رجل ما
مختارات من شعر علي الربيعي
امرأة قصوى
كيف أتحرر من هذا الكفاف
والقلب مشروخ بالسؤال
وبامرأة قصوى
صمتها من نحاس
وضحكتها موطئ الشعر
والبرق
وددت أن أصُمّ الرغبة
عن نشاز امرأة قاحلة
تدّعي بأنها أغنية
لأؤجج شهقة الأصابع
في نهر امرأة شاهقة كاللغات
لا تزعم أقل مما لها
ولا تدّعي فداحتها الاخضرار
أصحو في الفِراش
جارحا
كخيول أسئلة قادحة
وهادرا كغيمة مجنونة
تصفع شبابيكها البروق
وتذعن للريح
والآثام
يؤويني قلبها الوثير
المفخخ بالبحر والنار
وسفنها تكسّر على الكتفين
كل هذا الموج
والنشيج
ذاك السواد
الذي يلقي دون هوادة
بشيخوخته الشرسة
في محاجر العينين الباردتين
لا يسعني أن أكون قاحلا أكثر
وباسما أقل مما يجب
حين المُرفلة في خصبها
تُمعن في غي ضحكتها
مُسرّبة للعطب
البرق والضوء
والعسل
تغويني أنوثتها
الطافحة بالبنفسج
والقناديل /
الطالعة كطائر الفينيق
من فوضى العطر
ورماد العناق
ضحكتها تغسل الضمير
وتؤثث ذاكرتي بالمدن النظيفة
والفَراش
أهبها قيامة الكلام
وتهبني ميلادا مُعافى
يليق بفجيعة الاشتعال
وبالبوح المُراق
على نافذتي الساهمة
في لوحة على الحائط
لقرنفلة ملتهبة
أشعلتها قيامة الحواس
كيف لقلب أطفأه اللهاث
أن يؤوي امرأة قصوى
ونهدها النافر
يمجّد ألسنة الضّالين
وملوحة القوافي
كيف سآخذها من يدها
لدهشة الكلام
وفداحتها تبدد من شرفتي الضوء
و الشِّعر
وألوان المدينة
كيف أهمس في أذنيها
عن شغف النخل بالقطاف
و النهارات المؤجلة
تطل من عينين بحريتين
فيهما يسبح القراصنة
ولصوص الغسيل
كيف أراقصها
وأنا مفخخ بقافية قابلة للاشتعال
يا إلهي
زدني زفيرا
كيلا أتشبث بالصمت
وهو يطفئ بهجة النار بالنار
و يبلل عصفور الكلام
كيف لرجل يجوس خريفه الأربعين
أن يضبط نبضه
على إيقاع امرأة تنفلت مُشتهاة
تنام منضّددة بالمواعيد
ومكممة بالأغاني
امرأة تغادر باردة كجمرة
تبتلعها البحيرة
وتدلف ساخنة
كإيقاع النشيد
امرأة مأهولة بالمواويل
والنار
وبمدن مغمضة تريح أعصابها
في اخضرار ضحكتها
فكيف أستعذب سليلة النار
وأنا / سليل القمح والقار
ضحكتها المُجمرة تحرقني
ويشعلني جمر عينيها المبذرتين
امرأة تأكلها موسيقى موتزارت
ويحرقها ظمأ المواعيد
قلبها مخضّبٌ بالزغاريد
والمديح
ونهداها غابة ٌمهتاجة
مهيأة للاتقاد
امرأة تهب اكتظاظها
لمن يشتهي الجمر والبهار
وعينيها لمن يتطهّر بالبحر
ويهلل للنورس
والمطر
امرأة تنفذ من المواقيت
إلى الوريد
ومن شرفتي إليّ
تؤجج فتنتها البحيرة
وتضرمها الفوانيس
فكيف أجوس هطولها
وإيقاع المدينة
ينهض خلف ضحكتها
لتنفض الليل الرخو
عن عيون الأمهات
وجيوب الكادحين
كيف أبدأ ومن أي باب
أدفع بالكلمات لكل هذا البياض
وضحكتها ولادة الأشياء
ونهايتها
كيف لطائر الرخ
أن يتوطّن بحيرة
مشيدة بماء ضال
وموشومة بالبروق
والعواصف
كيف يبهجه المطر
حين تنخره الرعود
ويطبق الوحل على الكلمات
والأجنحة
ليت بوسع ضحكتها التشظي
لتسدّ الخراب
من كل الجهات .
