لا تنتظر قمرًا عابرًا
مختارات من ديوان " كفجيعة تعاند النسيان "
عمر شهريار
كعجوزين في منتصف الثلاثينات
الرب ألقى البهجة
من النافذة
وأخفى الغنج
في كتب السيرة
ثم قعد مبسوطا
على قلب الشبق
الموءود.
نجلس كتمثالين
نهش الصمت
عن وجوهنا
ونسمع أنين
اللذة
المحبوسة في الثلاجة.
نكسر زجاجات الفودكا
طمعا في أنهار منها
تتدفق في عالم
نجهله.
الأنوثة،
يا رفيقة،
كنز لا يفنى
إلا بالإسدال
الذي ترتدينه
كي يفرح الرب
ويحزن الجسد.
ملابسك الفضفاضة
وثقل الحجاب على رأسك
يمنعنا من العدو.
التحليق شرطه الخفة،
ونحن مثقلان،
وأجنحتنا تركناها في الجوامع
راقدة في اتجاه القبلة.
عام سعيد يا حبيبتي
لا بأس، إذن،
اغمض عينيك عن الاحتفال
ولا تنتظر قمرا عابرا
يضيء المساءات القاسية
لا أقمار هنا يا عزيزي
ولا نجوم تتلأﻷ،
لا شيء صدقني
سوى زيف نعلقه على شجرة
جافة.
فلتروض ذاتك على الوحدة،
ومصاحبة ظلك المخلص.
انتفض قليلا
واطرد الأحلام من قلبك
الرخو.
لا تنصت للأصوات البعيدة
أو نداءات السماء.
ولا تنتظر هدايا سانتا
المباغتة
فالعناوين مضللة.
والرجل أصابه العجز
ومفاصله لم تعد كما كانت
فلا تنتظره هذه الليلة
وادخر اﻷسى للانهزامات التالية.
لا عليك يا صديقي
القبلة العالقة بشفتيك
اطبعها على صورتك
في المرآة
وقل لها، بمحبة حقيقة:
عام سعيد يا حبيبتي.
لتتمشى الزهور على الكورنيش
تسعة أعوام
والشغف ينمو في
حدائقكِ
أسميكِ الشمس
وأمرح في دفئك.
فقط
تحتاجين حمية قاسية
لتتخفي من التقاليد
وسطوة العائلة
وعيون الكهنة
الرابضين على أجنحتك
الملونة.
اطلقي سراح
النزق
اكسري قضبان
قفصك الصدري
لتتمشى الزهور
على الكورنيش
وتتنفس العصافير هواء
لا تلوثه أتربة الماضي.
عقارب الساعة تهرول لتسبقنا
والسحابة مازالت في الانتظار
فاخلعي نعليك
واصعدي
لنضيء نجمة جديدة
ونرتب الهواء
الذي بعثره التاريخ
ثم نذوب في حضن
رهيف.
ظل في المقهى
المقهى صاخب
وأنا حزين
أجلس وحدي مع
غيابك٬
رئتاي تبحثان عن زفيركِ
الذي عطَّر المكان
في لقائنا الوحيد.
الموسيقى
التي سالت من أصابعكِ
على الطاولة
جففتها الشمس.
الكوب غارق في دموعه
بعدما تسرَّب منه
دفء راحتيكِ.
ظلكِ الأبيض
لم يحتمل تلصص العابرين
وانسحب في صمت.
وحدها رائحتكِ
لم تزل تزين الهواء
وتملأ كرسيكِ الفارغ من
هشاشتكِ٬
شكوت لها من صمتكِ
المثقل بالكلام٬
من قسوة رسالتكِ الأخيرة
حين ألمحتِ إلى الأسوار
التي تحجب النور
عن حدائق البهجة.
الأسوار هشة يا عزيزتي٬
هشة وواهنة تماما٬
كتاريخ آيل للسقوط.
كمن يتأهب لسفر طويل
سأكتب وصيتي
وأعلقها في دخان السجائر
ثم أضع الحنين أسفل الوسادة
وألقي العقل
في صقيع الفريزر
سأنشر الذاكرة
على حبل الغسيل
ربما تجف،
أو يبللها الندى،
المحبة
سأفرغها في حوض المطبخ
وأفتح عليها الماء بقوة.
سأضبط وضع الثورة
على عين البوتاجاز
وأشعل نارا هادئة
لتستوي على مهل
لعل مذاقها
يعجب الأطفال.
الأسئلة
سأعلقها في نجفة الصالة
علها تضيء
أو تشتعل.
سأطوي الوطن
وأضعه تحت قدم الطاولة
غير المستوية،
ثم ألقي الأمل
في الحمام
وأشد السيفون جيدًا.
الشهوة سأربطها
في رِجْلِ السرير
بعد أن أضع على فمها
شريطا لاصقا
حتى لا تزعج الجيران.
سأوصِّل الحنين
بجرس الباب
ليغرد كلما جاء أحدهم
ليشق عليَّ.
ثم أسحب كرسيا
وأتمدد عليه
بأريحية
في انتظار أول قطار.
مانيفستو اﻷيام القادمة
ها أنت في منتصف العمر
آن لك أن تربط التعاسة
في دخان سيجارتك،
وتستمع برؤيتها تتلاشى
على مهل.
اقرص الحياة من عانتها
واغرز أسنانك في صدرها النافر،
كثور حقيقي
لم تدجنه اﻷيام.
الفضيلة فخ يا أخي،
والعقل خطيئة،
لك أن تراود الوردة
عن فخذيها،
لتكفر عن تاريخك الرومانتيكي
في تأمل جمالها النائم.
كف عن تأمل السماء،
ادفن القمر في صخب الشوارع،
وعلق الحب على أول مشنقة
فلا وقت للنوستالجيا،
ولا ملائكة هنا،
لا شيء على اﻹطلاق
يستأهل أن تجلس هكذا
في انتظار سحابة لا تمطر.
"أقلع غماك"
وابقر بطن اﻷغنيات الحزينة
ابصق على الطيبين
والحالمين
وعلى ذاتك القديمة،
التي انتظرت طويلا
أن يجف البئر.
اسبح في قنينة معتقة
واضحك كسكير متمرس
يخشاه المتأنقون.
تعليقات
إرسال تعليق