القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث الموضوعات [LastPost]

مختارات من تروبادور الصمت / بشير السباعي

 

 رماد الأزمنة الجميلة 

مختارات من تروبادور الصمت لبشير السباعي

 

مختارات من تروبادور الصمت - بشير السباعي - بيت النص

 

 
امرأةٌ جميلة
 
 
كان الزمنُ خاليًا من الشعر
فأحبت امراةٌ جميلةٌ أن تكتبَ قصيدة
من بيتين اثنين.
تَجَرَّدَتْ من ثيابها
وانتحرت عارية.
النائبُ العام،
حارس مملكةِ الضجر،
لا يحبُّ الشعر
ولم ترُقْ له هذه القصيدةُ بالذات.
تَجَمَّعَ الناسُ حولَ الوردةِ النائمة
واستولى عليهم الأرق.
النائبُ العامُ وحدهُ هو الذي نام
بعد أن وقف أمام المرآةِ وقال:
لكن هذا فعلٌ علنيٌّ فاضح!

8 يوليو 1997

 

 

 

عندما أجلس إلى جواركِ
 
 
عندما أجلس إلى جواركِ
أتذكر طفولتي.
بعد الكأسِ الأولى
أتخيل نفسي زورقًا
لم يهجر اليابسةَ من قبلُ قط
فتجتاحني رغبة في النزول إلى النهر
وملامسةِ الماء
ربما أَتَعَرَّفُ على ملامحي
عندئذٍ تمتدُّ يدي بين فخذيكِ
حتى تخومِ العُشب الأولى
فأعرفُ طريقي إلى بحيرةٍ من النار
ثم أرسو
على خط الاستواء

10 أغسطس 1997

 

 

 

الأسد آبادي
 
 
كان الشيخ جمال الدين الأسد آبادي
يجلس كل مساء على رصيف قهوة “متاتيا”
يثبتُ عينيه على حدائق الأزبكية
يجرفه الحنين إلى المروج الفارسية
“يوزع السعوط بيدٍ
والثورة باليد الأخرى”
هذا المساء
بين رميتي زهر
على رصيف قهوة “زهرة البستان”
لمحته فجأة في أحد الأركان
كان حزينًا
مهمومًا…
وضجرًا…
لا يكاد يثبت عينيه على شيء
وكان يوزع السعوط بكلتا يديه!

أواخر يوليو 1989

 

 

 

 هكذا يجب الآن أن تتحرر

 
هكذا يجب الآن أن تتحرر:
أن تُدرك أخيرًا أن ما تسميه حبًّا
ليس غير أوزارٍ تثقلُ قلبك
وأنك لن تصلَ أبدًا إلى روحِ امرأة
إن كان بينك وبينها جسد امرأةٍ أخرى
وعندما تُقرِّرُ الإبحار
لا تُصَلِّ للرب
وتذكر فقط أن تحملَ الخريطة المناسبة

4 أغسطس 1992

 


رماد الأزمنة الجميلة
 
 
كنتُ أبتسمُ
إذ أرى الممرضة ذاهلةً
من اللامبالاةِ المرتسمةِ على وجهيَ
في وجهِ الخطر
وكنتُ، ككل الأطفال، لا أخاف الموت
وكنتُ أستقبلُ الوحدةَ الجبريةَ
والأسرَ في الميناء
دون أن تفارقَ وجهيَ الابتسامة
وكنتُ أقول إن الخُلدَ الأحمر
يحفر تحت السور
وكنتُ أرى على ظهر الكوكب
غاباتٍ من أعمدة النور
وفي التيهِ الأسودِ آلاف الخرائط
وعلى كل خريطةٍ ألفَ علامة
وكنتُ أُقبِّل، على أرصفة اللحظة العابرة،
فتياتٍ لا أعرفهن
حبًّا لكل ما أبْدَعَتْهُ الأزمنةُ الجميلة فيهن
من رقة الشعور ومن سحر الوسامة
وكنتُ أترك قهوتي
لأضُمَّ إلى صدري سوسنةً عابثة
لا تُمارسُ الحب إلاَّ على فراشِ الأرض
وكنتُ … وكنتُ …
لكن الأزمنة الجميلةَ استحالت رمادًا
وغَشِيَني الخوف
إذ خلت الدروبُ من البشر النوارس
وامتلأت بتبكيت الضمير
فأشفقتُ على نفسي من سوء المصير
 
30 أبريل 1989


 

الكلمات المناسبة
(إلى مارجريتا)
 
 
الكلمات المناسبة التي لا نشتهيها
كيف تكون مناسبة؟
“اللغةُ هي الواقعُ المباشرُ للفكر”
فما هو الواقعُ المباشرُ للحب؟
أقولُ للمدرسةِ الروسيةِ الجميلة:
“إلى اللقاء!”
تشدُّ على يدي
تقولُ إن الكلمة المناسبة هي :”وداعًا”!
لا أدري ماذا تقصدُ
هل تصححُ لغتي؟
أم توبخُ قلبي؟!
 