اقتلني جيدا
ومثلما تجري العادة دائما
اخذت تقول:
" رُجّني
رُجّني بشدة
مثلما تُرجّ قنينة كولا في حفل مدرسيّ
أو مثلما عجائز الريف ترجّ زق اللبن
رُجني بقوة
حتى اتختّر
ويصير لإنطفائي وانفجاركَ معنى
عيناكَ واسعتان
لكنكَ تبدو الفتى الضرير / يتلمس العالم بين فخذي
الحرب في الخارج تقول عنّي كلاما بذيئا
فيما أثرثر عن نهبكَ لي الآن
وعن ركبتيكَ القاسيتين تتوسدان شَعري
وعن افكارك الدنيئة حول استدارة نهديّ
رجني جيدا
حتى لا تعود تخضرّ خلف غيابكَ المسافة
رُجّني
قدر شراسة عينيكْ
وما في اظافرك من احقاد
وفي لسانك من سموم واكاذيب
امضغ نهديّ واشرب دمي كله
وحالما ترتوي
وتفرغ من إلتهام احشائي ولحمي
اقتلني
اقتلني جيدا
واحرص على سكب ماءك فوق نهديّ
أحب أن اسمع عظامي تُطحن تحت عظامك
وأن اشعر بلحمي بين اسنانك الحادة/ بلا أيّ تهذيب
يُقطّع بشراهة ذئب
ويُمضغ بشهية حيوان برّي
مزقه بشدة
بوضاعة
بكل ما فيكَ من نبل واذلال وكراهية
عضّه, امضغه, لوكه
ثم ابصقه بعد ذلك
فأنتَ نبيّ شرير وقاتل طيب
اريدكَ أن تلوث قلبي بدنس دمك
وأن تقذف زجاج رغبتي بحجارة ظمئك
اود أن اراكَ تبكي وأنت تأكل
وأنتَ تتغدى
وأنتَ تعتاد هدري
وتحيا
اودّ أن اراكَ تعوي وأنتَ تشبع
وأنت تسمم انفاسي المقطوعة برائحة جلدك
وزفير رئتيكَ وعرقك
بريء وطازج أنتَ بلا آلهة
أيها العالم الذي قيد النشوء / يتفجّر
رُجّني بقوة
كي تولد أنتْ
وانطفئ
مثلما تجري العادة دائما".
رَجُل الشرفة
السماء تبكي
تبكي بحنق !
/ هذا اقصى ما يمكن أن تُقدّمه كعرض منفتح
على رُكح العالم القذر
وربما كإشارة جيدة للرعاة والفلاحين والأرامل
لكن ليس بالنسبة إليّ
فأنا لا بهائم لديّ
ولا زرع لي في الوادْ
ولستُ ممن يولعون بترميم الأحقاد والضجر
ويتعهدون بالنذور
لِم َ أُسَرّ للمطر إذن !
وصغاري مرضى
وبيتي ينزّ
فيما الأوغاد يضحكون
حتى السعداء منهم يضعون حدا لحيواتهم
بالقفز من فوق الشرفات واسطح البيوت
والمؤمنون السفلة لا زالوا ينقبون في غابة اللذة
عن العسل والانخاب والغلمان
وأنا واقف في شرفة الطابق الأخير
اخسر دهشتي الأولى بمشهد الخراب الكبير
واكسبُ عزلتي
تتناهى إليّ اصوات اوغاد يتشاجرون
وفرقعة حرائق تذوي في البعيد
وصوت ارتطام الحقائب فوق الدرج
وجلبة القبل الشهيّة خلف ابواب الخوف
القبل الحارة التي تبحث عمن يوقظ فيها شهوة العبيد
وعن مصابيح الحب التي تُكسَر ما إن تُضاء
إنما مَنْ يكثرت لضآلتي !
