سنقتسم معاً رغيف الخبز الجاف
وكسرةَ الملح الراجحة
مثل عاشقٍ
و عاشقةْ
أنت تلعبين بالفراغِ كالفراشاتِ
وأنا أطارد النمل
والقطط
فى الشوارع الخلفية للزمنْ
ومطاعمِ الفقراءْ
وكالمحمومِ دائماً
أعلُق قمصانى فى الهواء النازف على السكك
وأنتِ تنزعين عنك ثيابك الداخليةَ
وماضيك المشبع باليأسِ والرطوبةِ
وضراوة الفانتازيا
على فلقة بطاطسٍ هرمةٍ
أو دودةٍ نادمة
أنفك جزيرة من الشهوةِ الغامضةِ
وشعر رأسك عليك مثل غابةٍ من الكريستالْ
كلماتك من ضحى الأغانى
وخطواتك على الطريق
شجر
بللوا
شعرها وقبل أن تنام بالبنفسج
وعلى أودية النهارات العميقة لليل
قولوا لعين الشمس الجارحةِ أن تنتظر بالباب
فمحبوبتى تغطُّ فى النومْ
دلكوا جسدها بالمواويلِ
والدفوفْ
واكتبوا
اكتبوا كلماتها على الجدرانِ والنوافذِ
خشية أن تسرقها الريح
أو يأخذها اللصوص فى الليلْ
واقرأوها
واقرأوها لأولادكم
فى الصباح
والمساء
مثل صلوات الرب الغامضة
وموسيقى الهنود الحمر
وقبل أن يجتاحهم طوفان البرابرة بالأحصنةِ
والحراب المسننةِ
والخناجرِ
حبيبتى التى تغترف من الدمع طائرةً ورقيةً
وتذهب إلى البساتين
أمس
كتبت لك قصيدةً جديدةً
وقعدت على الأرصفة لكى أغنيها لكل عابر سبيل
ولذوى الاحتياجات الخاصةِ
من أصحاب البنيوية
والتفكيكية
وسراقِ الحداثة
تحت سقف الجوعِ
وفقر الدمْ
- أنا لحبيبى
وإلىّ اشتياقه
حبيبى مدّ يدهُ من الكوّة فأنّت عليه أحشائى
شعر حبيبى أحمر و أبيض
ومعلم بين ربوةٍ –
شفتا حبيبى جنتان من أعنابٍ و نخيل
أنف حبيبى عسل نحلٍ وأرخبيلاتْ
خد حبيبى أرجوانةُ و مالها مثيلْ
إسقنى خمرتك يا حبيبى فأنا لستُ من أهل هذه البلدةِ
وها هو ذا الليل قد أقبل وانطفأت كافة المصابيح
فى السكك
وهدّنى التعب من السير
فى الأزقة
وغرف الكوابيس والدفن
أصدقائى
همُ
همُ
تركونى فى السكك مثل طائر يتيم
وما اخترعوا لى ولو كلمة واحدةً فقط
أو حتى حكاية منسية لكى تبل ريقى
أو تسدّ ظمئى إلى الباب
وفى الليل
لا أجد من يسأل علىّ
أو يطرق علىّ حتى باب غرفتى
قتلتنى الوحدةُ الضريرةُ
وهدّنى الضجر مثل فرس بجنازير
ليس لى سوى عينيك المبهرجتين
كشفيعتينِ
أو كشمعتين باذختين فى سراديبِ الكهوفِ والعتمة هذه
وهى تكشف لى عن غابةٍ من الحليبِ
و الفحم
أمس
أمى ذهبت هى الأخرى – إلى السوق
ولن تعود أبداً
وفى يدها سله من الغلالِ
والزيتِ
وكيزانِ الذرةِ
وأوائلِ الشعير
وأبى
راح يسأل عنى فى السكك
وتحت قارةٍ
غارقةٍ
إخوتى تركونى فى الجبّ
وداخل مصنع الأسمنت
والحديدْ
مع الذئب فى الفلاة
فالتقطنى بعض السيارةِ
وباعونى بثمنٍ بخسٍ
دراهم معدوداتٍ لتاجر روبابيكيا
آهِ
يا حبيبتى
يا كاملتى
كلماتك تسمع من بعيد
وكلماتى على الطريق صف من الدموعِ
على رأسى وضعت علامةً على المحبة
حتى لا يتخطفنى الطير
أو تهوى بى الريح فى مكانٍ سحيق
وأنا
أنا تهت فى السكك
أخدنى الحرس الطائف فى المدينة
وذهبوا بى إلى القساوسة والحكام
ورجال الشرطة السرية
سألونى
عَن رقم هويتى الشخصية
و عنوان بيتى
ومن هذه العاشقة التى شغلتك حتى عن ال ...
