القائمة الرئيسية

الصفحات

علَى خَاصِـرةِ الأرض (مختـارات شعـرية ) / رفعت ســلاَّم

 

علَى خَاصِـرةِ الأرض

مختـارات شعـرية

 رفعت ســلاَّم

 
 
 
 
 
 

من ديوان "إنها تومئ لي" 1993

 
 
 
حـَان
 

 

 صَرخَـة

تَحُطُّ فِي الصَّبَاحِ فَوقَ شُبَّاكِي.

أهُشُّـهَا:

تَحُطُّ فَوْقَ شَـعْرِي:

أهُشُّـهَا:

تَحُطُّ فِي قَلْبِي.

أقُـول:

        حَـانَ مَوْعِدِي المَرِيـر.

 


قَتيــلاَ
 

 

 

عَلَى خَاصِرَة الأرْضِ ، أمضِي

جَمِيـلاَ .

كَفَّاي : فَارِغَتَـان .

قَلْبِي : شَاسِعٌ لِلطَّعْنَةِ المُفَاجِئَـة .

فَكُلُّ شَيْءٍ يُشْبِه الشَّبَقَ المُرَاوِغَ : لِي .

وَلِي : شَجَرٌ أُعَلِّمُه الكِتَابَةَ وَالغِنَاء .

ثُم

أمْضِي عَنْه

- عَلَى خَاصِرَةِ الأرْض -

قَتِيــلاَ .

 

عَــاريا
 

 

عَارِيــاً:

أصُوغُ ذَاكِرَةً جَدِيدَة.

أدُسُّ فِيهَا مَن سَيُقْتَلُون فِي الصَّبَاح،

وَمَا تَيَسَّرَ مِن نِسَاءٍ حَامِضَات،

مَا سَيَسْقُطُ فِي يَدِي مِن شَائِعَات،

وَكُوبَ شَايٍ بَارِدٍ، وَأقْلاَمَ رَصَاصٍ، وَسَجَائِر،

وَصُرَاخَ طُيُورِ البَحْر،

وَسُفُنًا غَرْقَى، وَسَبَايَا،

وَخِنْجَرًا

لِلَحْظَةِ الصِّفْرِ البَعِيدَة.

 

 

عَارِيًا:

أصُوغُ لِي جَهَنَّمَ الجَدِيدَة.

 

لِـي
 

 

 فِي للَّيْلِ:

يَنْبُتُ لِي جَنَاحٌ مِن غُبَار.

أسْقِيهِ زُرْقَتِي،

وَأنسَلُّ خَفِيفَا.

لِي، فِي الفَضَاءِ: بَيْتٌ

بِلاَ جدَار.

وَلِي، فِي كُلِّ ظُلْمَةٍ: نَهَار.

لِي: مَا لَيْسَ لِي.

وَلِي: حَشْدٌ مِنَ الأشْيَاءِ يُشْعِلُنِي،

يُتَوِّجُنِي إلَهًا،

أو خَرِيفَا.

 

وفِي الصَّبَـاح:

أبْتَنِي بَيْتَ الفَرَار.

 

 

حُطــام
 

 

 مَاجَت هُنَيْهَةً وفَرَّت .

وَفِي يَدِي :

رَمَادُهَا اسْـتَلْقَى ، وَنَـام .

لاَ طَائِرُ النِّسْـيَانِ يَأتِينِي ،

وَلاَ تُوَاتِي طَعْنَةُ السَّــلاَم .

فِي انْتِصَافٍ آسِـنٍ : ألُوب .

مِثْلَمَا حَجَرٌ عَلَى زَمَنٍ ،

نُعَاسٌ فَوقَ غَابَاتِ الكَلاَم .

 

 

فَرَّت .

وَفِي يَدِي :

شَـبَّ الحُطَام .

 

نهايــة
 

 

كُنْتُ فِي الصَّبَاحِ حَجَـرًا،

أو شَـجَرَة.

أمشِـي،

وَخَلْفِي تَرْكُضُ الفُصُول.

لاَ الشَّمْسُ سَـيِّدَتِي وَسَرْجِي،

وَلاَ سَرِيرِي                  وَرْدَة الأُفُـول.

أمشِـي،

فَتَنْهَارُ خَلْفِي سَمَاوَاتٌ كَسِيرَة،

وَتَصْعَدُ مِن غُبَـارِي:

فَرَاشَةٌ مَنْحَسِرَة.

 

وَفِي المَسَاء:

أقْتَفِي نِهَايَتِي المُنتَظـرَة.

 

 

هُطُــول
 

 

 لَحْظَةٌ آفِلَـة.

أنْسَلُّ مِنْهَا رَشِيـقَا:

غَيْمَـةً،

أو حَجَـرَا.

أمضِي إلَى لَحْظَةٍ قَاتِلَـة.

وَأصْنَعُ مِن جَسَدِي لَهَا:

مِعْوَلاً،

أو     طَرِيقَا

لأهْطِلَ فِي اللَّحْظَةِ الفَاصِلَـة:

زُرْقَـةً،

أو

شَـجَرَا.

 

مَرتــان
 

 

 كَانَ الصَّمْتُ شَاهِدَا.

فَتَحْتُ البَابَ ،

وَانزَلَقْتُ صَـاعِدَا

إلَى سَحَابَةٍ عَابِرَة .

كَانَ الصَّمْتُ شَـاهِدَا .

هَطَلْتُ مَرَّتَين :

أحجَارًا مِنَ الدُّخَـان ،

مَا ابتَلَلت .

مَرَّتَيْن : أسْرَابًا مِنَ الذِّكْرَى الخَبِيثَة ،

مَا ابتَلَلْت .

فَتَحْتُ البَابَ ،

وَانزَلَقْت

عَائِـدَا .

 

مُضِيــئَا
 

 

 أمشِي عَلَى حَدِّ انتِصَافِ اللَّيـل:

صَاخِبًا،

جَرِيئَا.

وَلِي قَدَمَانِ تَخْتَرِعَانِ مَا أشَاءُ مِن دُرُوب.

تَحْفُرَانِ لِي فِي كُلِّ خُطْوَةٍ

مَفَـازَةً،

أو هَاوِيَـة.

وَتُغْمِضَانِ العَيْن،

كَيْ أهْـوِي،

عَلَى حَدِّ انتِصَافِ الوَيْل،

ضَاحِكًا،

مُضِيـئَا.

 

 

مرأة الظِّل .. مرأة .. لي
 

 

 تَجِيءُ فِي انتِصَافِهَا.

تَرْمِي ظَهِيرَتَهَا

عَلَىْ.

 

جَسَدٌ مِن لاَرِنْج.

وَسَبْعٌ وَثَلاَثُونَ طَاعَةً قَرَوِيَّة.

 

شَهْوَةٌ مِن شُهُب.

وَسِبْعٌ وَثَلاَثُونَ أُمُومَةً مَنْزِلِيَّة.

 

لأصَابِعِهَا     طَعْمُ الصَّبَاح.

وَلَهَا لَيْلٌ      يَجْهَلُ الظُّلْمَة.

لَيْلٌ لَه شُمُوسٌ صَغِيرَة.

 

فَضَاءٌ      مِن شُمُوسٍ وَاخِزَة.

وَحَقلٌ      مِن وُعُولٍ نَائِمَة.

 

مَن     يُوقِظُهَا ؟

 

ظَهِيرَةٌ      جَارِحَة.

وَذَاكِرَةٌ      تَحْتَلُّ مَرأةً فَادِحَة.

 

مَن يُحَرِّرُهَا ؟

 

تَنْفَتِحُ لِي :

غَابَةً مِن عَصَافِيرَ وَتُوتٍ أحْمَر.

 

آكُلُهَا.

لاَ أشْبَعُ     وَلاَ تَنْفَد.

فَآكُلَهَا.

 

تَقْضُمُنِي.

فَأكْتَمِـل.

 

تَأوِي طُيُورُهَا إلَيْ.

أُطْلِقُهَا.

 

فَوْقِي كَسَمَاءٍ

          أو

          صَاعِقَـة.

 

مَرْأةُ  ظِل.

آوِي إلَيْهَا فِي القَيْلُولَة.

 

"فِي السِّر،

عَتَّقْتُ لَكَ أُنُوثَتِي.

وَأخْفَيْتُهَا

حتَّى

عَنِّي".