فالجميع يرقصون في الشارع
تحت سماء مثقوبة بالنحيب
بإمكاني رؤية العشاق يقطرون حبيباتهم إلى المخادع
بآياديهم المدربة جيدا على الطعن
وأقدامهم الصامتة التي تجيد صنع الأرامل
أمّا أنا
لازلتُ هنا عاجزا تَدهَمُني المطر
وما من منقذ شديد اللطف
غير تلك العناوين المؤلمة اعلى رف وحيد
واعتيادي البليد على اخبار الحرب
(كم أنا مدين للخراب لأنه اجاد تمريني على الهلع)
/ يصلني صوت التلفاز في غرفة المعيشة
عن الفجر المليء بالجثت
وعن افواه البنادق التي تدخّنُ تحت الصدغ امام البنوك
وعن برك الدم فوق بلاط المطابخ
وعن "ليوناردو دي كابريو" يطالب بأكبر تحرك بشري
لإنقاذ ادغال سومطرة
وعن الطائرات الوقحة التي تتغوط فوق المُدن
وعن تغير المناخ
والطبيعة المخنثة التي تُفنَى
واخيرا عن الطقس
طقس مدينتي السيىء /
مدينتي الغارقة في الحقد والوحل والجنس والنعاس
وما من خبر عن رَجٌل وحيد في الشرفة
رجل هزيل شبيه بعود ثقاب رطب
لن يشتعل ابدا
أنا هنا
لست اكترث لغير سعال الصغار
ولدَمِي المتخثر الشبيه بلوحة محطمة في معرض العالم الهزليّ
العالَم المبتذل الذي يوحي تهوره بإرتطام وشيك
ولتلك الصحون الصغيرة فوق ارضية البيت
تلحس بشراهة قطرات الماء من السقف
سأنزل إلى الشارع الآن
لأشرع في الإنخراط مع الحشود المجنونة
ارقص قليلا
ثم اسخر جيدا من عرض العالم الرديء
..
وابكي اخيرا.
رجل ما
ﻫﻨﺎ
ﻓﻲ ﺧﻀﻢ ﻫﺴﺘﻴﺮﻳﺎ ﺍﻟﺤﺪﻳﺪ ﻭﺍﻟﻨﺎﺭ
ﻭﻧﺤﻦ ﻧﺸﻬﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ
ﻣﺠﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﺤﻴﻢ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ
ﺭﺟﻞ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﻌﺠﺰ / ﻳﺤﻠﻢ
ﺑﺮﻓﻘﺔ
ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺔ ﺑﻼ ﻣﻘﺎﺑﺾ ﺍﺑﻮﺍﺏ
ﻳﻮﺩ ﻟﻮ ﻳﻤﻮﺕ ﻋﺎﻟﻘﺎ ﺑﻴﻦ ﻓﺨﺬﻱ
ﺍﻣﺮﺃﺓ
ﻭﺍﻣﺮﺃﺓ ﺍﺧﺮﻯ ﻭﺣﻴﺪﺓ
ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﺍﻵﺧﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﺪﺍﺭ
ﺗﻜﺘﻢ ﺍﻟﺘﺄﻭﻫﺎﺕ
ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﺪﺍﻋﺐ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﻓﺨﺬﻳﻬﺎ
ﻭﺗﻤﻮﺕ!
