القائمة الرئيسية

الصفحات

ماء ينقِّط على التحرير / مختارات من ديوان ثورة وحائط نعبره / صفاء فتحي

 

ماء ينقِّط على التحرير

 مختارات من ديوان ثورة وحائط نعبره

صفاء فتحي

 


 

نظرة وزرقاء

 

 

هي كانت حبة رمل

تفتح زمن الطريق إلى هذا المفترق

كنت لا أخشى نفسي فروَّعتني المرآة وأنا أرى هذه القصص

الملح كان

جبلا يظهر مع كل صورة أشدها من صندوق الذكريات

ميناء السنوات به سفن ركبتها وأخرى تمنيت ولو رؤيتها من بعيد

 

هو فشل كلوي مختوم على عملة من المعدن

تلقيها في الهواء

ترتسم في الهواء صورًا تنساها

عندما ارتفع الجبل الآخر

كان في أعلاه ولدان نبتا من سنين الغسيل

أما أنا فانفصلت إلى من تنام وكان طيفي يعبر سورًا يعود إلى ثمة مكان أو ساعة

 

الموت وعد ماءٍ كان لا يغادر بطنَه

 

على أرض المكان الترابي لمحت خيمة شفافة تحت النور

لمع وجه ثورة

كانت كحلقة مضيئة تدور

بزغ صوت من ضجيج غابة من الطوب الأحمر

أو من أسفلت تتصاعد منه أعمدة من غاز أبيض

في لحظة سقطت من الزمن

إلى أين ذهبت يا من كتب الخطاب؟

أين أنت الآن يا كامنًا في النظرة الزرقاء؟

هذا الجبل من الوجوه يلقي بالعيون إلى الشوارع

إلى عدستي

يبصق طعم الملح

على جنبات الطريق

 

 

كان لي أخ.. وأخ آخر

طار مع الشاردين

أُقلع من سرير تحت الصيانة

المعهد ناصر كان له ريحان

كان لي أخوان ولم يعد لي إلا أخ واحد مع النسور وقلب واسع فضاق به صدري وآخر لِثمَّة مكان

هي من تأتي لتذهب

اللاوطن صار مكانًا

به كوب شاي، أيقونة حبست فيها وجهي

الذي كان يعشق البكاء

 

 

ملاك التاريخ يجري وجهه للخلف

سيأتون إليه يحملون فوق الرأس هذه الخريطة

وهذا الهتاف

هو لم يشق وادي الأماكن بسنجة أو سكين

إنما كان العشب شعبًا يريد

 

كان صوتك يتلاشى

وأنت تضرب الحائط الملاصق للسرير

تصرخ بالقبضات

عرفت أن عصيان المدن والشوارع في قلبك نام ثم صار جسدك شجرة وصرخاتك

شرَدت إلى أرض الميدان، قطعة، قطعة

تلتها في التو قطرات ماء حطت في الفجر علي صينية من الحجر

كانت هناك حقيبة سألفعها وأعتلي أي سياج

أنظر إليك أنت المسجَّى والمبعوث

من رقدة أعوام

"وانتي عاملة إيه؟ إنتي عاملة إيه؟ إنتي عاملة إيه؟"

 

كنت تموت دون صوت

فهمست في أذنيه مع كل هؤلاء

بعد أن مات

"علِّي الصوت، يا محمد علِّي الصوت"

 

القاهرة 6 أكتوبر2011

أزكيا، إيطاليا 20 أغسطس 2012


 

مينا ومحمد... دم وماء

 

 

في الدار التي أسكنها من زمن إلى آخر

رأيته على الشاشة يتحدث إلى عدسة ويقول: "أنا متأكد إن دا أخويا"

كان يحمل حفنة من دماء متخثِّرة وقطعة من جسد مدهوس

حوله، حلقت عيون كسرب بذور طائرة

في بيت الذهول

قلتُ كيف يكون جسدي حين تمرُّ عليه جنازير مصفَّحة يقودها هذا الرجل وهل له عيون؟

العلامة دخلت الإطار

عين حورس يخترقها سيف

هي "الشرطة العسكرية"،

ينساب منها هذا الصديد

 

