القائمة الرئيسية

الصفحات

مختارات من ديوان "حياة مبيتة " / علاء خالد

 


مختارات من ديوان "حياة مبيتة" 

علاء خالد

 


 

 

 

وبعد شرائه

وقع العسل على الأرض

ورأيته،أمامي، يسير فى طرق الذباب.

 

 لم أحزن،

وقارنت بين تجربة الفقد هذه

وبين تجارب أخرى

فقدت فيها أصدقائي وأبي وملابسي الجديدة،

وأضفت هذه التجربة الصغيرة

إلى تجارب أخرى قادمة

 

سأفقد فيها كل ما أحرص على نقائه

وسيسير رغما عني فى طرق الألم.

 


 

بعد عشرين عاما

 

بعد عشرين عاما،

سأقابل امرأة عجوزا

وسأخلع ملابسى أمامها

وسأريها الغابات المحترقة تحت جلدي.

 

 عندها سأكون أقل توترا من الآن

وأكثر ثقة بجسدي

سأنيخ لها ذكرياتي

لتختار بوابة يفيض منها الحنان

 

لاشك أنها ستسألني عن أمي

وعندها ستكون أمي قد ماتت

وسأحتار فى الإجابة

وسأترك لها أن تحفر فى جسدي

 

عندها سأكون فى الخمسين من العمر

وحاملا لخبرة عميقة فى اصطياد الأمومة

من أوجه العابرين

وستأخذني بين ذراعيها

وستفتح لى بوابة أخرى من الحنان

وستنيخ لى ذكرياتها لأركب

وأعدو فيها بحثا عن ابن احترف الكتابة صغيرا.

 


 

ثقب فى جدار بارد

 

من يأتي لينقذني من هذا الليل.

من يأتي ليُنضج محبة متفحمة

قليلة اليأس.

 

 من يأتي ليقف بالقرب من باب البيت

ويسرق مفتاح وحدتي.

 

من يعلم أن سلالم البيت

سكين صاعدة بمحاذاة الجسد المهيأ برماد السرير.

 

 من يعلم أن المفتاح ظل قرونا

يستجيب ليدي ولثقب فى جدار بارد

ولم يعطله غياب الباب.

 

 من يعلم أن الحزن سينضج هذا المساء

وأكثر من مساءات ماضية

أنفقتها فى اليقظة.

 

 من يعلم أن الألم يبدأ كخطوة أولى

تنتظر وراء الباب

وخلفها ليل الحركة لشوارع

ودعتها بآلام حقة.

 

 من يعلم أن الله، مثل أى مساء،

يعاد خَلقُه على طاولة الكتابة.

طاولةٌ على فجرها

أُرخى مساء رأسى الهابط

فى بحيرات مُرة.

 

 

 

فى الشارع

 

 أشياء

أتركها ورائى حية

بعد مغادرتى البيت فى المساء؛

لمبة الصالة

جرس الهاتف

صوت الراديو

وعلبة سجائر بها سيجارة واحدة

 

 أشياء أتركها حية فى الشارع

بعد عودتى إلى البيت؛

طاولة الكتابة فى المقهى

وكف صديقتى.

 


مقايضة

 

بيأس احتفظت به حيا تحت جلدي،

تحت مصباح

شارك بضوئه فى مقايضات ليلية كثيرة.

اجتمعت وكلبا ضالا

لم يمر عليه إنسان خائف منذ سنين.

وبشفقة

تركت له

إحدى ساقيَّ

ليريح عليها أنيابه الدامعة.

 

 

مع ياسمين

 

 

قضيت طوال النهار مع ياسمين

فى خلق عروسة من القماش.

فى البداية صنعنا القلب

من بقايا جرح فى الطفولة،

وعندها سألتني ياسمين:

لماذا دائما القلب أحمر؟

 

 صنعنا قلبا أبيض

بقليل من الثلج.

وجاءت اليد اليسرى للعروسة أقصر

من اليد اليمنى

وضحكنا كثيرا لهذه المفارقة

ثم بترنا، بدون شفقة، كثيرا من اليد اليمنى

فجاءت أقل من أختها.

وهنا سألتنى ياسمين:

لماذا يكون للعروسة يدان؟

 

 

 فتخلينا عن اليدين

ثم عن القدمين

ثم عن الرأس

وأعدنا الجرح إلى طفولته

واحتفظ  كل منا بعروسته فى داخله.

 


 

موهبة

 

 عادة

أثناء سيري فى الشارع

أحفظ أرقام السيارات المسرعة

لحدس

أن جريمة ستقع

وأن عينيَّ ستتعثران بعد عدة خطوات

بعيني جثة مجهولة.