 

تَنَامُ فِي جَسَدِي

مَوْجَةً مِن لَيْمُونٍ وَزَعْفَرَان.

لاَ أُوقِظُهَا.

 

حِينَ تَصْحُو،

تُبِيحُنِي لِوُعُولِهَا وَطُيُورِهَا؛

أكْتَشِفُ بِحَارًا لِي وَسَمَاوَات.

 

مَرْأةٌ     لِيقِينٍ وَحِيد:

أنَــا

 

رَجُلٌ     لِظَهِيرَةٍ وَحِيدَة:

هِـي

 

عَلَى بَابِي،

تَخْلَعُ قَبَائِلَهَا الصَّدِئَة،

وَظَلاَمَهَا القَدِيم،

وَأسْلاَكَهَا الشَّائِكَة.

 

مَخْفُورَةً

بِقُطْعَانِ مَاعِزٍ جَبَلِي،

وَأسْرَابِ بَطٍّ بَرِّي،

تَلْتَهِمُ فِي الصَّمْت        أعشَابِيَ اليَتِيمَة.

 

لَيْسَت امرَأة.

هِيَ     وَقْت:

    وَقْتِي

 

كَمَوْجَةٍ تَمْضِي

وَمَوْجَةٍ تَجِيء.

وَأنَا أطْفُو فِيهَا     غَرِيقَا.

مِن أيْنَ  جَاءنِي

البَلَل ؟

 

أعضَاؤُهَا     شَجَرُ القَطِيفَة.

وَلَهَا فَرَاشَاتٌ تَحُطُّ عَلَى سُرَّتِي؛

فَرَاشَاتٌ مِن مَطَرٍ بُرْتُقَالِي.

 

تَحْتِي:

      كَمَوْجَةٍ تَهِمُّ بِالطَّيَرَان.

 

لَجَسَدِهَا     طَعْمُ القَيْلُولَةِ القَدِيمَة.

أنَامُ فِيهَا،

وَأهُشُّ اليَقَظَـة.

 

صَوْتُهَا مَطَرٌ لَيْلِيٌّ عَلَى بَدَنِي.

يُبَلِّلُنِي،

وَلاَ يُرْوِي عَطَشِي.

 

ثَدْيَاهَا     قَطِيعٌ نَافِرٌ يَنَامُ فِي يَدِي.

أوقِظُه     يَطْعَنُنِي،

           وَيَهْبِطُنِي،

           وَيَمْضِي.

 

نَهَارُهَا     لِي.

لَيْلُهَا       لِكَائِنَاتٍ بَائِدَة.

 

أنَامُ فِيهَا     وَاحِدًا وَأربَعِينَ تَعَبًا،

وَيَأسَيْن،

وَثَلاَثَةَ انطِفَاءَات.

أصْحُو     شَجَرَةً     لَهَا صَهِيل.

 

"عِنْدَمَا تَخْرُجُ مِنِّي،

يَحْزَنُ جَسَدِي".

 

تَمُدُّ يَدَهَا.

تَرْفَعُ السَّمَاءَ عَنِّي لأعْلَى،

لأعْلَى.

تَفتَحُ كُوَّةً،

تَقُول:

      صَبَاح الخَيْر.

 

تَخْرُجُ مِنِّي،

يُصْبِحُ جَسَدِي يَتِيمَا،

يَفْتَحُ سُرَادِقَاتِه لِلْعَزَاء.

 

تَتَّسِعُ لِي، كُلَّمَا هَمَمْت.

وَمِن فُرْجَةِ الشُّبَّاكِ المُوَارَب،

تُطِلُّ سَمَاءٌ صَغِيرَة.

 

"لَم تُسْقِط الرِّيحُ سِوَى

أوْرَاقِيَ الذَّابِلَة.

لَم تَأخُذ الظُّلْمَةُ غَيْر ظِلِّي.

هَكَذَا،

بَقَيْتُ     سِرِّيَّةً:

أنْتَظِرُك".

 

تَمْضِي إلَى الشَّاي، فِي المَطْبَخِ، عَارِيَة.

تَنْسَى، عَلَى السَّرِيرِ، رَائِحَتَهَا،

                     وَدِفْئَهَا،

                     وَالمُلاَءَةَ المَبْلُولَة.

تَنْسَى، فِي جَسَدِي، جَسَدَهَا.

 

مَرأة

تَخْتَصِر

سَبْعَةَ آلافِ سَنَةٍ

مِن نِسَاء.

 

رَجُلٌ

وَحْده.

 

عَلَى هَاوِيَةٍ

يَلْتَقِيَان.

 

 

 


 من ديوان "إشراقات رفعت سلام" 1992

 

مُراوَحَــة
 

 


وَكَانَ لِي أَن أَضْرِبَ العُصْفُورَيْنِ بِالحَجَرِ الوَاحِدِ أَو أَكْتَفِي بِمَا فِي يَدِي لَكِنَّنِي أَطْلَقْتُهَا جَمِيعًا وَجَلَسْتُ عَلَى سَفْحِ الزَّمَنِ تَحْتَ شَمْسِ الشِّتَاءِ أُسَلِّي نَفْسِي بِالغِنَاء

مَرَّت خُيُولُ الوَقْتِ فِي جَسَدِي وَئِيدَا .

مَرَّت خُيُولُ الوَقْت.

وَأَنَا ـ بِمُنْتَصَفِ الطَّرِيقِ المُرِّ ـ مُنْتَصِبٌ،

وَفِي جَسَدِي:

صَهِلَت خُيُولُ الصَّمْت.

وَأَنَا ـ بِمُنْتَصَفِ اشتِعَالِ اللَّوْنِ ـ مُنطَفِئٌ،

وَفِي جَسَدِي:

فَرَّت خُيُولُ المَوْت.

وَابتَعَدَت لِتَتْرُكَنِي وَحِيدًا مُدَلًّى فِي حَالٍ مِنَ المُرَاوَحَةِ الأَلِيمَةِ فَلِمَ لاَ أَبْكِي حَالِي وَقَد آلَ لِلْبَوَارِ لِمَ لاَ أَسْتَسْلِمُ لِلْجُنُونِ فَأُسْلِمُ جَسَدِي لِلشَّوَارِعِ وَالمَيَادِينِ أُفَاجِئُ العَابِرِينَ بِوَجْهِيَ مُتَّشِحًا بِالانكِسَارِ المُضِيءِ فَإِذَا مَا تَعَجَّبَ الأَصْدِقَاءُ صَعَدْتُ إِلَى قِمَّةِ النُّصُبِ وَصَرَخْتُ لاَ أَيُّهَا النَّاسُ لَيْسَت الحُمَّى القُرمُزِيَّةَ وَلاَ السُّعَالَ الدِّيكِيَّ وَلاَ الشَِّيزُوفرِينيَا وَلاَ البِنْيَوِيَّةَ الوَبَائِيَّةَ لَكِنَّهُ انتِصَافُ اللَّيْلِ حِينَ أَقُولُ لِلأَشْيَاءِ كُونِي لاَ تَكُون

 

 

 

من "إلى النهار الماضي" 1998

 

 

مِنيَـا القَمح 1951
 

 


لِي أن أقْبِضَ قَبْضَةً مِن طِينِ السَّبْتِ المُوَافِقِ 16 نُوفمْبِر 1951، وَأنْفُخَ فِيهَا مِن رُوحِي المُرَفْرِفَةِ عَلَى شَفَا العَرَاء، فَتَسْتَوِي عَرْشًا وَمَلَكُوتًا مِن ذَاكِرَةٍ يَطْفُو عَلَى مَاء ( صَوْلَجَانٌ، وَحَاشِيَةٌ، وَرَعَايَا غَابِرُون. أيْنَ الجَوَارِي وَالمَحْظِيَّات؟ وَإذ يَنْعَقِدُ الدِّيوَانُ فِي الإيوَانِ، أنْفَجِرُ فِيهم: لِمَن المُلْكُ اليَوْم؟ فَيَخِـرُّون).

فَمِي لاَ يَذْكُرُ الثَّـدْي.

وَأمِّي اخْتِصَارُ سَبْعَةِ آلافِ سَنَةٍ مِن أوْبِئَةٍ وَطَوَاعِينَ وَمَجَاعَاتٍ وَفَاتِحِين. حُقُولٌ مِن عَفَارِيتَ لَيْلِيَّةٍ تُحَاذِي الذَّاكِرَةَ، وَبَيْتٌ مِن رِيحٍ وَشَمْسٍ. جَمَلٌ وقَصَبٌ يَتَهَادَى، يَقُولُ لِي: هيتُ لَك. وَيَقُولُ: لَسْتُ سَفِينَةً. وَيَبْكِي فِي  حضْنِي.

