القائمة الرئيسية

الصفحات

كان لي وجه أحبه / مختارات من شعر إيناس سلطان

 

كانَ لي وَجْهٌ أحبُّه

مختارات من شعر إيناس سلطان


كان لي وجه أحبه - إيناس سلطان - بيت النص


I

كأنما لا شيء حدث هنا


فرجينيا وولف:
"لا حدث يحدث بالفعل إذا لم يُدون".

اعتدتُ أن أدون كل شيء يحدث هنا، لا بقصد التذكر، لا، كنت
لا أريد أن أفقد اليقين بأن شيئًا ما حدث.

( التدوينات عشوائية).

( إيلي جارتي معتوهة لكنني أفهمها).

جارتي إيلي هجرت زوجها الوديع، قالت أن الأمر لا يتعلق بزوجها بل بغرفتهما التي لها ڤيو غير مشجع على الألم.
لا أستطيع ألا أضحك على إيلي.

( جسدي الآن خامل، وأنا لا أسكت بالمرة).

كان جسدي متحدث أكثر مني، يتحدث ببلاغة ودقة، وبلغة خاصة ومنتقاة جيدًا، وبالوقت المطلوب تمامًا، وكنت أغار منه، وأريده أن يخرس.
دخلت في سباق مع جسدي، ها من سيتكلم أكثر وأسرع!

صرت ثرثار بلا داعٍ، وصمت جسدي للأبد.

( أنا متأكد، لقد زارني أحدهم)
وقال لي:

لا تصدق أجنحة الطائر( لا يتكلم عن الإرادة المثالية للأجنحة). ولا تصدق الليل كثيرًا، ولا تردد:
آهٍ، لم يعد ليلي يكفي،*
لأننا لن نصدقك، فالليل دائمًا طويل، ولا شيء أصلًا يحدث في الليل.

لا تصدق أن لك كرامة في مدينة تعطي انطباع الجمال دون جوهره (لا أقصد أن المدينة قبيحة، لا، ها أنت تخلط الأمور).

لا تتحدث عن مناماتك كأنها منامات أصيلة، كل ما يحدث لنا مستعار.
(هذا حلمنا كلنا)، فلا تؤول أحلامك.

وقال لي: لا تنسَ
"من باطل جئت ،أيها الشقي ،وإلى باطل تعود"*

( أمي لا تبكي لأنني صرتها)

ما حدث لأمي، يحدث لي بالميلي، لكن أمي لا تبكي علي وعلى أني سأكرر مأساتها، إنها تسأل فقط:
ماجدوى كل هذه الكينونات الناقصة والمستعادة بعناد!*

( فيلمside walls يقول لي: أنت خائف، وهذا حقك)

الليلة شاهدت فيلم side walls، أفكر في فتح نافذتي، خاصة في هذا الوقت. بعدما تركت البيت الذي أشعرني طوال خمس سنوات أنني مستأجر وأن علي أن أبحث عن بيت آخر بسرعة. في الوقت الذي تركت المدينة التي قررت مسبقا أنها المدينة التي تحدث عنها بول أوستر في روايته في بلاد الأشياء الأخيرة. وصرت في مدينة أخرى وبيت آخر.
لكن..

منذ فترة ليست بسيطة، يجوز من اللحظة التي قرأت فيها كتاب إيمان مرسال حتى أتخلى عن فكرة البيوت ورواية مدن لامرئية لإيتالو كالفينو
صار للفظتي البيت والمدينة تأثير مختلف علي.

والآن فيلم sidewalls يقول لي، أنت خائف، خائف جدًا من كل هذا، وهذا حقك.

(كأنما لا شيء يحدث هنا)
صراحةً في كل مرة أعود إلى التدوينات، أشعر كأنما لاشيء حدث هنا.



II


(مدينة ميتة، لا تدعي عكس ذلك)


يقول قسطنطين كفافيس في قصيدة جميلة له بعنوان المدينة:

"وما دمت قد خربت حياتك هنا، في هذا الركن الصغير، فهي خراب أينما كنت في الوجود".


