نصوص من ديوان بعض الظن
طارق الطيب
صُنْعُ المفاتيحِ
تَغيبُ أَسْماءٌ وَمَفاتيحُ
وَتَبْقَى أَبْوابٌ مُوصَدَةً
فَلا تَعْرِفُ كَيْفَ تَدْخُلُ
وَتَبْقَى أَبْوابٌ مَفْتوحَةً
فَلا تَعْرِفُ أَتَدْخُلُ أَمْ لا
تَبْقَى الأَفْعالُ وَأَنْتَ حارِسٌ لَها
تَظَلُّ في مُحاوَلاتِ التَّذَكُّرِ مُصِرًّا
وَتَمْتَهِنُ مِهْنَةً تَصْبِرُ عَلَيْها
تَصوغُ فيها المفاتيحَ
وَحينَ تَنْتَهي مِنْ تَشْكيلِ أَوَّلِها
تَفْتَحُ أَوَّلَ الأَبْوابِ المُغْلَقَةِ
لِتَجَدَ كَوْمَةً مِنَ الأَسْماءِ المُهْتَرِئَةِ
حُروفًا لا يَجْمَعُها جامِعٌ
فَتَغيبَ الأَسْماءُ مِنْ بَقايا ذاكِرَتِكَ
وَتُفَكِّرَ في جَدْوَى صُنْعِ المفاتيحِ
:
:
لَكِنَّكَ
لا تَخْرُجُ مِنَ الغُرْفَةِ
بَلْ تَبْتَسِمُ
في الطريق من جراتس إلى فيينـّا، 1-12-2006
طَبْعُ جَدَّتي
حينَ كانَتْ جَدَّتي لا تَسْتَسيغُ طَعامًا
كانَتْ تُحَرِّكُ المِلْعَقَةَ في الطَّبَقِ
كَأَنَّها تَكْنُسُ شَيْئًا
لَمْ تَكُنْ تَخْجَلُ أَنْ تُعْلِنَ لِمُضَيِّفَتِها
أَنَّ طَعامَهَا غَيْرُ مُسْتَساغٍ
يَبْدو أَنَّني وَرِثْتُ عَنْها شِبْهَ طَبْعِها
فَالكِتابُ الَّذي لا أَسْتَسيغُهُ
أَظَلُّ أُقَلِّبُ في صَفَحاتِهِ
كَمَنْ يَعُدُّها
لَكِنَّني اليَوْمَ عَلَى غَيْرِ عادَةٍ
لَمْ أرْضَ أَنْ أَقولَ لِصاحِبِ كِتابٍ
إِنَّ كِتَابَهُ غَيْرُ مُسْتَساغٍ
فَقَطْ أَمْسَكْتُ الكِتابَ بِالمَقْلوبِ
فيرشاتس، صربيا، 21-10-2006
الكَلْبُ الصِّرْبِيُّ 2
يَمْرُقُ كُلَّ يَوْمٍ عَبْرَ الطَّريقِ
بَلْ كُلَّ ساعَةٍ
أُشْفِقُ عَلَيْهِ في كُلِّ عُبورٍ
وَسْطَ حَيَواناتٍ حَديدِيَّةٍ
تَفْتَرِسُ دُونَ حاجَةٍ لِجُوعٍ
في اليَوْمِ الأَوَّلِ ظَلِلْتُ أُتابِعُهُ
وَهُوَ يَعْبُرُ يَمينًا وَيَسارًا
يَسارًا وَيَمينًا
كَأَنَّهُ يَعْمَلُ
في اليَوْمِ التَّالي
خَشِيتُ عَلَيْهِ مِنَ الحَيَواناتِ الحَديدِيَّةِ
الَّتي تَكادُ تَفْتَرِسُهُ كَطَريدَةٍ
وَفي كُلِّ مَرَّةٍ يُفْلِتُ
في اليَوْمِ الثَّالِثِ
كِدْتُ أَعْتادُ عَلَى ما يَحْدُثُ
كَأَنَّهُ فيلمٌ يَتَكَرَّرُ
في اليَوْمِ الرَّابِعِ لَمْ أَرَهُ