تَفْتَحُ أبْوَابَ الفُصُـول.

تُرَبِّيهَا كَدَجَاجَاتٍ يَائِسَة.

وَتَصْنَعُ الحُقُـول.

أعْشَاشُ عَصَافِيرَ سَقْفِي، وَسَمَاءٌ مِن طَائِرَاتٍ وَرَقٍ (مَن يُطْلِقْنِي إَلَيْهَا، وَيَرْبِطْنِي بِالخَيْطِ، كَي لاَ أتُوهَ فِي الفَضَاء). وَالخَلاَءُ يُطْلِقُ غِيلاَنَه فِي اللَّيْلِ وَيُخْفِيهَا فِي النَّهَار.

لِلطَّائِرَاتِ الحَدِيدِ قَضْبَانٌ سَمَاوِيَّة.

وَلِي : الزُّرْقَـة.

قَصَبٌ لِلشِّتَاءِ، وَسَطْحٌ لِلْقَصَب. قُلْتُ: لَيْسَ سِوَى الجَمَل، فَأتَانِي ضَارِعًا إلَى سَطْحٍ وَأبٍ وَطِفْلٍ مُشْمِسِين (جَمَلٌ بِجَنَاحَيْن هَائِلَيْن، وَذَيْلٍ شَجَرَة. فِي الغُرُوبِ، يَمْرُقُ فَوْقَ حُقُولِ الذُّرَة).

أبٌ مَارِدٌ وَسِكِّينٌ وَأعْوَادٌ وَشَمْسٌ أُمُومِيَّة. أجْلِسُ عَلَى سَطْحِ العَالَم. أتَلَقَّفُ مَا تَرْمِيه لِي الأُبُوَّة. وَكُلُّ رَمْيَةٍ رَحِيقٌ مُسْكِرٌ وَدَهْشَةٌ مُرْتَجَلَة.

تَحْتِي: البُوصُ وَالْحَطَبُ، وَالعَصَافِيرُ المُرَفْرِفَةُ فِي أحْلاَمِهَا. تحْتِي: الغُرَبَاءُ المَجْهُولُون، وَغُرَفٌ لاَ تُرِيدُ المَجِيء. تَحْتِي: اهْتِزَازَاتُ الصَّاعِدِين.

بِنْت : شَمْسٌ سَــوْدَاء.

أسْتَدْرِجُهَا ـ أو تَسْتَدْرِجُنِي ـ إلَى ظِلِّ الزِّيرِ الَّذِي يَنَامُ مَبْلُولاً فِي القَيْلُولَة. لاَ يَقُولُ شَيئًا. وَحِينَ يَرَانَا الآخَرُون مَبْلُولَيْن يَضْحَكُون. لاَ نَعْرِف.

مَرَاكِبُ لَهَا أجْنِحَةٌ بَيْضَاءُ تُرَفْرِفُ الهُوَيْنَى، فِي المَاضِي. رَصَاصٌ ذَائِبٌ يَلُوبُ تَحْتَ الأجْنِحَة، وَطُيُورٌ مَا فِي الزُّرْقَةِ النَّحِيلَةِ لاَ تُكَلِّمُنِي.

غُرَبَاءُ يَعِيثُونَ فِي الغُرَفِ وَفِيَّ. يَزْحَمُونَنِي، يَفْعَصُونَنِي، يَسْرِقُونَنِي مَنِّي، لاَ يُوقِفُهُم أحَدٌ، أو يَطرُدُهم. شَخْصٌ مَا قَالَ: هُم أخوَتُك. مِن أيْنَ جَاءُوا؟ لِمَاذَا؟

حَدِيقَةٌ غَامِضَةٌ. خُبْزٌ وعِنَبٌ وجُبْنَةٌ بَيْضَاءُ عَلَى عُشْبٍ أخْضَر. أصِيلٌ غَامِض. هَل الزَّمَنُ مِيرَاثٌ لَنَا؟ أشْجَارٌ مَجْهُولَةٌ تَرْمُقُنَا بِأسْئِلَةٍ صَامِتَة. أحَدِّقُ فِيهَا بُرْهَةً، وَأنْسَى.

مَا الَّذِي جَاءَ بِالغُرَبَـاءِ مَعَنَا؟                                                                                                                                                                 

أقُولُ إن انْهَارَت السَّمَاءُ (لاَبُدَّ لَهَا مِن أعْمِدَةٍ خَفِيَّة)، فَسَتَهْوِي عَلَى النَّخِيلِ والأشْجَار، وَتَظَلُّ مُعَلَّقَةً فِي مُتَنَاوَلِ أيْدِينَا، لاَ تَسْقُطُ فَوْقَنَا. وَقْتَهَا، يُمْكِنُنِي أن أُطْعِمَهَا وأسْقِيَهَا وَألْعَبَ مَعَهَا. يُمْكِنُنِي أن أقُولَ لَهَا اهْبِطِي قَلِيلاً، دُونَ سُقُوط. وَقْتَهَا، سَأدعُو الجَمَلَ المُجَنَّحَ وَالعَصَافِيرَ وَالشَّمْسَ السَّوْدَاءَ، نَلْعَبُ وَنُغَنِّي حَتَّى مَطْلَعِ الأحْلاَم.

مَرْأةٌ بَيْضَاءُ تَلْعَبُ بِي، وَشَمْسٌ سَوْدَاءُ صَغِيرَة.

الأُولَى لَهَا ثَدْيٌ مِن طَحِين، وَبَطْنٌ مِن عَجِين. تَضُمُّنِي، فَأنَامَ وَيَصْحُو جُوعِي. وَالثَّانِيَةٌ تُشِعُّ فِي النَّهَارِ ضَوءًا أسْوَد لاَمِعًا، صَقِيلاً، انزَلَقْتُ عَلَيْه ذَاتَ غَسَقٍ، فَانْكَسَرَت ذِرَاعِي.

لِمَـاذَا؟

مِن رِيشِ الدَّجَاجِ المَذْبُوحِ، أصْنَعُ لِي أجْنِحةً فِي ذِرَاعَيَّ وَحُلْمًا، أطِيرُ بِهَا إلَى الفَضَاءِ البَعِيدِ. تُرَفْرِفُ حَوْلِي العَصَافِيرُ وَالهَدَاهِدُ وَأبُو قِرْدَان. تَسْألُنِي: مَن أنْت؟

مَارِدٌ أسْوَدُ نَحِيل (هَلْ كَانَت لَه عَيْنَان ؟)، يَنْسَلُّ إلَى البَيْتِ المُجَاوِرِ فِي المَرْأةِ البَيْضَاء، كُلَّ لَيْلَةٍ يَنْسَلُّ إلَيْنَا غِنَاءٌ مُثِيرٌ، وَتَنْفَجِرُ الصَّرْخَاتُ، كُلَّ لَيْلَة.

آهِ يَا شَمْسِيَ السَّودَاء. هَل يَشْوِيهَا قَبْلَ أن يَأكُلَهَا، أم يَأكُلُهَا نَيِّئَة؟ عِنْدَمَا تُشْرِقُ فِي الصَّبَاح، سَتَقُولُ لِي كُلَّ شَيْء.

ثَدْيُهَا يَتَفَجَّرُ بِالأسْئِلَةِ اليَائِسَة. لاَ أبحَثُ عَن جَوَاب.

إلَى حُقُولِ الذُّرَة.

إلَى نجُومِ السَّمَاء.

إلَى الزِّيرِ المَبْلُول.

لاَ أكثَـر.

أحْصِنَةٌ سَوْدَاءُ وَبَيْضَاءُ وَحَمْرَاءُ تُحَمْحِم، تَمُدُّ أعْنَاقَهَا لِي.

مِن أيْنَ جَاءَت؟ إلَى أيْن؟

انْتَظِرِينِي، أيَّتُهَا الأحْصِنَةُ، إلَى أن أكْبُر.

غَابَةٌ مِن مَخَاوِفَ غَامِضَة. شَمْسٌ سَوْدَاءُ تَتْبَعْنِي خَفِيفَة. ظِلِّي أبْيَض، وَالغُرَبَاءُ غُرَبَاء.