في هذه القصيدة خلاصة رائعة ومباشرة، لكننا لا نستطيع تطبيقها أبدًا على مكان مثل غزة. المكان الذي ولدت فيه، وكبرت فيه، ولم أغادره حتى الآن.


لنأخذ بخلاصة كفافيس علينا أن نكون من الأول في مكان قابل للتخريب، وهذا شرط أوليّ للمكان الذي يقصده كفافيس.



على المكان أن يتوافر فيه ما أُسميه أنا، الحد الأدنى من المكان، وغزة للأسف، خارج هذا الحد أصلًا. إنها مدينة ميتة، ولا تدعي عكس ذلك.


....


(هذا المكان جعلني لا أخاف شيئًا في العالم).


علاقتي بغزة، لم تكن قط علاقة عادية بين إنسان ومدينته. كانت علاقة سجين بسجين آخر أقدم منه، وأعرَف منه في شؤون السجون.


غزة سجينة العالم، وأنا سجينتها، وهذا الدور الذي أرغمتني عليه وسايرته للآخر، أوصلني سريعًا إلى ما أسماه أنسي الحاج: آخر الخوف، الذي لا هو استسلام ولا هو شجاعة، بل بطولة التعب. بطولة من استنفد طاقته على الرعب.

غزة جعلتني لا أخاف شيئًا في العالم، وهذا يْحسب لها.

....

( مكان لا يوجد به سينما.. لا يُعول عليه).


شاهدت أمس آخر فيلم لآلمودفار، أمهات متوازيات، فيلم جميل ينط من شاشتك ليطليك بالأحمر.


شاهدته على شاشة محمولي المتشققة، وعليه أيضًا، شاهدت أفلامًا ملونة وأفلامًا بالأبيض والأسود.. والكثير الكثير من الأفلام المهمة.


حكاية طوكيو لأوزو

ثلاثية تشيلوفسكي

ولون الرمان لسيرجي باراجانوف


وفي كل مرة شاهدت فيها فيلمًا، وأعجبني، أعلق مواسيةً نفسي:

"سأشاهده يوما ما على شاشة سينما كبيرة".


أُغلقت/ أُحرقت آخر سينما في غزة عام ١٩٨٧، ولم أكن حينها قد ولدت، لكني استمعت بما يكفي لقصص أبي وأعمامي وعمتي الوحيدة، عن مشاويرهم إلى السينما، سينما عامر و الشاطئ، وسينما النصر..


رسب أبي في امتحانات التوجيهية، لأنه فضل مشاهدة فيلم جديد يُعرض في سينما السامر على أن يذهب إلى تقديم امتحان اللغة العربية.

وهذه أطرف قصة حصل عليها طوال حياته.


( ومعه كل الحق..عن نفسي يذهب العالم كله إلى الجحيم ولا أن يفوتني فيلم معروض على شاشة سينما كبيرة).


أبي اليوم غير فخور إلا بأنه شاهد أفلامًا كثيرة في السينما.


يقول: "هيك هيك ما كنت بحب الدراسة، بس بحب السينما، وهما لما حرقو السينما حرقو غزة".

....


(غرفة تخص المرء وحده في مدينة لا تخصه).


صحيح أن لدي غرفة تخصني وحدي، وتشبه إلى حد ما غرفة فيرجينا وولف، لكن هناك دائمًا هذا الشعور أن غرفتي مبنية على ظهر حوت. وفي أية لحظة ستقع الغرفة وأغرق.


أريد أن أعرف مافائدة أن يكون لديك غرفة تخصك وحدك في مدينة لا تخصك؟.

...


(أصدقائي مصابيح مكسورة تبكي على الجسور)*


قبل سنوات، تعدت الخمس، كنت حائرة وغضة، وكان لايزال فيّ نفس، كنت أخرج كثيرًا إلى الشارع مع أصحابي، الذين توزعوا الآن في بلاد بعيدة وباردة. وقرروا نسيان غزة بكل ما فيها، حتى أنا.


