"مقاطع من " متشابهون وهذا مخيف
للشاعرة أسماء ياسين
١
هل تدري يا حارس الطريق أن ساعة المحطة دائرية وكبيرة
ومعطلة منذ بدأت السفر
وأن المياه المعدنية التي تباع هنا ليست كذلك
والمجلات التي تباع هنا مقروءة من قبل
أتعرف أني هاربة؟
وربما نسيت محبس الغاز مفتوحًا
وستموت قطتي اختناقًا خلال ساعات
أطفئ قنديلك الذي يحول الصور على الحائط أشباحًا متراقصة!
كلانا يناسبه الظلام
أنت لأنك لا تعرف شيئًا من كل هذا
وأنا لأنني أكذب
ليس عندي قطة
لم أعرف أحدًا أليفًا هنا
لو عندي قطة يا حارس الطريق
لما فكرت في الهرب
٢
آلو أمي
أنا الآن في الطريق إلى الشمال
جائعة إلى الماء
دفئي البيت
هذا الموسم البرد يهاجم صدري أكثر
ولا يهاجم أطرافي
لا تدعي هذا يحزنك
تناولي أدويتك في موعدها
ولا تروحي في النوم مبكرًا هذا المساء
٣
أخبرت أمي أنني على سفر
عادةً لا أفعل ذلك
ولو كنت في الطريق إليها
لأنها تنتظر
وتظل منتظرة
ثم قد يطول انتظارها
الانتظار دودة تأكل الورقة الخضراء الوحيدة المتبقية في القلب
والأبناء الصالحون لا يفعلون هذا بأمهاتهم
٤
بدايةً
السفر في هذه الناحية من البلاد لا يفضل الشعر
تضحكه الاستعارات
وتسقمه البلاغة
ولا تحرك فيه قافية متكررة إلا الرغبة في التبول
كل شيء يدور في نفس الاتجاه
مع عقارب الساعة
أي قصيدة يمكن أن تغوص في بركة وحل وتخرج موزونة!
٥
أولو العزم من العطشى قادرون في منتصف الأسبوع
على إزاحة مدن مات سقاتها القدماء عن أكتافهم
ليفروا تجاه الماء خفافًا
كأن الهواء يحملهم
لا يكادون يشعرون بملابسهم
يروحون
ينقذون ما تبقى من رطوبة قلوبهم
قبل أن يجف طينهم تمامًا
فينكسرون
٦
صرتان من قماش على كتف واحدة
في إحداهما مخيلة ناضب زيتها
وبضع آنية؛
واحد لأعود بالماء فيه
وآخر لرمل الشاطئ نصف المبتل
أضعه في منتصف الصالة على الأرض
فأراه من كل الاتجاهات
وثالث لاحتياطي المحبة الخشنة
حتى الزيارة القادمة
الصرة الثانية
مربوطة على خوائها
٧
حين أكون بلا رفقة في سفر
وأنا دومًا بلا رفقة
ولم يتمن لي أحد رحلة سعيدة
مع أنني أخبرتك بأن الحياة ضيقة
وأنني أقتات المحبة الموجودة في خزانتي
وآكل الورق القديم كالماعز
لماذا تظنني حفرت نهرين في قريتك؟
تحسبًا ليوم مثل هذا؛
تجلس وحيدًا
أنا على بالك
وكأسك كأنها في يدي
لماذا لم تتمن لي رحلة سعيدة يا غبي؟
إذن فكل المدن قديمة
ومتهالكة
وتشبه بعضها
٨
السكة طويلة
ليس ذنبها على كل حال
متكسرة مجعدة
متعبة من لَوْك العرافات سيرتها بالباطل
أصبحت بعد لأي أعرفها جيدًا
لكنها لا تعرف أحدًا
لا تزال تعاملني مثلما تعامل الغرباء
السكة ثعبان
وأنا أخاف الكهرباء
الكهرباء والمفاجآت
الكهرباء والمفاجآت والمجاز
٩
بيت واطئ من طوب أحمر بلا طلاء
وبيت لا معالم للمادة المشيد منها بلا طلاء
وثالث من الأسمنت
فرابع بشرفة دائرية تآكل طلاؤه
ويطلي التراب
، يومًا بعد يوم، وجوه ساكنيها
وهم مثلما هم
جالسون منذ دهور على سلالمها
يصطادهم الذباب
يملأ أنوفهم وأفواههم وآذانهم
يصطادهم الذباب ويمرح في تلافيف قلوبهم بلا طائل
بحثًا عن االنور
يصطادهم الذباب
ويظنون أنفسهم الصيادين
١٠
ترعة وكأنها بلا آخر
ماؤها ليس عذبًا ولا مالحًا
ماؤها بني
أخضر
ليس من السهل تحديد لونه
طينها ليس يخفى
ويخفى
ونسوة فيه
-في الماء-
يغسلن آنيتهن
نصف أجسامهن فيه ونصف أسرارهن
شرفاتهن المشرعة على عتمة الطريق فيه
لا أحد يعرف
ولا رجالهن الغفل
إلى أي مدى تقتل الحمرة في نحاسهن المجلي
١١
يتخمني الملح
يثقل أطرافي
يكوي جرحي
قبل أن يصير السفر جيبًا سريا في ثوبي
لم أكن أعرف أني إذ أفقد عينًا ترى
فكأنما فقدت أذنًا وبعض قلب
وأني إذ أفقد أذنًا تسمع
فكأنما فقدت عينين وبعض قلب
وهو ألد العقاب
١٢
يجري الأمر على هذا النحو؛
الشمس تأكل الطريق
والطريق تأكلني
الشمس تأكلنا أنا والطريق
وأنا آكل خوفي المالح
آكل مجرتين وحفنة من الأحلام
أفسح مجالاً للدوامات والبروق
أبني سياجًا حول ظلي
لا هما يشبعان
ولا الطريق تنتهي
١٣
في قرية لا تعرف الينابيع
لدواعي الألفة
تخلف حوادث الطرق هلعًا محدودًا
يُخفته التكرار
فلا يكاد يجيء
هذه المرة خلفت الحادثة شهقة
وجثتين يافعتين
تناثرت ملايين من حبات القمح
فحولت أسفلتًا كان رماديًّا منذ لحظات
وصار داميًا الآن
-بلا قصد-
إلى ذهب
١٤
ماذا لأنف المسافر غير الدخان
ورائحة قش
يحترق ساعتها أو احترق منذ قليل
أو سيحترق فجر الغد
وعطن تراب مبلل
والروث
وشجر البرتقال
وبنزين المحركات
وعطر الرحلة الفردانية المقلد
١٥
لأذني المسافر الصخب والأبواق والمحركات
وأناس يصير لسانهم متغيرًا بعد ميلين
فأكاد لا أعرفهم
وأصيخ كالصم
ليس لليل المسافر أصدقاء إلا هو
ثم لا أريد أن أعرفهم
أريد فوهة بركان وأغنية حديثة
عضة في مؤخرة المجتمع الحزينة
إنهم متشابهون
مثلما البيوت متشابهة
متشابهون وهذا مخيف
تعليقات
إرسال تعليق