أخي له نواة تتفتَّت مع سرب البذور لتحط في أصيص فخار من طين

 

"م" دائرة وشرطة تعلو من أصيص زرع ليشب يومًا كجسد لحم

اسمك يتبدَّى

على قطعة من لحمك المدهوس على بركة صغيرة من دمك المتخثر

يزركش الطين

يستغرق في هذه الأرض

يحسمها سياج طوب لبني

ينبت اسم آخر

هو الشهيد الحي

 

العدو أمامك

البحر وراءك

وافعل ما شئت

قد يكون الغوص أيضًا واردًا في الدم

أرى الأرض تفتح فمها لتشرب في عطش

 

رأيته يمشي في الصحراء

بسترة كاملة

ترتعش الخطوط التي ترسم جسده في القيظ، يصرخ "عايز اشرب عايز اشرب"

 

كن أخًا آخر

كنت آخر

كان أخو الدم واحدًا وأخو الماء واحدًا وأخو العيون واحدًا وأخو من لا أخ له واحدًا

يسير الشجر حيث تقف الآن

يحمل في أعلاه طيورًا من ذهب

أما المسيح فسيبعث من جديد في التحرير

في ماسبيرو

في طلعت حرب

في صينية الوادي

في عزبة النخل

في منشية ناصر

وفي حدائق الأهرام

كي ينمو من سره أخ لي وأخ لكَ وأخ لكِ

أخ واحد من الأصيل إلى الغروب ولن يمشي عليه النمل

 

باريس 15 أكتوبر 2011

أزكيا، إيطاليا 1 أغسطس 2012

 

 

هذا كتاب وهذا دفتر:

عندما تدرس اللغة العربية للمبتدئين

 

 

هذا كتاب:

تعويذة ابن الليل

الشر الأبيض

عيون تلمع في الغابة السائرة نحو البيت

هانت الساعات، سأنتظر يومًا واحدًا

لأني تيقَّنت من أنك ستأتي مرة أخرى

طائرًا كما كنت إلى عشِّك

خلف الخريطة

في العش فرخ صغير كان يبتلع كلمات وله جناح لم ينبت عليه ريش

حط كالرخ بعدها بشهور يحمل بيضة هائلة

على وادي مسقطه في البحر عجوز

لأنه مثله كان مريضًا

كان عجوزًا

كان يموت

فجاءه الكلام مطرًا يوم السفر

صوته المكتوم ذهب للأرض وللبحر ماء

 

للمرة الأولى يرقص الحديد

فجر الأربعاء في اليوم الثاني من الشهر الثاني حسم الأفقَ خطٌّ أحمر

تدحرجت خلفه أو أمامه كل هذه الكلمات التي هربت منها على أول طائرة ركبتها

الآن أجمع آلاف المفردات التي فارقتها، في اليد وعلى الأرض أدوس على قطع من حجارة

قالوا لي: "أصل الحكاية بجد، الحكاية دي بجد"

 

هذا دفتر:

"- ما هو انت مش عايز تخف.

- عايز اخف بس مش بطريقتكم."

 

هنا في الميدان

الساق واليد وأكثر من صوت

يحط على أعلى بناية في التحرير

ألمح الملايين عن كثب ويحتال الابتسام على وجهي

كانت لي صورة قديمة وكنت أضيق بالظهور

أرى وجهي

تغطي على ملامحه صورة بالأبيض والأسود كادت أن تختفي في ألوانه القديمة

أخذني الصوت إليه

الموت ملاك

له أجنحة وسماء وشارع، وبناية، وقطار، ومعسكر للتعذيب

 

كان هناك الماء وصورة

أنا بعيد وصوتي صامت

الذاكرة كتاب قد تفتحه لك

أغنية هذا الغائب الذي لم أرَه

قد يكون رجلا امتلأ بشخص آخر اسمه صلاح جاهين

قفز من زمنه بلقطة ومن غيابه بكلمتين

وقف بجانب صورة أخرى من الأبيض والأسود

التصق بها جلدي حين كنت أغطس في الماء

رأيت الحبر الأسود ينحل

يرحل مع الملامح ليحط بعيدًا في مكان

هي جزيرة تطفو وترحل

ترى الرماد يتراقص مع الحشائش في قاعٍ عبر الماء

هو رماد هذه الكلمات التي فقدتها قبل ثلاثين عامًا

أضعها على طبق أسير به في أيامي منذ يوم 28

 

