بوجه مبتسم وروح حقيقية
مختارات من ديوان " الوداع في مثلث صغير "
أحمد يماني
هجرة
هاجرت في الظهيرة
وأمطرت فوقي وأنا أحادث أبوي الضاحكين إخفاء للألم
من كابينة في الشارع قليل الإضاءة.
وكانت الفتاة غريبة الأطوار تأتي كل ليلة لتتأملني صامتة
وأنا أقدم المشروبات لعشرات الجالسين،
ومررت من الباب الضيق أحيانا كثيرة
مختنقا والخشب يضغط جسدي النحيف.
ثم رجعت يوما ساعة الغذاء
وكانت أسنان أبوي الضاحكة قد تهدمت.
حَدّادُ
نفسي
«كنت
اثنتى عشرة سنة حَدّادَ نفسي».
أبو يزيد البسطامي
في الثانية عشرة، طرقتُ الحديد وهو بارد وهو ساخن، صنعت شبابيك وأبوابًا، جمعت المسامير والكبسولات، شددت الألواح والعواميد، ضممت الصاج إلى بعضه، أدرت عجلة الباب كي يصعد ويهبط، آلفت بين الحياة وأقمت الباب فاستوى قائما. ثم بقيت اثنتى عشرة سنة أُجمّل الحياة وأصلحها، هنا عيب في الحائط سأخفيه، هنا لون حائل سيصير زاهيا، هنا خشب مطفا سيلمع على يدي. ثم اختفت القطع الجافة في يدي، عاد اللحم حيا وكان قد مات من قبضة يدي على سكين المعجون ومن إمساك الفرشاة ومن ضغطي اليومي على الحيطان.
كان الشرف أن تمشي في الشارع مبقعا، ملابسك، وجهك،
شعرك، أن تعلن للجميع عملك. لكنني رأيت الشرف في مكان آخر، رغم سرعتي في العمل والتي عجز أمامها المحترفون قبلي بسنوات. كنت سأكذب لو مررت في الحياة مبقعا بألوان العمل. ثم فجأة نامت يدي وانتهت السنوات، اثنتى عشرة سنة، كنت فيها حدّاد نفسي وحدّاد العالم، كنت فيها نّقاش نفسي ونقّاش الحياة.
أتقدم في البيت
في أيام لا تمضي إلا بدفع خارجي، لا يعرف مصدره ولا عمله
لكنه الضرورة القصوى حيث الساعات لا تقبل بأي شيء،
أفتح الهاتف على مكالمة طويلة طويلة مع صديقة ترعى زوجا من العجائز.
الرجل وقد تجاوز التسعين تحيي فيه الشابة آمالا كان قد فقدها منذ أعوام،
يأتي إليها في غرفتها، يطلب طعاما، يطلب أن تأكل معه
ثم يذهب حنونا إلى زوجته كي تشرب الدواء
والمرأة العجوز تهمهم صارخة بكلمات أفهمها أنا عبر التليفون ولا تنتبه إليها
صديقتي
تقول لها: دعيني فلست بحاجة إلى دواء، فقط أريد نوما لا أصحو منه.
لكن صديقتي الطيبة تصر على منحها الأقراص والملاعق وتنظف فمها بعد ذلك.
أنا أيضا أعيش هناك
أسمع الرجل ينادي على صديقتي
يمازحها بلغة قارئ قديم هي التي لم تكمل كتابا واحدا في حياتها بأية لغة
أعيش ساعات في البيت بأذني وحدها.
دبيب الأقدام البطيء على الأرض
نسيان المرأة لكل شيء وهمهماتها
المزاج المتقلب لكن الهادئ للرجل
يأس صديقتي من نفسها ومن الحياة أحيانا
وفجأة تصبح الساعات الثقيلة أخف ما يكون
حتى أنني أراها قليلة وأن علي أن أطيل الحوار
وأتقدم أكثر في البيت حتى أنني على وشك إعطاء المرأة أقراصها
ومحاورة الرجل القارئ وطلب يد صديقتي.
في الحي الغريب
المزارعون يعبرون أمام القصر الحجري حاملين آلاتهم وساحبين حيواناتهم ساعة الغروب في المشهد الأبدي الذي سينتهي عندهم نهائيا.
الأطفال والمراهقون يلعبون داخل القصر المهجور الآخر وكانوا قبلا يتعلقون في عربة البك فاقد رتبته دون فقد أناقته الآتية من عهود ضائعة ولكن جودة الصوف بادية للعيان.
البك يترك الأولاد معلقين في العربة ويخفض سرعته، تصبح الساعة السادسة هي ساعة المجد اليومي، العربة القديمة تمضي في عرضها المدني، الأطفال في بيجاماتهم النظيفة والجميع يحيي الرجل الأنيق.
