نصوص
البحري مصطفى
1
في مطبخ أمي تعودت على طبخ أحلام أسرتي النيئة
لإنضاجها كنت أحتاج لمهارات خاصة .
الطبخ .
أذكر أني أنضجت حلم أخي الأكبر
فصار صيادا ماهرا
رجع من أمسية صيد بقمر صغير
يجره خلفه بحبل .
وأذكر أني أنضجت أيضا حلم أمي
صارت شجرة
شجرة كستناء بعيون شديدة
اللمعان
كان حلم أبي جميلا وناعما .
لم يصدق عينيه حين رفرف
برشاقةِ فراشةٍ إلى أعلى الشجرة
شجرة الكستناء .
لكن حلمي أنا كان الأصعب . لم
أستطع إنضاجه
حتى الآن.
وكانت أسئلة أختي الصغيرة
تحاصرني في كل مرة :
( ألم تصِرْ بعد مصباحا سحريا
يضيء عتمة العالم ؟ )
2
نوستالجيا
أعرف ،
لا أجدني بين ذراعيك الناعمتين
سأشعر بالغربة
والبرد
وسأتذكر كل الكلام الذي كنا نقول
وكل الكلام الذي لم نقل
وكل الوهم الذي كان يشعل
رأسينا الصغيرتين
أعرف ،
سيأتي يوم
نكون فيه على طرفيِّ الكون
انت هناك ،
على حافة الوقت
وانا هنا،
هنا في مفترق الطرق
أحاول
أن أجد تفسيرا مقنعا
للون فستانك
وأنت تصعدين سلم الغياب
مر وقت طويل
وأنا
أحاول أن أفتح نافذة صغيرة
أعلى رأسي
نافذة تطل على كمنجات
عصافيرك النائمة
3
ورطة
خرجت أبحث عن شيء
نسيته
خارج البيت .
ليس معطفي بالتأكيد
( أخشى البرد كثيرا )
وليس صديقا
( أصدقائي معظمهم
غادروا البلاد
أو غادروا الدنيا )
خرجت أبحث عن شيء ما
لا أعرف بالضبط
عما أبحث
لكن واحدا من رؤوسي
المتعددة
يلحُّ علي
بمواصلة البحث .
الأشياء حولي
تبدو ضبابية جدا
( ليس ارتفاع الضغط
بالتأكيد
لا أنسى حبة الصباح )
مزاج قدمي متعكر جدا
مازلت أبحث
تاهت بي الطرقات
والمقهى الذي اعتدت
الجلوس به
لم يعد موجودا
( أو ربما تهت عنه )
توقفت
عند منعطف الطريق
تحسست
كامل جسدي .
[ ربما كنت أبحث عني ]
4
مزاجي سيء جدا
لا أضمن ماذا سيقع
لذلك
نصحتني نادلة الميراسول
بالعودة إلى البيت
في طريقي
كلبي العصبي ميلاو
لم يكف عن مضايقة الراجلين
وسائقي السيارات
أيضا .
فكرت في تغيير ساعة اليد
ربما توقيت البحر
لا يلائمني اليوم
ولا يلائم ميلاو كلبي العصبي
في شارع المحيط
تبدو الشمس عنيفة جدا
والمارة المسرعون
لا يردون التحية
سأكتفي بتحية
سيدة على ملصق بسينيما
( كوليزي )
عيناها النفاذتان
مثل يود البحر
تخفضان قليلا من مستوى
ملوحة الوقت
أنا وميلاو
نحسن قراءة الطقس :
انقلاب جوي في الأفق
لذلك علينا أن نبحث فورا
عن مظلة
تحمينا
من
رصاص الوقت .
5
أغير ملابسي كل مساء . أحب الأسود . أمي كانت تقول لي : الأسود لون الأنبياء . كل ليلة باردة أستضيف في بيتي مشردين وحمقى . يشربون شايا ساخنا ، ثم ينصرفون .
صيادو القرية كانوا كلما صادفوني يطلبون مني أن أفتح لهم باب بيتي على التلة كي يتركوا لي حصة من السمك . كنت أعتذر . أمي كانت تقول لي : الأسماك آلهة آبائنا الأولين .
6
يقرأ الشاعر من صفحته الأخيرة .
تطير فراشات مورفو من قصيدته .
تطير دُورِيات بيضاء
الجمهور يصفق للفراشات وللدوريات البيضاء
وللشاعر الذي فتح باب قصيدته
لمخلوقاته الغريبة
يقرأ الشاعر
ينتفض النهر الجالس في آخر القاعة
يقرأ الشاعر
تمشي صنوبرة بين الصفوف
يقرأ الشاعر
تطل سحلية من نافذة
أعلى القاعة
يقرأ الشاعر
تضج القاعة بالحياة