الإثنين باريس 18 أكتوبر، أزكيا 1 أغسطس 2012

 

 

محمد محمود سابقًا

 


وقف في نفقِ الزمنِ حائطٌ نستند إليه عندما تكون الأيامُ بحيرة

هنا لا بد من التوهان حتى ولو كان هناك عدد من الجدران

الزمن لا يزال يحلِّقُ على الميدان

يتصدق الحارسُ بلحظةٍ

تقذفُ بالكرة إلى الماء

يردَّها إليك، إلى السطح، قنبلةُ غاز

كشريطٍ سينمائي يرجع إلى الخلف

الأمامُ له شريطٌ آخر

ترى نجاتيف لأجسادٍ يلمع عبرها فكٌّ من الصلب

تجاور كَوْمة من أجسادِنا

بيضاءُ كالشمع حمراءُ كالسعار خضراءُ كما كتبتُ لكَ وصفراء بلون أسنانِهم

هناك شرفةٌ وقلمٌ وعدسةٌ وصوتٌ وغاز

هناك كنيسةٌ وجامعٌ وناسٌ تخرجُ من هنا وهناك وتدخلُ هنا وتقفُ هناك وتكتبُ اسم من اخترقوا الزمنَ برَّصاصة في القلب

القصيدةُ دورانُ عجلتين

يعتليهُما من لا يرتدي القميص ويخترِق اللحظةَ بلقطةٍ

والوجعَ ببيت شعر

مثلا "بإمكانِك أن تدهسَ الأزهارَ

ولكنك لن تقتلَ الربيع"

كمثلِ من تمدَّدَ على الأرض أمام القوات ووضع ساقَه فوق الأخرى وامتلأت رئتاه بالغاز

كأنه سفينةٌ تذهب بالمؤن إلى أعالي البحار

عليها بعضٌ من كل شيء

للجزيرة البعيدة

كي يعلو فوق أرضها باب ثم حديقة

البعدُ مسافةٌ والمسافةُ زمنٌ نيئ وبين هذا الجدار والجدار، جدار، وهي سبعةٌ أو تسعةٌ أو فقط جدران

لن أقتني منها جدارًا مصغرًا

أو نعم ربما سأقتني جدارًا صغيرًا أرصُّه مع السنين الملتبسةِ دائمًا

أنا في البعد ِأعيش والشوارعُ مضيئةٌ بنورٍ خافت لا يدخل إلى الشروخ

أنا في باريس

أتغطى بالثلج

أنا في جسدٍ خليَّاته كل هذه السنوات

أنا كنت أحيا بين الثقوب

أنا دخلت المطارَ تحت غيومِ الغاز

أنا كتبت لك يا من تعيش هنا في أرض الطين والطوب

بزغ حقلٌ من الوجوه

لها عينٌ واحدةٌ أو ربما اثنتان

(أهي عين الجوهرة): أتُشترى؟

 

باريس 25 فبراير 2012

 

 

ديد لاين Dead line

إلى محمد تيمور الملواني

 

 

في صحراءٍ أمريكية

لوحةٌ تقطع طريق العين

وقفتُ أمامَها وهي تقول "فيما وراء هذا الخط البرية"

هي خُطوةٌ قد يعبُرُها النملُ الأحمر

إلى المجهول

هناك جهنمٌّ وهناك قاتلٌ ومقتول

أنت هناكَ

أنا هنا

على واحة تغوصُ في الرمال اسمُها "ثورةُ مصر"

لم أكن يومًا أقول ولم أكن يومًا أصرُخ بالعصيان.. كنت فقط أهمِسُ به أو أرمي به أسفلَ الباب وأجري في التو

كنت أسرِقه في غفلة الكِبار وهؤلاء الملتحين بالصحراوات والغروب يدهس العين

يا أنت الذي في الأعالي

أترى؟؟؟

أتشتري العيون؟

أم النهرَ القديم والبنات والأولاد وأصابع الرسامين

أما الله فهو واحد هناك وواحد هنا

 