في الخامِسِ لَمَحْتُ طَيْفَهُ
: :
: :
في فَجْرِ اليَوْمِ السَّابِعِ
خِلْتُهُ نائِمًا عَلَى حافَّةِ الإِسْفَلْتِ
ظَلَّ كما هُوَ حَتَّى المَساءِ
هَذا الكَلْبُ الصِّرْبِيُّ المِسْكينُ
ظَلِلْتُ أَتَخيَّلُ طَوَالَ الَّليْلِ
هَذا الكَلْبَ الَّذي شَغَلَني لِأَيَّامٍ:
هَلْ لَهُ عائِلَةٌ وَجِرَاءٌ يُحِبُّها
وَأُنْثَى
وَعِظامٌ يَتوقُ إِلَيْها
وَتاريخٌ مِنَ النُّباحِ؟
سفلايناش، صربيا، 20-10-2006
إِعارَةُ رَأْسٍ
سَوْفَ أَمْنَحُكِ رَأْسي
لِيَوْمٍ كامِلٍ
لِتَتَعَرَّفي عَلَى كُلِّ أَسْراري
سَأَتَحايَلُ عَلَيْكِ كَيْ تَكوني مِثْلي
نَظَري وَسَمْعي
وَسَرَيَانَ أَحاسيسي
وَلَكِ الاِخْتيارُ
إِمَّا أَنْ تَعيشي يَوْمًا كَما أَعيشُ
أَوْ تَعودِي لِقَرارِ الماضي
بَحْثًا عَنْ أَسْراري
لَكِنْ انْتَبِهي
فَفي نَهايَةِ اليَوْمِ
سَوْفَ أَسْتَعيدُ رَأْسي مِنْكِ
دونَ انْتظارٍ دُونَ أَعْذارٍ
اِحْذَري أَنْ تَبوحي بِأَسْراري
أَوْ أَنْ تَزْعُمي بِأَنَّكِ بِنْتُ رَأْسي
فَحينَ أَعودُ لِرَأْسي
رُبَّما أُراجِعُ
كُلَّ الدَّهاليزِ والطُّرُقِ الَّتي سَلَكْتِها
وَقَدْ أَكونُ قَدْ عَرَفْتُ عَنْكِ
أَكْثَرَ مِمَّا عَرَفْتِ أَنْتِ عَنِّي
في الطائرة من بلجراد إلى فيينـّا، 19-10-2006
الكَلْبُ السُّلوفاكِيُّ
رَأَيْتُهُ عَلَى بَوَّابَةِ البارِ
يَقِفُ كَصاحِبِها
يَنْظُرُ لِلْمارَّةِ بِتِلْكَ العَيْنِ
القَديمَةِ الخَبيرَةِ
الَّتي تَحْتَرِفُ كُلَّ شَيْءٍ وَلا تُبالي
كَلْبًا يَتَشَمَّسُ في الظِّلِّ
وَكِلابًا أُخْرى تَسْعَى إِلَيْهِ وَتَتَوَدَّدُ
كُلُّها مَغْلولَةٌ مِنْ أَعْناقِها
يَجُرُّها السَّاحِبونَ
بِهَذا العُنْفِ الرَّحيمِ
كَلْبُ البارِ كانَ
يَجْذِبُ كُلَّ الكَلْباتِ وَالكِلابِ
وَبَعْضَ المارَّةِ
وَلا يُبالي
قَبْلَ أَنْ تَبْتَعِدَ عَيْني
بَدَا كَأَنِّي رَأَيْتُهُ يَنْظُرُ في ساعَتِهِ
براتِسلافا، سلوفاكيا، 17-10-2006
تَنازُلٌ
سَوْفَ تَتَنازَلُ عَنْ بَعْضِ أَشْجارِها الغالِيَةِ
وَنَخيلِها
آَمِلَةً أَنْ تَقْتَرِبَ بِهَذا الفِعْلِ مِنْ سَماحَةِ قُلوبٍ
لَكِنَّهُمْ لا يَعْتَدُّونَ بما تَنازَلَتْ
