عندما أحبت آن سكستون راهبًا!
نك ريباترازون
ترجمة: أسماء ياسين
هكذت بدأت إحدى رسائلها إليه، قبل يومين من عيد الحب عام 1962 "أنت أكثر وسامة من أن تكون راهبًا… عينان رائعتان!".
احتفظت آن سكستون بصورة الراهب فوق مكتبها، ليكون مصدر إلهامها بعيد المنال، قريبًا كلما كتبت قصيدة.
بدأت آن الكتابة عام 1957. ووصفت ذلك بأنه "نوع من الولادة الجديدة" بعد انهيار عصبي. ظهرت أعمالها المبكرة في مجلة هدسون ريڤيو، وأنتيوش ريڤيو، وكريستيان ساينس مونتور، ونيويوركر. وصدر ديوانها الأول "إلى بيدلام وجزء من طريق العودة" عام 1960.
بينما الكتاب قيد النشر، كتبت آن إلى الشاعر و. د. سنودجراس "من المؤكد أني لا أؤمن بالله أيضًا، وهذا مُحزن". وكتبت عن صديقتها روث سوتر، التي اعتنقت الكاثوليكية، وأهدتها صليبًا، مقترحة عليها أن تذهب للاعتراف، بعد أن اعترفت آن بأنها أجهضت. نصيحة غريبة! لم تكن سيكستون كاثوليكية، مع أنه في إمكان المرء أن يصفها بالكاثوليكية الفاضلة.
أعادت آن الصليب إلى سوتر، وقالت "أعتقد أنني كنت مهددة بالوقوع في حبه". ثم كتبت قصيدة "رحمة بالجشعين"، وأهدتها إلى سوتر "إلى صديقتي روث التي تحثني على تحديد موعد لسر الاعتراف". تجسد قصيدة آن إحساسها الديني: "أمقت خطاياي/ أحاول أن أؤمن/ بالصليب. ألمس وركيه الرقيقين، ووجهه الداكن الفكين/ وعنقه الصلب، ونومه البني". ترغب في أن تؤمن "لكنني لا أستطيع. الاحتياج ليس هو الإيمان". ومع أنها ترتدي صليب صديقتها الذي "يداعبني بخفة كما قد يفعل قلب طفل"، فإنها "ولدت/ تمارس دور مرجع الخطيئة، ولدت/ معترفةً بها".
في صيف 1961 استقبلت رسالته الأولى.
ومن بين جميع رسائل المعجبين بكتابها الأول، أسعدتها رسالته بشكل خاص. يا لها من مفاجأة: رسالة من راهب بندكتيني. تخبره أنها تعمل "ببطء" على كتابها الثاني "أتأرجح على بحر ثمل، وأزحف بين الحصى والأسماك البطيئة، لا أعرف أبدًا ما إذا كان أحد سيحب أي قصيدة". تعترف "لا أعرف الكثير عن حياة الراهب (هل تكتب راهب بأحرف كابيتال؟) لكنني أود أن أعرف". لطالما شعرت آن بجاذبية الدين، وتحديدًا بغرابته. كان إيمان عائلتها البروتستانتي غريبًا ورسميًّا. أما في الكاثوليكية؛ فقد استهوتها كل تلك الدماء والأحشاء والأغنيات والخطيئة.
تكتب له "صدقني، أنا أعتز بفكرة صلواتك ومقاصد قداديسك النبيلة (في حال كان ذلك صحيحًا، أقول لصديقتي الكاثوليكية... في حال كان ذلك صحيحًا، أقول لنفسي، وأتمنى أن يكون صحيحًا، في نهاية المطاف)". وتدرج اقتباسًا من عالم اللاهوت الأب رومانو جوارديني، ستستخدمه لاحقًا عنوانًا للقسم الثاني من كتابها التالي "كل جميلاتي" (1962) "لا أريد إنسانية شاحبة - إذا لم يكن المسيح هو الله، فلا أريد شيئًا منه؛ سأشق طريقي في الوجود وحدي". ترسل له بعضًا منها، آملة أن تسمع منه المزيد: "رسالتك تسعدني كثيرًا وتخيفني كثيرًا".