كان هناك ولدٌ له عينان

كان له نظرةٌ تلمع تحت القمر ورموشٌ تخاف الشمسَ ووجهًا بلونِ آخر صيف اليوم

راح الولد هناك وجاءت على عينه حبة رمل جعلت النظرة تلحق بألوان الطيف

كانوا قد خرجوا يعتلون النور

في عدم الليل

"يا أهالينا"

يا من بصمتم على النصِّ السحري

بإصبعٍ أحمر قاتم وألقيتم اللونَ في البحر

أقسم أنني رأيتُ الموتوسيكل يدخل القصيدةَ من الإمضاء

لم تحلق في السماء مع طائرةٍ ورقية

لكنها دخلت عين الجدار

 

"هَرِمْنا"

 

 

مشيت ببطء إلى الباب

فتحته برهابةِ من كان يخاف

رأيت شعاعًا يتلوَّى مع اللا مرئي

كتبت كلمتين

شربت ما تيسر من الآلام

ترجلت أمام الأصوات

أغلقت الباب خلفي

فقد دخلت بعنقي

إلى مصر

 

باريس 27 فبراير 2012

أزكيا 3 أغسطس 2012


 

 

قناصُ العيون

 

 

يحدق في وجهي واقفًا في صورته

فيرغي من عينيه حامضٌ يُفسر عن لوحةٍ لقرية بعيدة

ألمحُ امرأةً ترفل في جلبابٍ أسود

تغيب وتظهر في التراب

تتسق الدَّرَجات

تلتقط الدودَ الذي يرتع في عينيه

بعد أن التهم الدموعَ التي سكنتهما وهو صغير

 

أزكيا 3 أغسطس 2012


 

هو

 

 

 

لا هو هلعٌ، ولا هو يأسٌ. لا هو خوفٌ ولا هو ألمٌ ولا هو حزن، لا هو مرارةٌ ولا هو غضبٌ. لا هو عصيانٌ ولا هو يومٌ ولا هو لون. لا هو صرخةٌ ولا هو غصةٌ. لا هو أملٌ ولا هو إلى أين تذهبين. لا هو ترنيمةٌ ولا هو دمعةٌ. لا هو مكانٌ ولا هو اسمٌ ولا هو سرٌّ، لا هو فجرٌ ولا هو قلبٌ ولا هو ميلادٌ ولا هو شارعٌ ولا هو حائطٌ ولا هو رسم. لا هو غازٌ ولا هو موتٌ ولا هو صوت، لا هو صدفةٌ ولا هو تويتة، لا هو رأسٌ ولا هو عِبارةٌ تضيق

هو آ آ آ آ ه

 

باريس 27 فبراير 2012

 

 


تليفون كل يوم

 

 

رن، توقف التليفون عن الرنين، يوم انتهى ويوم آخر يأبى القدوم

يقف الناس في ليل الشارع

في قيظ الرصيف

من أقدامهم تتدحرج الحروف

في شارع القصر العيني ترقص

من اليمين إلى اليسار

تشكل عبارة تقطع الطريق

"واحد.. اتنين.. الشعب المصري فين؟" أو "واحد.. اتنين.. الثورة راحت فين؟"

ثم تنفرط الحروف واحدًا تلو آخر

لتقبض اليد على حفنة من كلمات لا تسكن اللغة

 

في اليوم الغريب

سقط الصوت في العين فأصبحت سحرية

يغوص فيها ما عبرناه من ممرات

يلمسها إصبع بطول غابات الحديد

كان صوته يحمل الجنازير والدخان كلام

البحر كتوم

ضع الودعة بالقرب من أذنك وستسمع عبارة واحدة: "كام واحد على إيديكم مات"

 

الطفلة التي تخط بالعين الطريق، يدها الصغيرة في قبضة رجل كبير

عَرِفتْ أن الصمت له صوت يصيح

 

هي نقطة على خريطة العطش

والغرق وارد في النجاة

 

باريس 27 فبراير 2012

أزكيا 3 أغسطس 2012


 

شهيد

 

 

 