أقُولُ لِلطَّائِرَةِ الحَدِيد: كيْفَ أتَسَلَّقُ قُضْبَانَكِ لأصْعَدَ إلَيْك؟

أقُولُ لِلْعُصْفُورَة: لاَ تَتْرُكِينِي وَحِيدَا.

أقُولُ لِلشَّمْسِ السَّوْدَاءِ: نَفَدَت الأسْئِلَةُ، وَلاَ جَوَاب (كُلُّ إجَابَةٍ قَادِمَةٍ سَتَخْفُرُهَا عَشَرَات الأسْئِلَة).

وَأمِّي خَيْمَةٌ فِي الظَّهِيرَة، سَبْعَةَ آلاَفِ عَام.

تُشْبِهُهَا الطِّيبَةُ، وَأشْجَارُ التُّوتِ، وَالنِّعْنَاع.

مِن يَدَيْهَا، يَلْقُطُ الزَّمَنُ حُبُوبَ الذُّرَةِ وَالشُّوفَان وَالنَّدَم.

إلَيْهَا يَأوِي، وَيَهْجُرُ جَرْيَ الوَحُوش.

كَيْفَ تَنْجِبُ المَرْأةُ البَيْضَاءُ شَمْسًا سَودَاء؟ وَالمَارِدُ يُوَزِّعُ الكِيرُوسِينَ بِالقِسْطَاسِ عَلَى القُرَى وَالنُّجُوع.

لاَ نِيــرَان.

دُخَانٌ يَصَّاعَدُ فِي الغَسَق. لاَ نِيرَان.

نَاسٌ يَتَكَلَّمُون فِي صُنْدُوقٍ خَشَبٍ وَصَفِيحٍ صَغِير. يُغَنُّون. أبْكِي، وَأرْجُمُهُم بِالطُّوبِ؛ لاَ يَخْرُجُون، لاَ يَلْتَفِتُونَ إلَىْ.

فِي اللَّيْل، أضْوَاءٌ صَغِيرَةٌ لَهَا ذَيْلٌ نَحِيلٌ تَصْعَدُ السَّمَاء. هُنَاكَ، تَنْطَفِئُ هُنَاك. أنْوَارُ الشَّوَارِعِ مَاتَت. لاَ مُعَزِّين. الأضْوَاءُ الصَّاعِدَةُ لُعْبَةٌ مُسَلِّيَة.

مَا الَّذِي تَعْنِيه كِلْمَةٌ حَرْب؟

مِن أيْنَ يَجِيءُ الأب؟

عِيدَانُ الذُّرَةِ العَالِيَةُ تُسَوِّرُ العَالَم.

مَحْبُوسٌ، ألْهُو فِي قَفَصِي.

وَالعِيدَانُ قَضْبَانٌ خَلْفَهَا قُضْبَانٌ وَقُضْبَان.

طَعَامٌ عَلَى عُشْبٍ مَعَ الغُرَبَاءِ فِي غَسَقٍ مَا. قَاعَةٌ فَسِيحَةٌ مَسْقُوفَةٌ بِسَمَاءِ المَسَاء، يَحْتَلُّهَا غُرُبَاءٌ آخَرُون، يَتَطَلَّعُون فِي جِدَارٍ أبْيَض. رِجَالٌ وَنِسَاءٌ يَرْقُصُون وَيُغَنُّونَ فِي الجِدَار. أنَام. آخَرُون يَرْكُضُون بِأحْصِنَةٍ شَبَحِيَّة. أنَام.

أصْحُو، وَفِي  جَسَدِي السَّنَابِك.

لِمَاذَا تُلَمْلِمُ أمِّي أسْئِلَتِي مِن الأركَانِ وَالزَّوَايَا، وَتَضَعُهَا فِي عَرَبَة؟

إلَى أيـْن؟

لِمَاذَا تَخَلَّى عَنِّي الجَمَلُ المُجَنَّح؟ أيَّتُهَا الشَّمْسُ السَّوْدَاءُ: أيْنَ ذَهَبَ ظِلِّيَ الأبْيَض؟ مَارِدٌ نَحِيلٌ يُقَهْقِه، وَالبَيْضَاءُ تَبْكِي-مَحْلُولَةً- بِلاَ حِيلَة. أحْصِنَةٌ تعْدُو فِي الاتِّجَاهِ المُعَاكِسِ، إلَى الوَرَاءِ، فَمَن يَأتِينِي بِالقَيْلُولَةِ المَبْلُولَةِ، فِي صُنْدُوقٍ خَشَبِيٍّ يُكَدِّسُونَ أوقَاتِي، إلَى العَرَبَةِ الصَّاجِ، قَالَ لِي: لَسْتُ سَفِينَةً، وَأبْحَرَ فِي المَاضِي، وَأمِّي تُطْلِقُ الدَّجَاجَاتِ اليَائِسَةَ مِن يَأسٍ، فَهَل مَاتَ الكَلاَم؟ أيُّهَا اللُّصُوصُ، مَا الَّذِي تَسْرِقُونَه؟ دَخَانٌ دَاخِلِيٌّ، مَن يَحْتَرِق؟ لاَ أجْنِحَةَ لِي، وَطَائِرَاتُ الوَرَقِ مَقْطُوعَةُ الخُيُوط، فَرَّت بِلاَ رُجُوع، وَالقُضْبَانُ تُسَوِّرُنِي، أيْنَ أنَا؟ وَأبُو قِرْدَان يَسْألُنِي: مَن أنْت؟ أبْكِي أم أضْحَك؟ أمِّي- الآنَ- خَيْمَةٌ لَيْسَت لِي، فَانْتَظِرِينِي، سَأكْبُرُ سَرِيعًا مِن أجْلِك. ثَدْيٌ مُتْرَعٌ بِالأسْئِلَةِ، وَفَمِي بِلاَ ذَاكِرَة. فَلِمَاذَا تَخْتَفِي العَفَارِيتُ فِي اللَّحْظَةِ الحَاسِمَة؟ هَل يَتْرُكُونَنِي أحْرُس الفَرَاغَ الرطْبَ وَالأيَّامَ المَاضِيَة؟ السَّمَاءُ تَدِيرُ ظَهْرَهَا لِي، تَمْضِي، وَالأسْئِلَةُ عَالِقَةٌ بِطُوبِ الجُدْرَانِ العَارِي وَخَشَبِ الشَّبَابِيك. شَمْسِيَ السَّوْدَاءُ بِلاَ سُوءٍ تَبْكِي غُرُوبِي. أيُّهَا القَتَلَةُ: مَا الَّذِي تَقْتُلُونَه؟ سَمَاءٌ هَارِبَةٌ، أجْنِحَةٌ بَيْضَاءُ تُرَفْرِفُ فِي مَاء. أقُولُ: لاَ تَتْرُكِينِي وَحِيدًا. لاَ أعْرِفُ. لاَ أحَد.

 

أيُّهَا اللُّصُـوصُ وَالقَتَــلَة

 

 

 

 


 من ديوان "هكذا قلت للهاوية" 1993

 

 

 

هكذا قلت للهاويـة

 

قَتَلُونِـي ،

فَانْفَرَطْت :

قِطَارَاتٌ تَعْوِي     قَبَائِلُ مُدَجَّجَة     جَرَّةٌ مَقْلُوبَة     صَمْتٌ يَهْوِي عَلَى حَجَر     خِنْجَرٌ مُعَلَّقٌ فِي سَمَاءِ الذَّاكِرَة     لَيْلٌ قَرَوِي     صَبِيٌّ يَهْرُبُ خَوْفًا مِنَ الخَمِيس     طَائِرٌ يَلُوحُ فِي نَافِذَةٍ غَامِضَة     قَاعِدٌ عَلَى حَافَّةِ وَقْتٍ مِن رَمَاد     مَرْأةٌ تَمْضِي إلَى قَبْرٍ وَمَرأةٌ تَجِيء     يَارَا غَابَةٌ مِنَ الضَّحِك     طُبُولٌ تَقْرَعُهَا الرِّيحُ فِي زَمَنٍ قَدِيم     تَقُولُ تِلْكَ آيَتِي     آنَ أن أنَامَ الآن     هَل يَأتِي أم يَمْضِي إلَى نِسْيَانٍ يَجِيء     مَن يَقُول     صَرْخَةٌ تَطْعَنُ النَّوْمَ فِي نَوْمِه     شَايُ الصُّبْحِ جَسَدٌ أو دُعَاء     الثِّيرَانُ اللَّيْلِيَّة     بَابٌ يَنْفَرِجُ وَوَجْهٌ عَسِلِيٌّ فِي العَتْمَة     كَأنَّ الرِّيحَ تَحْتِي     تَأتِي إلَى جَسَدِي بِلاَ ثَدْيٍ وَأردَاف     قَمْحٌ غَابِر     غُرفَةٌ مُعَلَّقَةٌ فِي فَضَاءٍ هَبَاء     زَهْرَةُ البُسْتَانِ وَقْتٌ قَتِيلٌ وَغُبَارُ كَلاَم     خُيُولٌ مَسْعُورَةٌ تَمُدُّ أعنَاقَهَا فِي الحُلْم     قُلْتُ : أنَا شَوْكَةٌ مَسْمُومَةٌ فِي أسَنِ القَاهِرَة     رُؤُوسٌ أيْنَعَت حَتَّى فَسَدَت بِلاَ قَطَاف .