لا نعرف اسم الراهب. أعطته ابنة آن، وهي تجمع رسائل والدتها، اسمًا مستعارًا هو الأخ دينيس فاريل. كان شابًا، معلمًا.
هل أحبها الراهب؟
يوم الأحد الكاثوليكي، في عيد الحلول، كتب إليها رسالة طويلة، من عشر صفحات، لكنه لم يرسلها. بل أرسل رسالة قصيرة وصليبًا. فصنعت قلادة من الدوبارة، وبدأت ترتدي الصليب قائلة "لن أرتديه أبدًا دون شعور بالتواضع والوعي".
في 22 ديسمبر 1961. ردت عليه "أنا متأثرة للغاية"، وشكرته على "الثلاثين قداسًا"؛ وهي ممارسة كاثوليكية تتمثل في 30 قداسًا تُتلى على روح المتوفى. بعد منتصف الليل كتبت رسالتها إليه، بينما الجو بارداً، وندف الثلج تتساقط، و"المناظر الطبيعية مشتعلة بضوء القمر". تعترف له "أفكر فيك بطريقة ما... لأنني أرتدي صليبك على ما أعتقد". تفكر في عيد الميلاد، وتعترف: "أتمنى لو أنني أعرفك بشكل أفضل. أتمنى لو كنت أعرف الله بشكل أفضل". وتضيف إنها ستصلي.
وخلال هذه الفترة، كتبت لمجلة فوج مقالاً عنونته "المؤمن الأخير"، عن سانتا كلوز وطفولتها. تتذكر أنها عندما كبرت قليلاً، وأنجبت شقيقتها أطفالاً، كان والدها لا يزال يرتدي ملابس سانتا كلوز. وكانت آن تضع له المكياج: أحمر الشفاه على وجنتيه، و"كميات كبيرة من اللون الأبيض البهلواني على حاجبيه". تتذكر "في تلك اللحظات، وأنا واقفة في حمام بيتنا، في سنوات مراهقتي، أهدهد والدي، وأهمس له في ضوء الخامسة صباحًا، كنت أقرب إليه من أي وقت مضى".
أرسل لها الراهب صورة فوتوغرافية، لم تطلبها، ومع ذلك فرحت بتسلمها، قالت مازحة "الآن وقد رأيتك بوجهك العاري أمامي، أخبرني أنك لست راهبًا على الإطلاق، بل مصارع ثيران". تخبره أنها تكتب مسرحية من فصل واحد، تضم طبيبًا نفسيًّا وكاهنًا وامرأة لديها رؤى للمسيح. مرة أخرى تقدِّر صلوات الراهب، لكنها لا تشعر أنه، أو أي شخص آخر، يمكنه أن يهديها "لسبب ما أحب الإيمان، لكنني لا أملك أي إيمان. تقول الفتاة في مسرحيتي (التي هي في النهاية أنا)، بعد أن شفيت من رؤاها "الإيمان مثل أن تصل إلى السماء وتلمس سلكًا عاريًا".
كانت أحيانًا تكتب له ملاحظات قصيرة لاهثة، مثلما في 17 مايو 1962. تخبره أنه السبب في كتابتها لمجموعة معينة من القصائد "رسائلك لها تأثير عميق عليَّ! بشكل لا يمكنك تخيله!"
يجيبها برسالة شخصية عميقة، في البداية، تكافح بدورها للرد عليه بنفس الحماسة. تكتب: "أكتب الآن لأنني أحتاجك بطريقة لا أستطيع تفسيرها… لا أعرف لماذا أو كيف، لكني أحتاج إلى محبتك، في حقيقتها، ولطفها، وتقواها.. أحيانًا أجد أن معرفتي بك، أفضل من معرفتي بنفسي، أطلبها دون خوف".
