الشَّجرة
نورا عثمان
كما لو كنتُ أَعلَمُ ما سيحدثُ مُسبَقًا؛
أَفرَغتُ قلبي مِن تعلُّقِهِ
وجسمي مِن مخاوفِهِ
وعشتُ ولم يرافقْني سوى عِلْمي بما سيكونْ.
بلا سقفٍ سوى السُّحْبِ الجميلةِ،
كنتُ أنمو تحتَ عينِ الشَّمسِ
أشربُ قطرةَ الماءِ الهنيئةَ
أنتشي إن مرَّ مِسمارٌ على جذعي
لينقشَ فوقَهُ ذكرى معينةً،
وتبهجُني العيونُ اللامعاتُ وضَوْءُها؛
وأحبُّ لو أنَّ الذي وَهَبَ الجذوعَ الخُضرَ للأشجارِ
أُلهِمَ موضِعًا فيها لزوجِ عيونْ
مضتْ في عمريَ الأعوامُ
لا آسى على شيءٍ جسيمٍ:
ما فَقَدتُ الماءَ مِن تحتي نهائيًا
ولم يُبتَرْ مِن الأغصانِ غصنٌ واحدٌ
وسقوطُ أوراقي يُعَوِّضُهُ الرَّبيعُ الحلوُ:
يطبعُ قُبلَةً خضراءَ في نَفَسِي
فتخرجَ كلُّ أزهاري على جسمي
مباهيةً جميعَ الكائناتِ بحسنيَ المكنونْ
وقوفي يُتعِبُ الأقدامَ،
يُرهِقُ مَن يُفضِّلُ أن يرى شيئًا جديدًا في الحياةِ
ويعرفَ الدُّنيا على سَعَةٍ بها وتَبَدُّلٍ وجنونْ
لذا، أَمَلي التَّحرُّكُ
أن أُمَدِّدَ قامتي في كلِّ ناحيةٍ
وأمشي حيث يأخذني مِزاجي
والمقاديرُ الّتي ألقى.
وأَرجِعُ، إن رَجَعتُ؛
لأنَّ ثمَّةَ ما يُسَمَّى بالحنينِ
يُحِسُّهُ النَّائونْ
فقطْ تهتزُّ أغصاني لأنَّ الرِّيحَ مرَّتْ بينها
يهتزُّ قلبي مثلَ أغصاني
لأنَّ الريحَ دافئةٌ،
وهذا الدفءُ يجعلني أَرَقَّ
وجَوقَةُ الأطيارِ مِن فوقي تُجَنُّ بهِ
وتَصدَحُ...
صوتُها ماءٌ لأخشابي
وبهجتُها تُهوِّنُ مِن أسايَ؛
لأنَّني صِدقًا أُحِسُّ كأنَّما قد طِرتُ مثلَ الجَوقَةِ الجَذلَى
وأَملِكُ أن أعبِّرَ مثلَها عمّا أرى مِن موقعٍ أعلى
بنغْمٍ فاتنٍ وشُجُونْ
وهادئةً كعادةِ جنسِنا
أستقبِلُ الأخبارَ..
أحزنُ للشجيراتِ الّتي ارتاعتْ أمامَ الفأسِ
أو عَجَزَتْ أمامَ القحطِ
أو مالتْ لأنَّ الرّيحَ -قاسيةً- تُواصِلُ عَصفَها
أو زارها كبقيَّةِ الأحياءِ موتٌ طارئٌ...
وأنا أفكِّرُ هكذا في الموتِ:
"نُخلَقُ مرةً أُخرى كما اخترنا"
وأعرفُ مُسبَقًا
أنَّي سأملِكُ وقتها جسمًا يخالفُ قسوةَ الأخشابِ
يَملِكُ أن يُغنِّي
أن يرى الدُّنيا مِن الأعلى
مَكانًا مُبهِجًا وحنونْ
ولم أَحسُبْ حسابَ الرُّوحِ
إن كانتْ تَحِنُّ لجسمِها الماضي.
فقد ظلَّتْ تَحِنُّ
وها أنا
حتمًا أُغنِّي
أُبصِرُ الدُّنيا مِن الأعلى
وأَملِكُ أن أرى نَفْسي بمرآةٍ مُواجِهَةٍ
وأَرغَبُ مرَّةً أخرى
فقطْ لو مرَّةً أخرى
مَلَكتُ تَمَركُزًا وسكونْ.
قد يعجبك ايضا
تعليقات
إرسال تعليق