وَانفَرَطْت :

صَهِيلٌ فِي سُهُولٍ مَا     عَاصِفَةُ الصَّحرَاءِ تَقْصفُ الخُزَعْبَلاَتِ الجَمِيلَة     رَأسِي عَلَى طَبَقٍ مِن الفِضَّة     كَيْف     تَنْحَنِي فَتَرْمُقَنِي الحَلْمَتَانِ بِالسُّؤَال     مَن يُدِيرُ الآنَ خَدَّه اليَسَارِي     لِمَاذَا جَعَلْتَنِي مَدِينَةً حَصِينَةً وَعَمُودَ نَارٍ وَأسوَارَ نُحَاس     غَيْمٌ يَهْطِلُنِي أشْلاَء     مَرأةٌ تَرْعَى أُنُوثَتَهَا لِي وَتَمْنَحُهَا لأوَّلِ عَابِرِ سَبِيل     شِعَارَاتٌ مُجَفَّفَةٌ فِي السُّوق     ذَاكِرَةٌ أهَبُهَا لِلكِلاَبِ السَّعْرَانَة     الحَنِينُ فَاكِهَةٌ عَطِنَةٌ لِلأرَامِل     أرَقٌ عَلَى أرَق     مِيَاهٌ تُغْرِقُ الحُلْمَ فَأطْفُو جَائِعًا شَهِيًّا     هَكَذَا أنْكَسِرُ وَلاَ أنْحَنِي     لَيسَ اليَأسَ بَل القُنُوط     قَالَت :  مَتَى تَدخُلُنِي     عَوِيلٌ يَقْسِمُ اللَّيْلَ وَيَحْنُو عَلَى شِيَاهِي الشَّائِهَة     مَن يَطرُقُنِي الآنَ وَأبْوَابِي مَفْتُوحَة    يَمْرُقُ فِي لَيْلِي سَارِقًا ظِلِّي     فَيَا سَيِّدِي النِّسيَانُ أدْرِكْنِي

 

وَانْفَرَطْت :

لاَ ألتَمُّ وَلاَ أتَبَدَّد .

أعْضَائِيَ أغْصَانٌ تَسْكُنُهَا العَصَافِيرُ وَيَأوِي إلَيْهَا البُومُ وَالصَّرخَاتُ وَلاَ مَن يَهُشُّهَا . وَقَلْبِي بَرْزَخٌ يَنشَقُّ لِي فِي مُنْتَصَفِ الوَيْلِ فَأهْوِي وَلاَ وُصُول .

وَحَالِي حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ سَيِّدِي فَضَاعَ مِنِّي الصَّولَجَان .

تَلْكَ آيَتِـي
وَلاَ غُفْرَان

فَمَن يُعْطِينِي لُقْمَةَ وَقْتٍ أهبُهُ الهَبَاءَ الجَمِيل . وَمَن يَهَبُنِي الهَبَاءَ الجَمِيلَ أمنَحُه النَّحِيبَ الوَبِيل . وَمَن يَمْنَحُنِي النَّحِيبَ الوَبِيلَ أُهْدِيهِ غَابَةً مِن عَوِيل :

كُلُّ  شَجَرَةٍ     ثَكْلَـى
وَكُلُّ غُصْنٍ     قَتِيـل

وَفَوْقَ كُلِّ غُصْنٍ طَائِرٌ نُحَاسٌ وَصَرْخَةٌ مُعَلَّقَةٌ بِخَيْطِ وَهْمٍ يَنْقَطِعُ كُلَّ سَاعَةٍ فَتَنْفَجِرَ الصَّرخَاتُ إلَى غَيْمَةٍ صَخْرِيَّةٍ لاَ تَبْلَى فَتَهْطِلَ حِجَارَةً مِن سِجِّيل :

كُلُّ حَجَرٍ     جُوعٌ شَبِقٌ
كُلُّ صَخْرَةٍ     مِحْنَةٌ وَامتِحَان

وَلاَ غُفْرَان

تِلْكَ آيَتِـي
 
قَتَــــلُـونِـــي

 

 

هَكَذَا

قُلْتُ لِلْهَاوِيَةِ انفَتِحِي لِي،

وَامْنَحِينِي خُيُولَكِ الذَّهَبِيَّةَ،

وَاتَّسِعِي لِي.

 

أنَـا قَـادِم

قَبْلَ أن يَصِيحَ الدِّيكُ

أو يَنْفُخَ إسْرَافِيلُ الصُّور

قَـــادِم

وَخَلْفِيَ قُطْعَانٌ ذَبِيحَةٌ تُرَتِّلُ أوْرَادَهَا الشَّجِيَّة،

خَلْفِيَ أشْجَارُ أفُولٍ تُثْمِرُ النُّعَاسَ وَالبُكَاء.

فَانْفَتِحِي.

لاَ عَزَاء.

صَخْرَةٌ صَارِخَةٌ فِي أسَنِ الوَقْت،

أو

صَرْخَةٌ صَخْرِيَّةٌ مَغْرُوسَةٌ فِي مَفْرِقِ العَمَاء.

 

أنَــا   سَـــيِّدُ   الهَبَـــاء

 

لاَ نَافِذَةَ لِي،

وَلاَ بَاب.

لاَ سَقْفَ لِي،

وَلاَ جُدْرَان.

جَسَدِي: بَيْتِيَ الَّذِي لاَ يَتَّسِعُ لِي.

وَبَيْتِي     يَفِيضُ عَن أرْضِ اللَّهِ الوَاسَعَة.

هَكَذَا

قُلْتُ لِلْهَاوِيَةِ اتَّسِعِي لِي،

وَامْنَحِينِي خُيُولَكِ الذَّهَبِيَّةَ،

وَاترُكِينِي     فِي العَرَاء.

 

 

 

أمْشِي خُطْوَاتٍ مِن نِسْيَان.

لاَ يَصْحَبُنِي أحَد: أرْفُسُهُ إلَى وَرَاء.

وَأُشْعِلُ النَّارَ فِي المَسَافَاتِ السَّابِقَة.

 

لاَ ذَاكِرَةَ لِي،

وَلاَ حَنِيـن.

 

أمْشِي.

فَلْيَتَنَحَّ الجَمِيعُ عَن طَرِيقِي،

أو يُخْفِضُوا رُؤُوسَهُم إلَى الأرْض،

حَتَّى أنْسَى.

 

لَن أخْرِقَ الأرْضَ، وَلَن أبْلُغَ الجِبَال

( لَسْتُ مَشْغُولاً بِذَلِك !)

فَلِمَاذَا يَأوِي إلَيَّ الرَّاحِلُون

( لَم أُصْبِح بَعْدُ - مََقْبَرَة )

لِمَاذَا- حِينَ تَهُزُّ الرِّيحُ أغْصَانِي-

يَسَّاقَطُ الحُطَيْئَةُ وَبَشَّارُ وَرَامْبُو وَالمُتَنَبِّي وَمَايَاكُوفْسِكِي وَأبُو نُوَاس وَامرُؤُ القَيْسِ وَرِيتْسُوس وَتَأبَّطَ شَرًّا إلَخ

 

مَعَهُم تَسَّاقَطُ صَحْرَاوَاتٌ لَم أقْطَعْهَا، وَخُمُورٌ لَم أشْرَبْهَا، وَذُنُوبٌ لَم أرْتَكِبْهَا، وَنِسَاءٌ لَم أنْكحْهَا، وَأحْلاَمٌ لَم أقْرَبْهَا، وَحَمَاقَاتٌ لَم أقْتَرِفْهَا، وَشَهَوَاتٌ لَم أذُقْهَا، وَقَصَائِدُ لَم أكْتُبْهَا

 

لاَ بَأسَ- إذَن- أن أُشْعِلَ النَّارَ فِي الأغْصَان،

وَأمشِي     خُطْوَاتٍ مِن نِسْيَان.