كانت نزهتنا تعني المشي في الشوارع، ورصد وجوه العابرين، وتخمين أفكارهم وشخصياتهم من ملامحهم:


"هذا لو تكلمنا معه سيلعن والدينا".

ونضحك.


شوارع غزة عشوائية، ولا تنم عن ذوق محدد، كل ماتتخيله تجده.

هناك شوارع أليفة وحيوية، هناك شوارع مضحكة، مضحكة بالفعل وحين أتذكرها أضحك. وهناك شوارع حيادية، غير مثقلة بتاريخ غزة الدموي، وهي قليلة جدًا بالمناسبة. لكن الغلبة لشوارع الشهداء، تقريبًا كل شارع في غزة له اسم شهيد. ويشبه الشهيد في حياته.


بيوت غزة أيضا متنوعة، أغلبها ممل وغير ملهمة بالمرة، عدا بيت واحد. بيت ضخم ومهجور، في شارع متروك للريح. له واجهة مريبة، يسد مدخله شجرة زنزلخت ضخمة، وأشجار أخرى. وباب كبير و عدائي، فور أن تنظر إليه، تشعر أنه سينقض عليك.


تعلق صديقتي في كل مرة نرى فيها البيت: اكتبي عن هالبيت.


(هذا البيت سيدخل لاحقًا في قصائدي، وما عدا ذلك ليس لدي الكثير لأقوله عن علاقتي بغزة. أنا الآن لا أخرج من البيت إلا للضرورة. وهذا قرار يعرف أسبابه كل العالم، أعتقد ذلك).

..


آه يا أصحاب، لا شئ يثير الروح في هذا المكان**


...........

* سوزان عليوان
**محمود درويش


III
صورة واحدة 


لأسباب عدة، غير مقنعة تمامًا، لكنها مسلية، إذا ما نجحنا في عزل الأسباب عن النتائج، وهذا لا يرد كثيرًا للأسف؛ تزوجتُ.



أحد الأسباب أن أحظى بألبوم صور عائلي كبير.



فكرت، إذا ما شاهدت يوميًا ألبوم صور عائلتي، عائلتي التي ستضم موديلات بشرية كثيرة ومتنوعة،

والتي لن تكون أبدًا على شاكلة عائلة فيلم "Dogtooth"،

ربما أجد أن عبارة:

"لا شيء مما أراه ينقذ القلب من الملل"

التي اختزلت نفسي طويلًا بها، ليست صحيحة تمامًا.

وأن الحياة لا تختصرها أغنية واحدة، أغنيتي:

"وكانت لي عينان زرقاوان، ولم يحبني أحد سواي".

ولربما توقفت عن الشعور بالحزن غير الملهم.



عائلتي التي ستضم فتيات، سطحيات،

كن قد قررن مسبقًا، وبناء على تجربتي، أنا الأم الجافة والمهترئة

أن "الأفكار تعكر سطحية العيش"

يلبسن فساتينا مبهجة على عكس العالم، ولا شيء بالنسبة لهن مهم.



وشبانًا في مقتبل العمر، على الأقل ثلاثة،

يملكون جوابًا واحدًا لكل أسئلتي المملة:

"ذلك لأننا نرى العالم من داخل حوض سمك يا أمي"

على الرغم من ذلك أجدهم وسيمين جدًا بجهلهم.



ولربما تضم عائلتي، وهذا غير أكيد، طفلًا أخيرًا، الطفل الخطأ في عادة العائلات الكبيرة.



خطتي لم تنجح أبدًا

ولم أمتلك ألبومًا عائليًا، امتلكت صورة واحدة فقط،

رؤيتها تجعلني أبكي.



صورة لرجل مكتنز يميل إلى البشاعة، وجوده في الخلفية يشبه غلطة عادية، لم تؤذي أحدًا بشكل كاف، يحمل طفلًا وجهه مغطى، هذا الطفل ليس طفلي، إنه ضرورة من ضرورات صور العائلة السعيدة، أما عن الرجل فزوجي.