لِأَنَّ كُلَّ هَمِّهِمْ رُؤْيَةُ أَسْنانِها
وَقِياسُ حَجْمِ النَّصاعَةِ فيها
سَيَتَوَجَّسونَ مِنَ العَرَقِ
الَّذي يَسُحُّ مِنْ جَبينِها
الَّذي يَسيرُ في اتِّجاهاتٍ يَجْهَلونَها
سَيَرَوْنَ في خَجَلِها
سَتْرًا لِمُصيبَةٍ مُرْتَقَبَةٍ
وفي امْتِعاضِ شَفَتَيْها إِثْرَ مَغَصٍ
مَظْهَرًا لِلشَّرِّ
سَيَتَصَرَّفون كَعُلَماءِ نَفْسٍ مُبْتَدِئينَ
يُفَسِّرونَ حَرَكَةَ الأَجْسامِ
وَفْقَ حَرَكَةِ جيرانِهِمْ وَالفِئْرانِ
فَكُلُّ ما تَفْعَلُهُ يُمْكِنُ تَأْويلُهُ
لِنِهايةٍ يَقْصِدُونَها
تَمْنَحُهُمُ التبَّاهِيَ بِنَتيجَةِ التَّجْرِبَةِ
وَسَتْرِ الغَلَطِ بِنَظَريَّاتٍ مُعَقَّدَةٍ
في القطار عبر بودابست إلى فيينـّا، 3-9-2006
يُشْبِهُ القَلْبَ
لَوْ أَنَّهُ نَزَلَ يَوْمًا
مِنْ هُناكَ
لِيَسيرَ وَسْطَ الخَلْقِ مُتَأَمِّلًا
لَرَأَى كَيْفَ يَضْحَكونَ عَلَى مَلابِسِهِ
وَشَعْرِهِ وَأَظافِرِهِ
لَسَمِعَ تَهَكُّمَهُمْ عَلَى مِشْيَتِهِ الغَريبَةِ
لَرَأَى أَنَّهُمْ يَعْتَقِدونَ بِأَنَّهُمُ
الأَصْلُ وَما عَدَاهُمْ مَسْخٌ
لَرَأَى كَيْفَ يَتَباهَوْنَ بِتَفاهاتِهِمُ المُرَكَّبَةِ
لَصارَ في نِهايَةِ اليَوْمِ
أَكْثَرَ حُزْنًا عَلَى ما فَعَلَ
وَلَفَكَّرَ في فِكْرَةٍ جُنونِيَّةٍ
نَسِيَهَا في يَوْمٍ تاسِعٍ
كانَ عَلَيْهِ فيهِ
أَنْ يُضِيفَ شَيْئًا ناقِصًا
لِرُوحِ وَجَسَدِ هَؤُلاءِ الضَّاحِكينَ المُتَهَكِّمينَ
شَيْئًا ناقِصًا يُشْبِهُ القَلْبَ
الفَقْرُ رَهْبَةٌ لَهُمْ
أَعْطَوْهُ فَأْسًا وَزَرَعوهُ
وَسْطَ مُزارِعاتٍ إِفْريقِيَّاتٍ
صَوَّروهُ كَأَنَّهُ رَبُّ الحَصَادِ
كانَ يَضْحَكُ
وَهُوَ لا يَعْرِفُ مَعْنى النَّخْلَةِ
حَمَلَ طِفْلا رَثًّا لِيَتَصَوَّرَ مَعَهُ
دونَ أَنْ يَتَصَوَّرَ حالَهُ
بَدَا مِثْلَ بارٍّ بِالمُعْدِمِينَ
كَإِلَـهٍ رَحْمَنٍ رَحيمٍ
صاروا يَنْقُلونَهُ مِنْ فَقْرٍ إِلَى فَقْرٍ
وَهُوَ سَعيدٌ بِالُّلعْبَةِ
الَّتي سَتَنْتَهي بِهِ إِلَى هُناكَ
إِلَى شِمالِهِ في النَّعيمِ
حَيْثُ سَيَكونُ الفارِقُ رَهيبًا
وَالفَقْرُ الَّذي لَمْ يُدْرِكْهُ بَعْدُ
أَكْثَرَ رَهْبَةً
نوفي ساد، صربيا، 2-9-2006