شارع القصور أسموه شارع شوربة، كان وقع الاسم المضحك أفضل لهم من زوربا، حيث لم يعرفوا لا الرواية ولا الفيلم وحتى بعدما عرفوا ظل الاسم الكوميدي حاضرا انتقاما ربما من تلك الحدائق المقفلة على ساكنيها.
كازينو كبير على أول الشارع طرقته فنانات صغيرات في سنوات
لاحقة أصبحن ربات بيوت في أحياء شعبية أخرى.
قصر السيدة السمينة وابنتها التي لا تنسى ونحن نمضي الظهيرة في غرفة ألعابها، ثم المهندس الزراعي العائد من البيت الحرام ليؤسس جامعا صغيرا أسفل بيته وأحفظ خطبته وأرددها معه كل جمعة. هنا أحببت اللغة في مطلقها وهنا كنت أقطع الشارع الهادئ مرات مبتعدا عن الشارعين الأكثر بشرا ما استطعت حيث يجتمع الأشرار.
خمسة شوارع بين طريق الأهرام والترعة الكبيرة كانت أكثر من كافية ليصاب رأسي بكل أنواع الهذيان.
النصيحة
قالت لي:
المرأة؟
تقبل عطاياها
إذا منحتك نظرة، كن ممتنا
إذا وهبتك ابتسامة، كن شاكرا
إذا ضغطت نهديها على ذراعك
وإذا اصطدمت فخدها بيدك
وإذا ما أنعمت عليك بقبلة
فاقبلها صامتا، لا تردها
إلا إذا بحث لسانها عنك
إذا أرادت لمسة، عناقا، نوما
فاقبل، لا تتذمر ولا تطلب المزيد
هي تعرف ما تمنح وما تمنع
تقبل عطاياها
وسوف يأتي يوم تعرفها فيه
لكن لتصبر
وحتى إذا لم تمنحك شيئا ولا فهما
إذا مرت بجانبك وتركت خيطا من النعناع
أو خيطا من الدخان
فلا تنتظر مرورا آخر
دعها تمضي
ولكن لو منحتك الأسرار كلها دفعة واحدة
فلا تذهب بعدها متبجحا
أمام أصحابك الذكور،
تبجح ولكن قليلا،
دون أن تذكر أبدا
لمستها لروحك
لأنك أنت نفسك لن يمكنك
أبدا أن تعرف الكلمات.
أصدقاء الحي
يقف على ناصية شارعين
حيث الحركة لا تهدأ
سمينًا بعض الشيء
ممسكًا بدمية بيد وبالأخرى يتحدث مع حبيبة وهمية عبر المحمول،
متعاركا معها وطالبًا منها خاصة أن تعيد بعض الكلمات على مسمعيه
ملوحا بالدمية في وجه الجميع.
لكن الأمر لا يخلو أبدا من عابر جديد
يعاود النظر كي يسمع محادثة العاشق المتألم.
في الجهة المقابلة من الشارع
رجل نحيف
لا يفعل شيئًا سوى نزع الإعلانات الورقية
من الأعمدة والمحطات
ولا ينبس بحرف
لكن احتقاره الضمني للجميع
واضح للعيان.
على مقربة من الاثنين
سيدة متوسطة العمر والوزن
تشير إلى السماء
وتصرخ مهددة بني الإنسان أن يوم
الدينونة على الأبواب
كارهة للجميع
من دخلوا ملكوت الرب ومن خرجوا منه.
في البلكونة القريبة من الثلاثة
يعزف متخفيًا على الأكورديون
رجل متقاعد
يخرج رأسه بين الحين والآخر
من وراء الستارة
كي يطمئن على الجمهور
ثم يختفي سريعا، خجلان
كأنه هدم الموسيقى كلها مرة واحدة
ثم يعاود العزف كأنه يحييها من جديد.
أنا ورينيه ذاهبان إلى الجبل
1
نصعد تلا على قدمينا
حيث يقبع بيت وحيد
في شرفته ثلاثة فوانيس.
الفوانيس تهتز قليلا
ونحن نصعد عبر التل لنصل إلى نقطة
لا نعرف عندها هل هي شواهد قبور أم بيوت صغيرة
لأن الموتى
ترتاح عظامهم في تحلل أبدي
داحل حزام المدينة.
