القائمة الرئيسية

الصفحات

تُزفّ الطهارة إلى من سيذبحها .. / محمود الجبري

 تُزفّ الطهارة إلى من سيذبحها ..

محمود الجبري


تُزفّ الطهارة إلى من سيذبحها - محمود الجبري - بيت النص


يمشون بها محمولةً كطفلة مغطاةً بالقماش الأبيض. يهمسون ، يوزّعون الصمت على الأرصفة شيءٌ ما يشبه الفرح، شيءٌ ما يشبه الجنازة. في الطريق تصمت الأحجار. ينسحب الغبار من وجهها كأنّه يخجل. كل شيء يتهيأ لمشهد واحد: طهارة تُسلَّم للسكين ..
غزة تعرف ، لم تعد تحتاج شرحًا. الوقت مكسور ، النهار بُتر، والليل تأخّر في الحضور. في يدها قميصها، وفي يدها الثانية صورتها . لا تسأل لا تبكي لا تشتكي. تمشي كما تمشي الأغنية القديمة في بيت خالٍ
الجدران تتذكر ، وأصوات الأطفال ما زالت تهيم في الزوايا. الأمس لم يُرفع من المكان، ما زال راكعًا، يطلب أن يعود نهارًا واحدًا فقط. ليعتذر .. السكين لا يرتجف. العيون التي تشاهد لا تغمض. الأيدي التي صمتت كتبت كلماتها على جدران العالم: نحن آسفون، لا نملك سوى النظر . يا لحياد السكون ..
الطهارة تسقطُ في جسدٍ هشٍ . لا مكان للبراءة في الأبواب المفتوحة على السماء. كل شيء يُجَرَّب، كل شيء يُستهلك .
تنتظر غزة مساءً عادياً، خبزًا دافئًا، بابًا يُغلق من الداخل، صوتًا مألوفًا في الممر. لا يصل شيء الوقت ناقص . النوم لا يكتمل. النشيد في خرسه. كل شيء يتوقف قبل الوصول، المدينة محكومة بالشلل.
الطفل الذي نام قرب أمه لم يعد يعرف ما إن كانت نائمة. الضوء الذي كان يُمسك الهواء، تعب من الإمساك. الأسماء سقطت من دفاتر المدرسة، وظلّ المعلم يشرح لوحده: هذه غزة، وهذا دمها وهذه قصّتها ..
الطُهْر يُهدى للجلاد. الدم يُسكب ببطء يعتذر للطين. والمشهد يُعاد كل يوم بنفس التفاصيل بنفس النهاية. شيء واحد وحيد يتغيّر: عدد الغائبين .


قد يعجبك ايضا

تعليقات