IV


وجربتَ الشكوى من جسدك، قلت أنك لا ترغب بما يرغب به جسدك، ولأسباب تتعلق بالإرادة، اعتاد أن يجرك معه، وتريد لمرة واحدة أن تقاوم. وأنك متعب، متعب جدًا من كل هذا الجر.

قل:
إن لغتك الجديدة تناسب مدينتك الجديدة، لكنها لا تناسب خوفك القديم..
و إن عمرك مرهون بلغتك، تكبر وتصغر مع لغتك الأم، وإنك في هذا الوقت تحديدًا قريب من التلاشي.

وإنك جربت ألا تكون في مطرح، ليس هربًا ولا طمعًا بحالة ما، لا، إنك تجرب، ما دمت تشعر بالسأم فأنت تجرب.

وجربت أن تفصل نفسك عن سيرتك، حتى إذا قلنا أشياءً عنك، لا تُشكلك. لكنك لم تستطع، وشكلناك.

وفتشت عن أم لشِعرك، وأم لجسدك، وأم أخرى تكبرهن بالعمر لماضيك.
واعتذرت عن عدم اعترافك -في عقلك- بأناس لا يتكلمون لغتك، لكنك فعلًا محتار، لا تكذب.
هل هم فعلا موجودون، هل يشعرون بالوحشة مثلك.

وقلت إن الجسور بين نفسك وجسدك تقطعت (سنصدق أنها من فعلة غيرك) وحاولت وصل جسدك بنفسك مرة أخرى، وفشلت، وها هو جسدك ثانيةً يفكر عنك، وسيجرك ويجرك ويتعبك من جديد. جسدك الفاسد، جسدك الذي أفسده التجريب والتخريب والتغريب.

قل وقل، إنك سئمت من العيش في اللُب. وتريد أن تجرب حياة جاك كرواك وصاحبه "دين".. هيا سافر سافر، حتى يتصاعد الدخان من البوصلة.*
بجسدك الفاسد، سافر، وعد لنا بجسد ميت، واشكِ من الحقيقة، حقيقة أنك خفيف على أن تكون ميتًا بالكامل.

عد وابن بيتًا على طلل ما، ربما تفهم
ولو لمرة معنى أن تحب، وربما تتذكر..

وناد أصحابك الملاعين، الذين تركوك لينابيعك الكثيرة، (وهذا مأخذ عليك، على عكس ما تتخيل).
تروح وتجيء منها عطشان لأن ينابيعك عكرة أصلًا وغير واضحة بالمرة.

جذف، جذف أبعد، وانس أن لك أمهات كثر، يتنازعن عليك، لأنك تعرف أن ولا أم منهن ستظفر بك، لأن أبيك الوحيد ميت، ولأن أشياءً أخرى حدثت لك جعلت منك يتيمًا أبديًا.


V


أحدُ ما يقول أنا حزين. لفظة حزين حين أسمعها لا تجعلني حزينًا. أحدُ آخر يقول أنه يشعر بالخوف، لفظة خوف تجعلني خائفا.
(حتى لو لم أمتلك أسبابًا حية للخوف).

يحدث أن أعجب بلفظة ما، أعجب بأحرف اللفظة نفسها. إيقاعها، وجرسها ووقعها علي حين ألفظها، أو أسمعها.
وتجاور أحرفها، ورسمها حين أراها مكتوبة.

هذا الإعجاب اللغوي البحت ليس غريبًا، الغريب أن تُترجم اللفظة نفسها كشعور عندي، كمتلقي مُحب لهذه اللفظة.


يعني، أحب كثيرًا لفظة وحشة، أحب كيف أنها تضم وحشًا بين حروفها الأولى ثم كيف يُربط هذا الوحش بتاء.

أحب صوت الواو، الذي يخرج من شفتي دون أن أطبقها.
والحاء وهو يخرج من وسط الحلق، والشين وهو خارجا من وسط لساني.
أسمع لفظة وحشة من هنا، وأشعر بالوحشة من هنا..
( أنا الآن أشعر بالوحشة).

