القائمة الرئيسية

الصفحات


مدرستي

أو 

قد يسلم المرء من النوستالجيا

وليد الخشاب




قال لمعَلِمتِنا:
الشيوعية أفضل نظام سياسي
فضَحِكَتْ ضحكةً
تَنْخَلِعُ لها قلوبُنا إلى اليوم
قال لزملائنا:
أرأيتم كيف أعجبْتُها
عندما مَدَحْتُ الشيوعيةَ؟
مدام نبيلة
عَلَمَتنا كيف يتوهج البللور
في العين والحلق
وماركس
مازلنا ندين له
بكثير من البهجة
***
قلُتُ لمعَلِمي الفرنسي:
لحيتُكَ قد تؤلمُ زوجَتَكَ
حين تقَُبِلُها
أجاب:
من قالَ لكَ إن النساء
لا يحبِبْن أن نؤلِمَهُنَ؟
وبهذا فَتَحَ باباً
لم يغُلَقْ إلى اليوم
***
قالت لي:
ها أنت تتجول في الأنحاء
لابساً قميص النوم
أَجَبْتُ باستياء أَبِ:
هذا الزيُ القومي
جلبابي الصوفي الأسود
فَصَلَه عم أمين
وتقاضى خمسة جنيهات كاملة
كنت أرتديه في ثمانيناتي الخالية
لأقطعَ الشارعَ من بيتنا
إلى جامع الصحابة
ولا ألفتُ الأنظار
لكن صديقتي الفرنسية
استنكرت أن أغزو بلادها
بملابس سكان الشرق الأصليين
***
لا أحب الذهاب إلى المدرسة
لأن أشرف ويصا يضربني
ويجري لمدام عايدة ويشكوني لها
من وقع المفاجأة لا أعرف كيف أدافع عن نفسي
الظلم فظيع
وحوش المدرسة أول تمرين على الافتراء
***
في المدرسة كنا نغني
يا عسكري يا بو بندقية
فهمت سريعاً مسألة : » أنت قوي جبار
ولا تهاب النار «
لكني لم أفهم
كيف ينجب العسكري
بندقية؟
***
في حصة الدين
فهمت تماما
أن الويل لمن يمنعون المعونة
عن الآخرين
واندهشت عندما قالت المدام
إن من لا يقرض جاره إناء
يغضب الله
يولد المرء من أهل الظاهر
أو يقرأ بالفطرة
***
في مدرستي
كنَا ننتظر جرس الفسحة بصبر نافد
لم يكن مجازاً كهربياً
كان جرساً فعلاً
ناقوساً من برونز
يفصل بين الحق في الترفيه
والدرس الباطل
درس النفخ في الصور
لََخصَه الأستاذ رمضان
مع ذلك، لم أفهم لماذا تقوم القيامة
إذا نفخ ملاك في السور
لابد أن السور أيامها لم يكن من الأسمنت
أو أن الملاك قوي جداً
لكني فهمت أن الجرس يتبعه الحشر
)وتخيلت الملاك ينفخ في السور
فيحطمه بقوته
فيهجم علينا يأجوج العملاق
ويدوسنا وهو يهرول بحثاً عن أخيه مأجوج(
في مدرستي
كان البقاء للأقوى
يدق الجرس فنأخذ الحوش أخذَ البرابرة الفاتحين
ونجري جميعاً صوب الكرة اليتيمة
أربعون منا يحمون الباب الحديد مرماهم
ونحو أربعين أو خمسين
يتخذون السلالم مرمى
كنت بديناً أخاف المزاحمة
وآكل سندوتشي في صمت ونهم
يوماً اقتربت مني الكرة فركلتها
فإذا بالحديد يصدح
سجلت هدفاً في الباب فزأر نصف الملعب: »جون«
صرت فجأة لاعباً
وقال رمزي: الواد وليد جاب لنا حتة جول!
صحيح: من أحرز هدفاً صار مِنَا
***
للتدريب الثقافي مسارٌ معلوم:
في الخامسة تتعلم لعب الورق
أولاً:  »الولد يقش «
ثم الأصعب فالأصعب
كنت أظن أن »البصرة « معناها» التوأم «
أما » الشايب « فمعروف
وفي السادسة تتعلم الشطرنج
وتحلم بأمجاد كاسباروف
والدومينو كذلك
بعد أن تُكَوِّنَ قناعاتك
بخصوص تسميتها  »دومانة «
لكن في السابعة أجريتُ قطيعة مع التراث
كنت مذعوراً من مصطلحات الطاولة
أرتبكُ حين يصيح الكبار:
» دو يك « أو »دو سه «
كنتُ أشعر بخشونة  »الدبش «
لكن يثلج صدري أن يقول خالي:
» دو بارة «
كأنه يربط ما انقطع
بين سنيني السبع
وأساطير الأولين
***
كان يستخفي بماركسيته
فلا يلقى محاضرة إلا عن هيجل
***
مدام سلوى
كانت من زمن ملحمي
تسمع عنه ولا تصدق من شهدوه
ترتدي سراويل القطيفة
وتذهب للكوافير كل سبت
ثم تدخل علينا صباح الإثنين
لتعلمنا قواعد العربية
كسرت وزميلي مسطرتها
وكتبنا عليها:  »عبرة لمن يعتبر «
فابتسمت بأريحية وقالت : »معقول؟  «
***
الأستاذ عاطف
كان رجل السبعينات بامتياز
يلبس بنطلون رجل الفيل
وقميصاً مشجراً
وحذاء بكعب كالكوب
في حصة الدين
قال إن المسْتَمني يبُعَثُ يومَ القيامة
ويده حبلى
لكن في امتحان التعبير
أعطاني 18 من عشرين
لأنني كتبتُ في الورقة:
 »اسمح لي يا سيدي
أن أسمي السياحةَ
الكنزَ المدفون«
***
في الصف التالي
لم تَنْطَلِ الحيلة على الأستاذ جميل
فَلَمَا كتبتُ في امتحان القراءة
»هذا حوار بين الحبيبين
لحظة الوداع
وفراق الحبيبين
دونه الحَيْن «
لم يهتزْ
وأعطاني صفراً
لأنني لم أجب عن أسئلة الوجود:
من قائل هذه العبارة؟
ولمن قالها؟
ومتى قالها؟
من ذا الذي يقرأ »وا إسلاماه« 