تَقْليدٌ
الطَّويلُ الَّذي حاوَلَ أَنْ يُقَلِّدَ القَصيرَ
في خُطْوَتِهِ الرَّزينَةِ
سارَ في خُطْوَةٍ عَجيبَةٍ
أَضْحَكَتِ النَّاظِرينَ
لَكِنَّهُ رَآها بَسْمَةَ حَسَدٍ
فَبالَغَ في القِصَرِ
والقَصيرُ الَّذي حاوَلَ أَنْ يُقَلِّدَ الطَّويلَ
في خُطْوَتِهِ المَمْشوقَةِ
سارَ في خُطْوَةٍ مُهَرْوِلَةٍ
أَضْحَكَتِ العُيونَ
لَكِنَّهُ رَآها ضِحْكَةَ رِضًا
فَبالغَ في الهَرْوَلَةِ
هَكَذا صارَ كُلٌّ يُقَلِّدُ نَقيضَهُ
طَمَعًا في مَزِيَّةٍ مِنْهُ
حَتَّى صارَ الخَلْقُ
أَشْباهَ أَنْفُسِهِمْ
مِنْ حُمَّى التَّقْليدِ
لَمْ يَنْتَبِهْ أَحَدٌ
إِلَى أَنَّ الكُلَّ يُقَلِّدُ
حَتَّى صارَ التَّقْليدُ أَصْلًا
وَكُلُّ مَنْ لا يُقَلِّدُ كَأَنَّهُ
يَسيرُ عَكْسَ السِّرْبِ
نوفي ساد، صربيا، مقهى أوبليموفCafé Oblimov ، 1-9-2006
بَعْدَ فَواتِ الأَوانِ
لا تَعَضَّ رُوحَكَ بِأَسْنانِ الغَيْرِ
وَلا تُرِقْ دَمَكَ في أَقْداحِ السُّكارَى
هَذِهِ لَيْسَتْ عِظاتٍ
بَلْ كَلامُ مُجَرِّبٍ
لا يَرْغَبُ في أَنْ يَقولَ لَكَ
بَعْدَ فَواتِ الأَوانِ
وَبِكُلِّ بُرودٍ: «نَعَمْ.. كُنْتُ أَدْري!»
نوفي ساد، صربيا، 30-8-2006
الكَلْبُ الصِّرْبِيُّ
الكَلْبُ الصِّرْبِيُّ يمُرُّ في المَساءِ مُتَأَنِّقًا
عَبْرَ السَّاحَةِ
كَأَنَّهُ سائِحٌ
يُخَيَّلُ إِلَيَّ بَعْدَ لَحَظاتٍ
لِنَشاطِهِ البالِغِ
أَنَّهُ يَعْمَلُ هُنَا
لا أحَدَ يَنْتَبِهُ إِلَيْهِ مِنَ الاِعْتِيادِ
إِلَّا مَنْ يَتَذَكَّرُ
كَيْفَ أَنَّ الكِلابَ في بِلادِنا
تَعَلَّمَتْ أَنْ تَتَلَفَّتَ أَلْفَ مَرَّةٍ
في كُلِّ حَرَكَةٍ
وَأَنْ تَنْبَحَ عَلَى أَيِّ صَوْتٍ
وَأَنْ تَنامَ بِعَيْنٍ مَفْتوحَةٍ
وَأُخْرَى مُسْبَلَةٍ
يَلومُني البَعْضُ
لِأَنِّي أَكْتُبُ عَنِ الكِلابِ
لَكِنِّي أَشْعُرُ بِأَنَّ النَّاسَ تَتَكَرَّرُ
لَكِنَّ الكِلابَ لا
نوفي ساد، صربيا، مقهى أتينا Café Atina ، 30-8-2006
الجَرْوُ الصِّرْبِيُّ
في المَيْدانِ
وَسْطَ جَيْشٍ مِنَ الفِتْيانِ الكُسَالى
كانَ الجَرْوُ الصِّرْبِيُّ
يُداعِبُ الحَسْناواتِ بِكُلِّ نَشاطٍ
يَنْبَحُ كَأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ
فَتَهِجِمُ عَلَيْهِ الحَسْناواتُ
بِقُبُلاتٍ سَخِيَّةٍ وَأَحْضانٍ
الجَرْوُ بَدَا كَأَنَّهُ يَعْرِفُ هَدَفَهُ
بَيْنَما الفِتْيانُ
يَتَأَمَّلُونَهُ بِكَسَلٍ أَطْوَلَ
وَهُمْ يَفْتَحونَ عُلَبَ البِيرَةِ
وَيُقَبِّلونَها بِشَراهَةٍ
كَأَنَّ الفَتَياتِ
تَماثيلُ لا قيمَةَ لَها
نوفي ساد، صربيا، 28-8-2006
قَهْوَةٌ وَكَلامٌ
هَلَّ عَلَيَّ بِوَجْهٍ مَيِّتٍ
وَأَنا أَجْلِسُ في المَقْهَى هانِئًا
عَلَى مائِدَةٍ في زاوِيَةٍ هادِئَةٍ
جَلَسَ إِلَيَّ دُونَ اسْتِئْذانٍ
وَكَرادْيو انْفَتَحَ فَجْأَةً
يُرْغي بِلا هَوادَةٍ
أَوْقَعَ كَلامَهُ عَلَى الطَّاوِلَةِ
بَيْنَ القَهْوَةِ والماءِ
وَعَلَى رِجْلَيَّ
أَوْقَعَهُ مِثْلَ فَوارِغِ رَصاصاتِ «كِلاشِنيكوف»
صِرْتُ أُزيحُ كَلامَهُ كُلَّ حينٍ
لَمْ أَنْطِقْ
وَلَمْ يَهْدَأْ هُوَ مِنْ رُغاءٍ
حَتَّى وَجَدْتُ نَفْسي مَرْدومًا
وَسْطَ جَبَلِ كَلامٍ ثَقيلٍ
لا يَراهُ
وَبَيْنَما أُخَلِّصُ نَفْسي لِأَنْصَرِفَ
بَعيدًا عَنْ فَيَضانِ فَمِهِ الجامِحِ
انْزَعَجَ صارِخًا:
«لَمْ أُكْمِلْ بَقِيَّةَ كَلامي!»
«وَأَنا لا أَرْغَبُ أَنْ يَكونَ مَوْتي هَكَذا!»
رَدَدْتُ حاسِمًا وَسِرْتُ خَفيفًا
فيينـّا، 2-8-2006
شَمْسٌ
تَمَنَّيْتُ أَنْ تَكونَ لِيَ ابْنَةٌ
وَأَنْ أُسَمِّيَها «شَمْسُ»
أَنْ أَكْسِرَ بِها هَذا الغَباءَ
الَّذي يَنْدَمُ لِخِلْفَةِ البَناتِ
وَيُحْنَقُ لِذَكاءِ بِنْتٍ عَنْ وَلَدٍ
أَوْ يَتَّهِمُها بِسَرِقَةِ طولِهِ
لَوْ كانَتْ لِي «شَمْسُ»
لَكُنْتُ فَخورًا بِكُنْيَتي
«أَبو شَمْسَ»
وَلَأَيَّدْتُها في أَنْ تَبْقَى كَما هِيَ
وَلَكُنْتُ سَأَدْمَعُ يَوْمَ تَتَزَوَّجُ
وَتُغادِرُ بَيْتي
دُونَ أَنْ أُخْفِيَ دُموعي
فيينـّا، مقهى دوم- ماير Café Dommayer ، 6-7-2006
في مَقْهى الزَّمانِ في آَخِنْ
جالِسٌ في مَقْهى الزَّمانِ
إِلَى قَهْوَتي
مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ ساعَةٍ
مَرَّ بي عَشَرَاتُ الْبَشَرِ
بِلُغاتٍ مُسْتَقيمَةٍ
وَأُخْرى مُتَعَرِّجَةٍ
بِرَطاناتٍ مَلْحونَةٍ
وَأَصْواتٍ لا تَسْكُتُ
عَجيبٌ!
