القائمة الرئيسية

الصفحات

تسع قصائد لم يسبق ترجمتها لـ ريلكه


تسع قصائد لم يسبق ترجمتها لـ ريلكه من مجموعتة " الهندباء البرية"

ترجمة وتقديم / عبد الوهاب الشيخ



يعد ريلكه من أهم الشعراء في القرن الماضي، كان لأسلوبه الفريد الذي جمع خلاله بين التجريد وما هو حسي تأثير كبير على الشعر الأروبي الحديث، من خلاله أشعاره الغنائية ذات الحس الصوفي، فيما يعرف كنوع من الحنين إلى الاتحاد بالله، والتي ظلت مع ذلك متضمنة لعناصر من سيرته الذاتية. ولد في براغ (1875) ودرس الفلسفة وتاريخ الفن في ميونيخ (1896)، عاش ككاتب حر وقام بالعديد من الرحلات إلى إيطاليا ومصر وفرنسا وروسيا، حيث حظي بلقاء تولستوي وتأثر بالطبيعة الروسية. من أشهر أعماله مرثيات دوينو (1911ـ1922) وسوناتات أورفيوس (1923)، توفي عام 1926 من أثر اللوكيميا. والقصائد المترجمة هنا من مجموعة شعرية، كانت قد ظهرت في مجلة أدبية أصدرها ريلكه بالعنوان نفسه عام 1896، وكان يوزعها مجانًا على المستشفيات والنوادي والمارة في شوارع براغ، مقدمًا إياها بالمقدمة التالية.


الهِنْدبا البرية


أغانٍ مهداة إلى الشعب

براغ، في ليلة عيد الميلاد المقمرة

كلمة فحسب:

... تنشرون أعمالكم في طبعات رخيصة.- فتُيَسِّرون بذلك على الأغنياء الشراء؛ ولا تساعدون الفقراء. كل شيء غالي الثمن بالنسبة للفقراء، فإذا كان الثمن كرويتسرين*، والسؤال هو: الكتاب أم الخبز؟ سوف يختارون الخبز؛ هل تؤاخذونهم على ذلك؟ هل أيضًا تريدون أن تعطوا الجميع، إذن أعطوا! يحكي باراسلسوس**، أن الهندباء البرية ***تتحول كل قرن من الزمان إلى كائن حي؛ والأسطورة تتحقق بسهولة في هذه الأغاني؛ فربما تصحو على حياة أسمى في روح الشعب. أنا نفسي فقير؛ لكن هذا الأمل يجعلني غنيًّا.

" الهندبا البرية " سوف تظهر من مرة إلى مرتين في العام. اقطفوها، وهي تودّ لكم السعادة.




* Kreuzer  عملة معدنية تساوي أربعة مليمات.
**    Paracelsus(3 149 ـ 1541) طبيب وكيميائي ومشتغل بعلوم التنجيم كان يؤمن بالقوى الخفية وإمكانية إخضاعها للسيطرة البشرية.
***Wegwarte نبات ينمو في وسط أوربا على حواف الطرق، اختير زهرة عام 2009 في ألمانيا، وقد اتخذه ريلكه اسمًا لمجلته الأدبية التي كان يصدرها بصورة غير دورية،
   



(1) الأغنية الشعبية

ترفعُ يدُ الملاك الحارس الفتى
بلطفٍ فوق النجوم،
حتى ينسجَ الخيوطَ الفضيَّةَ لأغانيه
حول قلبِ محبوبتِه.

 عندها يودُّ الفتى لو انه يتذكر،
ما كان يرنُّ بعذوبةٍ في أذنِه من فمِ الأم،
وبالنَغَمِ المُنبعثِ من داخله
يُفْعِمُ كمنْجتَه.

الحبُ وجمالُ الوطن يضغطان
القوسَ في يدِه،
فتنسابُ بخِفَّةٍ ألحانُه
مثل وابلٍ من الزهرِ في الريف.

والشعراء الكبارُ، الذين أسكرَتْهم الشُهْرة،
يُنْصتون إلى الأغنيةِ الساذجة،
بإيمانٍ شديد، مثلما أنصَتَ الشعبُ ذات مرة
إلى كلمةِ الرب في سيناء.



(2) الصباح


تأتي الريحُ الباكرة. تُفْسِحُ
الطريقَ لضوء الشمس.
ترمي صيْحَةَ ديكٍ
في كلِّ فناء.

لولاها لسادَ الهدوءُ القرية؛
خلا هَمْسَ أشجارِ الحورِ بأعلى.
هكذا في مثل نَهَم القُبَّرات يصبو النسيمُ
إلى ضوء الصباحِ الأحمر.

  
(3) برج الأشباح


هنالك يقف برجٌ، صغيرٌ
عتيق ـ مرتفعٌ وخالٍ؛
حتى خلال النهار لم يكن
أحدُ يمرُّ بالمكان.