 


 

 

قُلْتُ لَهَا: أنْتِ     هُوَّة،

وَأنَا     حَجَر.

وَقُلْتُ: تَضِيقِينَ عَنِّي،

       فَلاَ أنْزَلِقُ فِيكِ، أَو أَهْوِي.

وَقُلْتُ: كَيْفَ أنْفُذُ- أنَا الشَّاسِعُ الشَّاهِقُ-

        فِي ثُقْبِ إبْرَةٍ يَتِيم.

وَقُلْت: أنَا أضْيَـقُ مِن نَفْسِــي.

        فَكَيْفَ أتَّسِعُ          لِي؟

 

أنْتِ      هُوَّة.

أنَا       طَلْقَةٌ عَابِرَة.

عَكْسَ كُلِّ رِيح.

نَحْوَ الغِوَايَةِ الخَاسِرَة.

 

قُلْتُ: كُلُّ الخَسَارَاتِ مَنْذُورَةٌ لِي،

    وَكُلُّ التَّهلُكَاتِ المُضِيئَة.

 

قُلْتُ : فَلْيَرْتَفِع غِنَائِي- إِذَن-

      نَشِـيجًا     بَهِيجَا.

 

حَجَرٌ، وَهَاوِيَة.

وَسَمَاءٌ مِن حَدِيد.

 

زَمَنٌ رَمْل.

وَأرضٌ خَاثِرَة.

 

فَلِمَاذَا أتَّسِعُ، وَالوَقْتُ يَضِيق؟

 

أشْيَاءٌ مَنْذُورَةٌ لِلفَرَارِ المَرِير.

وَحْدِي:

مَنْذُورٌ لِلرَّمَادِيِّ الصَّفِيق.

 


 


أُهَيِّئُ نَفْسِي لِلْمَجْزَرَةِ القَادِمَة .

( لَم أخْسَر- فِي آخِرِ مَجْزَرَة-

غَيْرَ جُثَّتِي، وَخَيْبَتِي المُتَكَرِّرَة)

 

أنَــا  الوَلِيمَــةُ  الدَّائِمَــة

 

أُرَمِّمُ قِلاَعِي وَحُصُونِي الوَهْمِيَّة.

أشُدُّ مِن أَزْرِ أطْلاَلِي بِالخُطَبِ الحَمَاسِيَّة

(أعْرِفُ أنَّهَا بِالِيَةٌ ، مَلِيئَةٌ بِالثُّقُوب)،

وَأَرْفَعُ العَلَم

(هُوَ- أيْضًا- أكَلَتْهُ العِثَّةُ وَعَوَامِلُ التَّعْرِيَة.

لَم يَبْقَ مِنْهُ سِوَى بَعْضِ الهَلاَهِيلِ المُلَوَّنَة)،

وَأرْفَعُ عَقِيرَتِي بِالنَّشِيدِ الوَطَنِي.

حُقُولٌ مِن جَمَاجِمِ المَجْزَرَةِ المَاضِيَة.

(هَل هِيَ     لِي؟

فَأيْنَ جُمْجُمَتِي ؟)

أُهَدْهِدُهَا     فَلاَ تَغْفُو.

أُوَبِّخُهَا: صَبَاحُنَا القَادِمُ مَجْزَرَةٌ قَادِمَة.

تَعْوِي،

وَتَأوِي إلَى صَدْرِي،

فَأغْفُو     مُشْرَعَ الأسْلِحَة.

 

أحْلُمُ بِالبَرَابِرَةِ القَادِمِين .

( لَم يَجِيئُوا فِي قَصِيدَةِ "كَفَافِي".

لَكِنَّهُم وَعَدُونِي بِالمَجِيءِ، عِنْدَ اكْتِمَالِ القَصِيدَة)

أُهَيِّئُ نَفْسِي لَهُم      وَلِيمَةً ألِيمَة.

أتَطَيَّبُ بِالزَّنجَبِيلِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالكَافُورِ وَالقرُنْفُلِ وَالنِّسْرِين.

وَأنتَظِر:

شَهِيًّا، جَمِيلاَ.

 

 

أنْتَظِر

 

 

وَأحْلُم بِالجَحَافِلِ وَالصَلْصَلَة.

 

 

 


أمضِي فِي الظَّهِيرَةِ     الهُوَيْنَى،

مَحْفُوفًا بِالفَرَاشَاتِ وَالطُّيُور،

مُتْرَعًا بِالرِّضَى عَنِ العَالَم.

كُلُّ شَيْءٍ هَادِئٌ فِي مَكَانِه:

المَاءُ فِي الكُوبِ، وَالقَتْلَى فِي الشَّوَارِع،

البُومُ فِي الخَرَائِبِ، وَالجُثَثُ فِي الثِّيَاب،

وَالضِّبَاعُ فِي المُدُنِ وَالعَوَاصِم،

وَأنَا أمضِي الهُوَيْنَى،

أُصَفِّرُ النَّشِيدَ الوَطَنِي

(لَم أعثُر- فِي الذَّاكِرَةِ- عَلَى غَزَلِيَّةٍ تَلِيقُ بِالمَقَام)

 

مَحْفُوفًا     أمضِي.

طَلَل.

وَفَوْقَ رَأسِي     غَيْمَةٌ مِن حَدِيد.

( لَن يَنَالَنِي- إذَن- قَصْفُ الطَّائِرَاتِ "الشَّبَح"،

وَلاَ مَدَافِعِ الأُسْطُولِ، أو صَوَارِيخِ "بَاترِيُوت")

تَهْطِلُ المَنَّ وَالسَّلْوَى ثَلاَثَ مَرَّاتٍ يَوْمِيًّا

( تَسْبِقُنِي إلَيْهَا فَرَاشَاتِي وَطُيُورِي،

فَلاَ يَبْقَى لِي مِنْهَا شَيء.

وَإِذَا مَا زَاحَمْتُهَا        أخْرَجَت لِي مَخَالِبَهَا وَأنْيَابَهَا)

وَفِي المَرَّةِ الرَّابِعَة     تُمْطِرُنِي بِالقِرْمِيد.

(لاَ تُحِبُّ مَذَاقَه الفَرَاشَاتُ وَالطُّيُور،

فَألتَهِمَه فِي شَبَقٍ كَظِيم)

وَأنَا سَادِرٌ فِي النَّشِيد.

 

ظَهِيرَةٌ أبَدِيَّـة.

وَقَتْلَى يَسُدُّونَ الشَّوَارِع.

(رُبَّمَا كُنْتُ أحَدَهُم)

وَالكُوبُ فِي المَاءِ، وَالخرَائِبُ فِي البُوم،

وَالعَوَاصِمُ فِي الضِّبَاعِ،

وَكُلُّ شَيءٍ فِي مَكَانِه      هَادِئ.

 

 

فَلِمَن تِلْكَ الأَصْوَاتُ المُقْتَرِبَـة؟

 

 


 

حِينَمَا اسْتَيْقَظْت     كَانَ مُنْتَصَفُ اللَّيْل.

(هَكَذَا سَبَقَنِي "رَامبُو")

أَصْنَامٌ تَتَصَاعَدُ مَعَ آذَانِ الدِّيَكَة،

حُشُودٌ قَتْلَى يَجُوسُونَ المُدُنَ وَالقُرَى،

فَتَنْفَجِرَ غَابَةُ المَآذِنِ بِالصُّرَاخِ وَالعَوِيل،

شَمْسٌ تَقْلِي الشَّوَارِع،

وَصَحْرَاءُ تَأخُذُ شَكْلَ مَقْبَرَةٍ وَبُحَيْرَةِ دَم،

أبْنِيَةٌ لاَمِعَةٌ مَنْذُورَةٌ لِبُومٍ قَادِم،

وَأوْرَاقٌ غَيْمَةٌ سَامَّة،

تُمْطِرُ أشْلاَءَ بَاهِظَةً وَكَلاَمًا مِن عَطَن،

وَالأنَاشِيدُ تَقْتَاتُ لَحْمَ الأطْفَال.