شهد شاهد من أهلها وقال: عاشوا وماتوا. ألم يجب الموت على البريء لأنه يطير؟

أمه تحيا بين عدة جدران في وقت الفيضان والشمس تعوزها بعض من الرحمة على الجثامين

أسد القصر غابت عنه عين وغابت عن الأسود عيون النيل والصحراء نار ودماء وطرق وجوارح تحط على مبنى لا يزال يأكله حريق

الذراع سلاح في عقر مكان "الأشياء المتداعية" في هذا البلد القديم في ذلك اليوم العاجز جف ماؤه وانقطع حياؤه وأكلت أطرافه الوحوش

في شهر مارس أو أبريل أو نوفمبر أو ديسمبر

كان هناك هرم وملك قديم يشهدان في صمت أن مكانهم القديم صار

"سلخانة" للتعذيب

ثم ينسل رجال القوَّات في خطاهم إلى صورة صفراء يجلسون خلفها في الشمع

تغطيهم سترات بلون الوهم فيبدون كأشباح خرجت للتو من لوح أبيض للثلج

كان هناك من يقفون على حافة الزمن وبالأجنحة يقتلون النسور

 

جزر البحر رداء من قطيفة أرى آلاف الأقدام وهي تمسها طائرة إلى الزمن الآخر أو إلى ساعة حلم الموت أو إلى مطلع الكون حيث تكون الأذرع العارية في عناق الجنة حيث الشاب الذي حلم ومات

حيث البريء شهيد

حيث القاتل يهيم على وجهه وينهال عليه التراب

حيث الجمال مرعب

والبداية لن تعود بهم إلى هذا المكان

 

"يموتون هم ونحن نعيش"

 

باريس 28 فبراير 2012

أزكيا 4 أغسطس 2012


 

الشَّعر

 

 

الشعور السوداء في القبور والبيضاء على الكراسي الجلد

أو على جلد حي

أو على الطوبِ النيّ

أو على رئتي

أو تقفُ على عينِك

أو تمرح في جسدك الصغير

يدٌ من حجر وأخرى من حديد

أو أربعةُ مسامير

كتابُ وجهي به كثيرٌ من الخطوط الحمراء

والأشياءُ المهملةُ وأخرى سكت صوتُها بصيحة رجل

الأذرعُ العاريةُ ليس لها إلا العراءَ في بطن الحجر

ولكلِّ ليلٍ نهارٌ ولكلِّ ألمٍ موت

ولكل شاهدٍ شهيد

 

باريس 1 مارس 2012

 

اثبت

 

 

قل لرؤيتِك التي تصحبك إلى نهاية السطر

إن المسرح شارع للعيون وحائط وراية عليها وجهه

إن الشارع مكانٌ للصور على حائط ارتفعت خلفه القصور

لن يكون لك يوم آخر

ولن يجرحنا السكوت

فالفم له شفتان وصوت أو أنين أو رنين أو همسة أو كلمة قد تأتي متأخرة بالقرب من الماء

 

كن بعيدًا

اسكن في الصورة، اختفِ في الرسالة يا من قتلت واسترحت ويا من رويت

المملوك وألقيت بأيوب لوحش البحر العظيم

وزرعت النسيان في الطين القديم

 

اثبت لأننا يبسنا على أرض الرعب ولم نعد نخاف

دائرين مع التوهان، دائرين في دوامات النيل، لقاعه وحشة ولمائه البريء

حلم سقط من جبل

يطل على وادٍ به أزهار الملوك

الصدر العاري رداءٌ يصد الرصاص

العيون لها نور أسود

قاتم بلون الحرية

سائل كالماء

متخثِّر كالدماء

فادح كموت أخي

الولد يرفع رايتين لهذا المكان ووجه مينا أحمر كظل ما فقدناه

اثبت فهي لحظة قد تستقر في سنين الضوء والمجرة هناك

الأنين له صدى وموجة ومدى

أما الكف فهو ضمير الحروف

 

القاهرة 9 مارس 2012

 


اليوم الميت

 

 

 

شارد من البحر الميت

تبخر من هذا الربع الخالي

سقط في ثقوب الكون السوداء

 

عقرب الساعة يلف في دائرة الأيام

حيث تجمد الشيء على الشفاه

على هتاف تتردَّد أصداؤه ويهوى في فراغ مقلة

اليوم سنة أم سراب أم تراب

 

