شطحات
مختارات من شعر سليمان محمد تهراست
الرَّائِيُّ الّذِي يَعرِفُ مَوتَهُ
سِفْرُ السُّقُوطِ
الفَتَى الَّذِي كَانَ يَرْعَى دمْعةَ أُمّهِ الصَّاخبةْ،
وَيدفَعُ كُرسيَّ أَبِيه المتَحَرِك
إِلى القِبْلةْ
رَغْم النَّشَازِ الّذِي يتَدَفق معجونًا بِالوجعْ
أَخِيرًا لَمْ يَعُدْ موْجودًا
فِي لَا هناكَ
أَرَاه حَاوَل المَوتَ كثيرًا
لَكِنَّه لَم يَعْرِف
كَانَ عمَلا شاقا أَنْ يَترَجَّل عَن دُنْياهْ
وَيَترُك لِلآخرِين الغيَاب الّذي
لَا يُنْضِجُ الوَقت
آهٍ.. كَمْ كَانَ بَرِيئًا
قَبْلَ(السُّقوط فِي التّارِيخ)
وَحْدَهُ (شِيزَارِي بَافِيسِي) يعرِف
كَيْف مَات مَرَتين
يَخْشى إِنْ تَكَلَّم
يَنْبُت الشّك بِشَوكه
ويثخن بِالكَوابيسِ سرِيره
شَطحَات
(شطح أول)
سَأكتفِي بمرَاقَبةِ العَدَم
وَأضَعُ فوقَ مَوتِي زَهرَةَ أُورْكيدَا
وَأَمشِي حَافِيًا إِلَى المقْبَرَة
(شطح ثاني)
عَنْ طُقوس الغِيَاب أَقْضِمُ حَسْرَتِي
أُغلِقُ نَفسِي بِآخَري
وَأنمُو كَزَوبَعَة تَخشَى أَثرَ الحَرب
أَرْكُضُ نَحوَ فجَرٍ مُعَاقْ
نحْوَ المقَابرْ
نحوَ رَصيفِ مَاضٍ مَرِيضْ
أَتحسّسُ مُبلَّلاً بالمجِيءْ
وَأنَامْ
كَتمثَالٍ يَكرَهُ النّظَرَ إِلَى الأَمَامْ
في الحبِّ أَضَعْتُ رُجُولَتِي الوَقحةْ
فِي الشِّعر تَختَبِئُ حَسْرَتِي المَاجِنةْ
وَأَبِيت أَتنفس الله
(شطح ثالث)
أَنْعِـي نَفْسِي كَضَوءٍ سَقَطَ فِي الصَّمت
أَنظُرُ نَعْشِي
مَحْمُولًا عَلَى أَكتَاف هَشّة
مغطا بثَوب فَوضَوِيّ اَللَّون
لا أَرى أَحدا يبكينِي
لا صدِيقا ينثُرُ كلَام الرّسول
أَلتَفِتُ زَاوِيَّة فَأُبصر أُمّي تَسْقِي صَدْرَهَا،
وفتَاة لا أَعرِفها تُمسِك قَلبها بَين كفيها
تَهمسُ لِلخيال باكية:
سَنَلْتَقِي غَدًا أَو بَعْدهُ لِأخبِركَ كُلّ الحَقيقَة
أَمَا أَنَا
فنسِيتُ أَنْ أَبْكِي
(شطح رابع)
لَسْت مِن شُعَرَاء الشَّوارِعْ
أَكتَفِي بالظّل،
ولَا أَنتظرُ الضَّوء
فالضّوء سُلطةْ
خواء المعنى
مُتسول الريح من أيدي الغرباء
متسول حشرجات الفناء
...
قلق!
سلاسل قلق تطوق الروح المريضة بفداحة الأشياء
كم بكيت؟
كم انتحرت داخل رأسي؟
كم صرخت في وجه العدم؟
...
لم أجتاز بلاغة الألم
ولا احتضار هلوسات اللهاث المرّ..
...
يا ريحُ هات معطف (يوسف)!
ليرتدّ إليّ فردوس كياني ..
يا ريحُ هات تعاويذ السالكين!
لتهدأ أجراس القلق.. ويرتوي اليأس اللدود
لأحرر وعيي من شقائه
متسول الأغنيات من الأرجاء
مسافر في التكرار
(هل أنجو من التّكرار؟)
باستطاعتي أن أدفع للتكرار ممّا بجيبي
من وقت ذبيح
من ظلّ بملامح لا تستريح
...
