هذا الشتاء
من يوميات يوسف القدرة
في المخيمات، الشتاء يأتي محملاً بالثقل لا بالجمال. الحماس الذي كنا نشعر به لبرودة الطقس، للمطر الخفيف على النوافذ، ولرائحة القهوة التي كانت تتسلل عبر دفء البيوت، أصبح ذكرى بعيدة لمن يسكنون الخيام. فصل الشتاء هنا لا يعني الاستمتاع بملابس ثقيلة أنيقة أو لحظات تأمل تحت السماء الرمادية؛ بل هو خوف متجدد من الطبيعة التي كانت، فيما مضى، رمزًا للسلام الداخلي.
في المخيمات، القليل من المطر يصبح طوفانًا. الريح التي كانت تداعب الوجوه في نزهة شتوية تتحول إلى عدو يسلب الدفء من الخيام الهشة. في كل هبة ريح، يمكن سماع الصرير المخيف للقماش الذي يحاول الصمود. لا جدران تقيك من البرد، لا نوافذ مغلقة تحجب المطر، ولا سقف يُعتمد عليه لحماية الأطفال النائمين. فقط خيمة، بالكاد تقف، تتمايل مع أولى قطرات المطر، ثم تستسلم تمامًا عند أول عاصف.
الشتاء في المخيمات هو انتظار دائم للكارثة. حين تتجمع الغيوم في السماء، تبدأ القلوب بالخفقان، ليس بسبب الجمال، بل بسبب الخوف من الغرق. الخيام، مهما كانت محكمة الإغلاق، تسرب الماء، وأحيانًا تنهار. الأطفال الذين كانوا يلهون بارتداء معاطفهم الثقيلة يتحولون إلى عابري أقدام في الطين، بينما الآباء يحاولون بلا جدوى تجميع المتاع الناجي من الطوفان داخل خيامهم الغارقة.
وفي ظل كل هذا، تفقد القهوة طعمها. لا مجال للاستمتاع بلحظة دفء، فكل لحظة هي معركة ضد البرد والرطوبة. النار التي كانت تجمع العائلة حولها لتروي القصص، أصبحت بعيدة المنال. وأصبح الشتاء مرادفًا للصراع المستمر، ليس بين الإنسان والطبيعة فحسب، بل بين الأمل واليأس، بين القدرة على التحمل والرغبة في الاختفاء.
هذا الشتاء في المخيمات لا يشبه الشتاء الذي كنا نعرفه؛ هو فصل بلا ذكريات جميلة، بلا دفء، بلا حب حتى. هو مجرد قتال يومي ضد الظروف، انتظار مستمر للانفراج، وتذكير دائم بأن الغرق ليس فقط تحت الماء، بل في أعماق النفس، حيث لا حيلة ولا مهرب.
تعليقات
إرسال تعليق