10 مايو 1989

 

حين سميتُ ماركس خُلْدًا أحمرَ
 
 
حين سميتُ ماركسَ خُلْدًا أحمرَ
كشفت الخراتيتُ عن مؤخراتها
إعلانًا لـ “نهاية التاريخ”!
لكن الزمن مفتوحٌ
ليس كجرحٍ أبديٍّ
بل كوردةٍ
تتأرجُ باشتهاءاتِ الخاسرين.

يناير 1996

 

 
يومًا ما
 
 
يومًا ما..
سوف تحتضنُ الأرضُ الدافئةُ أسرار قلبي
يومًا ما
سوف تتذكرني امرأةٌ منتشيةٌ بالفرح
أو متشحةٌ بالسواد
يومًا ما
سوف تكونُ الأرضُ في رقةِ امرأةٍ
وتكون امرأةٌ في دفءِ الأرض!

19 يوليو 1990


 

امرأة تقف على شاطئ النهر
 
 
امرأةٌ تقف على شاطئ النهر
شجرةً عجوز
تكلمُ الماء الذي يلثم شفتيها
تتجردُ من ثيابها
تتأملُ نهديها البازغين تحت الشمس
تمرُّ الخماسين بين فخذيها
فتنتشي
وتلمحُ طيورَ طفولتها
تخترقُ الفضاء

أواخر نوفمبر 1996

 

 
ويتمانيا
(إلى تامران)
 
 
إذا ساقتكَ الأقدارُ
إلى العالمِ الجديد
اخلع نعليكَ
وخفف الوطء
ليس خشوعًا لآلهة الدمار
بل لأنك حين تمشي على العشب
قد يكون والت ويتمان تحت قدميك.

فبراير 1996

 

 

امرأة بلون أحزاننا


امرأةٌ بلونِ أحزاننا
تنيخُ على جسمها النحيلِ
رأسُ عرَّافةٍ
تسخرُ من وجوهنا الحائرة
تخبطُ الطاولةَ بيدينِ منذرتين
فتطيرُ أقداحُ القهوةِ
ونبكي مصائرنا المُراقة

28 ديسمبر 1996

 


جوزفين
 
 
عندما تجلسُ جوزفين الى البيانو
لا تكترثْ كثيرًا لعزفِها
(لو كان موتسارت هناكَ لألقى بها من النافذة!)
يكفيكَ أن تنظرَ إلى شفتيها المُرَّتين اللتين تبتسمان لك
وأنت تدنو من النهرِ الذي يتدفقُ بين نهديها شبه العاريين
تَذَكَّرْ فقط أنها تحبك
واغفر لها عَزفَها…
جوزفين…
عاملة التلغرافِ الجميلة

29 ديسمبر 1996


 

رسالة إلى أولجا ستيفانوفنا
 
 
يشعلُ لي سيجارة
يقولُ إنها بكت كثيرًا عشيةَ رحيلِها
يتذكرُ أنها اشترت بآخرِ ما معها من دولارات
ملابسَ جديدة
كي يفرحَ بها وهي تخلعها
يسألني أن أترجمَ رسالةً قصيرةً إليها
أقولُ: لا عليك!
يأخذُ ما كتبتُ …
ويُذيِّلُهُ بتاريخ أول أيامِ وحدته!

25 أبريل 1992


 

عندما شَفَّت الرغبة
 
 
عندما شَفَّت الرغبةُ
عن شفتيكِ الساخنتين
وأنتِ تبتهلينَ إلى السماء
تذكرتُ الشوارعَ الملحدة العظيمةَ
تحملُ أسماءَ قديسين
وخائفينَ من الرب
وأنبياء …

10 يونيو 1998


 

جونفياف
(إلى وسام)
 
 
التلميذةُ التي تتهيأُ لدخولِ الدير
الوردةُ التي تؤَرِّجُ شارعَ الوابورات
يهتزُّ الصليبُ على صدرها الناهد
إذ يتحرشُ بها الأولادُ الأشرار
تتمتمُ بالسلامِ الملائكي:
المجدُ لك يا مريم!
تتشبثُ بيدي كأنني الملاك الحارس
يرتجف قلبي الصغيرُ فأُردد:
المجدُ لكِ يا مريم!
يا أمَّ أجملِ البنات!

1 ديسمبر 1996

 

صُوَر
 
 
رأيتكِ أول مرةٍ
مرسومةً عاريةً
داخل كهفٍ سحيق
ولمحتُكِ مرةً ثانية
تخرجين من آخر ضوءِ شمعةٍ تموت
ثم وجدتُكِ أخيرًا
نهارًا أبديًّا
يسكنُ رأسيَ المزدحمةَ بالهلوسات
 
يناير 1996

 

تعليقات