لكنها بعد بضعة أسابيع، ترسل له رسالة طويلة مكثفة "صديقي العزيز، أنا شخص مباشر جدًا. إذا كان هناك شيء واحد، شيء صغير واحد خاطئ بيننا، فسوف أعلنه". وتضيف "تمنحني رسائلك أشياء كثيرة ... هالة من نفسك، من الله، من حياة مختلفة، من صديق دائم… أنا أحبك. وأعلم أنك تحبني". لكنها كانت قلقة من أنه إذا عرفها حق المعرفة، فسيتوقف عن حبها. تعبر عن مخاوفها "أخشى أن أفقدك… أخسر الناس باستمرار".
تشعر بالراحة في الاعتراف له. تحدثه عن غرفة كتابتها المليئة بأرفف الكتب: "أكتنز الكتب. إنهم أناس لا يغادرون… أنا في الواقع ربة منزل تعيش في الضواحي، فقط أكتب القصائد، وأحيانًا أكون مجنونة بعض الشيء". تعترف بأنها تشرب قبل العشاء، ومع الغداء، وفي غرف الفنادق عندما تقدم قراءات شعرية في الفنادق، وفي الكليات. تكتب: "كما ترى، أنا أفرط في الشراب. هذا كل ما في الأمر. لقد وجدت أنه يمكنني التحكم بذلك بشكل أفضل في قصيدة". وتعترف إنها أحيانًا تعوم عارية في حمام السباحة في الفناء الخلفي لمنزلها.
إنها تعلم أنها تهذي.
ترسل للراهب قصيدة "إلى إليانور بويلان وهي تتحدث مع الله". الراوي في المطبخ مع إليانور، التي "تقف في ثوبها الشمسي بلون الليمون/ تشير إلى الله بيديها المبللتين/ اللامعتين من غسل أطباق البيض/ تقول له! تقول له وهي ثملة/ لا تحتاج أن ترى لتتحدث/ إنها متكلفة لكن ودودة/ وأن الله قريب كالسقف".
ثم تفكر في رؤيتها لله "كبير، يغطي السماء/ مثل قنديل بحر ضخم مسترخ".
في إحدى المقابلات قالت آن إن شعرها "يجب أن يكون صدمة للحواس. يجب أن يكون مؤلمًا تقريبًا". وربما جاءت محاولاتها للصلاة من نفس المكان. تخبر الراهب أنها حاولت مؤخرًا أن تصلي وهي "في حاجة ملحة لذلك"، لكنها لم تعرف الكلمات المناسبة. تتأمل في العلاقة بينهما؛ "حياتك مكونة من الإيمان، وحياتي مكونة من الشك". وتفكر "يجب أن يكون العالم مختلفًا... أن تؤمن بدلًا من أن تتوق إلى ذلك".
يوصيها الراهب بقراءة كتاب "طريق الصليب". تقول يمنحني الكتاب "رؤية جديدة وحبًا وفهمًا جديدًا ليسوع وإنسانيته". تفكر كثيرًا في مريم العذراء، وتتمنى أن تعرف "كيف كان الطقس ودرجة الحرارة في بيت لحم في تلك الليلة؟ ماذا كانت ترتدي؟ كم كانت مدة مخاضها؟".
تستمع إلى التراتيل المسائية على الراديو وهي تقود السيارة.
كتب لها الراهب: "فجأةً، وجدت نفسي داخل علاقة إنسانية لطالما حلمت بها، لكنني لم أدرك قط أنها قد توجد".
وفي عام 1963، أخبرها أنه سيغادر الدير، ما أسماه "القفز فوق الجدار". تعتقد آن أن هذا الجدار أمر جيد، إذ يسمح للمرء بعلاقة أوثق مع الله، وقد سمح لها وله بإقامة هذه العلاقة من مسافة آمنة.
وجاء ردها حازمًا "إن رسائلنا ... مهما بدت لك مباشرة وإنسانية لا يمكن مقارنتها بعلاقة مباشرة. في الرسالة (وإن كانت سريعة أو صادقة أو حرة أو محبة) من الممكن أن تكون أكثر حبًا، أكثر إمكانية للتواصل والاستيعاب ... لا توجد جدران في الرسالة، لا توجد أشياء، يمكن للكلمات أن تتطاير من قلبك (عبر الأصابع) ولا يحتاج أحد أن يرقى إليها. أعني هذا بجدية وبرودة و (مثلما هو الحال دائمًا) بمحبة".