 


 

نقيض القلب

 

 سنحتفى بأصابعنا فى مقاه خافتة.

قهوتكِ، كما هي،

ودائما ماتعلق بذيل لسانك، المتآكل من البن.

وقهوتي، تنحني عامدة على ملابسي،

كى تفضح ارتباكي العميق.

 

 وأصابعنا على الطاولة، صراع بين أنداد يائسين.

أصابعكِ التي فشلت فى أن توجه حناني الهارب،

وأن تدفع القهوة، مثل سائر أحزان الجسد،

إلى حديقة الروح، وبعيدا عن ملابسي.

 

 لأن السلطة، عادة، تختفي وراء الأصابع

وأصابعى، بعضها، مازال معلقا على باب العاشرة مساء.

 

 لأن القلب، عادة…..

 

كنت أحب أصابعكِ، تحت حلبة أسناني

ملوحة براياتها الحمراء

لأني أحبها ندا لدمي.

أصابعكِ الذكورية،

وكما سميتِها : نقيض القلب.

سأكتب عن شقائي بقربها،

عن الأصابع الأخرى التي تمنيت أن تقف بجانب بكائي.

وعن عري لم يأنس لأصابعكِ

لأنه يحتاج لأكثر من الأنثى ليزيل عنه الطبقة

الفاسدة من الحس.

 

 سأكتب، ولن اطلعكِ، فى ليل المقهى،

وخلافا لعادتى، على هذه القصيدة،

لأن أصابعك الآن يتيمة

ولا أحد لها فى العالم

لتحتفل معه بالفشل.

 

 ولأنها غصة فى جسدكِ

وتعذبك فى خلوات عديدة

عندما يكتمل العري

ولايحتاج سوى لمفتاح ليحرر ظلمته.

وتودين لو كانت على الضفة الأخرى من الجسد.

 

 

 

صداقة حرة

 

 

سأعقد للقهوة صداقات

خارج فمي

سأدعها تلوث الصفحة المفتوحة أمامي

من رواية ” ثلج الربيع” لميشيما

وفيها أحسَّ البطل، وهو يستقل القارب،

بأن كل حياته تنزلق من خطأ ما فى الروح.

لتدلنى، بعد سنين،

النقطة المتفحمة، خليط لعابي المحترق والقهوة،

وعندما أعيد فحص أيامي تحت الشمس

باحثا عن الشق الذى تسربت من الرعشة كنبات طفيلي

الرعشة التى ألمت بجسدي يوما ما

وفتحت كل مساقط دمي، طوعا، أمام البحر.

 لتدلنى، بعد سنين،

وعندما أعيد قراءة الصفحة نفسها

ولكن بلعاب نظيف

بأنني كنت أحب الموت

وأنني آخيت بينه وبين صفحة مطوية فى جسدي.

 

 

من قصائد البار

 

سأقضي السنوات العشر الأخيرة

من حياتي

فى احتساء الخمر

عازفا عن الأحاديث الجادة والأصدقاء المهمين

كى أراقب هزائمي، من قريب،

بروح ثملة

بقلب عامد فى التفاهة

كي لا أبدد أحزاني المتبقية، ذخيرة طفولتي،

على امرأة واحدة

وأعبّد أمام عينيَّ طرقا جانبية للبكاء

بمثيرات غاية فى الضعف

بشرخ بسيط فى زجاجة الخمر،

ستخطئه يدي، وتلحظه روحي فى عزلتها المتنامية.

وسأضع يدي، الوصايا العشر

فى عناية النار

كي لا أكتب بعد الآن بيد باردة، وبأعصاب غير محترقة

ولكنى سأقف مهزوما

أمام رجل ظل يراقبني فى البار

ويعلم أن وراء كل تفاهتي روحا معذبة

سأقف أمامه منكسا

عندما يصرخ فى وجهي: إن حياتك مازالت هناك.

 


دين أبدى

 

أود لو أستعير وجه هذا الرجل

لمدة ساعة

لأخدع به صديقته

لأنحني تحت تيار أصابعها

كذات قلقة

وهي تحرض منابت الشعر

لثورة شاملة فى الحس

ولكن محتفظا بقلبي

بكل زوائده النفسية

لأن بإمكانه، بعد مرور ساعة،

أن يضمها نهائيا لصفه

 

محتفظا بعينىّ

وأدائهما العميق.