كلمة مُر، أيضا،
لها وقعٌ خفيف و حازم على أذني، أحبه، ما إن أسمعها أو ألفظها/ أكتبها، حتى يتمرر حلقي، ويصبح للأشياء كلها طعم مر.

مرة نطق شخص ما كلمة "طرطور" أمامي، أعجبت باللفظة. تكرار الطاء والراء، والواو بينهما كاستراحة.
لها إيقاع مضحك، ولذيذ.
كررتها أكثر من مرة مع نفسي:
طرطور
طرطور
شعرت أنني نكرة وغير مهم. طرطور.

أحب لفظة البيت، أحب أن أكتبها وأحكيها وأسمعها وأسمع الآخرين ينطقونها، لأشعر أنني دائمًا في البيت.

ملاحظة:
لفظة خفيف تجعلني أشعر بالخفة.
لفظة ثقيل تجعلني أشعر بالثقل.
( مرات أكرر لفظة أحبها، طمعًا بشعورها، لكن الأمر لا يعمل هكذا. أبدًا لا يعمل هكذا).


VI

أصوات :


تعملت ثلاث كلمات بالنرويجية
Ansikt
Hus
Mor
(وجه، منزل، أم).
من هذه الكلمات فقط يكون الشعر.

*
1

امرأة منتبهة، خائفة لأنها منتبهة، حذرة لأنها منتبهة وخائفة،
لا تفرح إلا بخوف. تقول أنها غيرت العتبة، (لفك النحس)، لكنها لا تزال خائفة.
(هذه المرأة تذكرني بامرأة أخرى لها علاقة بالمرأة ٣)
**

امرأة ٢

أريد جمهورًا عريضًا وأبدأ جولتي،

مُستَمعين اثنين على الأقل وأبدأ جولتي،

مستمعًا واحدًا فقط وأبدأ جولتي.

تعود إلى البيت، تكتب في يومياتها:

(في طفولتي سألتني عجوز تلبس إيشاربا ملونًا عن اسمي قلت: لينا.
لا لا روحك ما اسمها. لم أعرف).

الآن فهمت.
تنام..

امراة ٣
أنا فارغة، وهذه ليست حالة طارئة علي، كما أنها ليست حالة مستمرة، أختبر هذا الفراغ في عز لحظاتي الممتلئة تقريبًا، وأمتلئ فجأة في حين أكون منذ لحظات فارغة.
سنة تجر سنة، والسنوات تجرني وأجر معي هذا الشعور بالفراغ.

أحيانًا أشك أنني مجوفة من الداخل، لا أقصد التصور الكليشيه عن الشعور بالفراغ، لا، أقصد أن داخلي بلا أحشاء فعلًا. فراغ، فراغ فقط.

آه... أنا الآن أفرغ أكثر وأكثر..
**
امراة ٤:
رُدني،
رُدني،
(رُدني إلى صورتي القديمة في مرآتي)*
وتغني:
"بيت في ميسولا
بيت في تروكي
بيت في أوبيلوس
ولا بيت لي.
بيت في ميدورا القديمة
بيت في واندرني
بيت في أوغالالا
وأنا لن أصل إلى البيت أبدًا".**



VII


قديمًا:
لما شعر الناس بالملل، بنوا برج بابل.. أما أنا شعرت بالملل فتزوجت من رجل ميت وبنيتُ بيتًا صغير.

بنيت بيتًا، ولم يكن على العدم، لهذا كل الكون ليس لي.
لي هذا البيت فقط.. ولم يكن طبعًا كالبيت الذي بناه جاك
(بيت جاك من جثث، وبيتي من خيوط وحجارة).

اتخذت العناكب قدوة، كنت أريد بيتًا حزينًا.
بنيته في الأيام الغائمة، وبكيت بقية الأيام. ولما انتهيت.

قلت: صار لي بيتًا. أنا موجود.