 

عُمْرٌ مِنَ النَّوْمِ مَضَى حَتَّى مُنْتَصَفِ الوَيْل.

(هَل كَانَ النَّوْمُ أُمًّا،

أم كَانَ ضَبْعًا غَائِمًا؟)

وَصَحْوٌ مُسْتَطِيرٌ عَلَى أسْرَابِ نُعُوشٍ شَهِيَّة.

طُبُولٌ زَاعِقَةٌ، وَخِصْيَانٌ، وَعَاهِرَاتٌ مُتَوَّجَاتٌ،

عَسْكَرٌ مُدَجَّجٌ، وَقَوَّادُون، وَبَيَارِقُ مُرَتَّقَة،

وَالنَّشِيدُ الوَطَنِي.

(أشْيَاءٌ بَاهِرَةٌ تَحْسِدُنِي عَلَيْهَا ظَهِيرَةُ "رَامبُو")

 

شَايُ الصُّبْحِ بِالحَلِيبِ، دُعَاءُ أُمِّي وَأنَا أخْطُو إلَى الشَّارِع، أنَاشِيدُ المَدْرَسَةِ، ثِيَابُ عِيدِ الفِطْرِ، التِقَاطُ التُّوتِ مِنَ الغُصُونِ القَرِيبَةِ، أحْلاَمُ اليَقَظَةِ بِابْنَةِ الجِيرَانِ، الفَرْحَةُ بِالرَّغِيفِ الأوَّلِ السَّاخِنِ، خَوْفِي مِن عَصَا أبِي كُلَّ خَمِيسٍ، وَطِفْلٌ يَركُضُ فِي الحَارَاتِ تَحْتَ المَطَرِ.

(تِلْكَ قَائِمَةٌ أوَّلِيَّةٌ لِمَسْرُوقَاتِي).

 

 

أيُّهَا النَّومُ الجَبَان:

لِمَاذَا جَعَلْتَنِي ضَحِيَّةَ اللُّصُوصِ وَالقَتَلَة؟

 

 

 

 

أُسَوِّرُ الآنَ حُدُودَ المَمْلَكَة

بِالبُومِ وَالغِرْبَانِ وَالرَّغَبَاتِ الحَالِكَة.

أَسْتَعِيرُ المَنْجَنِيقَ مِنَ الغَابِرِين،

أُلَقِّنُ الطُّيُورَ الأَبَابِيلَ أَوَامِرِي فِي سَاعَةِ الصِّفْرِ،

وَأرفَعُ الرَّايَةَ الهَالِكَة.

أُغَنِّي لِلخُرَافَةِ وَالحَمَاقَةِ غُنْوَةً خَارِقَةً، مُرتَبِكَة.

وَأمتَطِي ظَهْرَ السَّمَكَة.

وَأمْضِي

أُغَافِلُ الحُرَّاسَ وَأختَرِقُ الثُّغرَاتِ السِّرِّيَّةَ (صَنَعْتُهَا مِن أجْلِ الأَعْدَاءِ وَأَجْلِي) تَسْتَقبِلُنِي البَرَارِي النَّائِمَةُ بِالشَّخِيرِ أَقُولُ جِئتُكُم بِالبَشِيرِ النَّذِيرِ تَقُولُ اعْقِلِ الدَّابَّةَ وَتَوَكَّل أَقُولُ هِيَ سَيِّدَتِي وَتَاجِي يَتَسَتَّرُ عَلَى عَارِي وَعُرْيِي تَقُولُ هُوَ الغَايَةُ وَالبُرهَانُ فَاخلَعِ الآنَ نَفْسَكَ وَتَقَدَّم بِاليُسْرَى تَجْد رِيحًا وَرِيحَانًا وَحَلْبَةً مُبَاحَةً لِلانتِهَاكِ انْتَهِك وَلاَ تُبْقِ عَلَى خُزَعْبَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَأطْلِقِ الطُّيُورَ كُلَّهَا شَاهِرَةَ الأنْيَابِ وَالمَخَالِبِ إلَى أن يَشْبَعَ الجَوْعَانُ وَيَرْتَوِي الظَّمْآنُ وَتَرْتَقِي سُدَّةَ العَرشِ سَيِّدًا شَهِيدَا

وَحِيدَا.

حَجَرٌ صَاخِبٌ، وَرِعَايَا مِن غُبَار.

وَاحِدٌ، ألِقٌ

وَجُمُوعٌ مَشْدُودَةٌ إلَى أُفُولِهَا،

رَاكِضَةٌ إلَى احتِضَارِهَا،

وَوَاحِدٌ، شَبِقٌ، خَرِقٌ

وَجُمُوعٌ مُهَروِلَةٌ إلَى اندِحَارِهَا،

وَوَاحِدٌ، أحَدٌ مِنَ الصَّمْتِ وَالصَّخْرِ

يَخْرُجُ مَكْتَمِلاً فِي الصَّهِيل

وَمُشتَعِلاً مُوحِشًا،

كَسَهْمٍ سَاهِمٍ مُعَلَّقٍ بِخَيْطٍ مُنْقَطِعٍ مِن فرَار.

أتَّجِهُ إلَى الجِهَاتِ الأَرْبَعِين وَأعْبُرُهَا صَاعِدًا وَلِي مِنَ الهَبَاءِ بَهَاؤُه وَمِنَ البَهَاءِ هَبَاؤُه وَمِن كُلِّ شَيءٍ شَيئُه وَمَا لَهُم مِنِّي سِوَى خِيَانَاتِيَ المَرِحَةِ أَنسَاهَا لَهُم بَالِيَةً شَعْثَاءَ تَقطُرُ بِي فَيَنْتَفِخُونَ بِالشَّمَاتَةِ الفَرِحَةِ حِينًا إلَى أن تُزْهِرَ الخَدِيعَةُ طِفْلَةً مُجْهَضَةً لِيُطْلِقُوا الحِرَابَ وَالسِّهَامَ أهُشُّهَا عَنِّي فَتَنْحَنِي لِي أسًى وَرَغْبَةً شَفِيقَةً وَتَنْثَنِي مُدبِرَةً فَأَلْوِي الرَّكْبَ نَحْوَ مَضَارِبِي أَمْنَحُهَا حَقَّ انتِهَاكِ المُحَرَّمَاتِ الطَّوطَمِيَّةِ (سَبَقَ أن مَنَحْتُهَا حَقَّ انتِهَاكِ المُحَرَّمَاتِ الأُخْرَى فِي "إِشْرَاقَاتـِي". لِذَا لَزِمَ التَّنوِيهُ، مَعَ عَدَمِ التَّكرَار) وَأرثِي لَهَا مَا تَيَسَّرَ مِن رِثَاءٍ بَلِيغٍ بُرْهَةً إِلَى أن تَنَامَ فَأقْضِي مِنْهَا وِطرِي بَضَّةً بَضِيضَةً عَلَى حَجَر

أَمرُقُ فِيهَا، بِاسمِ اللهِ مُرسِيهَا

فَتُوغِلُ فِي السَّفَر.

وَأَسكُنُهَا، فَتَهْمِي،

وَتُوسِعُ لِي

فَأُوغِلُ فِي المَطَر.

لُجَّةٌ لُجَينٌ وَشَجَر.

وَلُغَاتٌ وَالِغَاتٌ،

وَظِلاَلٌ مُضِيئَةٌ، جَرِيئَةٌ،

رَفِيفٌ أَلِيفٌ، وَرَفْرَفَةٌ وَارِفَةٌ،

وَشَهْقَةٌ مَعْقُودَةٌ عَلَى سَهَر.

وَبَيضَةٌ بَضِيضَةٌ مُهِيضَةٌ عَلَى حَجَر.