لا أعرف لماذا نصعد أنا ورينيه هذا التل
ولماذا كلما اقتربنا من نهاية الطريق ينفتح أكثر
ولا نعود نرى نقطة البدء
كان يمكن أن نعود إلى تلك النقطة،
مرة مسرعيْن ومرات مبطئيْن،
نعود إلى نقطة أولية لنجرب صعودا آخر،
تلا آخر،
بيتا آخر،
وبالدّرّاجة نفسها في يدها.
فجأة تتذكر رينيه شيئا ولا تحكيه
شيئا رأته في اليوم نفسه مرتين
في طائرين أحدهما مصاب
والآخر بلا أم
تطعم الطائر المصاب في الحديقة فيطير،
تدفئ الطائر الوحيد وتأتي أمه لأخذه بعد حين.
لكن رينيه لا تذكر شيئا لأسبوع كامل
فقط نصعد باتجاه جبل لا يلوح لنا في أي أفق
لكننا نصعد.
رينيه تترك الدّرّاجة ونتقدم وحدنا
الدراجة تبقى وحدها على خشب الجسر
وخشب الجسر يطقطق
لكننا نعبره سريعا
بلا حيوانات، بلا بشر وبأعشاب كثيرة.
أضواء الفوانيس الثلاثة لا تزال تومض من بعيد
إنها النوستالجيا الوحيدة الباقية لنا،
لكننا نصعد
ليس على الماضي أن يوقف أقدامنا
ليس على عصبة الكلاب التي هاجمت رينيه وحيدة
أن تاتي الآن
لأن رينيه لن تبتهل لمريم العذراء ويدها في يدي
لن تبتهل الآن
لأننا نصعد إلى الجبل
بلا عَرَق ولا كلمات
فقط نتقدم خطوة تلو الأخرى
البلدة تحتنا
والجبل سيظهر حتما
ونحن كنا هناك فعليا،
كنا في هذه الحركة التي لا تعرف أنها تتحرك.
2
على صخور النهر، أنزلق في الماء الضحل
تمد رينيه يدها ومن جديد تعود بي للصخور
كم مرة مدت يدها!
على صخور النهر الصغير لا يمكن إلا تجنب السقوط.
3
أظلمت فجأة
سقط مطر فانتعشت الكائنات كلها
ماذا لو نضيع هنا قليلا
في النهاية سنعرف طريق العودة
أردت لمرة واحدة العودة إلى سنواتي الأولى
التي لم تكن غابة
لكن الظلام الخفيف وأنفاس الغابة يؤكدان
على شيء لا آراه جيدا
يملأ كياني كرسالة بعيدة
تدعوني للبقاء هنا ولو قليلا
فجأة يختفي المطر
وأمضي بخطى متثاقلة
خارج الغابة.
4
صحوت في منتصف الليل، أكلت ليمونة وهبطت وحدي حذاء النهر الصغير
دست عشبا وحومت حولي حشرات ولم يصادفني حيوان أو زاحف
دست حصى وطينا ورأيت الثعبان الأخضر الصغير ممددا على الطريق
وقد انفجرت أحشاؤه
عبرت من جهة قليلة الماء
وصلت إلى مصنع الخشب
رأيت غرابا يتهيأ لينقر نافذة أحدهم
رأيت ألواحا خشبية تطفو على النهر
والتمثال التذكاري الذي صنعناه أنا ورينيه من بقايا الأحجار والأعشاب
لكنني لم أر رينيه
لم تكن نافذتها مضاءة
وأنا أدور حذاء النهر في البلدة
دون أن أصل أبدا إلى المقابر.
5
في المدينة الصغيرة اشترت لي رينيه برطمانا من الجزر المملح
أخبرتني أن صاحب المحل العجوز يصنعه مرة واحدة في العام
بكيت من الحب ساعتها.
كل كلماتها بعد ذلك
كانت تخرج من الجزرات المملحة.
الدرّاجة
أحيانا تعبر على مكان كنت فيه من قبل، مكان خبرته قطعة قطعة
لكنك وأنت تعبره بعد أعوام يبدو باهتا كأنك كنت تراه بعينين غائمتين
طوال الوقت دون أن تنتبه.
هنا يد تهتز قبل أن تدخل في جيب المعطف
هنا رجل في منتصف الأربعينات يصحو متأخرا
ويذهب إلى العمل دون أن يطرف له جفن.
هنا دراجات تعبر كأسراب من الغيلان وتكاد تقطع يد الرجل
قبل اختفائها في المعطف.
هنا يدخل المدينة جيش كامل للمرة الأولى دون دماء
هنا يمضي الرجل بعد العمل إلى النصف الثاني من أربعيناته
خفيفا كما كان منذ عشر سنوات.
هنا تحدث معجزات يومية على يد قديسين لم يوجدوا أبدا
هنا يمكن للواحد أن يبكي بعد أن يمارس الجنس كبهيمة
بعد أن يمارسه كفراشة أو سمكة.