وجلبتُ قطًا أسود لضبط الإيقاع، وطفلين لضبط الإيقاع، وتنكرت لأهلي ولأخوتي ولجميع معارفي لضبط الإيقاع. ولئلا يقع البيت على رأسي.

(أكره القطط والأطفال وأكره كل هذا الحشو).

أريد جمهورًا هنا:
فَعَّلَ الملل توق الناس للقتل، ودفعني لأروي الحكايا.

أحيانا أسرد قصة إخلاص ماريا براون وعدم إخلاص جسدها.
وأعلق:
"ماريا براون نموذج عظيم للنساء حين يطول غياب الرجل".

وأتذكر هنا عشيقة الشاعر يسنين.. مسكينة والله، اختزلها العالم ب: فتاة مخلصة.

وقد أحكي لك عن الرجل الذي تطوع في الحرب لأجل غانية.. (لعلمك الأمر يستحق.)

وأحيانا أنزلق وأحكي عن نفسي:

اسمي مادموزيل سهير، أعيش بعمارة للقحاب والعرصات،
أضع أطنانا من المكياج، وأرى الأمر تراجيديًا.

تزوجت بأكثر من رجل، لا أتذكر الآن عنهم شيئًا، إلا لحظة الأورجازم وأنا أشتهي رجالا غيرهم.
( اللحظة الأكثر صدقًا وأصالة لنا، نحن النساء).

اسمي مادموزيل سهير، ومشهورة ب:

"سهير أُم قلبٍ معطوب.. التي تبكي كثيرًا لأنها تريد أمها".


..

يشعر الناس بالملل فيبنون الأبراج.. أما أنا أشعر بالملل وأريد أن أنام.



VIII


قرأت مرة أن
"الوصف إشفاق على العابر، إنقاذ للزائل".

لذا سأصف لك ماذا يجري هنا، معي تحديدا.
(سأتفرع كثيرا، ويمكن ما أفيدك، لذا أعتذر مسبقا).

سأبدا من الجينات.
(متل ما بتعرف كل شئ يبدأ من هنا).

يرث الواحد منا حتى طريقة أبويه في الصراخ والمساومة، وشكل الأقدام والوجهة، ولون العين والرؤية.
(هل من داع للتكملة؟).

طيب
ولدت في غزة، واعتقدت في البداية أنها نكتة.
وسألت،
هل غزة هي العمود في سيرة القديس سمعان العمودي؟.
لا، هذه حياتك، وليست استعارة.
أوووه.
..

Home Is Where It Hurts
اكتشفت الوحدة بعمر العاشرة
حين قصت علينا أختي حلمها باللون الأزرق،
وقالت:
"سأصبح رسامة، هذا تفسير الحلم".

أعرف أنها تكذب وأنها اقتبست الحلم،
لكني عجزت حتى عن الاقتباس. من هنا أكيد جاءت الوحدة.
(والألم طبعا في كل الأحوال موجود).
..

بالنسبة لصديقتي هند
"الناس عبيد لغتهم"
فمش مشكلة كبيرة إذا دائما دائما حاسين بالوحشة.
..

لا تطارد الوشاية، ولا تعد إلى المنزل نفسه مرتين.
وجيد لصحتك أن تعتبر الملل فنا، وإياك أن تحب أمثال
مارثا العجوز، بطلة فيلم من يخاف فيرجينيا وولف.
التي تكرر بإلحاح:
"افعل شيئا لمارثا العجوز
افعل شيئا لمارثا العجوز".

ولا تكثر الحديث عن الجمال والقسوة، ولا تخلط بين ال ..
بلا بلا بلا...
اسكت
(ولا تعزف لي لحنا مسروقا).
..
هل أعتذر مرة أخرى؟


IX

كادرات

1
أحلام النساء اللواتي يرغبن في ترك أزواجهن.

امرأة1:
في الحلم أرى زوجي يحمل سكينا ووردة، يحز بطني بالسكين ويخرج منه أطفالا لامرأة أخرى، لكنه لا يفعل شيئا بالوردة.