إذا ما كانت حياتُه غاليةً عليه،
أو كان مؤمنًا على وجه الخصوص؛
لأن الأمورَ هناك تدعو إلى الريبة،
كما يُشيعون في الوادي.

بيد أن الرعاع والسوقةَ كثيري التجوال
يمكثون في البيت القديم مسرورينَ:
وها هو الآن قماطُ طفلٍ مُعَلَّقٌ
كرايةٍ للأشباح.


(4)  بلا تكلف

 سرعان ما تُطْوَى الخيمة!
رواياتٌ هزلية، بشرٌ رُحَّل.
بالأمس في مدينةٍ صغيرة، لكنهم اليوم
ينطلقون بعيدًا عبر العالم!

معلَّقًا بسَلاسَة!
أيها السيسي الصغير، تسحبُ العربة
الخضراءَ الفاخرة، أجملَ المسارح،
من بلدٍ لبلد.

إيهِ، مثلَ الريح
بالأمسِ كنت تحملُ على ظهرك
« نِدّا » الطفلةَ السمراءَ الجميلة،
نحو كلِّ ما هو مُبْهِج!

متحرِّرًا من الأوامر،
كنت تقفزُ عبر الجليد وتصعدُ على الأدراج.
اليومَ ـ عليك أن تجُرَّ عربةَ الكارُّو:
الفنُّ يأتي بعد الخبزِ على أيَّةِ حال.



(5) الظهيرة

 مثلما فوق البحيرةِ الزرقاء في الغابةِ
يجثِمُ بثِقَلِه السكون،
لا تزال ترتعشُ هَمْسةُ خفيَّةٌ
في الأغصان المُجْبَرَةِ على الإزهار.

ترفُّ الفراشةُ السريعة، برَّاقةُ
الألوان على السطحِ العاري،
وعندئذٍ تهيم مُخَشْخِشَةً في الغابِ السامقِ
فكرةٌ لم تخطرْ أبدًا ببال.



(6) الزهرة
  
تلك الزهرةُ الصفراء التي هنا،
أهدانيها بالأمس الفتى؛
واليوم أحملُها، هي نفْسَها،
وأضعُها فوق قبْرِه النَضِر.

لا تزال الزهرةُ منذ الأمس
حلوةً وجميلة،
تمامًا كأخَواتِها في الحديقةِ
المحاطةِ بالأشجار على التل.

فوق بتلاتِها لا تزال تستندُ
قطيراتٌ لامعة ـ انظُرْ!
إنها اليومَ فحسب دموع،
وبالأمسِ كانت ندى...
  

(7) عزاء

 هناك في السماءِ العالية
تمتدُّ رقصةُ النجوم،
وتنحني قممُ الأشجار
بخَفَّة كما في الحلم.

الزهورُ فوق الأرضيَّة،
مُرْهَقةٌ من أثرِ الشمس،
وسَكينةُ الفَرَح الأقدس
ترتعشُ عبر الطبيعة.

إذا كانت العاصفةُ الثائرة،
وحشيَّةً ومعاديةً للأزهار،
ها هو الآن نسيمُ الليل يبتسمُ بلطف
ويهمسُ إليها بعزائِه.

  
(8) المساء في القرية


انظُرْ، إلى أيّ مدى تتضاءل
الشمسُ في ظُلْمةِ الغابة.
(حلَّ) الهدوءُ في القرية، وبرِقَّةٍ لا يزال
يتهامسُ السُكَّانُ عند البوابة.

كلُّ أدوات الحقلِ اللامعةِ
تقف ساكنةً في الأفنيةِ النظيفة؛
أحيانًا تزعج بقرةٌ متأخرةٌ
أنشودةً رعويَّةً لطيفة.

(يا لها من) استراحة مقدَّسة، مُكرَّسَة لأجل
الرب، يستحقها تعَبُ النهار.
الشارعُ نفْسُه ذلك الواسعُ يبدو
كأنما جرى طلاؤه حديثًا، وكأنما قد كُنِس.

راعي الإوزِّ يسوقُ أمامه صافرًا
ذلك السربَ الأبيضَ البهيج إلى البيت.
عاليةٌ هي السماءُ المُرْهَقةُ،
ساطعةُ الضوء ـ بعيدةٌ وصافية. 
  

(9) سُحُب المساء


المساء. ساكنٌ هو الأفقُ البعيدُ. أتطلَّعُ
إلى أعلى كأنما السحبُ المتجوِّلةِ
فوق مُنْحَدرِ التَلّ، زوارقُ فضيَّة ،
تسبحُ برَّاقةً في الزُرْقَةِ الرصاصيَّة.

تنزلقُ بيُسْرٍ في المدى.
وإذ ذاك، تقفُ بجوار جبالِ القمر
اللامعة، عندما يُنْزلُها الملاح المُبارك
هناك فوق الجزيرةِ المُنْعَزِلَة.




قد يعجبك ايضا

تعليقات