وجعلتك تدور فى السككِ كالضالين
أنا
لم أخبرهم بشىء
فقط قلت لهم
ليس كمثلها شىء
ضربونى بالسكاكين
والبلطِ
قطّعوا أرض روحى بالجنازير والشراشر
وحتى ما عدت قادراً على السمع والكلام
بصقوا فى وجهى ألف مرة
مزَّقوا أوردة نفسى بالأحذية
والخرزانات
فما نظرت نحوك قط
يا حبيبتى
يا كاملتى
حتى لا يدلهم أحد عليكِ
لم أحدثهم سوى عن عينيك اللتين تسكنانِ فى السماءِ
وتقيمان لوحدهما فى الغابةِ
وهما ترافقان القمر فى الظَهيرةِ
والشمس فى عز الليل
عن أغنياتك التى سرقها الغجر الرّحل
وباعوها فى الأسواق
عن شفتيك المطعمتين بالحليب والنعناعِ
عن خطواتك التى تبثّ على الطريق طلاسم
وبنفسجاتٍ
لا
ولم أحدثهم ولو لمرة واحدةٍ
عن رغوتك التى تسيل على الجدران والنوافذ
ولا عن كلماتك التى يحفظها الربّ عن ظهر قلب
لا
ولم أحدثهم كذلك عن رغيف خبزك المحروق
الذى تصنعينه من عرَقَ المحبةِ وعجين ضحكاتك
لا
ولم أحدثهم كذلك عن رنة خلخالك
التى تصلح قاعدة للأغانى والمحفوظاتْ
من رأى منكم وجه حبيبى فليدلنى عليه
أنا تعبت من البحث عنك
والسير خلفك فى السكك
وعلى المنحدرات
وقمم الجبال
صباح الخير أيتها اللؤلؤة
سأستقبل حبيبتى بفمٍ باسمٍ
وأحدق طويلاً إلى عينيها السيدتين
وردفيها المعجونين بالحليب والقشدة
وأقول لها
صباح الخير أيتها الوردة
اليوم قررت أن أخرج إلى الأسواق
لأشترى لكِ سمكةً وحيدةً
فابتلعنى الحوت الأكبر فى اليم
الحوت الذى سرق منى خبز شفتيكِ
وعجين سرتكِ
وفرض علىّ الإقامةَ الجبريةَ هناك
خلف الأسوار
والدبابيس
آهِ
الحوت الذى سرق منى حليب أيامى الصافى
ليجعلكِ له أمَة
و متوجة
هناك فى الأقاصى
ماذا أفعل أنا فى كل تلك الخيبات
أنا سوف أسرق لك الزمن
بكل أراجيحه
وصناجاتهِ
لتعلقينه كحليةٍ استراتيجيةٍ تلبسينها هناك
بين المقابرِ
ضد المراراتِ
والوحشةِ
وسوف أدور – كذلك – على كل بيتٍ
من بيوت أهل هذه البلدة
ليعلقوا صورك على الجدرانِ كالأيقوناتِ
وسوف أجلب لك من بنات فارس الأسطوريات
فراشةً واثقةً
لتنام هناك تحت عريشتكِ فى الليل
وبالنهار
تغنى لكِ أغنية مرحةً عن الربيع
وعشب الجنات
وعنبِ المواسم
وتضع تحت رأسك كافة النجوم فى الأفق
كى لا تخافى يا حبيبتى
يا كاملتى
من الكوابيس
وقططِ الله المفزعة
وحراس المقابر الليلية العميان
وبائعى الجثث لطلاب كليات الطب وأكلة لحوم البشر
آه
أيتها الحبيبة باللذات
ما أنت إلا الزمن
ذلك الحارس اللعين
بعويناته المدربة جيداً
على القنص
والقتل
وها أنتِ ذى تخبئينه بين جلاليبك
وقمصان نومك
مثل وردةٍ
أو يقطينة
وعلى أوردة روحك التى تنز بالمسكِ
والمخاوف
والتى قطّعها الأطباء بالمشارطِ
وأنابيب المصل واللقاح
يقف التاريخ كشاهدٍ أخيرٍ على بزوغ شمسكِ
المبقعةِ بالدمِ
وغرفِ العنايةِ المركزةِ
و تكويمات الريح الغادرة فى المدن والبلدان
إسقنى خمرتك
يا حبيبتى
ياكاملتى
فأنا تعبت من العطش والسُّل
كونى شجرةَ ظلى الأخيرةَ
ورغيف خبزى
وقمحى!!