 


 

ربما

 

اليوم سأختار واحدة من زوجات أصدقائى

لتملأ قصر الحليب بوجهها

سأهربها فى الظلام

بعيدا عن قلوبهم الجافة

وسأفتح لها بوابة

لايمر منها إلا العرايا

ربما يسقط قلبى كثمرة غافلة

وربما أخاتل فم الذنب

بالكحول وبالبكاء الصامت

ربما أعيد ترتيب أصدقائى

بجمال زوجاتهم

وربما أعلق جسدى من نهايته

فى نهاية حبل هارب من الليل.

 


 

الزجاج الخلفي للتاكسي

 

لى صديقة

بعد أن نفرق النهار

على بضعة مقاه وأرصفة وأصدقاء بالمصادفة

يعود كل منا إلى بيت عائلته لينام

مدخرا بعض الكلمات والحركات الهاربة

التى يُشتبه فى قسوتها

فى كمية الألم التي تقف تحتها

كندوب طازجة لأكثر من علاقة

ونخفيها بإيماءة متعجلة

قبل أن تستقل التاكسي؛

بقلوب على أطراف الأصابع

نقذفها فى الليل، فى اتجاهين متضادين،

لتسيل على الزجاج الخلفي للتاكسي

وأسير إلى البيت

تقطع طريقى عدة أحلام ونساء فارهات

يعكرن المياه بينى وبين صديقتي

هى المياه نفسها التى تفصل بيننا.

 

 ألمحت لها عن علاقتنا التي قد تسير فى اتجاهين متضادين

وبدون زهور متبادلة

عن حريتي بعد الزواج وحريتها

واشترطت عليها

بأن تخبرني باسم الرجل الذي ستختاره

ليقتسم قلبي معها

ولكنى لم أخبرها من قبل،

لم أمرر الشرط نفسه، كعدالة عمياء، على رقبتي

ولكني، ومنذ الآن، أجهز له

وأوسع له ثقبا خاصا

لتمر منه طلقة الرحمة.

 


 

حبل الأنقاض

 

نتنقل بين شقق أصدقائنا

فى الأدوار الأخيرة

عبر غرف صغيرة للنوم والأحلام

وفى مؤخرة مسيرتنا الأوتاد اللازمة لنصب خيمة الجنس.

 

 أدخل فى البداية

ثم تأتين بعدي بعشر دقائق

كي لايلحظ البواب الخيط الذى يربط بين جسدينا.

 

 ثم نخلع ملابسنا فى ضوء علاقات سابقة

ونضعها تحت الفراش مباشرة

كمدية مشرعة

متأهبين لأى هجوم.

 

 

ونتبع تعليمات الصديق

بأن لايكون لأفراحنا صوت عال

وأن نضع الظلام ضمن أولويات الحب.

 

 

 

الصديق الذى يترك لنا شقته

مقابل أن نترك له إحدى تذكاراتنا تحت الوسادة

ويعلق ورقة خلف الباب

يدلنا فيها على مكان الشاي والسكر وميعاد حضوره.

وبالفعل، نترك له رائحة جسدينا تحت الوسادة

ليتلصص عليها،

أثناء عبوره لوحدته،

مستخلصا منها جسدكِ

بخبرة عميقة فى تقصي رائحة الأنثى.

 

 وعندما نستنفد هذا الصديق

أبحث عن صديق آخر

أنصب له جسدك الغامض

كشرك لايخطيء فريسته

ولايخطيء الخيمة المضاءة.

 

 

ونعبر إلى شقته بنفس إيقاع العام السابق

وقد نَمت فى شعورنا أسلحة بيضاء

وبوجهين صارمين

كي لايلاحظ البواب خيط الفرح الممتد بين جسدينا.

 

 سنعبر شقق أصدقائنا

متمكنين من السلالم الكثيرة

ومن الخوف

وتحت سلسلة من الإضاءات الخافتة

والمفاتيح الصدئة

ستكبر أجسادنا.

 

 وسنظل مطرودين خارج غرفة تخص جسدينا

وتخص بكاءنا.

 

 ومن عام لعام

سنتذكر كم مرة توقفنا فيها عن العناق

تحسبا لأقدام كبيرة تنمو وراء الباب.

وكم مرة،

تآلفنا مع أصوات بعيدة لمارة وحيدين.

وكم مرة ،

تركنا، على الملاءة،

آثارا عميقة لحب لم يكتمل.

 

 ومن عام لعام

وبعد أن نتخلص من ثقل جسدينا

سنخرج بنفس إيقاع الأعوام السابقة

مع تغير طفيف:

أنتِ فى البداية

ثم أنا،

حيث لن أخرج بعدكِ مباشرة

كي لايلحظ البواب خيط الأنقاض الممتد بين جسدينا

لأفكر بمفردى فى قلبى الذى لايكتمل.

