حين تغرب البلاد الجميلة
عيسى مخلوف
(1) المـنــام
ألنّاجون من الحروب قتلَهم ظنّهم بأنهم أحياء.
فاصل بين وهمٍ ووهم.
مرفأ يولولُ بين النّسوة.
(2) يفتح النّدى مزاليج النهار
يفتحُ النّدى مزاليج النهار على مزيدٍ من الدم.
صباح الخير أيها الماء الحزين المتدفّق من طفولتنا.
صباح الخير أيها الزّبد المتلوّن بالمواعيد.
بعد قليلٍ، يرتفعُ البحر إلى أعلى الصّواري ويبدأ السفر.
(3) تعود السّفن
تعود السفن إلى الشاطئ هامدةً.
أولئك الذين بلغوا الضفة الأخرى
ينظرون إلينا ويضحكون.
(4) كانت الشجرة
كانت الشجرة ترمقني بأغصانها حين وددتُ الرحيل ولم أرحل.
وضعتُ الغروب تحت إبطي ومشيتُ بين الفواصل على غير هدى.
(5) بعد كل صاعقة
بعد كل صاعقةٍ يستجمع الضوء قواه،
بعد كل عاصفةٍ تحصي الغابة أشجارها.
إنه بدء السفر يعلنه القادمون من غير قدوم،
الراحلون من غير رحيل.
(6) دفء
أنحتُ حروباً بأحجامٍ صغيرة.
أنحرُ الندى على مرأىً من الصباح.
لتكن عتبات المنازل. وإذ يهتدي البحر بي،
أرفع الصواري إلى ماءٍ مؤاتٍ. أجمع الوجه
أوحّده ولا تطالعني ثيران الحشود.
في أقصى الليل ضوء مُسَجّى يتحرّك تحته
القتلة والمقتولون.
(7) كيف نجوْتُم؟
كيف نجوْتُم؟
كانت اليابسة أمامنا كتلة نار
كيف نجا صوت المغنّي من الحريق؟
(8)سها القمر
سها القمر وأمسى مضحكاً
شمعةً واحدةً يتدافع النّيام
في الممرات كثُرٌ لكنهم في النوم
خفيفون شرايينهم وراءهم
كأنابيب خارج المستشفى.
(9) أحدٌ لن يعود
أحدٌ لن يعود من الذين مضوا.
الشجرة التي تحتها يتبارزون ترشف نُسغَها على مهلٍ.
ترى إلى ظلّها كما المرأة إلى المرآة.
تحوكُ المساءات البطيئة بغُصنٍ من هنا وغصنٍ من هناك.
شجرةٌ تنضجُ ثمارها في النوم.
(10) ليمهلني النوم
ليمهلني النوم لأنّ عدد الجرذان فاقَ عدد القتلى.
أصنع من أحلامي حيواناتٍ.
على المائدة خوفُنا مستديرٌ كصَحْن.
(11) ألا تتساءل
ألا تتساءل: كيف يموت مَن كان حياً؟
تكتب قصيدتَك وقوفاً وتُدندن. تقهقه على مرأى من الجالسين.
تدور على نفسك دورتَيْن ثلاثاً. تُحَوّل البذار إلى ثمار، دفعةً واحدة.
أليست هي قدرة المُهرّج، دائماً، على إرباك الوقت؟
والصّاحون لا يُفاجَأون: كلّما أحدثتَ شرخاً في الكلمات،
أحدثتَ شرخاً في القسَمات.
ألا تتساءل، كيف يموت مَن كان حياً؟ أيّ غصنٍ إذا ما حطّ عليه الطير يطير، فاضحاً سرّ الأغصان إلى الطيران. أيّ جناحٍ ينكسرُ في الهواء، حين تغربُ البلاد الجميلة عن البلاد الجميلة.
تعليقات
إرسال تعليق