ﻫﻨﺎ
ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻴﻪ
ﺭﺟﻞ ﻣﺎ
ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻳﺤﻠﻢ ﺑﺎﻷﺛﺪﺍء ﺍﻟﺰﺭﻕ
ﺍﻟﻤﺤﺸﻮﺓ ﺑﺎﻟﻠﻮﺯ
ﺃﻭ ﺑﺎﻟﺮﻣﻮﺵ ﺍﻟﻜﺎﻟﺤﺔ
ﺗﻨﺴﺪﻝ ﻣﺜﻞ ﻏﻴﻮﻡ ﻓﻮﻕ ﺷﺠﺮ
ﺍﻳﻠﻮﻝ
ﻭﻻ ﺑﺎﻟﺴﺎﻗﻴﻦ ﺍﻟﻤﺤﺮﻭﻗﺘﻴﻦ ﺑﺎﻟﺤﻨﺎء
ﺭﺟﻞ ﻣﺎ / ﻣﻄﻌﻮﻥ
ﻛﺒﻐﻞ ﺍﻋﻠﻰ ﺍﻟﻬﻀﺎﺏ
ﺑﻼ ﺍﺣﻼﻡ ﻭﻻ ﺍﺑﻮﺍﺏ ﺃﻭ ﻣﻔﺎﺗﻴﺢ
ﺭﺟﻞ ﻛﺜﻮﺭ ﺗﻌﻮﺯﻩ ﺍﻟﺮﻭﻳﺔ
ﻭﻻ ﻳﻤﻠﻚ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﻜﺎﻓﻲ ﻟﻼﻧﺘﻈﺎﺭ
ﻻ ﻟﻠﻤﻮﺕ
ﻭﻻ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ ﺫﺍﺗﻬﺎ
ﺭﺟﻞ ﻻ ﻳﺴﻌﻪ ﺍﻻﻧﺘﻈﺎﺭ
ﻭﻻ ﻻﻧﺘﺰﺍﻉ ﺟﻮﺍﺭﺏ ﺣﺒﻴﺒﺘﻪ
ﺍﻟﺮﻗﻴﻘﺔ ﺣﺘﻰ
ﺣﺒﻴﺒﺘﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻠﻢ ﺑﺄﻻ ﻳﺤﺮﻕ
ﻋﻘﻠﻬﺎ ﺍﻟﻮﻳﺴﻜﻲ
!ﺃﻣﺎ ﺃﻧﺖ
ﻓﻼﺯﻟﺖ ﺗﺤﻠﻢ ﻛﺎﻟﻔﺘﻴﺎﻥ ﺑﺄﻓﺨﺎﺫ
ﺣﺒﻴﺒﺘﻚ
ﺍﻟﻨﺎﻋﻤﺔ
ﻭﺑﺄﻥ ﺗﺨﺮﺝ ﻟﻚ ﻟﺴﺎﻧﻬﺎ ﺑﺒﺴﺎﻃﺔ
ﻛﻲ ﺗﻘﻀﻤﻪ
ﻭﺗﻠﻌﻖ ﻫﻲ ﺑﻤﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻨﻪ ﺣﺬﺍﺋﻚ
ﻻﺯﻟﺖ ﺗﺤﻠﻢ ﺑﻘﻠﺒﻬﺎ ﻳﺸﻮﻯ ﻓﻮﻕ
ﺳﺮﻳﺮ ﺍﻧﺘﻈﺎﺭﻙ
ﻭﺑﻜﺴﻬﺎ ﻳﺘﺄﺫﻯ
ﺣﺒﻴﺒﺘﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻮﻕ ﺳﺮﻳﺮ ﺭﺟﻞ
ﺁﺧﺮ ﻫﻨﺎﻙ
ﺗﺸﻬﻖ ﻭﺗﻔﻮﺭ ﻭﺗﺤﺘﻀﺮ ﺗﺤﺖ
ﻭﻃﺄﺗﻪ
ﺗﺤﻠﻢ ﺑﺄﻥ ﻳﻔﻠﺘﻬﺎ ﻫﺬﺍ "ﺍﻟﺮﺟﻞ
"ﺍﻟﻤﺎ
ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻄﺤﻦ ﺑﺈﻳﻘﺎﻋﻪ ﺍﻟﺒﻄﻲء
ﻋﻈﺎﻣﻬﺎ
ﻭﻳﺆﺫﻱ ﻓﺮﺟﻬﺎ
ﺭﺟﻞ ﻭﻏﺪ
ﻻ ﻳﻜﺘﺐ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻣﺜﻠﻚ
ﺭﺟﻞ ﺷﻮﻫﺖ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻗﻠﺒﻪ ﺑﻨﺬﺑﺔ
ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ
ﻓﺒﺎﻉ ﺳﺮﻳﺮﻩ
ﻭﻣﺮﺣﺎﺿﻪ ﺍﻟﺨﺎﺹ
ﻭﻛﺲ ﺍﺧﺘﻪ
ﺭﺟﻞ ﺑﺮﻱ
ﻗﺎﺱ ﻭﺣﺰﻳﻦ
ﻛﺄﻧﻤﺎ ﺧﻠﻖ ﻟﻠﺘﻮ
ﻻ ﻳﻌﺮﻑ ﻛﻴﻒ ﻳﻘﻀﻢ ﻟﺴﺎﻥ
ﺍﻣﺮﺃﺓ
ﻭﻻ ﻳﺤﻠﻢ ﺑﺮﻓﻘﺔ
ﺭﺟﻞ ﻻ ﻳﺴﺘﻤﻨﻲ ﻣﺜﻠﻚ ﻋﻠﻰ
ﺻﻮﺕ ﺍﻣﺮﺃﺓ
ﻳﺄﺗﻲ ﺧﺎﻓﺘﺎ ﻣﻦ ﺧﻠﻒ ﺳﻤﺎﻋﺔ
ﺍﻟﻬﺎﺗﻒ
ﺭﺟﻞ ﺟﻠﻒ
ﻟﻜﻨﻪ ﻳﻤﺪ ﺇﻟﻰ ﺭﻭﺡ ﺣﺒﻴﺒﺘﻚ ﺩﻻء
ﺭﻏﺒﺘﻪ
ﻭﻳﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﺟﺮﺍﺑﻬﺎ ﺍﻟﺪﻣﻮﻉ
ﺭﺟﻞ ﻣﺎ / ﺍﻓﻀﻞ ﻣﻨﻚ ﺑﻜﺜﻴﺮ
ﻳﻄﺄ ﺣﺒﻴﺒﺘﻚ ﺑﻮﺣﺸﻴﺔ
ﻭﻳﻤﻮﺕ
ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺗﻮﺩ ﻟﻮ ﺗﻔﻌﻞ ﺃﻧﺖ
ﺑﻠﺤﻤﻬﺎ
.ﻓﻲ ﺍﺣﻼﻣﻚ
خذ كأسكَ واندم
شيء ما يتهدّم " تقول حبيبتي"
وأنت تحفر في قمر الأشياء
فتمتد يدي المقطوعة في النسيان
صوب وجهكَ الغادر ولا تجد شيئا
لا تجد وجهكَ المنطفئ
ولا ملامحكَ الشهيّة
لا تجد شيئا غير قطعان الندم
مذعورة تعبر نهر صوتك وتسقط خلف الباب
لتبكي وحيدة في الحديقة
فينشب الحب في الحطام
في غيوم ممزقة تملأ غرفتي
في العشب الناعم على السرير
في شباك العنكبوت
وفي مفاصلي
في أمعائي المليئة بالحزن والبِحار والطيور
في أظافري القاتلة تنغرس في ظهرك
في درب الغدير إلى فمك
في خزائن الغياب ومفاتيح البكاء الكثيف
في كل حقائب الخذلان وأمتعة الغضب
ينشب الحب في الرذاذ
في عذاب النظرة المكسورة في الفراغ
ينشب في أثر الأساور
وأنتَ تدير ظهرك للحرب
وهي تطحن الأحلام
من أجل أن تُصلِح أصابعك الغليظة من وضع هندامي
فتسقط أنت
بدل القذيفة في دمي
ها أنت ذا!