لَمْ أَسْمَعْ في جِلْسَتي
صَوْتًا لِوَقْعِ أَقْدامِهِمْ
كَأَنَّهُمْ في «آَخِن»
يَسيرونَ فَوْقَ ماءٍ
آخن، ألمانيا، مقهى الزمان Zeitcafé ، 20-6-2006
كَأْسُ الحَديثِ
في المطاعِمِ والمَقاهي
تَموتُ أَشْياءُ بِعُمْرٍ قَصيرٍ:
يَسْقُطُ الكَأْسُ
يَنْكَسِرُ
النَّادِلَةُ تَعْتَذِرُ
يَموتُ الكَأْسُ
وَآخَرُ يَنْتَظِرُ
يَسْقُطُ الكَأْسُ
الحَديثُ يَنْكَسِرُ
النَّادِلَةُ تَعْتَذِرُ
يَموتُ الحَديثُ
وَآخَرُ يَنْتَظِرُ
ماسترشت، هولندا، مقهى الجنوب Café Zuid ، 18-6-2006
الكَلْبُ الهولَنْدِيُّ
في كُلِّ مَدينَةٍ زُرْتُها
كَتَبْتُ عَنْ كَلْبٍ فيها
يَنْبَحُ
هَذِهِ مَدينَةٌ
كِلابُها أَنيقَةٌ مُؤَدَّبَةٌ
في إِشاراتِ المُرورِ
وإِشاراتِ أَصْحابِها
تَفْهَمُ
تَفْعَلُ كُلَّ ما تَفْعَلُ الكِلابُ
لَكِنَّها أَبَدًا
لا تَنْبَحُ
ماسترشت، هولندا، 16-6-2006
آثارُ يوسُفَ
آلافُ الإِبَر يَلْضِمْنَها بِخُيوطٍ مُلَوَّنَةٍ
لِحُلَّةٍ غُسِلَتْ بالتَّنَهُّداتِ
وَهُوَ لا يَدْرِي
حينَ يَرْتَدِي كُلَّ هَذِهِ الأَصابِعِ
يَشْعُرُ بِوَخْزاتٍ تُعَرِّيهِ
يَصْبِرُ قَليلًا حَتَّى تَمُرَّ الخُيولُ
يَخْلَعُ الحُلَّةَ
فَيَقْرَأُ عَلَى صَدْرِهِ
آثارَ يُوسُفَ
يَنْزَعِجُ
فَهُوَ يَعْرِفُ أَنَّ أَباهُ قَدْ ماتَ
وَأَنَّ ظَهْرَهُ عارٍ مَرَّتَيْنِ
وَيُغْمِضُ عَيْنَيْهِ
لِيَعْجَلَ بِحاسَّةِ السَّمْعِ
عَلَى عُوَاءٍ بَعيدٍ يَقْتَرِبُ
يَكْتُبُ بِعُجالَةٍ عَلَى الرَّمْلِ
ثُمَّ يُغْمِضُ عَيْنَيْهِ
وَأُذُنَيْهِ
فيينـّا، 17-5-2006
جَنوبُ النَّسْرِ
النَّاظِرونَ مِنَ الجَنوبِ قالوا:
لَمْ يَكُنْ النَّسْرُ يَمْسَحُ كُلَّ
السَّماءِ في حَوْمَتِهِ
فَهِيَ شاسِعَةٌ عَلَى جَناحَيْهِ
كانَ يَكْتُبُ بِصَبْرٍ مَغْزولٍ
عَنْ جُوعِهِ الدَّائِمِ
عَنِ اضْطِرارِهِ لِلْعُلُوِّ فَوْقَ الفَريسَةِ
الَّتي سَيَلْتَهِمُها عَلَى الأَرْضِ
