تقاعد
(إهداء إلى: محمد الصغير أولاد أحمد)
كل شيء أحمر بالشمس
البيوت الخشبية
البشر
الحيوانات
وحتى الجبال البعيدة
أغسل ثيابي بيدي وأنشرها فوق الصبّار
أقف قبالتها عاريا
تجف في رمشة عين
أرتديها بسرعة قبل أن يذرق فوقها نسر
لا يعرفون من أنا
لم يسبق لي أبدا أن تحدثت في الحانة عن حياتي
لأجل ذلك أكتفي بكأس ويسكي واحدة
مع كثير من الثلج
جالسا بطريقة حارس حقل الألغام
مغطيا عيني بالقبعة
وممددا قدميّ فوق الكرسي المقابل
راقصة الحانة الشابة
تصعد فوق الطاولة أثناء احتدام الرقص
نصفق لها متمايلين مقهقهين محدقين فيها من الأسفل
رافعين الأنخاب في اتجاهها
ركبتاها تتلامسان
نادرا جدا ما ترتدي بيكيني
الجميع هنا يحب الحياة في عائلات وسط زوجة رشيقة وأطفال وعمات وخالات
وجدّات فكهات
والرقصَ
وأعيادَ الميلاد الكثيرة
ووصولَ سيارات الْجِيبّْ بمزيد من المؤونة والشراب
والسلاح
لا يعرفون من أين أتيت
ولا متى سأغادر
أنا الغريب الوحيد هنا
ينادونني العجوز الطيب
و"يعزمون" عليّ في الحانة لأشرب مجانا
كل مرة على حساب واحد أو واحدة
استعملت جيدا مواهبي القديمة في العِرافة
أبدو أمامهم رجلا رزينا
وحكيما
ككاهن
بشعري الفضي وحاجبيّ الكثّين
وقصر قامتي
وبطني البارزة قليلا من القميص كمحاسب
ومشيتي التمساحية البطيئة
عارفا بأسرار المستقبل والماضي
أعطي للرجال وصفات مجربة لتقوية الباه
بخلط أعشاب صحراوية بدم الضب
وشربها قبل المعاشرة بنصف ساعة بتوقيت النجوم
وأقرأ للنساء الجميلات الفنجان
الجميع يحبونني هنا
راقصة الحانة تجلس أحيانا فوق ساقيّ الممدودتين على الكرسي
بطريقة معاكسة لي تمكنها من مد قدميها الحافيتين، كخطّافين ناعمين، في اتجاه كتفيّ
تطوق بهما عنقي
بينما تنحسر تنورتها إلى نصف عجيزتها
تسحبني إليها أمام الجميع
وسط صياحهم وقهقهاتهم وتشجيعاتهم وقرع أنخابهم
أحدهم يصرخ: قبّليييييه..
الآخر يصرخ: هذا العجوز يلائمك..
الجميع يقهقه بألفة وسعادة
قالبين كؤوس البيرة العملاقة في الهواء
من أجل تجرع آخر قطرة
أنا أيضا أحبهم جميعا
سوى أن
كل ذلك
لم يمنع أبدا
أن يتدلى من حزامي باستمرار
مسدس صغير
ماسورته كبيرة وصلبة كخصية الخنزير
محشوة عن آخرها
بالرصاص
أقف كل مساء وحيدا عند نافذة غرفتي في الأوتيل الخشبيّ
المكتراة لسنة
بثيابي الرسمية
وحذائي ذي المهماز
وقبعتي
ومسدسي
شكل السماء لا يتغير أبدا في هذه الصحراء
إنها بلا سحاب في النهار
وآجورية دائما كل مساء من دون ملائكة
تطرق الخادمة العجوز الجميلة الباب
تفتحه بقدمها
تضع صينية الطعام فوق السرير كالعادة
لا ألتفت إليها
أظل ساهما أتأمل الأفق الخاوي، كتمثال، والغبارُ يتراقص في أشعة الأصيل
هذا لا يعني بالضبط أني أحبها
أو أني لا أحبها
قرأت فنجانها ذات يوم
أخبرتها أنها ستتزوج غريبا
بهذه الطريقة أضمن بيتا يوما ما في هذه الصحراء
عوض السكن إلى الأبد في أوتيل بلا نجوم وبلا سياح
وامرأةً تطبخ لي
تمنحني ذكرياتها
وشعرها الأشيب الناعم في الليل
لأضفر فيه الساعات
يمكنني أيضا تخمير العنب في البيت
شرب أكثر من كأس واحدة مجانا
تربية ببغاء كبيرة
زراعة الخضار والماريخوانا في الشرفة
في أصص فخارية كبيرة
والتنشين بالمسدس
على النسور
تجاوز عمري الخامسة والثمانين
هذا صحيح
سوى أني ما زلت قادرا على فعل أشياء كثيرة
كالضابط المتقاعد
ارتداءَ قميص أنيق بمربعاتٍ صغيرة وشارةٍ شبه ذهبية على الصدر
السهر في الحانة كل مساء
كتم كل شيء عن حياتي القديمة
والزواج بخادمة الأوتيل
أو براقصة الحانة
أو ببائعة الفستق المرافقة لسيرك الغجر المتجول
دون حتى حاجة إلى مهر وصداق
أو إلى عرس
مازلت قادرا على فعل أشياء كثيرة مهمة
سوى أن هذا الأمر كله
يبدو
في هذه الصحراء
دون جدوى