القائمة الرئيسية

الصفحات

طبعة شعبية للحياة / مختارات من الكناري الميت منذ يومين / عارف حمزة

 طبعة شعبية للحياة 

مختارات من الكناري الميت منذ يومين

عارف حمزة 




          الآخرون

 

بينما الآخرون كانوا ينزلون إلى الحياة

بـيُسرٍ

و أناقةٍ بالغة

كنا نصعدُ إلى حياة أخرى

كالأسرى

كالمعوزين

بينما كانوا يدخنون

يرقصون

يلعبون بالمال و اسطوانات الغرام

يداوون أجسادهم بالجوع و الابتعاد عن النساء

كنا نـُـدخِـلُ أثاثهم المرمي

إلى بيوتنا المرمية

و يضحكون يا إلهي

و يضحكون طويلا ً ..

/

كان ساعي البريد يقبـِّلُ أياديهم اللينة

و كذلك جباة الكهرباء

و الماء

و الضرائب

و سائقي دراجات الطلبات السريعة

و يوماً ما

أولادُنا ..

/

كنا نذهب لنزور تلك الحياة

خلف السياج

وراء القضبان

كنا نذهب لنشاهد وضاعتنا

و ضعفنا

و جهلنا بالحياة ..

/

بينما كانوا ينزلون إلى النبع الصافي

إلى الحياة المرسومة بالألوان

المتدللة

كعذراءٍ

مطلية

باللعاب

كان علينا أن نصعد

و نصعد

أن نصعد

أكثر

و نصعد

مكبلين بالحديد الأسود

بالكدمات السوداء

بالجروح

التي

لا تنتهي

بالجروح التي لن تنتهي

من طعنات ناصعة

بالدموع السود

حتى نصل للبلور الذي يفصل بيننا

و كان علينا

يا إلهي

أن نتضرع

أن نعتذر طويلا ً .

2 / 6 / 2005

 


          قلوب مقددة

 

ما عدنا في هذا العالم

و كذلك أرواحُنا

و بالكاد

من مكاننا البعيد

و البارد

يهزنا النهار .

/

بالكاد

، يا قلب الفراشة ،

ودّعنا قلوبنا المقددة

قبورَ آلهتنا

بعجلٍ كالمطرودين

بخجلِ المهجورين .

/

و نحن

إذا جمعنا أمتعتنا

أمتعتنا القليلة

يلزمنا آلافُ الأعوام

كيف إذا ً

، يا نظرة الذئب البرية ،

إذا جمعنا عظامنا من السجون

دموعنا من المقابر

صورنا من قلوب الأم و الأخوات

رئاتِـنا من النفايات العامة ..

إذا جمعنا

من الحبيبات

أقفالَ

صدورنا

المفتوحة .

/

بعجلٍ

كأننا

لم نتعذب يوما ً

على هذه الأرض

بخجلِ المحرومين ..

/

ما عدنا في هذا العالم

و لا

في العالم الآخر ..

1 / 7 / 2005

 

 

            تسوّل

 

مغادراً بلدي

بحذاءٍ في رئتي

بحذاءٍ في عيني

بحذاء في قلبي

و هناك

في البلد الغريب

سأتسول عيناً ترى الحياة التي فقدتها

سأتسول الأيدي

الأقدام

الكلى

و حتى

، حباً بالعائلة ،

مرض السل القديم ..

31 / 5 / 2005

 


 

              يا ... قلبي            

 

في الوقت الذي كنتُ أهمسُ في أذنك :

" إننا

  وحيدان

  يا قلبي "

في الوقت الذي قـبّـلتُ إصبعك المجروح

عنقك المجروح

شعرك المجروح

ابتسامتك الجارحة

كان هناك مَـن يموتُ وحيدا ً

تحت آلة التعذيب

لذلك

أنا أتفسخُ

من الحزن

يا قلبي ..

/

كان وحيدا ً

و عندما شاهد تعذيب جسده كاملا ً

عضَّ قلبَـهُ

في الوقت الذي

كنتُ

أعضُّ

قلبَـك ِ ..

/

يجب أن تحفظي ذلك : " كان .. قويا ً " .

لم يستطع أن يحرك فكيه كي يبصق رئتيه الضامرتين

لم يستطع أن يوقف نزيف الأوردة و الذكريات

و لم يستطع

يا قلبي

أن يُـسقطَ

نمل الرعب ِ

عن يديه ...

/

كان قويا ً . و أغمض عينيه

ليس على صورة القـتلة أغمض عينيه

أنا حزين لأنه رآنا

وحيدان

يمارسان الحب

عن حب

بينما هو

يفتقدُ

الدموع ..

1 / 6 / 2005

 

 

   بحيرة .. ثم بط ّ أخرق

 

يدكِ على بطني

قدماك بين قدمي

كي

تتدفآ .

.....

....

هذا ما كنتُ أريد أن أنساه

هذا بالضبط

ما قطعتُ من أجله مئات الكيلومترات

مستهلكاً حيرتي

و حياتي القصيرة

كي أرميه في بحيرة بعيدة

ثم

يأتي

بط

أخرق

و يأخذه

في هجراته

المريضة .

1 / 11 / 2005

        

 

          الكناري الميت منذ يومين

 

أشعر بأشياء غريبة

في كل مرة

أذهب فيها

إلى الحلاّق

أشعر بأنفاسه و تغيّـر إيقاعها و سرعتها

أشعر بشذوذه و هو يزلق كفيه على سطح خديّ الحليقين

و ينزل بهما إلى الأسفل

كي يلمس

فجأة

تفاحة حلقي

دائماً

في تلك اللحظة

أفتح عيني اليمنى

و تتلاقى

نظراتـُنا

على سطح الزجاج

المطلي

بالرصاص .

/

في كل مرة

أذهب فيها إلى الحلاق

أقعُ في حفرة الرعب ذاتها

إذ ما إن تصل أصابعه إلى جوزة حلقي

حتى يقطعها بالشفرة

في كل مرة أحاول أن أستيقظ قبل هذه اللحظة

إلا أنني أفشل

و أتابع

بعينين وجلتين

و قلب ٍ

يدقٌّ

في الركبتين

و أنفاسٍ اخْـتـنـقـَتْ

مشهدَ حزِّ رقبتي

بتلك اليدين الرقيقتين

المضمختين

بماء

الورد .

/

في كل مرة أحاول أن أستيقظ

إلا أنني أفشل 

و أبقى

ناظراً

لدمي

و هو ينزف

و يزداد

أرى دمي و هو يفترش الأرض

ثم يرتفع

ليبتلع كرسي الحلاقة

ثم يرتفع

ليبتلع الأمواس 

و الرفوف

و المعاجين

و مثبت الشعر

و الكناري الميت منذ يومين

و صورة الرئيس

و شهادة البلدية

و الجدران التي تدق عليها زوجته

كل ساعة

كي لا تشعر

بالوحدة .

22 / 9 / 2006

 

 

تعليقات