امرأة جزلة وقاتلة مأجورة
مختارات من شعر ميسون أسعد
1
امرأة جزلة
امرأة جزلة ؛
تمشي على السطر مشبوبة القامة ،
تطرقه بكعبها ،
بخطى كورالية للصوت وصداه،
ومابين السطر والسطر، تفوح حياة أخرى ،
لكن ؛
من يقرأ ما بين السطور ؟!
امرأةٌ جزلة ؛
تنتحر عطاءً،
ثم فجأةً . . .
تنفجر كقنّبلةٍ موقوتة ،
على توقيتٍ باهتٍ ،
تصرخ بأعلى صوتها ؛
نضبتُ !!
ولا تكاد تكمل كلمتها ،
حتى تتفجر ينابيع عذبة،
من بين أصابعها الجافة ،
فتخضر الواحة الصغيرة حولها ،
بينما الصحراء الممتدة في قلبها ،
لا تستمطر أحدا !
امرأة جزلة ؛
توصد الكلمات ،
تدفن الأسئلة حيّة،
تكسر المرايا ،
تتبع نميمة الأفكار السّوداء،
فتقودها إلى سجنها العالي،
ذاك الّذي يشبه أعشاش الصّقور،
و بعد كل تحليقٍ ،
تضيف عوداً يابساً آخر ،
ليصير السّجن أكثر طراوةً
من الصّخر!
امرأة جزلة ؛
تموت وتولد ألف مرّة
كل يوم،
دون أن يغيّر ذلك شيئاً في ملامحها،
تجري في البيت كريح ،
وكزوبعةٍ ناعمة،
تلمّ أوراقها المتساقطة إلى حرج ثوبها ،
تنظر إلى الرّجل المقوس الظّهر،
وتبتسم،
وحدها تملك الوصفة السّحريّة للمعجزات ،
وحدها تعلم كيف تطهو نفسها ، على نارٍ هادئةٍ ،
وكيف تعيد بعث
الجسد ،بارداً نيئاً ،
جاهزاً لنارٍ جديدة ،
ولاحتراق آخر،
إذا اقتضى الأمر!
2
يشبهُ أنْ ..
أسافرَ فَجراً ،
والكلُ نيام ،
البشر ،
الشّجر ،
الحجر ..
و الطّرقات ؛
أتسلّلُ على رؤوسِ أفكاري ،
أنتحلُ صِفةَ الرّيح،
كي لا أُثيرَ شُبهة الصّباح!
يُشبه أن...
أمشيَ ظهراً ،
تحتَ شمسٍ حارقةٍ،
على طريقٍ طويلٍ .. طويل،
حاملاً
صخرتي،
صاعداً
من حضيض الحبكة..إلى قمةالحل ،
دون أن أصل !
يشبه أن ..
أقوم
عصراً ،
من الموتْ،
الشمسُ حمراء ،
الأصواتُ
تلبس..
ُ صدىً فاقع،
وقدماي...
قدمايَ ترتجفان،
كقصبةٍ ،
حطَّ عليها
طائر
أبو مِنجل ..
يُشبه أن..
يحلّ المساء،
وأنا هناك ،
أجتّر عُمراً،
ابتلعتُه على عَجل،
فتُسدل سِتارة الحَنين ،
وتَبدأ الذكريات ،
الهَرجَ والمَرج !
3
جائعة
كطفل منذ ان ولد
وهو على لحم خيبته
لا يتوقف عن البكاء ،
علّه يجد ما يسد رمق الحنين!
اتضور جوعا ً
لوجه
عيبه عين كماله ،
لكلمة سباب لها طعم الغزل الشهي،
لصورة تتكلم صدقاً
أخالف الضوء البرتقالي الداخل إلى غرفتي
وأخرج الى الشرفة،
أقف على ناصية العالم الضاج بالحياة ،
ألتهم الشارع
السيارات الفارهة ،
الاطفال وضحكاتهم ،
الفتيات المتغاويات بمشيتهن ؛
أمد يدي لمائدة جارتنا
لأسرق كلمة من حديثها المليء بالقهقهة؛
كم هي متخمة ....وكم انا جائعة !
التفت لسماءٍ
كانت يوما طبقي المفضل ؛
أبحث عن نجمة العصر
فلا اجدها ،
وكأن الغياب وحش يبتلع كل ما أحب ،
أفتش عن غيمة سكرية
سكب عليها الأفق بهاراته الملهمة،
عن سرب حمامٍ يجوب السماء
جيئة وذهابا
بطيران عبثي حر،
هذا المساء لا طعام على مائدةالسماء!
لا حيلة لي
اعود متقهقرة مع آخر شعاع للنهار،
أتجرع كاس الذكريات،
أغفو وانا اكل نفسي جوعا
4
لا أملك يقيناً واحداً..
ارتاب في كل شيء ؛
زرقة البحر ،
بياض الثلج ،
سواد الليل ،
لون الصوت ،و رائحة الهواء .