كونى حنانات روحى المشققة من أجلِ أحزانك
وكلماتك
وكل نوافير سككك العطشانةِ
يا كل حدائق أيامى المنكفئة
على الطرق
مثل قارورة فارغةٍ
أو مثل كرةٍ مطاطية يلهو بها الأطفال فى الحدائق
كونى مثل شريحةٍ بلاستيكيةٍ أخيرة للزمن
وأنا
سأكون لك شجرة نبقك الدائمة الخضرة
وحارسك الليلى الأمين
وقبل أن ترحلى تماماً ونهائياً عن هذا العالم
ماذا سأقول لأمى إن هى سألتنى عليك
ما هو شكل حبيبتك قل لى
ما لون عينيها أجبنى
يا صناجتى الأخيرةَ
وجرة مياهى المندلقة
تحت السكاكين
ارقدى
ارقدى إلى جوارى يا حبيبتى يا كاملتى
لليلةٍ واحدةٍ على الأقل
وفى سريرٍ واحدٍ
الأصحاب يسمعون صوتك من بعيد
وأنا هنا أنتظرك على السكك
وتحت أصوات سيارات الإسعاف
وعربات دفن الموتى
ربما نغسل عن القمر بعض تشققاتهِ
وتعب مفاصلهِ
وربم نزيل عن الشمس كذلك
بعض ضلالاتها
أو خيباتها
لايهمْ
ويحسن بك أن تقولى للزمن
توقف عن عملك أيها المراوغ اللص
ولو لمرةٍ واحدةٍ على الأقل
فما زال على الفجر بعيد
وأنا سأقول للزمن يالك من حطّابٍ وأعمى
انتظرنى
إنتظر أيها الزمن
فأنا لم أنشّف بعد ظهر حبيبتى كاملتى
بالقبلات
والقناديلْ
أنا لم آخذ بعد حبيبتى كاملتى فى حضنى لأنام
إلى أن تقوم الساعة
أو حتى تطلع الشمس من مغربها
وأنتِ
أيتها الشمس الضريرة
أتركينا هنا لوحدنا
وفوق كل هذه الأرض
ذات يوم ذهبت إلى أريحا كى أرى المصلوبَ
وصعدت إلى شجرة سمعان الخرّاز
لم يكن حولى أتباع
ولا حواريون
ولا رأيت النور فى السكك
أو حتى طقاطيق الأرض
فقط
تحولت الأوراق إلى كلمات مبعثرةٍ
والناس يدوسونها بالجزم
وراحت القصائد تتنطط على الجمرِ
وأخذت تشهق وتبكى
أيتها الأرض الملعونة
كل البشر أخوة
السلام
والحب
طريقان وحيدان إلى الله
الخلاص فى الذات
والخلاص بالذات
تلك هى الحقيقةُ الراسخة
ما جدوى الزيت إذا كانت القارورة مكسورة
وما جدوى جرة الماء
إذا كان النبع فارغا ؟!
تعليقات
إرسال تعليق