عائدة من وسط المدينة إلى نفس السؤال

الذي يختفي من وجهي عندما أوشك أن ألقاه

أفتش عن وجهٍ له خلف الأبواب

أسترق السمع علِّي أسمعه في مكان ما

أليس لكل اسم حياة؟

 

 

 

هو

صباح لأزمنة سنكون فيها ماضين كلٌّ في خطوته

أزمنة نموت فيها في قوارب من الخشب على النيل

نغوص في نور نجم مات في المجرَّة

كي نبعث في صورة أخرى لكائن يعيش

 

12 مارس 2012 القاهرة

أزكيا 6 أغسطس 2012


 

يوم جاء بأحداث

مجلس الوزراء على البحيرة

 

 

يحمل في ليله صوت النافذة والريح

أنا التي تعلمت الحياة نسيت كيف تعيش

أمامي ماء أزرق وقلق بلون الساعة التي أحملها على معصمي

الرسائل

التائهة، تجدني

أكتب لكم من قارب

يعبر من شاطئ إلى آخر عالم النسيان

نسينا أنه كان هناك غاز يفتك بجلودنا في الخريف نسينا في الشمس أن هناك من نفقوا في الهواء وعلى رمل الصحراء وكانوا يطبِّبون الجروح

أن هناك من تقشَّرت جلودهم عن وحوش

أنا الكتاب الذي حرق ثم أغرقه ماء

بين اليدين تفر من صفحاتي النقاط

 

 

أمطرت السماء ليلا، ارتديت العدسة قناعًا ضد الغاز

تراكم هواؤهم في صدري فأفرغته كحقيبة تنفض ما فيها على الأرض

كان كل نَفس ملقى على الأرض يحمل ألوانًا هلامية

حمراء خضراء صفراء سوداء والهدير كان صوتًا دون ماء

يستقر كهالة أو كذكرى أيام نوفمبر

تلك الأيام التي انزوت فيها القاهرة في شرنقة كثيفة

نزل فيه مطر رمادي غزير على شعري

كنت أنطوي في سراب ثورتي من الماء

في شرنقة نوفمبر في محمد محمود الذي أصبح شارعًا للعيون

في الليل حلمت بك يا أبي تبتسم وأنت في زي الضابط الذي كنته وكنت ضابط السجون

تأتي بالعهد إلى سحنتك لتضيء رايتك وتصلي،

سَمعتُك تقول يا ابنتي تعالي إلى بلدك واغزلي من خيوط الشرنقة ثوبًا ترتدينه

لا يهم لونه الرمادي فأنت رماد

ولا يهم مطره والغاز

فالطين قادم لا محالة

أما قلبك فهو مظروف في صندوق

ربما لن تفتحيه هناك

والشارع له جناح

ريشه

جاء من مكانٍ قصيٍّ والملح كثبان وفي الرمل طريق إليك

وكأنك لم تغادري وكأنك لم تولدي إلا هنا وكأنك لم تنامي إلا في سرير واحد يرحل معك أينما تذهبين

 

الفيوم، قرية تونس 22 مارس 2012


أربعاء في شهر أبريل 2011،

هو أربعاء آخر بعد موقعة الجمل

 

 