تشعر بالذنب "يجب أن تستمع إليَّ، لأنني أشعر أنني خدعتك بطريقة ما في الاعتقاد بأن هذه علاقة إنسانية حقًا. إنها علاقة رسائل بين البشر"، تشرح له أن الحب لا وجود له بهذه الطريقة، وأن ما لينهما "لما يكن ليوجد لولا الورق والطوابع والبريد الأمريكي". مثل هذا الحب عبر الرسائل "مبني على الهواء والأشباح"، يختفي عندما يلتقي الحبيبان بالفعل. تشعر آن بالقلق من أن تكون كلماتها، ومغازلاتها، قد أعطت الراهب فكرة رومانسية عن العالم الخارجي.
تقضي ثلاث ساعات في كتابة الرسالة. وتتوقف لتناول العشاء مع عائلتها، ثم تشرب. تغسل الأطباق، تضع الأطفال في الفراش، ثم يدخل زوجها إلى غرفة الكتابة "ويلتقط لي 5 صور بولارويد سخيفة". لديها حياة بالفعل. وكان الراهب مجرد خيال بالنسبة لها.
تخبر الراهب أنه سيترك الدير ويتزوج، وأن زوجته "لن تسمح لك بكتابة رسائل كهذه". وتؤكد "أتمنى لو كنا حقيقيين". لكنها تشير إلى أنهما كثيرًا ما اختلقا بعضهما بعضًا بالرسائل: الراهب والشاعرة. وتعتقد أن أمله فيها سيخيب. تكافح لإنهاء الرسالة، مقتبسة من كتاب فرانز كافكا: "رسائل إلى ميلينا": "كتابة الرسائل... تعني أن يتعرّى المرء أمام الأشباح، وهو أمر ينتظرونه بشراهة. القبلات المكتوبة لا تصل إلى غايتها، بل تشربها الأشباح في الطريق".
لم يرد الراهب على تلك الرسالة. وفي 2 أغسطس 1963 كتبت له آن مرة أخرى، وهي لا تعرف إن كان لا يزال في الدير. أرسلت له قصيدة، في رسالة أقصر، كانت اعترافًا بنهاية قصتهما.
لسنوات، لم يكن هناك سوى الصمت. ثم مرة أخرى، في عام 1966، كتب لها الراهب أنه غادر الدير. وفي 10 ديسمبر 1966 ردت على الفو لتقول: "ما كان يجب أن تتركني في هذا الصمت". كان قد ذكر سابقًا اهتمامه بالانتقال إلى شيكاجو. وكانت آن قد قدمت قراءة شعرية هناك. تنهي رسالتها "ربما كنا قد التقينا، أو على الأقل تحدثنا لدقيقة واحدة. لكن شيئًا كهذا لا يمكن أن تحدث وأنا لا أعرف مكانك".
ربما التقيا في شيكاجو. ربما صافحها وأمسك بيدها لمدة طويلة. ربما لا نقول دائمًا الحقيقة كاملة في رسائلنا، أو في أفكارنا.
في أسبوعين ونصف، خلال يناير 1973، صاغت آن كتابها الأخير. وقضت يومين من تلك الأيام في مستشفى للأمراض العقلية، حيث تحدثت مع كاهن. وأخبرته أنها لم تكن موقنة من إيمانها بالله "لا أستطيع الذهاب إلى الكنيسة… لا أستطيع الصلاة". ترغب في تناول القربان، لكنها تعرف أنها لا تستطيع. خشيت التحول رسميًّا "سيُفسد ذلك تفكيري ويشكله: أريده أن يكون إلهي. لا أريد أن يتم تعريفي به؛ أريد أن أصنعه". تلى عليها الكاهن مسوداتها بصوت عالٍ. وقال "آلتك الكاتبة هي مذبحك". وقد نُشر كتابها "السعي المروّع نحو الله" بعد عام من انتحارها.