مختارات من شعر جئورج تراكل / ترجمة عبد الوهاب الشيخ

 

مختارات من شعر جئورج تراكل*

ترجمة عبد الوهاب الشيخ

 

جئورج تراكل - ترجمة عبد الوهاب الشيخ - بيت النص


جرودك

 

في المساء ترجِّعُ الغابات الخريفية

أصداءَ الأسلحة المميتة,

وفوق السهول الذهبية والبحيرات الزرقاء,

تتدحرج الشمس المكفهرَّة للأمام,

يطوِّق الليل المحاربين الموتى,

النحيبَ الوحشيَّ لأفواههم المحطمة,

بينما في صمت تتجمعُ في قاع الصفصاف

سحابةٌ حمراء , فيها يعيش إلهٌ غاضب.

الدمُ المراق ذاته,

برودةٌ قمرية؛

وجميع الطرق تُفضي إلى عفونةٍ سوداء.

وتحت الأغصان الذهبية لليل والنجوم

يتمايل ظلُّ الأخت عبر الغابة الساكنة.

ليحيِّي أرواحَ الأبطال,

الرؤوسَ الدامية؛

وبنعومةٍ تعزف ناياتُ الخريف المعتمةُ

داخل القصب.

أيها الحداد المهيب،

يا مذابحَ الكنائس الصفيقة،

اليوم تغتذي شعلةُ الروح الحارة

بألمٍ جبار:
ألمِ الأحفاد الذين لن يولدوا.

 

مساء شتوي

 

عندما يتساقط الثلج بإزاء النافذة,

عميقًا يقرعُ ناقوس المساء,

المائدة معدَّة من أجل كثيرين

والبيت مزوَّدٌ بالخير الوفير.

العديدون في تَجْوالهم

يُقبلون نحو البوابة على الدروب المعتمة.

بلونٍ ذهبيّ تزهر شجرةُ النعمة

من أثر عصارة الأرض الباردة.

يخطو المتجوِّل في هدوءٍ إلى الداخل؛

آلامُهُ حجَّرتْ العتبة.

وهناك في سطوعٍ نقي ّ

يتوهَّج على المائدة الخبزُ والنبيذ .

 

أبواق

 

أسفل أشجار الصفصاف مجزوزةِ الفروع

حيث يلعب الأطفالُ السُمْر

وتُفرخ أوراقُها

تدوِّي الأبواق.

رعشةٌ في فناء كنيسة.

رايات من القرمز تهوي

أثناء حداد شجرة القيقب.

الخيَّالة بامتداد حقول الجودار،

طواحينُ فارغة.

أو يترنم الرعاةُ ليلًا

وتخطو الوعول صوب دائرةِ نيرانهم،

حدادُ الغابة القديم،

أشكالٌ راقصةٌ تعلو أمام حائط أسود،

راياتٌ من القرمز، ضحكاتٌ، جنون، أبواق.

 

أغنية غريبة

 

آه أيتها الخفقةُ الليلية لجناح الروح :

ذات مرة أيها الرعاةُ مضينا بحذاء الغابات المعتمة

والظبيُ الأحمر,
والنبعُ ذو الخرير أطاعوا مذعنين

آه يا نغمةَ الجندب القديمة,

أيها الدمُ المزهر على حجر المذبح

ويا صرخةَ الطائر الوحيد فوق سكون البركة الأخضر.

آه أيتها الحملاتُ الصليبية
ويا عذاباتِ الجسد الوهّاجة,

يا تساقطَ الفاكهة الأرجوانية

في حديقة المساء.

حيث فيما مضى سار الحواريون التُّقاة,

الآن يستيقظُ المحاربون من جراحاتهم

وأحلامِهم بالنجوم.

آه أيتها الباقةُ الليلية الرقيقة

من زهور الحنطة.

آه يا أزمنةَ الهدوء ويا فصولَ الخريف الذهبية,

حين عصرنا نحن الرهبانَ المسالمين

العنقودَ الأرجوانيّ؛

ومن حولنا أومض الثلجُ والغابة.

آه يا رحلات الصيد ويا أيتها القلاع؛

يا سكونَ المساء,

حين تدبَّر الإنسانُ في حُجْرتِه العدل,

وجاهد في صلاةٍ خرساء لرأس الرب الحيَّة.

آه يا ساعةَ الغرق المُرَّة,

عندما نبصرُ وجهًا حجريًّا في مياهٍ سوداء.

بينما في بهاءٍ يرفع العشاقُ أجفانهم الفضية:

عائلةٌ واحدة. يفوح البخور من وسائدهم

الورديّة ومن الأغنيةِ العذبة

للناهضين.

 

أنشودة الراحلين

 

في تناغم تام تحلق الطيور,

احتشدت الغاباتُ الخضراء في المساء

داخل الأعشاش الهادئة؛ 

ومراعي الظبي البللورية.

رذاذُ الجدول يلطِّف ما هو معتم،

الظلالُ الرطبة

و أزاهيرُ الصيف التي تخشخشُ

مؤتلقةً في الريح.

يطوي الغسقُ جبهةَ الإنسان إذ يفكر.

و تنير الطيبةُ كمصباحٍ صغير في قلبه

و السكينةُ التي تحف الطعام،

لأن الخبز والنبيذ مكرسان بيديّ الرب،

و من أعين الليل يتطلع إليك الأخُ في هدوء،

عسى أن يستريح من تجواله الشاق.

يا له العيش في زرقةِ الليل المفعمة بالحياة.

بمحبة أيضًا يحتوي الصمتُ في الحجرة

ظلالَ العجائز،

العذاباتِ الأرجوانية،

نحيبَ أسرةٍ عريقة تتلاشى الآن مذعنةً

في حفيدٍ وحيد.

لأنه دائما من الدقائق السوادء للجنون

تستيقظ المعاناة الصبور أشد بهاءً

إزاء العتبة المتحجرة

وفي حضن قوي تأخذك زرقةُ النجوم الباردة

وتحوُّلُ الخريف الوهاج،

البيتُ الهادئ وأساطيرُ الغابات،

المعيارُ

و القانون

ودروبُ الراحلين المقمرة.


 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* جئورج تراكل(1887 - 1914) شاعر ألماني شديد الوعي بما في الوجود من شر. حلت به اللعنة منذ مولده؛ فأدمن المخدرات وتورط مع شقيقته في علاقة آثمة. تمثل القصيدة بالنسبة له قبضة حقيقية على جوهر الحياة. مات منتحرًا بعد موقعة جرودك التي شارك فيها ضمن فرقة العاصفة. ويعد أهم شعراء المدرسة التعبيرية.

تعليقات