امرأة2:
أحلم بالحفر كثيرا.. كلما ردمت حفرة يخرج زوجي من حفرة أخرى.

امرأة3:
زوجي يصرخ بي في كل أحلامي
"بعد كل هذا الوقت تتحولين إلى نورا!"*

أما عن أحلامي، فالنساء دوما يرددن في الخلفية:
"جميعنا في نفس القارب".
..

2
أقوال جمالية

قلت مرة:
إن الشعر استقلال جمالي، أما النثر فهو نفعي.
وإن الحياة تحتاج ساعة لقياس تحولاتنا.
وإن العتبات أجمل بكثير من البيوت.
وإن العالم له شكل مخاوفنا،
(المخاوف القاتلة طبعا)
وإن ترويض الأغاني الحزينة والرقص عليها في الأعراس، أمر ليس غريبا أبدا.
وإن الحياة أوفرريتيد.

(أوه، سوري قصدي اقتبست، بس عادي أصلا كل شئ مستعار.. وهيك).

3

عاشق سيموت بعد يومين يكتب لآخر مرة.

جاءت × أمس.
قالت إن اليوم عيد زواجها السادس، لكنها لا تتذكر من تزوجت ولماذا.
(صدقني لا أقصد إهانة أحد، لكنني لا أتذكر)
حكت عن المكان الذي تعيش فيه ولا يسع رأسها.
وعن أورامها التي لا تستطيع الإمساك بها
(لدي ورم في روحي، أنا جدا متعبة).
....
.... ..
....
......
(هذا الجزء مقصوص).


4

"ياحب ليس لنا غيرك" جاك بريفير
منذ قليل نشر أحدهم صورة سادة على فيس بوك.
وعلق:
"هذا أنا قبل أن أحبك".
هههههههههههه..

5

بيت ورجل.

أحببت رجلا يتحدث باستمرار عن نجاحه في مضاعفة ألمه، وخلق آلاما أكبر.
(اسمعي.. علينا أن ننسى الألم الأصلي وننشغل بالوهم).
عرفته؟
الرجل الذي باع بيتنا لأنه أكبر بكثير من قصتنا.
(اسمعي.. على البيت أن يناسب قصة الساكن)..

6

الأصحاب الذين حصلت عليهم من أماكن غريبة:

إلى وديع وماتيلد وروز الرقيقة:

Trust me, it's all lies

Its all lies

Its all lies..

7
حين تزوجت ماريا براون وابنة خالتي الصغيرة.

علمت أن النساء يتزوجن وينجبن بدافع الملل، أنا أيضا أشعر بالملل،(أف شو ملانة)
لكنني الآن فقط نجوت... وعلي أن أبدأ في العيش..

( صحيح، من يعرف هرمان براون).

8
اليوم زرت قبرا مكتوبا عليه:
"لا تزعجني، لدي عائلة أخرى الآن".


X


وكان لي وجه أحبه، لكني نسيته دون قصد، حين نزلت على جماعة من الراحلين، وأشرت إلى أجسامهم/وجوههم.. لماذا؟
فردوا:
"... وجلدنا قاس حتى علينا، لأننا في مرحلة ما يبسنا من التعب"
واستسلمت لهم حين أقروا بأني متعب مثلهم.

وكان لي حكاية، حكاية طويلة،
( خيال وحبكة وحشو )، لكني نسيتها كلها، حين صادفت أشخاصا يؤمنون بأن العيش مهنة كاملة، ولا وقت لديهم للكلام.

وبيت، كان لي بيت، لكني هجرته عندما قرأت كتاب
"حتى أتخلى عن فكرة البيوت" دون أن أفهمه.

وخمسة أطفال، جميعهم هجروني، لكني لم أحزن، وقلت
إني فعلتها من قبل..
"آه، هجرتني الأطيار جميعا".

وكان لي وجه أحبه، لكني نسيته دون قصد، وحاولت بكثير من الطرق أن أتذكره.
عجزت، فغنيت:
"ولا حتى القمر قادر أن يذكرني وجه من أحببت يوما".



تعليقات