ترى كيف سأنسى أن للتكرار ذاكرة العشب؟
والعشب أعمى
جَبَلُ الجُودِي
يَا (نُوحُ) أَنْقِذْنِي مِنْ بَحْرِ الذِّكْرَى
وَالفُصُولِ الحَزِينَة،
فَجُرْحِي فِي المَاءِ يَعْلُو
وَلَا تُتْعِبْنِي بِالنُّذُورِ وَالدَّعَوَاتِ النَّاشِزَة،
فَأَصَابِعِي حَدِيقَة دُمُوع مُزْهِرَةْ
أَنْتَ يَا (نُوحُ)
أُلْطم القَدَرَ الجَائِع وَأَنْقِذ الحَياة،
فَجُرْحِي فِي الهوَاء يَعْرَى
مَاذا أَفْعل الآن أَيُّها الطُّوفانُ؟
الّذِي أَبْرَأَ الأَرْض اليبَاب مِنْ جوع الأَفْكار الرَّافضَةْ
ما همَّك العوِيل المنتشر،
وَلا (كَنْعَان) حِين غرّه الجَبل
وَلا أُمّه (واغِلَةْ)
أُخْرجْ مِن سَفِينَتِك، وَانْتَزِعْ أَناي الجَديد
أَعِد لِي الصّحْبَة القَدِيمَةْ
يَا (نُوحُ) أَصْحو كُلّ يَوم عَلى وقعِ
صُراخِ القلبِ،
وَعلى دمْعَتَيْن نَاضِجَتَين تَفِرانِ نَحو الهاويَّةْ
أَصْحُو لأفتّش بَين الزّوايا
وَالحَقَائِب البارِدة
عَن ضَمّة امرَأَة قتلَتْني ولَم أَنتبهْ
أَسْألك إِن سَمَحت:
هَل أَغْرَقْتَهَا ككلّ الحيَوَانَاتِ وكُلّ النّهُود الجَاهِلَةْ؟
لَا تعْلَم...
ابْحثْ فِي سجِل النّاجِين فَهي كَآه
وَكإله الخِصْبِ الّذِي يلقِّح الأَرْض العاقِر
يَا (نُوحُ) إنّ قلْبِي بيْنَكُم لا تُطعِموه الطّوفانَ،
وَلَا سُمُوم الحَيَّات الرَّشيقَةْ
أَنَا على (جَبَلِ الجُودِي)
أَنْتَظر القيَامةْ،
وأكفِر عنِ الخَطِيئَة
إِنِّي (هُنَا) منتظِر عوْدَة الحَبيبة
تمزيقُ رداء الموت
١_
الموت ليس تجربة أو خلاصا
الموت حقيقة الحقيقة
الموت فينا؛
اختفاء الواقع والجوهر
الموت مطر يرتعش/ يجلد الزنابق، وعشق الأصابع
حين أتأمله يغسل ناره في مقلتي ضبية/
أدرك أنّي حرف من حروفه
الموت كالحظ يأتي حين لا نرغب فيه
وقد يخدشنا بأصابعه، ويتبخر مثل الضباب
من يستطيع الإمساك به؟
من يستطيع [على الأقل] تشريح اسمه؟
٢_
يا ظل العدم
أنتَ أنا/ وأنا أنتَ
ماذا لو لم تكن؟ أكنتُ سأكون؟
وهل كنتَ ستكون؟
(أبيقور) ليس مضحكا أن تدعي عدم المعرفة/
(شيشرون) يا ظل (أفلاطون)/
أيمكن أن نتعلم أن نموت؟
٣_
ناديت:
أيها الموت اِنتظر قليلا،
كن صبورا،
فقد عشت كثيرا، وأنت تقتات على خوفنا
هل تملك الجرأة لتحدد موعدا؟
هل تستطيع التأخر قليلا كأيّ عامل؟
هل بمقدورك الفرح قليلا كطفل رأى لعبة؟
كن جريئا، وأحب نهدا مزروعا في بياض
اُخرج من سلهامك الرمادي، إلى خارج اللاشيء الذي يكمن فيك/
اُقتل رغباتك، احتفظ بخيباتك
كفاك من عقاقير العزلة القاتلة/
كفاك قتلا للأنبياء فينا
تعليقات
إرسال تعليق