 


 

عتبة الصدقات

 

الكلمات الصغيرة

التي يسقطها الأقارب فى كفي

عند الباب

بينما أمي فى الخلف

صحتها تتدهور

ولاتطول أذناها تلك الكلمات المشفقة

والملفوظة بإتقان

ودائما أثناء خروجهم

عن الأم التي يشحب وجهها

يوما بعد يوم

عن الرعاية وأن أهمل نفسي قليلا

عن التراب الذي يتثاءب فوق الأثاث

والبيت الذي تقل حرارته

وتتقشر من فوق الجدران

 

 الكلمات التى يسقطها الأقارب

كصدقة

تظل تتكاثر على العتبة

بينما أمي فى الخلف

يتدهور سمعها

فتضع كل خبرتها فى يديها عند الوداع

وفى ابتسامة قد لاتطول اللقاء القادم

ولكنها ستتكاثر فى عينيَّ

عند كل عبور للعتبة.

 

 

 

المهم

 

المهم أن تنتقل الرغبة

إلى اللقاء القادم

أن يتعثر جزء بحواف غير مقصودة وينتظر.

أن تنتقل بكل شروطها؛

بدبابيس الشعر المعوقة لوصول أصابعي إلى منبت  السواد

وبأنفي الكبير الذي يقف حاجزا عن مداعبتك لنقطة عميقة

تقف تحت تنفسى

وببقايا شعرك التي تنسينها فى يدي،

وفى أركان مختلفة من ذاكرتى.

 

 المهم أن تحرك تلك النقطة لعابنا كمنارة بعيدة

تتعدد أغراضها

أن ينمو هذا الشعر ويوقظ كتلة من

الرغبات المدخرة، فى اللحظة التي تتوقف فيها الحياة عن إثارتنا.

 

وكما اقتلعناه بحنان، سنقتلع غيره بحنان مشابه.

 

 المهم عندما أراكِ فى المرة القادمة

أن يكون بخزائن رغبتي

مايكفى لإقامة جسر عميق من القبلات.

 

 المهم أن لانعتمد كثيرا على خزائن الرغبة

لأنها قد تنضب فى أية لحظة

ليس لخلل فى أعضائنا

أو فى سوء استعمالها.

 

 المهم أن نبحث عن آبار أخرى

لتلقّى العاطفة،

قد تكون إحداها

وأنا أمسك يدك، بحياد تام

وبدون أن يتخدر حلقي بلعاب مضيء.

لأنك فى تلك اللحظة تحتاجين لحنان

حتى ولو كان كاذبا

حنان يرمم الجهد الذى بذلتِه

لتنقلي حاجتك بأمانة إلى جسدي

عبر سور طويل من الخجل.

 

 من هذه اليد

وما ينتظر تحتها،

من هذا الإخفاق

الذى نحبه

لأنه يؤجل دائما الاتفاق على طريق واحد للرغبة

على تلقى سأمنا جرعة واحدة.

 

 

 

لو كانت أطول قليلا

 

لو كانت أطولَ قليلا

لكان قلبها فى مستوى قلبِك

ولا خرجتْ قدمك، دائما، عن سياق قدميها؛

لتصطدم بالليل خارجَ الفراش

بالوحدة خارج نهار باطني يطوفُ بأحشائكما

ولاينحرف سهم الرغبة

ليرتدَّ أخيرا ويصطدم بقلبك.

 

ولكان بكاؤها لايطلعُ، دائما،

من أسفل لأعلى

ويتكسَّر على قممكَ الباردة

 

لأن جسدها لايُواقتُ جسدك،

مستويان للعاطفة.

ولكان بكاؤك لايهبطُ كالمَنِّ فوق ثدييها

ويُهدَرُ عبر ثقوب عميقة فى الجلد

ولنمتِ الأعشاب فى مكانها الصحيح

كوسادة تطمح فى رأسك،

فى أفكارك المحترقة

فى ماراتونات ناجحة لقدميكَ الكبيرتين

بغرف خافتة،

بمجهود كبير فى العري،

بتواقت داخلي،

بمجهود كبير فى الخطأ؛

فى أن تتعدى ثدييها الأماميين

وتتعدى هى صلافة قدميك

بتأوهات حقَّة

بمجهود كبير فى الهمس فى أذنها المتهدلة على كتفيك

بحديث مشجَّع

لترتفع ثقتها فى قدميها

ومعها يرتفع جسدها أكثر قليلا

لتتقبل عينيك، وفى مستوى واحد لتدفُّق الحزن

فى اتجاهين

باتزان خفي

بثقة الأعضاء فى مستقبلها.

 

 

قد يعجبك ايضا

تعليقات