أنسَلُّ مِنْهَا وَأَنَا أَتَسَوَّلُهَا مِن أبْنَاءِ السَّبِيلِ أبَدًا أَو بَعضَه مُتَضَوِّرًا بِلاَ خِرْقَةٍ أَرْفَعُهَا رَايَةً لِلمَسْكَنَةِ فَيَخْفُرُونَنِي إِلَى وَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ بِالأَهَازِيجِ وَالأَنَاشِيدِ إلَى أَن أَبْلُغَ القَاعَ العَقُورَ فَيَعْقُرُونَنِي وَيَرْتَجِلُونَ رَقصَةً بَرِّيَّةً عَلَى بَدَنِي وَيَمْضُونَ عَنِّي صَفًّا مُسْتَقِيمًا ذَاهِلاً إلَى احْتِضَارٍ أَو جُنُونٍ مُرِيبٍ (لَم يَكُن فِيمَا جَرَى خَدِيعَةٌ أَو استِدْرَاجٌ مَا، وَكَانَت اللَّذَّة) وَأنَا أَرْنُو إلَيهِم مِن وَرَاءِ القَتْلِ يَتَلاَشُونَ مُنْشِدِين

عَطَشٌ     جُرحٌ وَعَلاَمَة.

عَطَشٌ مِلْحِيٌّ إلَى دَمٍ صَبُوح.

قَطْرَةٌ وَاحِدَةٌ     طَرِيقٌ إلَى القِيَامَة.

وَكُلُّ قَتْلٍ     سَلاَمَة.

أنَامُ قَتِيلاً سَلِيمًا يَحتَلُّنِي هَجُومُ النِّمَالِ القَادِمِ فَأُلصِقُ أُذُنِي بِسُرَّةِ الأَرضِ أَتَسَمَّعُ حَشُودَهَا البَعِيدَةَ تَرُصُّ الصُّفُوفَ وَتَحشِدُ الأَسْلِحَةَ وَتُرَاجِعُ خُطَّةَ الهُجُومِ وَالتَّعلِيمَاتِ الأَخِيرَة

 

 

فَـأنْـتَـظِــــر

 

  بَرَاحٌ هَذِهِ الأرْضُ كَثُقْب إِبرَةٍ، ضَيِّقَةٌ كَامْرَأتِي الشَّاسِعَةِ، فِيهَا أحُطُّ الرِّحَالَ، مِن يَأسٍ بِدَائِيٍّ، أُسْنِدَ الْجَسَدَ الْعَلِيلَ إِلَى الْجِدَارِ، فَهَلْ يَنْهَارُ فَوْقِي، وَأُشْعِلُ السِّيجَارَةَ الأخِيرَةَ، هَلْ نَفَدَت الأنَاشِيدُ مِن الْجُعْبَةِ الْمَثْقُوبَةِ؟ هَل تَخَطَّفَتْهَا نِسَاءُ الطَّرِيقِ الْمَرِحَاتُ؟ أم الْجَانُ وَالسَّاحِرَاتُ؟ تَبْدَأُ الرِّحْلَةُ أم تَنْتَهِي؟ جَسَدٌ أضْيَقُ مِن حُلْمٍ، وَسَمَاءٌ مُطْبِقَـة

أيَّتُهَا الشَّمْسُ النَّافِقَـة؛

مَا الَّذِي أطْفَأ الضَّوءَ فِي جَسَدِي،

وَرَمَانِي فِي الطَّرِيق.

تَنْوشُنِي الرِّيَاح ،

تَدْهَسُنِي الْفُصُولُ الصَّاعِقَـة.

أنَا نَدَمُ الْحَرِيــق.

لاَ غَايَةَ، ذَاكِرَتِي يَدَايَ، وَالْقلْبُ بُرْتُقَالَةٌ قَضَمَتْهَا الأوْقَاتُ الْجَائِعَة

خَاويًا كَطَبْلٍ، تَقْرَعُنِي الْقَارِعَة.

لاَ نُورَ، لاَ مَطَر.

حَجَرٌ مِن الْبُرُوقِ المَفْلُولَة،

مَطْرُوحٌ عَلَى خَطِّ الزَّوَال.

لاَ نَومَ، لاَ سَهَر.

          سَادِرًا، كَصَرخَةٍ ضَائِعَة.

تَعْثُرِينَ عَلَيَّ، تَدُسَّينَنِي، مَنْ يُزَاحِمنِي فِيكِ؟ مَا أضْيَقَ الْخُطَى وَالْوَقْتِ، مَزْحُومَةٌ فَارِغَةٌ، تَلْهَثِينَ خَلُفَ الصَّدَى وَالْوَمِيضِ، قَابِعٌ فِي انْتِظَارِ الْفَرَاغِ، أرْقُبُ أرْدَافَ الْعَابِرَاتِ، أرْصُدُ التَّمَايُزَ الْبَلِيغَ، إِلَى أن يَنْفَدَ انْتِظَارِي فَتَجِيئَنِي تَهْلِيلَةً بَرِيئَةً، لاَ تَرَيْنَ دَمِي، تَنْدَسِّينَ فِيَّ، مَن الْوَجْهُ، مَن الْقِنَاعُ؟ غَائِرًا حَائِرًا، بِلاَ يَقِينٍ، أُشِيحُ وَجْهِي عَن الْوَقْتِ خَصِيمِي وَخَائِنِي، ثَأرِي وَقَصَاصِي، خَدِيعَتِي وَمِحْنَتِي، مَا الَّذِي تَرَاه فِي مِرْآتِهَا؟ مَا الَّذِي يَصْرُخُه صَمْتُهَا؟ سَاحِرَاتِي قُلْنَ لِي، لَكِنَّهَا الْبَصِيرَةُ الْمُخَاتِلَـة

كلُّ خُطْـوَةٍ          شَهْوَةٌ زَائِلَـة.

كُلُّ شَهْـوَةٍ           طَلْقَةٌ قَاتِلَـة.

أنَا الْقَتِيِـلُ الْجَمِيـل

غَرِيمِي المُسْتَحِيــل

أُصَوِّبُنِي إِلَيْه ،

فَيَرْمِينِي إِلَى الْجِهَاتِ الآفِلَـة

كَانَت الْجِمَالُ مَشْيُهَا وَئِيدًا، قُلْتُ: هَلْ يَحْمِلْنَ جَنْدَلاً أم حَدِيدًا؟ وَالأشْجَارُ تَمْشِي الْهُوَيْنَى فِي الصَّبَاحِ الصَّحْوِ، قُلْتُ: كَيْفَ صَارَت الْجُذُورُ أقْدَامًا؟ وَاسْتَسْلَمْتُ لِلْقَيْلُولَةِ الْمَعْسُولَةِ، جَسَدِي مُسْتَيْقِظٌ وَرُوحِي نَائِمَةٌ، كِيْفَ تَسَلَّلَ الْخَرَابُ الْعَذْبُ، مِن أيْنَ؟ أيُّهَا النَّوْمُ، أسْلَمْتَنِي، لاَ وَرَقَةَ تُوتٍ تَعْصِمُنِي لاَ قَشَّةَ تُنْقِذُنِي، عَلَى الْخَازُوقِ وَالطُّبُولُ خَلْفِي، تَزُفُّنِي الْمَمَالِيكُ وَالْكِلاَبُ بِالسِّيَاطِ وَالسِّبَابِ فِي فِجَاجِ الأرْضِ، أيُّهَا الرَّقْصُ الَّذِي يَشبُّ فِي جَسَدِي، انْفَجِر، يَأتِي الصَّعَالِيكُ وَأبْنَاءُ السَّبِيل: أنْتُم شِيعَتِي وَعَائِلَتِي، حَدِيقَتِي الْمُضِيئَةُ بِالشُّرُورِ الْبَرِيئَةِ، حَتَّى نِهَايَةِ الأرْضَ هَيَّا، بِالأعْلاَمِ وَالْبَيَارِقِ الْبَالِيَةِ، بِالتَّهَالِيلِ الضَّالَّةِ، لَكُم حَمَاقَاتِي وَسُوءُ ظَنِّي، فَاشْتَعِلُوا بَدَدًا أو وَرْدًا غَمَامًا يُظِلُّ الْقُرَى الْهَالِكَـة

فِيه أنْسَلُّ إلَى حَبِيبَتِي الشَّائِكَة:

سُنْبُلَةً عَجْفَاءَ،

بُومَةً عَمْيـاءَ،

شَمْسًا حَالِكَـة.

أرْتَقِيهَا

إِلَى لَحْظَتِي السَّافِكَة.

فَلِمَاذَا تُفْلِتُ ـ مِن يَدِي ـ الْمَمْلَكَــة؟

إِلَى أيْنَ

أيَّتُهَا الْمَلِكَـــة؟

 



 

تعليقات