كلّ شيءٍ مثير ٌ للارتياب ؛
أقلّب البسمات بيدي قبل تناولها ،
أسقي النار من الكوب قبل أن أشربه ،
وقبل أن أنام أعض المخدة..
في المرآة ؛
أمدّ لساني للمرأة الواقفة قبالتي،
تمدّ لسانها ،
أرفع يدي
ترفع يدها،
أذرف دمعةً للداخل
فلا تفعل،
أكسرها وأمضي..
بالأمس ؛
ناولني شخص لا أعرفه تفاحة حمراء
وغادر مبتسماً،
لم اجرؤ على أخذ قضمةواحدة ؛
لا زلت أحملها بارتياب !
صباحاً
لم أسمع صياح الديك
سمعت نعيق غراب ،
فنمت على الجانب الآخر
وفات قطار النهار ،وأنا أنتظر صياح الديك لأستيقظ !
في البيت أتأكد من إغلاق كلّ الأبواب،
مرة ...مرتين ..ثلاث
فأنا لا أثق حتى بذاكرتي ،
أخشى الأبواب المفتوحة ،
فالباب المفتوح على مصراعيه مثيرٌ للريبة !
أطهو القصيدة..
وأرميها قبل أن أضعها على المائدة،
اقول ربما لم تنضج كفاية، او ربما أفرطت في إضافة الملح !
مرّة ..قرّرت أن اتخذ يقيناَ يحمل عني كتفا في هذه الحياة؛
لكن ما حدث أنه كان أثقل من الحياة نفسها..
تخليت عنه وأسلمت أشرعتي للشك..!
5
كثيراً...
سريعاً ...
سعيداً...
بالإتّجاه
الّذي ستهربُ منهُ لاحقاً !
من قال أنّ ثمّة منطق في الحب ّ !؟
ثمَّ إنّ ذاك المجنون داخلك،
سيصير مرهفاًو حكيماً ؛
يكتب الشعر ..
يقول الحكمة ..
يضحك ويبكي معاً!
ومن معجزاته أيضا ً؛
أنّ تغمضَ عينيك لترى،
وتصمّ أذنيك لتسمع،
وتدفن نفسك في عُزلةٍ ،
لتحلّق بعيداً بعيداً،
مستأنساً بوحدتك !
وتضيءُ وجهكَ دهشةُ طفل ،
فتسحركَ فراشةٌ زرقاء،
تحدّق طويلاً بإقحوانةٍ ،
وتشجيك مناجاة عصفورٍ قبيل الفجر،
ستصير أخضر أخضر ،
كشجرةِ زيتونٍ،
تنزفُ زيتَك ؛
ولا تعرى !
6
قاتلة مأجورة
كلَّ صباحٍ أَقتلُ امرأة ً..
أدفنُها تحتَ السّرير وأخرجُ ،
أُعِدُّ اليومَ لهم على أفضل مايكون، كما لو أن شَيئاً لمْ يَحدثْ !
ليلاً.. أشحذُ سكاكيني جيداً،
أفكّر أن أقتلهم جميعاً ،
وأترك تلك المرأة طليقةً كالريح؛
يأتي الصّباح ،و ينقلني فجأةً من المربّعِ الأسود إلى المربّع الأبيض ،
ألبسُ كفنيَ وأمضي إلى مقتَلي، متخفية كحرباء،
بيدقٌ أبيض على مربّعٍ أبيض !
لطالما اعتقدت ُ أنّني القاتلة الوحيدة ،كنت أخشى النظر في الأعين ،كيلا يلاحظَ أحدٌ نظرةَ الريبةِ والخوفّ ،
مرّةً وضعتُ نظاراتٍ سوداء ،
ويالغرابة ما رأيت !
كل النّساء يحملنَ ذات النظرة البائسة ،
ملطَّخةٌأيديهنَّ بدمائهن ؛
كلهنّ مثلي ...
قاتلاتٍ مأجورات !
7
حديث جانبي مع الموت
أيّها المَوتْ ..
ماذا لو بارزتني وجهاً لوجْه ؟
لربّما ابتسمْتُ لَك ْ؛
لربما مددتُ لكَ روحي،
عن طيبِ خاطر !
أيّها المَوت ..
وأنت تقشّرُ جلدي،
وتَبري شيئاً فشيئاً عظامي،
وتَرعى كدودةٍ ذاكرتي
وأنتَ بهذا القرب،
لكأنّما تسكنُني
كيفَ إذاً لمْ ألحظَك؟؟!
أيُّها المَوت ..
ارتكبتُ الكثيرُ مِن الخطايا،
فأنا أمرأةٌ خائنة،
لطالما خْيّرتُ بينَ خيانتين
فعلى أي خيانةً، ستُحاسبني؟
أعلى خيانةِ القبيلة ؟
أَمْ على خيانةِ قلبي وعقلي ؟!
أيها الموت
أنا لا أكرهك ؛
فأنت تحمل ملامح كل الذين غادروني !
تعليقات
إرسال تعليق