لا أحب الجميلين
مختارات قصيرة من شعر وئام غداس
(1)
أعود بالألم
أعلقه وراء الباب وأدخل
دققت مسمارا منذ سنوات
من أجل ذلك.
*
لا يلتفت إلي
مهما فعلت،
لا يلتفت إليّ أبدا،
كأنه لا يعرفني،
لكنه يبكي عندما أضع الموسيقى
ينهمر على الأرض ويسيل
يصبح نهرا صغيرا يشق البيت.
*
إذا خرجت لا آخذه معي
رغم ذلك يعود معي.
*
أعود بالألم دائما
مع أني طلبت منك مرارا أن لا أجيء
لكنك تعلّق لي الفرح في آخر الطريق
تعلقه في الهواء كنقطة ضوء،
أمشي..
ثم أعود بالألم.
(2)
فى الخريف ..
لا أنامُ كَسائرِ البشر
عندما يغرقُ الكون فى صحنِ الظلام ..
أجلسُ أنا بين شقوق القصيدة
أرمّمُ ما تبقّى من كلمات
و أردمُ اليأسَ بالمُخيّلة ..
مُشتاقة لكَ
إلى حدّ مُخيف ..
كأنّى مُحيط يغلى
كأنّى أحمِلُكَ داخل أحشائى
للشهر الألفِ و السبعين
كَأنّكَ أوّلُ الأطفال الذين سألِد
كأنَّكَ آخر الذكور الذين سأُرزَق
كأنّى مزروعة فى مخاض بكر
يهزُّنى هيجان الحنين ..
ما بين دقيقة أذكرك فيها
و دقيقة أعجزُ فيها عن النسيان
أُحبُّك ،
كأنّ مدينتى تُمطرُ رجالا
و أعطش
لأنّى لا أرى سواك ..
أحبُّك ،
و أجوع
أجوع .. أجوع
آكُلُ نفسى ..
مثلما تفعلُ النار
تتآكلُ كَأنّها أنت
الآن ..
من هواجسِك
و من يقينِك
أنّ الكلام
هذا الكلام عنكَ ..
(3)
أسمّم نفسي بأفكارك
أسمّمها بكلامك
أضع المصل في عروقي
وأجعل دمي يتلوّث
يتلوّث كثيرا
بتلك الطريقة القاسية
التي يستحيل فيها الأحمر القاني
إلى أزرق
ثم إلى أسود،
أتتبّع رحلة الوردة
من الينعان
إلى الذبول
من الزهو
إلى اليباس
من الوقوف
إلى الانكفاء
في النهاية رأينا جميعا الوردة
كيف عندئذ من لمسة تنكسر
جميعنا رأينا الجمال
ينقلب بين أصابعنا إلى رماد،
رأينا الموت عندما قلبنا عُملة الحياة،
هكذا يا وردتي
يا لؤلؤتي
يا دمي
أيتها الشُعلة الغامضة
التي أُعطِيت لي دون غيري
قبِلتُ -أخيرا- النهاية
حتى أني حملتها بين ذراعيّ
وقبّلتُ جبينها قبلة أخيرة
مسحت على شعرها
وتحت شجرة التفاح
دفنتها.
خالية من السموم
أعبر الحقل
والسهول
الشمس خضراء
والجرح سوف يجفّ
وعيني المفقوءة
ألقتها الرياح سليمة في حِجري،
الذئب جثة نتنة نهشتها نظافة اليدِ والنفس،
والدموع نهر يجري بجانبي
ألقت فيه إمرأة توّاً
ضفيرتين قديمتين
قلبًا بريئا
وسلّة ملأى بذكريات شنيعة،
أعبر العشب
ورؤوس السنابل
دمي نظيف
يطالعني جبل
جبل حرّكته البارحة!
البارحة:
حركتُ جبلا
بيديّ الضعيفتين هاتين
بقلبي الصغير
وكياني القليل.
البارحة حركتُ جبلا،
لوحدي
وبنفسي.
البارحة حركتُ جبلا
وما تفتت منه من صخور
أسقطته عليك
وسحقتك
تنتابني رغبة أن أقذف حياتي إلى أبعد مكان
حيث لا أحد يوهمني بالتقاطها وإرجاعها سليمة معافاة
أجلس على عتبة الباب وأراقبها عندما تطير في الهواء
بقدرة البدناء الرياضيين على الجري ساعة متواصلة
والأحصنة المسنة على القفز فوق الحواجز بنجاح
أحرك لها رأسي بامتنان: برافو برافو
أن لا أسمع خبطتها بالأرض ولا بالبحر
ولا أعلم أين وقعت بالتحديد
فهنالك دائما وفي مكان ما قطعة مقفرة حيث يحرقون الجثث
أو الأطراف المبتورة المتعفنة
وأخشى حتى بغير حياة
أن لا أنفكّ أحبّك
..
