القائمة الرئيسية

الصفحات

نصوص شعريّة / عبد الفتاح بن حمّودة (ايكاروس)

 

نصوص شعريّة

 عبد الفتاح بن حمّودة (ايكاروس)

 

نصوص شعرية - عبد الفتاح بن حمودة (إيكاروس) - بيت النص



آخرُ النّدمان

 

بعد الظُّهر

موسيقى تخدّر جلاّس الحانة / المقهى

والحالمُ وحده بسرير لغرفته الشّاغرة

يغرق في هواءٍ بارد وخفيفٍ

تحت مروحتيْن يتيمتيْن صيْفًا

تعلّمنا كيف نضعُ فوق أعناقهم

حبلاً من ياسمين الباعةِ

بعد ظهر كلّ يوم قائظ

تعلّمْنا كيف نديرُ الخمرةَ بين الجُلاّسِ

وكيف نفكّ أزرارَ قُمصان الفجْرِ

تعلّمنا كيف نشتري منهم الرّيح

فنحنُ أصحابُ مراكب ملتاعة في البحر

لكن ما حاجتنا إلى قوارير وثلجٍ ومكسّرات

والنّساء قطّعن نهودهنّ وأردافهنّ

وألقيْن بها فوق الإسفلت شماتةً في الصّيف؟

 

  

إرهابٌ

 

يوم الأحد الذي أفسد فيه المطرُ كلّ شيْءٍ

يئستُ من الحذاء المثقوب

من الطّريق والبيت والأصدقاء

من المطريّة السّوداء التي نسيتها في مقهى ما

فكرتُ أكثر من مرّة في رسْم قصيدة عن سماءٍ عابثةٍ

أو جرّة ماء مغرورة

عن غباء شجرة الخرّوب

التي تفتح أغصانها الحانقة في كلّ اتّجاه

وتجعلُ للسّماءِ تجاعيدَ وخطواتٍ ودوائرَ

 

فكّرتُ أكثر من مرّة في ملء كفّيَّ

بقلائدَ بيضاءَ ناصعةٍ أضعها حول عنقي الأملس

وأن أرسم يديْن ورأسًا لشهر مارس الضّاحكِ

هازئا بأشجار الشّارع

وبعصافير لم تعثُر على أعشاشها في المساء

فكّرت أكثر من مرّةٍ في أن أرسم «ياءً»

على لحاء الشّجر ثمّ أمحوه بساقي اليسرى

لكنّي عدلتُ عن ذلك خشية برق تصطكّ أسنانهُ

(...)

يوم الأحد، الذي أفسد فيه المطرُ كلّ شيء

كان حذائي المثقوبُ أهمّ من الطّريق والبيت ومملكة الماءِ

 


سيمياء

 

تذكّري الأزهار البرّية التي سقيناها فوق الطّاولة

عينيك النّاضجتين وخوفَ يديّ من لمسة لقاء أخير

لتتذكّرْ عيناك المدقوقتان بمسمارين

السّيجارةَ التي أحرقت ثوبك الجميل في المساء

كفّ الإجّاصة التي انتظرت طويلا

الكلابَ التي أكلت أسفل ساقي اليسرى

ساقي اليمنى التي تمرّغت حَذوك

 

حين كنت أدخل غرفتك على أطراف أصابعي

وقفتْ شمسُك الرّخامية

كي لا أدخل دون أن آكل أربعينَ زهرةً تحت أنفها

حين كنتُ أتنفّس برئتيْ عصفور مبتلّ

كانت شمسك تقدّم لي باقة من دقائقها المنسيّة على مقعد خشبيّ

كان يجب أن تنبّهي نجمتي إلى ذئبة اللّيل تحت السّرير

ماذا بإمكاني أن أفعل أمام نهدين ينزفان الضّوء؟

بإمكاني أن أقطع الأحراشَ كي أضعَ حَجلة بجوارك

 


شجرة الضّوء

 

سأسقي شجرة اللّوز أولا

سأسقي أعوادَ القَرنفل ثانيا

سأسقي شجرة البرتقال في الثّالثة فجرا

صياح الدّيكة يأتي ناعمًا

نباح كلاب بعيدة

يقطع صمت اللّيل بمنشارٍ 

الأشجار تملأ حديقة المنزل

لكنّي سأسقي شجرةَ البرتقال

 

 

مياه يابانيّة

 

سأشرب عصيرا من الثّلاّجة

بعد دقائق

كم كانت الكلمات قاسية

مثل أمطار خريف

سأشرب دم الكرز باردا

بعد دقائق

 


شروط

 

لا بدّ من منزل له جدران

لا بدّ من سور شائك

لا بدّ من حديقة

لا بدّ من غرفة للنّوم

لا بدّ لغرفة النّوم من سماء بيضاء وألسنة شمعدان

لا بدّ من غرفة أخرى

لمعرفة الله وطنين ذباب الأرض

وأكثر من ذلك أيضا

لا بدّ من غرفة للسّعال

لا بدّ لي من شرفة لأبصق منها على العالم

 

---------

* ترجمت هذه النصوص إلى اللغة الإيطاليّة في كتاب "أنطولوجيا الشعر التونسي" المركز الوطني للتّرجمة تونس 2019

 

تعليقات