب الساعات،
يود لو توقف كل شيء؛
: إلى الغد لا تأخذيني أيتها الحرب،
ماذا سأصنع في صبيحة غد يجيء بلا أصدقاء؟
غير أنه لا يجد شيئاً يدل على انتهاء الحرب غير احتمال باهت: أن تصدأ الدبابة الأخيرة،
أو يموت آخر الجنود.
(٧آذار/ مارس 2024)
☆☆
حين أعود من الحرب،
-إن عدت-
لا تنظروا في عيوني،
لا تشاهدوا ما رأيت.
(٤آذار/ مارس 2024)
☆☆
حين دخلت " الميركافا" منتزه "المغازي" لم تكن تشبه آلة لجز العشب، حيث أكلت أشجار السرو والسور الحجري وأراجيح الأطفال، كانت تشبه ديناصوراً على وشك الانقراض.
(٢ آذار / مارس ٢٠٢٤)
☆☆
خارج من البيت
لا عليك، إن لم تجد للبيت حين خرجت أذرعاً للعناق،
إن لم تر عينيه كي تدلهما أين خبأت صرة الأسى،
وإن لم يكن له كتف لتهمس عنده بالمحبة،
وتوصيه على بقية الثياب، على خزانة الصحون، وما تيسر من دواء السعال،
لا تكن ضجراً إن تعلقت بساقيك الذكريات مثل طفلة يتيمة، ولم تشأ البقاء، خذها معك، مثل كيس الطحين وجرة الغاز وقطرة العين، ستجد لها مكاناً حيث تكون.
لا تقل لها بحكمتك البالية: إبقِ، لتؤنسي البيت ولا تدعيه وحده يعبر التجربة،
لا عليك، فالبيت طفلك الذي دللته، صار شابا سيحتمل الوحدة و الرصاص، طفلك الذي ربيته صار شابا سيحتمل الحرب ويتذوق للمرة الأولى لكمات الدبابات،
لا عليك، ستراه متعباً حين تعود إليه، نعم، جريحاً، ربما،
لكنه واثقاً من وقوفه، يهدهد روحه المفتتة، يلم على صدره نوافذه الممزقة،
وأنت كأب يحار كيف يضمد جراح البيت
(١ آذار / مارس ٢٠٢٤)
☆☆
المباني العالية الجميلة، الأماكن الأثرية، الأسواق المبهرة يتم قصفها، لا أهداف عسكرية بها، بل مجرد إنتقام وكراهية ضد كل ما هو فلسطيني جميل.
جيش قبيح يكره الجمال.
(في ٣ كانون الثاني / يناير ٢٠٢٤)
☆☆
لا يجب أن يفكر أحد منا بالخروج من قطاع غزة إطلاقاً، لسنا مثل غيرنا، غزة لنا وليست لجيش الاحتلال، من يخرج سيخرج للأبد. إسرائيل لا تريد الأسرى ولا حماس، إسرائيل تريد الأرض والغاز فقط.
(في ٢ كانون الثاني / يناير ٢٠٢٤.)
☆☆
ومر يوم، ودبابات، والسماء حفل لأطفال على شكل طائرات ورقية، وسالت دماء خلف سيارة لاهثة.
ومر يوم، وطائرات، وخيمة النازحين كانت تراهن الوقت: إن الشتاء تأخر.
ومر يوم، وقناصون، والسوق نفسه لم يجد ملحاً، فقلت: لا بأس، فحزن البائعين كان وفيراً.
ومر يوم، ومدافع، غير أن جنازة جاري بطيئة، فمن يتعجل في مثل وقت كهذا!
ومر يوم، ونشرات أخبار، وجاء المساء، وكان سعيداً قليلاً، حيث وجدنا، ولم يتغيب منا أحد سوى البيت.
(٣٠ كانون الاول / ديسمبر ٢٠٢٣)
☆☆
نحن..
دروع بشرية لبيوتنا،
دروع بشرية لأرضنا،
دروع بشرية لقضيتنا،
دروع بشرية لمستقبل أولادنا.
(٢٧ كانون الاول / ديسمبر ٢٠٢٣.)
☆☆
منذ الأمس، لم يتوقف القصف لحظة واحدة..
طائرات ومدفعية على مخيم المغازي للاجئين،
ومعهم من نزحوا نحو الجنوب،
يسكنه حالياً 70 ألف نسمة،
المساحة 3 كيلو متر مربع
تلقى تقريبا 60 طن من المتفجرات،
استشهد اليوم 100 شخص، دمرت مباني وشوارع ومقبرة،
ولم يتحقق أي هدف للجيش "العبقري" .
(٢٥ كانون الاول / ديسمبر ٢٠٢٣)
☆☆
صاروا ٨٠٠٠
أربعة آلاف..أربعة آلاف..أربعة آلاف..
ليسوا أربعة ولا أربعين ولا اربعمئة،
أربعة آلاف يد ناعمة يلمسون الآن باب الله،
رتل ملائكة صغار يغطون سماء الحياة،
الحياة التي تبدو هرمة بلا أطفال،
أربعة آلاف قبلة تائهة في الهواء،
أربعة آلاف فراشة بيضاء بلا زهور تحط عليها،
أربعة آلاف "ماما" لن تقال،
أربعة آلاف "بابا" تفتت القلب صباح مساء،
أربعة آلاف حذاء ملون تحت الأَسرة الفارغة،
أربعة ألاف حقيبة مدرسية تحرس أحزان البيوت،
أربعة آلاف شطيرة صباحية على الطاولات لن يأخذها أحد،
أربعة آلاف دراجة معطلة على الطرقات،
أربعة آلاف لن يعبروا باب المدرسة،
لن يذهبوا لاحتفالات التخرج،
لن يشتروا ملابس العيد،
لن يكون لهم أصدقاء،
لن يسألهم أحد عن أمنياتهم حين يكبرون،
فقط جالسين للأبد جوار نهر الدموع.
أربعة آلاف صورة على الحوائط،
في جيوب أربعة آلاف أب يشربون اللوعة،
عصافير جائعة على شبابيك أربعة آلاف أم ينقرون خبز القلب،
أربعة آلاف رائحة لن تغادر وسائدهم،
أربعة آلاف كتاب يتراكم عليها غبار الإشتياق،
أربعة آلاف ضحكة أبدية تكسر زجاج الوقت،
لن يكبروا، لن يغادروا المشهد الأخير،
لن يخرجوا من تحت الركام،
لن يجدوا سيارة إسعاف،
لن يصلوا إلى المستشفى،
لا مشيعين معهم في الجنازات،
لا ورود على قبورهم،
فقط أربعة آلاف في نشرة الأخبار.
(١ كانون الأول / ديسمبر ٢٠٢٣)
تعليقات
إرسال تعليق