قمر الدم الأزرق
مختارات من شعر علي الربيعي
كمنقار طائر بحري قبيح
اخيرا
الحرب تخرج من رأسي إلى الشارع
لأنها لم تجد ما تأكله
فرأسي رطب
ومليء بالعلف والوحل والتفاهات
والأفكار القذرة عن الحب والجنس والبلاد
الحرب لا تأكل العلف
هي تحب أن تتشمس وحسب
بعدما تلتهم الأصدقاء
..
أما أنا
ما عُدتُ اطيق الأشياء الرصينة
الأشياء التي باتت أشد فتكا من الفقدْ
فالرصانة تنذر بالفظاعات يا حبيبتي
وتمزق بأظافرها الحادة جلدي ورئتيّ
انظري !
انظري إلى هذا المشهد الرصين
"مسدس منزوع من فم شاعر قتل نفسه
ووُضع بكبرياء عند خصر أنثى"
انظري إلى مشهد هدوء الجند القساة
الذين لا يفضّلون في استراحاتهم قرع اقداح النبيذ
وإنما يكتفون بتبادل النظرات القاتلة عوض الأنخاب
لهذا
لم أعد أحب نهدكِ الحزين في هيئة محارب منهك
نهدكِ الذي بات كجنرال وغد
يستمع بحزن عقب كل معركة لموسيقى "ايديث بياف"
بتّ أحب النار أكثر وهي تفتتح المشهد
فالرصانة مروعة
ووقعها أشد فظاعة من اشتعال العربات والسهل
بتّ أحب جارتي العارية على الدوام
ولحمها الأرمل يعجز أن يسحق الوحدة
لحمها الشهيّ
الذي نكاية في الخوف
يرتجّ وحيدا فوق السرير
أحب الضوء يلعق فخذيها الخائنين
ويحرث بين نهديها النمش
وينبش موسيقى البلوز
بتّ احب من يُخلِصون للحرب
اللصوص والموتى والطلقات والسكارى
بتّ أحب كل هؤلاء الأوغاد في اللحظة التي تسبق موتهم
وكل السفلة الذين تورطوا في المعركة
حين لا يبكون من شدة الندم فُرادى
أحب ما يفعله السأم بهم
أحب الحرب متى تتخلى عن احلامهم ونذورهم
أحب يدكِ القاتلة ولسانكِ المعقود حول لساني
حين يعود حالا من القبلة
ليقول في خذر "أحبك"
..
أحب نهدكِ يتخلى عن رصانته
ويهتز حين يُلقَّم في فمي
كبندقية ترتج حين تطلق الرصاص.
حرب قذرة
تنام كطفلين متعَبين
حسنا
الآن
والمدينة الوقحة تُقبِل على النعاس كذئبْ
وأنا اتوسط هذا الخراب
هذا الاستغراق الكئيب
في النظر إلى الخارج عبر جدار الغرفة المهدم
لم يعد في وسعي
أن أجُرّ الغابة إلى السرير
فأنا وحيد وعاجز
مثل كل من يطرق بأنظاره إلى السماء
ويبكي لكي يستعيد ضميره
بعد احتسائه زجاجة نبيذه الشريرة الأولى
إنما بوسعي ورغم الأسى الآن
ألّا اردع الكأس وهي تتجه بأحشائي نحو المقبرة
وأن أبول على حرائق تنشب في سهول اللغة
وفي فَم حسناء ركلتها الحياة جيدا
ربما اكثر مما يجب
لتصير شاعرة
نكاية في شعراء بُلهاء يَعلَقون بين فخذيها
ويتكدسون فوق نهديها مثلما يتكدس الزنوج
فوق قارب بخاري صغير
قارب مقلوب ومعطل بعيدا عن اليابسة
نكاية في اسرّةٍ فارغة شبيهة بمدبغة نتنة
وفي اوغاد آخرين يخلعون اسمكِ عن أبواب القصيدة
ويشدّونه بحبلٍ من عنقه اعلى الجسر ويضحكون
وبما أنكِ اشدّ وحدة من خنجر
واكثر إغواء من مدينة
سوف أنفضُ عن شفتيكِ المالحتين قصائدي القذرة
قصائدي التي لا تستحم ابدا
الشبيهة بنهار بليد يتثاءب
وهو يسند ظهره إلى الحرب
ويقول بكل وقاحة لكلينا :"صباح الخير"
قصائدي التي تنبت أمام دَرَج بيتكِ
ولا تُزهر ابدا
..