لا أقوى على ترتيب هذه الحروف التي تجتاح الرأس حين تنهمر عليها الكلمات

كأنني مت وكأنني بعثت وكأنني بلون الشجرة التي يهددها أخ آخر بالبتر

الزمن يختفي في شرخ الركن الذي يواجه عينيَّ

الساعات في كف اليد حفنة من البلي

ألقي بها ثم أغلق الجفن وأوصده برمش

أرى أنك تأتي إلى المنصَّة تحمل ساعديك وقلبك في ميزان

أنا في الكفة الأخرى

أغوص

في دائرة الحجر

يومها كان هناك رجل يبتسم وهو يبتاع لي طعامًا

في الميدان

حين كان آخرون يفتلون الحبال بالأصوات

لا أتذكر إن كان لون شعري في هذا اليوم أسود أو بنيًّا

هل كان مجدولا أو معقوصًا على قمر أم على نجم أم على سفينة

عندما خرجت في الليل خلف العين أمشي على كسر الحجارة وقطع الطوب

كان هناك أفق يلتهب وخط جهنمي يشقه في منتصف البطن وصوت الحديد

إيقاع لثلاثين عامًا كانت حبيسة في قبو

على الرصيف بنت تلف حول نفسها وحول جيدها علم

تتدفَّق من قفصها الصدري كلمات لا تحصى

كان هناك رجل عيونه دم وصوته يأتي من صندوق حمل أخاه إلى النور

يضيء وجه ليلة يشدها الأمس للزمن

كان هناك من يختالون بالجروح

كان هناك من يمنحونك الكفوف

كي يلمس الإصبع جفن الكلمة ولينثر العبارة على الصورة

حين كان الجسر يحمل الموت والأرض لها رؤوس والدم له عيون

مضيئة تحترق

باريس 25 أبريل 2012

 

"الفرح ليس بمهنتي"

إلى محمد الماغوط

 

 

قال الفرح ليس بمهنتي وأنا قلت مهنتي أن أعجن الفرح في صحن لعمل هذا الخبز الذي تصيح من أجله

الأصوات

عندما حط الصمت عليها اختفى صوتي في البرق وأنت واقف هناك أراك

صرخت أصوات أخرى لرجال على المنابر

ثم أخذ ماء الفرح في التبخر من العجين الذي أعدوا منه مساخيط صغيرة

بينما كانت الرئتان تتريَّضان للبحث عن نسمة غابة الليل

رأيت للأوطان وجهين

وجه الواحد والمستعار ترس تحت المطر

 

رئتاي جاحظتان بعمر النار

مقلتي بها صدى آلاف الدموع

أقسم أنهما تبكيان دائمًا دون دموع

أرى العالم من خلف زجاج لنافذة كان يسيل على سطحها ماء

تبدو مشوَّشة تحت الموج العمودي

 

أنت لم تر حوائط الزجاج التي يسيل عليها الماء الذي يحمي مكان الزهور في شارع التحرير منذ ألف عام

كان هناك مكان للعين لترى

وهو يغادر الشارع إلى الذاكرة

 

باريس 26 أبريل 2012


 

من سنة ونصف السنة

أنصاف السنوات كأنصاف الثورات

 

 

الثورة كلمة ضاعت في الرمال وجدتها على رصيف بارد، حملت عظامي، خبأت الفرح في كتاب والدموع في كوب وضعته على النافذة

 

كتمت الصوت في قبضتيك

وضعت القميص في دولاب خشبي

الماء في وعاء أبيض وكفيت عليه غطاء الغياب

بعدها أيضًا، فرَّت دمعة من عيني دون أن أدري

كنت أقف في شارع في باريس به متظاهرون لا يصيحون

يمشون في صمت

يحملون صورة مقاوم مات

قرأت كلمة تحرير بدلا من خيانة

كانت الدمعة مركونة من زمن ما تحت الجفن

أدهشني فرارها من البئر التي أحملها على وجهي

 

كنت على سطح بيتنا العتيق

في قرية رمادية

جلست في مكان قيل إنه بيت الثعبان

أرى عبر النافذة صديقة ترتل بلغة ما

تحمل فوطة غارقة في الماء

تطل عبر النافذة وتعصرها ببطء شديد ثم تعود إلى الشريط بالتصوير البطيء

اختفت وظلت قطرات الماء تتساقط

تدخل الواحدة تلو الأخرى إلى عيني التي لم تكن زرقاء بلون النيل

كان شعرها رماديًّا يلمع في ضوء فضي

وأنا في حجرة الحلم

كأني خرجت لتوِّي من النور

إلى أرضي القديمة

على جناح ذهبت إلى الميدان

أكوم الشر في ركن قريب وأتمنى ألا تعبث به الرياح

كي لا يطير خلسة مع الخماسين

التي تهب دائمًا


 

 

حين جاءت العاصفة

هب التراب من رماد الأصوات

ردم التراب الدموع

التي تبعثرت وأنا أكتب هذه السطور

 

باريس 30 مايو 2012

 

قد يعجبك ايضا

تعليقات