هنا تبدأ الحياة ولا تنتهي
وأمام بائعة الذرة الصفراء قلوب مشوية لكنها لا تريد أن تراها
هنا رجل يكتب مستندا على يده اليسرى ولا يجد تبغه.
هنا كانت هي لكن المدينة بلعتها كنملة في شق جدار
هنا كان رتل من الكلمات الجديدة ينتظر كل ليلة على السرير.
هنا يعود الرجل
يده في جيب معطفه
ولا تظهر أية دراجة في الشارع.
بالوما
عزيزتي بالوما
اسمك في الإسبانية يعني حمامة.
ما إن أضع يدي على زر الكهرباء
عندما أعود ليلا
حتى يتحرك جهاز الموسيقى،
جهازك نفسه الذي أهداني إياه عقب وفاتك صديقي الشاعر أجوستين، زوج أختك.
كم مرة رأيتك؟
ثلاث مرات على الأكثر.
دخنّا مرة على باب البار
ولم نتبادل النظر في العينين
كنّا أكثر خجلا من أن نفعلها.
لكن معك كحمامة حقيقية
كانت الحياة جميلة على باب البار
نحافتك الظاهرة جعلت من جسدك
حبلا نحيلا يربطك إلى الأرض
لكنه كان كافيا
لتثبيتك ولو قليلا إلى هذه الحياة.
الآن كل ليلة
أضغط الزر وتبدأ صورتك في التجول في البيت.
من كان يظن أن لقاءات سريعة كتلك
ستجعل منك امرأة حية في بيتي الصغير
حتى ولو كانت امرأة تحت الأرض
حتى ولو كانت حمامة ميتة.
تقسيم
قسمنا المدينة قسمين، واحد لك وواحد لي
لا يقطع أحد منا ذلك الاتفاق
أنا أذهب إلى يسار الشارع الكبير وأنت إلى يمينه
لا أحب الجزء الذي اخترتِه
كنت أحبه عندما كنا نقطعه معا
والمدينة كانت خريطة مجسدة من البحيرات والأبنية والأضواء.
الآن أعرف المدينة جيدا وأذهب إلى حيث لا تذهبين
لكن هذه المدينة المنقسمة هي مدينتك أنت
أنت ابنتها القديمة وأنا ابنها الحادث
وأن أنفاق المدينة التي تشتعل مياها وكائنات دقيقة يمكن أن تكون حصتك العظيمة منها
حيث لا أذهب أنا مطلقا
وحيث كنا نقف مرة واحدة ونغرق في قبلة طويلة
كان ذلك هو الألم الأكبر:
شفتاك اللتان غابتا للأبد.
السعادة
في ذلك اليوم، في تلك اللحظة تحديدا، كان العزاء الوحيد أن كل تلك الكائنات في ذلك الشارع ستفنى جميعها. الفناء كان الثمن الأصلي للسعادة.
يا لجمال الفتاة على النافذة، على إفريز النافذة، ترفع صدرها للهواء ولعيون الجيران المتطلعة، تخفض قليلا بلوزتها، وترفع شعرها للوراء وتتنفس عميقا وهي تنظر إلى كل تلك العيون التي تطير من النوافذ عينا عينا.
أتذكر كلمات أبي:
«هَرّش» بمعنى شاخ،
«البَأْف» أكثر من عبيط،
«الكُهْنة» تلك القماشة القديمة لتلميع الدراجة.
ذات مرة تعارك لفظيا مع أحدهم وانطلقت كلماته الأثيرة مهشمة الرجل لكن بعد دقائق كان الرجل يجلس في صالة بيتنا وأبي يصنع له الشاي ويسأله عن تفاصيل مولده ومن أي عائلة ينحدر. من يومها لم يتعارك مع أحد ومن يومها اختفت كلماته الأثيرة وأصبح خفيفا مذهولا من مرور الحياة السريع حتى أنه وهو يحتضر كان يهمس بكلمات لم نفهمها، ربما كانت كلماته الأثيرة نفسها.
أوراق النقود المتبقية من سهرة الأمس ملقاة على المائدة حزينة ككل تجعيدة فيها، أربت عليها أفك ثنياتها وأهمس لها غدا سنأكل بك أيتها الأوراق الجميلة، غدا ستختفي تجاعيدك في أيد أخرى، غدا ستذهبين إلى مغامراتك اليومية، غدا، غدا، بلا أحزان.