كشجرة اعياد الميلاد.
قمر الدم الأزرق
إلى وديع ازمانو .. طبعا!
..
ما تزال الأشياء تستمر في الفَناء
و يستمر العالم الجائر في الحدوث
وهو يوجّه لكمته لأنفكْ
ويمضي
بينما تسقط أنتْ
في مساءات مقطوعة الذيل
تعجز أن تهش عن مؤخرتها الذباب!
..
تسقط في النوم
في الحرب
في العِبارة الباردة
في شَعر فتاتك المنسدل بإهمال إلى الخلف
وبين اطراف اصابعها التي ترفع بفخر
كأس "البرونو" في وجهكْ
..
لابد من أن هذا قاس وأليم
على أيّ مخدع معتم
لا تخرج منه آهة واحدة
وعلى ماء النشوى حين يتحجر في القضيب
قاس على الزيت
حين يكف عن الاحتراق في المصابيح
على الألم!
الألم الذي ينبت في المعانقات السعيدة/ كشجرة
في الكلام الأليف
وفي الضمير
حينما تحاول أن تسند فتاتكَ إلى الحائط
لتُحمّلها بخمس عقود من الحكمة
لكنها تطرحكَ على السرير
وتحمّلكَ هي بألف عام من النحيب
في الألم حين ينبت في البنادق الهادئة
التي في رصانة الكاهن
بأمشاط رصاص نصف فارغة
تنزلق على الأجساد
مثلما على الرمال
تنزلق مراهقات قادمات من الريف
وهن يذرفن الدمع
ويستلقين اخيرا بنهود نصف مكشوفة على الشاطئ
في الألم الذي ينبت في الكلمات بعد ذلك
في ضحكاتهن المعجونة بالدموع
وفي رائحة موسيقى بلوز تحترق
في مظاريف محمّلة بهُراء الحب
وهي تُفض على مقربة من البحر
لمئات المرات / ببلاهة
الألم الذي ينبت في الكلام الجميل
الذي يُطلَق في جلال مأساوي
مثلما يُطلَق المعدن على الوجه
أو الأظافر على الزجاج
ما اعنيه:
تكون الكلمة على طرف لسانك
لكنها لا تخرج!
يكون الألم في صحون الحلوى واطباق الأجاص
لكنه لا يُرى!
يكون في الزهر / في ضحكة الصباح
في العَرَق
وفي القُبلة
..
يكون في كلمات العزاء السخيف
تجيء كالسكين في العين
ومع ذلك
كل شيء يستمر في الحدوث
يكون في عذاب يعقب نظرة الحياد
وأنا انظر إلي جراح حبيبتي
كمن ينظر إلى مفاتيح بيانو
يكون في الليل
حين يُسقِط لونه في كل شيء
كوردة تسقط
في القذارة.
حزينٌ قليلا
في وقت مبكر ومُضيء
كنتُ اعبث بمثل هذا الغبش
وهذا الأسى الكثيف
الأسى المكسور
كالذي تذهب به وردةٌ من غصنها
أو شفاه من شفاه
كنتُ كجرو ضال
ارتوي مباشرة من البرك
بعدما اقف عاريا لأستحم بالوحل
وانظر بنفاد صبر إلى الطرف الآخر من البحر
وابكي جيدا !
كان البكاء يأتي كمَلهَاةٍ وحيدة وغامضة
ومن السهل أن انام تحت الأجَمة
مثلما يفعل الجاموس في السهل
..
كنتُ صغيرا
وكبرتُ مثلما تكبر الضباع
فها أنا الآن
على مقربة من الشاطئ
رفقة كلابي سيئة الصيت
تلك التي لا يوقظها شِجار مهربين
ولا صرير مراكب تُدفَع بقوة باتجاه البحر
حزين قليلا
لأن قلبي بات يشفّ عما بداخله
وما من احد غير هذي الكلاب
بوسعه أن يرقب على اطرافه اضطرام الحقول
وحدها كلابي الشريرة
مَن تَرِق وترتعد
مِن تلك الجثث المتروكة في العراء
ومِن حطام المراكب القديمة
حزينٌ
لأنني وحيد ارقب الموج كيف يرغي ويزبد
ويتكسر بقسوة على الشاطئ
انظر إلى حماسة الراحلين
بعيون كلب قذر
وبأسى ضبع عجوز خسر انيابه
ووقاحته
ضبعٌ حزين وعاجز
يهمِز جشعه امام الفريسة
ويبتعد.
تعليقات
إرسال تعليق