أجمل بيوتُ سجُد
محمد ناصر الدين
لا يغيب عن ذاكرتي ذلك اليوم الذي عدتُ فيه من فرنسا بعد التحرير، كانت بيوت سجد المهدمة تشاد واحدًا تلو الآخر، اخذتني في جولة بالسيارة على بيوت القرية،:هذا بيت خالك، هذا بيت ابن عمتك، هذا بيت فلان. لم يعجبني المعمار الهندسي لواحد من تلك البيوت وعبّرت عن ذلك أمامك، قمتَ بركن السيارة على طرف الطريق وأخذتَ تسحب من سجائرك واحدة تلو الأخرى، كما كنت تفعل عند الفرح الشديد أو الحزن. "لكني لم اقل شيئًا يا بابا عن صاحب البيت". ربتت يدك على كتفي ثم قلت: "ان كنتَ تحبني يا محمد قل إن هذا اجمل بيوت سجد. لا أريدك حتى أن تطعن في أذواق من يحبونك". اليوم أخذتُ عهدًا من ابني الذي يحمل اسمك ان لا ينسى أن له في تلك الأرض بيتًا وأصلًا وترابًا وتينًا وزيتونًا وحديقة، وأن يحمل ابنه على ركبتيه على المصطبة ذاتها كما كنت تحملني ارتب لك أوراق اللعب حين داهم بيتنا الصهاينة في تلك الليلة من سنة ١٩٨٤، أن يزور قبرك في الشتاء ويقول عن كل بيت من بيوت الأحبة: هذا أجمل بيوتُ سجُد.
تعليقات
إرسال تعليق