فينسى أن لبنى عبد العزيز تُدْعَى في الرواية »جلنار «
بينما اسمها في الفيلم »جهاد«؟
ثم يذكر عبارةً لا سببَ لوجودها
إلا ليستخدمها الأستاذ في امتحان القراءة؟
***
في حصة اللغة
كان يعلمنا أن البطل إذا اشتدت عليه المصائب
يقول: قلبت لي الدنيا ظهر المحن
وكنت أقول:
كان يسير خلف المحن فلا تراه
ثم تعتدل المحن وتواجهه
فيتداعى
حين عرفت أنها: » قلبت له ظَهْرَ المجِن«
كدت أجن
زمان كانت اللغة العربية غير لغة اليوم
اليوم قلبت لنا اللغة ظهر المجن
***
لم يَرَ أحد منا عين الأستاذ نجيب
لم يخلع يوماً نظاراته السوداء
إن أخطأ أحدنا التشكيل
كان يضرب صفحةَ كَفِهِ بمسطرة خشبية
كانت تؤلمنا
لكن جملته الأثيرة تحز في لحمنا:
 »مد رجلك يا ولد«
اقطع يدي إن شئت
لكن لا تُسَمِها قدماً
الأستاذ نجيب
كان ضليعاً في الإعراب
لكنه أمضى عقداً كاملاً
يضع رباطات عنق مهولة
حمراء ووردية
ويرتدي بنطلونات أعرض من رجل الفيل
سامحناك على الضرب
لكن كيف نغفر لك ملابسك السبعينية؟
***
ثم قال بجدية شديدة:
الفانوس يصنعه الفَنَّاس
ونعوذ بالله من الوسواس الخناس
 »فانوس «     
ليست كلمة إغريقية
لأن العربية علمتنا
أن الله نور السماوات والأرض
***
الباء طَبَقٌ
سقطت منه زيتونة
والتاء طبق
عليه زيتونتان
والثاء ثلاث
والياء بطةٌ
باضت بيضتين
والطاء مركب وصارٍ
والظاء قمر
يطل عليهما من نقطة بالسماء
للحروف حياة سرية
لا يدركها إلا الطلبة الأمريكان
حين أعلمهم كيف ترُْسَمُ الأَلِف
وكيف تدور الدوائر على الميم
فتنزلق على راء القَدَر
لتسقطَ في نون البركان
***
قال أيمن:
السعادة
هي القدرة على الاستهلاك
انتفضت وسام ونهرته:
أنت سطحي جداً
***
لو لاحظت أن الكلام أصبح عميقاً
خذ نَفَساً وأطفيء الأنوار
ربما كان الأسلم أن تحشو أذنيك بالقطن
قد يسلم المرء من النوستالجيا
لكن الكلام العميق آخرته القتل

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق

إرسال تعليق