يَحوطُها مِنْ سَمائِهِ
بِسُورِ ظِلِّهِ
ثُمَّ يُرَفْرِفُ بِجَناحَيْهِ لِلسَّماءِ
مَمْنونًا
عَلَى كَرَمِ الأَرْضِ
ثُمَّ لا يَلْبَثُ أَنْ يَسْطُرَ مِنْ جَديدٍ
عَنْ جُوعِهِ الدَّائِمِ
وَعَنِ الفَريسَةِ
وَعَنِ العُلُوِّ
وَعَنِ الهُبوطِ
النَّاظِرونَ مِنَ الشَّمالِ قالوا:
كانَ بِاسْتِطَاعَتِهِ دَوْمًا أَنْ يَمْسَحَ الأَرْضَ
وَيُعَفِّرَهَا ثُمَّ يَتَأَمَّلَها مِنْ عَلٍ
ثُمَّ يَفْرِدَ جَناحَيْهِ لِيَمْسَحَ فَقَطْ مِنَ السَّماءِ
كُلَّ ما كَتَبَهُ مِنْ لَحْظَةٍ
وَيَتَلاعَبَ بِبُقَعِ ظِلِّهِ عَلَى الأَرْضِ
فيينـّا، 22-4-2006
وَطَنٌ مِنَ الحَناجِرِ
وَطَنٌ غَنَّيْتَ لَهُ في صَباحاتِ الاِبْتِدائِيَّةِ
مِنْ حَنْجَرَةٍ زاعِقَةٍ
وَلَمَّا شَبَبْتَ جَهَّزوكَ لِتَكونَ بَقَرَةً
قَبْلَ النَّأْيِ بِقَليلٍ قالوا عَنْكَ:
«نَحْلَةٌ مِنْها العَسَلُ»
بَعْدَ النَّأْيِ بِكَثيرٍ قالوا فيكَ:
«نَحْلَةٌ تَشُكُّ»
دِينٌ جَديدٌ لا تُشارِكُهُمْ فيهِ أَيُّها الشَّريكُ
وَطَنٌ قَديمٌ هَلَكَ لَمْ يَعُدْ لَكَ
يَسُدُّونَ حَنْجَرَتَهُ بِغِلْظَةِ حَناجِرهِمْ
وَيَهْرُسونَ قَلْبَهُ بِحُجَّةِ مَحبَّةٍ
وَطَنٌ غَنَّيْتَ لَهُ أَنْتَ في صَباحاتِ الاِبْتِدائِيَّةِ النَّشيدَ
يُوَزِّعونَ فيهِ الآنَ عَلَى بَعْضِهِمُ الأَوْسِمَةَ
كُلَّ عيدٍ
وَعَلَى النَّاسِ الفَتَاوَى والغُبارَ
وَطَنٌ أَرْسَلُوا فيهِ النَّاسَ لِبُيوتِ اللهِ
يُصَلُّونَ أَوْ يَنْشَغِلُونَ
وَجَلَسوا هُمْ عَلَى ناصِيَتِهِ في بُيوتِ المالِ
يَتَقاسَمونَ وَيُقَسِّمونَ
وَطَنٌ مِنْ حَناجِرِنا الصَّغيرَةِ
تَرَكْناهُ وَترَكْنا النَّشيدَ
باتَ وَطَنًا لِحَناجِرَ غَليظَةٍ لا تَسْتَحي
فَتَفْعَلَ ما نَراهُ
فيينـّا، 22-4-2006
أَسْوَدُ
عَبَرْتُ النَّهْرَ
وَحينَ وَصَلْتُ لِلضَّفَّةِ الأُخْرَى
كُنْتُ أَسْوَدَ
قُلْتُ لِرَفيقي عَلَى الضَّفَّةِ:
«الماءُ رائِعٌ، اسْبَحْ!»