وها هي الحرب تأكل صوتكْ
صوتكَ المحمّل بالعار والنجوم
وبكل أخطاء الأجراس والجنائز
لطالما كنتُ وجثتي في انتظارك
جثتي المسممة بهراء شعراء مخنثين
يكتبون بنعومة عن الورد
وينتحرون!
وآلامك الطاحنة "خيولك البرية القديمة"
لم تزل تركض في الغابات
وتسقط كالآفة في الكروم
تنشبُ أنتَ في عينيّ المتعبتين
في قلبي الأطرش
كالحريق في ابراج الحمام
فأعجز أن اردعك
أعجز ألا احبك
بتَّ وحيدا الآن
أعرف هذا!
هكذا هم القادمون من جبال الحزن
يغادرون كالنعاس
ويجيئون كالعاصفة
يدهشني ألا اردعك
ألا أعميك
ألا أقتلك
لأنكَ وحدك من يصنع من سقف السأم
وضجر الأقفاص
سماء جيدة للنسيان
ولأنك في براري الخوف
من يُفلِت بوحشية ذئاب الضحك
خلف ظباء الأسى
ولأنك تجيد الحفر في كل لغة حزينة
بحثا عن جرار الشِعر ولا تجد شيئا سواي
مكورة أرتجف في العتمة
ضئيلة أعانق ليل المجاز العظيم
لذلك، أحبك بكل قذارتك وقوارضك
بمعاركك الوضيعة وتاريخك الجنائزي
بخِرافِك، وغربانك وشموعك وكل حاناتك
تروقني زنابق الماء تنبت في جمجمتك المرعبة
وبرق الضمير الذي نادرا ما يومض
في غيوم شراستك
أحبك تكتب عن جثتي المتعبة
عن أشباح الموت والأحشاء على الإسفلت
كما لو كنتَ تكتب عن
رائحة التراب بعد سقوط المطر
أحبك تكتب عن أثر الحب على معصميّ
وتاريخ الغدر بالمفاصل
أحب الكائن الدموي ينبعث فيك
عندما تجيد استخدام البندقية
كما لو كانت ملعقة
أحبك! لأنك صغيري
صغيري الذي يدنو من ظل الاشجار
ويتمرغ بوحشية فوق ظهري المكسور
مثلما يتمرغ هذا الكلب الضال
الذي ندعوه العالم، في زريبة المجرة!
لأنك الوحيد "لو تعرف"
الذي حين أنجو من الليل
أقول له كسلى:
" صباح الخير أيها العالم" !
أحب قسوتك تتلاشى
حينما تفور الدموع في قلبك
ويسيل حزنك على الجدران
ولأني "كل اولئك المقتولين برصاص بنادقهم"
وأنتَ مشهد الحطب
يُرمى عند الفجر فوق نار الأصدقاء
أنا خبزك المسروق!
أنا سوطك
كأسك، عارك، حزنك، فمك
غضبك، أصابعك، نذوبك
مُدنك، مفاصلك، ضعفك
مدفعك!
أنا أسراب الطيور الزرقاء
التي كفّت عن الغناء بين كفّيك
أنا بلا يد الآن
بلا صوت، بلا أسماء، بلا فم، بلا رفش
ولا أمعاء
وأنت بكل معاولك
تنقّبُ عن الحب في أنفاسي المُرة!
هاك يا صغيري
خذ كأسك واندم
اندم على ما فات كله
وأفلت كلاب حزنك
خلف ارانبي في حقول النحيب
دعها تتشبث بنهديّ
وتنهش لحمي وتلوك أضلعي
ريثما أمزق جلدك وآكل قلبك
بالشهية البرية ذاتها
التي ترسل بها أعداءك إلى الله
أحب مداعبة خصيتيك القطبيتين
وفوهة مسدسك تسد حلقي
احفر في هضاب الندم
في شوارع التعب القديم
في كل تلال اللغات الحزينة
فلن تجد سواي
أنا لغتكْ
وجهكَ الغادر
وملامحكَ الشهية
أحفر بعينين مغمضتين بين فخذي
أنا قبرك.
تعليقات
إرسال تعليق