صف من المسنين على مقعد في الحديقة العامة وأنا أتقدم أنيقا ذاهبا للقاء حبيبتي، نظرات المسنين تتابعني وأنا حتى لا أبتسم لهم، لا يعرفون أنني قريبا سأكون أحدهم على المقعد نفسه في الحي نفسه في المدينة نفسها، قريبا لكنهم لا يفهمون ذلك.
كل ليلة بعد منتصف الليل ضربات عنيفة على الحائط خمس أو ست
مرات.
تصرخ سيدة في الدور الأسفل اعتراضا ثم تعود الضربات من جديد
من يدري ماذا يحدث هناك، الليلة ستمضي وستعود الضربات من جديد وصراخ السيدة في
الطابق الأسفل وجهلنا الدائم بما يحدث هناك.
الإهانة
بوجه مبتسم وروح حقيقية
تتقبل الأمر
ماذا يعني أن تتقبل أمرا لا يخصك، مفروضا عليك؟
يعني الإيمان بمطلق القدر
وإذا كان القدر قد أخطأ؟
لا يعني ذلك شيئًا.
وإذا كانت الأرواح الصغيرة تدهسك؟
لتفعل فهي أرواح صغيرة تدهسك.
لكن إذا ما كانت أرواح كبيرة؟
ربما أرادت الضحك قليلا.
لكن لماذا أنت تحديدا؟
هذا سؤال دون محلّ.
إذن ألا تتألم؟
بطبيعة الحال
لكنني أفهم أن الأمر أكبر من الجميع
إنه كون صغير متقلب
طاحونة صغيرة بشفرات حادة
إن لم تكن في هذا المكان فأنت في مكان آخر.
لكن إن كانت هناك دهشة حقيقية
فهي في تقبل الأمر
وإذا كانت هناك دهشة أكبر
فهي في صورتك لدى الأخرين
لكنك كبرت وشاب شعرك
وماذا يمكن أن أفعل؟
أن أحمل سكينا؟ أن أقتل الجميع؟
أنا أحب الجميع ولا أريد لأحد أن ينجرح
لكنهم يجرحونك بل البعض يدمرك عمدًا.
لكن من قال إني أتدمر.
إذا كان القدر بجبروت نهائي قد أراد هذا
فقد أراد أيضا منحي القوة.
لكن ألا تغضب؟ ألم تودّ قدرا آخر؟
كل قدر حامل ألم.
أهي ضربة حظ خائبة؟
خائبة أم مصيبة، ما الفرق؟
إذن ستذهب لتنام؟
أحيانًا، حيث أنني وضعت هذا القدر في طريقي بكلمات لم أقصدها.
وهل تفكر أن أحدا سيسمح لك بكلمات خاطئة؟
ربما، لكن ذلك لم يعد يهمني.
لكنك لا تزال تتألم وإلا فلِمَ تقول هذا؟
فقط لأبرهن أن الأمر. أكبر من الجميع.
لكن سيكون الأمر ألطف لو كفوا ألسنتهم ورؤوسهم قليلا عني.
لم يبق الكثير وهذا عظيم.
سينكشف كل شيء وسأكون هناك
في حياة حقيقة
ومنذ الآن أرى كل شيء والاعتذارات لن تكون ذات بال
فقد غفرت للجميع
هنا وللأبد.
مدينة
في المدينة الضبابية
كنّا فوق الجسر ومن تحتنا يجري الماء
مرعبا كما في مشهد انتحار.
كانت تتحدث في لغة لا أتقنها تماما وتكاد هي تتقنها
لكن الأجانب يتفاهمون.
كان كل شيء يحدث حقيقة
هي والنهر والمدينة واللغة غير المتقنة.
لكن في لحظة واحدة
كما يحدث في نسمة هواء فجائية
أصبحنا تحت الجسر.
كانت أقدامنا تلامس الماء
كنّا في الأمان الكامل
دون مستقبل
غريبين يتحدثان.
كانت تتألم حقيقة وكنت أفهم ألمها،
فقط غريبان عن المدينة وعن لغتها
ولكنهما قريبان من مائها ومن جسرها
كانت تتألم
وأنا تنفست عميقا
وتركت آلامي تختفي تحت آلامها
وقلت ليكن ألم واحد لا اثنان
وكان ألم واحد وماء وجسر ومدينة مضببة.
القربان
كان الرجل يصرخ: يا إلهي خذني إليك،
لكن هنا، ليس في حياة أخرى.
كانت المرأة تصرخ:
خدني إليك ودعني أضع نفسي قربانا إن كانت تنفع،
لكن خذني إليك.
هذه الكلمات سمعتها في بلدان عديدة
وأحيانا كان الإله هناك يسمع الشكوى
وأحيانا كان يتقبل القربان.
تعليقات
إرسال تعليق