خافَ مِنْ لَوْني
صَمَتَ
صِحْتُ فيهِ أَنْ يَعْبُرَ
كانَ يَهْذِي وَالرِّيحُ تَنْقُلُ نِصْفَ الكَلامِ
وَكُنْتُ أَصيحُ لَهُ أَنْ يَقْتَرِبَ
خافَ رَفيقي مِنْ لَوْني
حَتَّى لَمْ يَعُدْ يَسْمَعُني
وَنَسِيَ تاريخَنا القَديمَ
كُلَّ عامٍ أَذْهَبُ إِلَى الضَّفَّةِ
وَأُنادِي وَسْطَ الخَلْقِ
أَكادُ في لَحْظَةِ ضَعْفٍ أَنْ أَعُودَ إِلَيْهِ
لَكِنِّي أَخْشَى أَنْ أَفْقِدَ أَصْلَ لَوْني
وَأَفْقِدَ بَقِيَّةَ حَوَاسِّي
قرية فايترزفيلد- شمال النمسا، 15-4-2006
جامِعٌ
غَبِيٌّ يَجْمَعُ الأَرْواحَ دُونَ أَنْ يَدْرِي
يَسْحَبُهَا لِبَيْتِهِ وَيَسْتَريحُ
هَذا كُرْسِيٌّ وَهَذا سَريرٌ وَهَذِهِ مِنْضَدَةٌ
يُعَلِّمُها كُلَّها الكَسَلَ
حينَ يَدْعوكَ لِبَيْتِهِ
يَرْغَبُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ عَيْنَيْكَ
بَهْجَةً بِما جَمَعَ
وَأَنْ يَرَى مِنْكَ جُمْلَةَ مَديحٍ
يُحارِبُ الغُبارَ عَلَى الكُرْسِيِّ
لا في رَأْسِهِ
إِلَى أَنْ يَموتَ
وَقَبْلَ أَنْ تَفْرَحَ الأَشْياءُ
بِالمُروقِ مِنَ الكَسَلِ
يَظْهَرُ غَبِيٌّ جَديدٌ أَنْصَعُ غَباءً
يُدَرِّبُ المُقْتَنَياتِ عَلَى البَياتِ الشِّتْوِيِّ
وَحينَ يَمْرَضُ
يَتَمَلْمَلُ الكُرْسِيُّ الواقِفُ وَيَفْزَعُ
مِنْ سُعارِ قافِلَةِ المُقْتَنينَ القادِمينَ
لِجَمْعِ أَرْواحٍ أَفْنَتْ نَفْسَها
تَرَكَتْ آثارَها
لِأَغْبِياءِ الزَّمَنِ المُنْتَكِسِ
أَرْواحٍ هَدَّتْ حَياتَها
وَأَعْطَتْ جَسَدَها بِثَمَنٍ بَخْسٍ.
فيينـّا، 14-12-2005
مُصافَحَةُ جارَةٍ
جارَتي الَّتي لا تَنْبِسُ
بـِ «صَباحُ الخَيْرِ!»
حينَ نَتَلاقى
لا تَدْرِي أَنَّ قَدَمَيْها
تُصافِحانِ قَدَمَيَّ
كُلَّ صَباحٍ
عَلَى بُقْعَةِ الأَرْضِ نَفْسِها
الَّتي عَلَيْها نَسيرُ
خَلْفي هِيَ الآنَ
عَلَى بُعْدِ بِضْعَةِ أَمْتارٍ
أَسْمَعُ مِنْها عَلَى الرَّصيفِ
وَقْعَ التَّصافُحِ العالي
إنسبروك Innsbruck ، النمسا، 11-11-2005
تعليقات
إرسال تعليق