هنالك لحظات غير نادرة
تلتقي عيني بعيون عاملات النظافة في شارعنا
أرغب بمرارة أن أقاسمهن العناء
وأبحث عما يفهمن به أن ثيابي كذبة ملونة
وعوضا عن صباح الخير أهمّ أن أقول لهن بفخر
أني بائسة مثلهن وأكثر
أمنع نفسي أن لا أفسّر لهن كيف أحبّك
..
بمشقة لا أقولها لحارس البناية
وزوجته بأظافرها فاقعة المانكير
ولا لبائع الحصن الحصين
الذي يفترش الرصيف
الشحاذات والمجانين
امرأة أخرى اخترتها لتكون زوجتك
أبناء عمومتك
أولاد بلدك
وكل النساء اللواتي تركتهنّ من أجلي
خوف أن يسألوني لماذا أحبّك
..
في سيارة الأجرة
ألمس برقة كتف امرأة أمامي
وعندما تلتفت
لا أقول لها عانقيني
لأنّي حزينة
وأحبّك
أطلب منها فقط
وبحنان زائد
أن تمرّر أجرة السائق
(5)
لا أحبّ الجميلين في الصور
الناس "الفوتوجنيك"
افضّل أولئك الذين يبدون في الحياة أجمل بكثير
أفكّر أن أفتح قائمة أصدقائي للعموم
وأوزّعهم على المارّة
أو أفتح بهم "فرشة" على رصيف الوحدة
حيث الزبائن المتعطشين
أحلم بالأوراق النقدية الكثيرة
التي ستدرها عليّ تجارة الأصدقاء
وأقول: يااااا ربي أين غاب عني هذا المشروع العظيم!!
أفكر أيضا أن أرسل السجائر للمتابعين
وقطع الشوكولا للمتجسسين
لن أبتلع صندوق بريدي
ثمة رسائل خشنة الملمس
من أشخاص ثقلاء
في الغالب لا تربطني بهم صلة
غير قرابة الفيسبوك
أضف إلى ذلك أنها قرابة فيسبوكية بعيدة جدا
لكننا نبقى من دم أزرق واحد – أردد لنفسي –
وهذا مفزع!
لا تقربوني
أنا “برّاويّة” ومشوّكة
وأغلب الوقت أنا مجرد قنفد منكمش
يشغل وقته بعدِّ نقاط دم أصابع الآخرين على جلده
يحدث أن أعود امرأة
ولكن هذا نادر
رغم ذلك بإمكاني الوقوف على شرفة البيت
متظاهرة أني أبصر حقا آخر الشارع
أركز على نقطة المنعطف
ليظن الناس أن أحدهم أخيرا سوف يخرج من هناك
سيرفع رأسه إلى الشرفة وسيلوّح لي بيده
ومن جهتي سألوح له أيضا
بفرح كبير.. وانفعال شديد
للحد الذي يجعل ملاقط الغسيل التي أشد عليها
داخل قبضتي تكاد تنكسر، تنغرز داخل لحمي
ولما تؤلمني
أنتبه أني كنت أؤرجح حبل الغسيل
بينما المنعطف مظلم
الشارع فارغ
وعمود الإنارة الوحيد
في الجهة المقابلة
خافضا رأسه ومطفئ
أنشرُ صوري على الفيسبوك
وأتذكر أبي وهو يصرخ بأمي
أن لا تنشر “الكيلوتات” النسائية
وحمالات الصدر
في فناء البيت المكشوف
أصدقائي لطفاء
يسمحون لي أن أنشر ما شئت من غسيلي
يحشون رأسي بكلمات الإطراء
ويبدو شجاعا أن أصدّق ذلك
أرمي الورود لصاحب القصائد
كتعبير عن أسفي وتعاطفي
وأرسل القُبلات الالكترونية السخية
لصديقات يكرهنني
أنصب خياما آيلة للسقوط
في صفحات رجال وسيمين
يفتحون قريحتي بصورهم
ويؤلمونني بصور حبيباتهم
أفكر قبل النوم أن أكتب عن كل واحد منهم
كتابا خاصا
كتب كثيرة جميعها بعنوان واحد:
” تِحبِّني يا خويا؟ “
أدخّن برؤوسكم ورئاتكم
ألعب مع أولادكم في الصور
خلف حوائطكم
أدخل بيوتكم
-لا أخلع حذائي-
آكل من طعامكم
أستلقي على أسرّتكم
أساومكم على محادثاتكم السرية
أشتمكم وألعن الساعة التي أضفتكم فيها
كلما صحوت ووجدت نفسي محشورة
في مجموعة طبخ أو تسوّق أو..
أبكي كثيرا
كلما تحولت صور بروفيلاتكم
إلى مربع أسود
ولما تقعون في حبّ بعضكم
-بتلك السريّة المكشوفة-
أكون في الغالب
أنا الجمهور..
إذا اشتدّ بؤسي
وكلما خسرتُ حبيبا الكترونيا
أسلّي نفسي بسيلفي
كي تغمروني بالحبّ -بدل الضائع-
سيلفي
بينما حرائق القلب تشتعل خلفي!
تعليقات
إرسال تعليق