فى خفوت ينهض البيت
ثم يتحرك صوب البداية /
ربما ينحني قليلاً كموسيقى أعمى
ليحذر العصافير من رداءة الطقس /
الحوائط /
والأعمدة
والمشربيات /
والمزاليج /
تنأى لتؤكد حضورها المبتل /
على الباب الخارجي صقر من الحناء
لصيد الزغاريد /
أيتها الحبيبة النائية :
كيف أبحث فى قطعان جسمك عن نشيدي الرعوي ؟
عن لحظة
تتشح بالقبرات والشهب ؟
فى إحدى حجرات البيت
يجلس صبى نحيل بيده سلحفاة وببغاء /
يفتش عن الأنوات المتقاطعة على سطح اللغة /
عن ترويض بنية الرمز /
عن الليل الذى يغتسل من صفاته /
وذات مساء تجشأ ( أحمد )
فانبثقت من ضلعه ( فاطمة ) والكاتدرائيات /
تحت راية الموت تولد كل يوم ( فاطمة ) /
يا فاطمة / يا فاطمة / يا فاطمة /
أحمد / فاطمة / والحنين /
الثلاثة يمتطون حماراً من البرغل /
وينحدرون داخل أحد البراعم /
إنه الحنين
تلك العبودية الزرقاء /
إنه رحيق الأصابع /
تأتآت العظام المخلخلة /
والسمكة التى تجعد أوردة البحر /
كل ليلة ينعس القمر فوق الصخرة
وينعس الصبي النحيل فى السماء
والبيت ينمو حولهما كمعطف حجري /
أيتها الحبيبة النائية :
متى تعرف أمطار الربيع طائر الدودو
ومتى يصبح الوقت مواتياً
لاضع فى آلة النفخ رمقي الأخير ؟
فوق رف صغير فى حجرة من حجرات البيت /
يدور حديث بين ( روكامبول ) وزجاجة من محلول ( الكولدال )
المثبط لنزلات البرد /
فى حجرة أخرى :
رفات مصابيح ومشكاوات /
فراغ على شكل حزن /
زرقة لا قفل لها /
سكوت له حدقتان واسعتان /
مشغولات من حجر الأماتست /
أيتها الحبيبة النائية :
دعينى أتخيل الموت الذى يليق بك /
اليأس الملائم لاستدارة ركبتك /
الألفة الداكنة التى تجعلك الوريث الشرعى لليل /
دعينى أتنبأ بالقصيدة
التى كان ينبغى أن تنكسر فى يديك مرتين : /
مرة لتحمل إليك الشمس المخبوءة فى الجرة /
ومرة لتحمل إليك النجمة الراقدة على البيض /
تقدم أيها الصبي النحيل
كى تنوس على كتفيك جديلتك الذهبية /
الببغاء عن يمينك
والسلحفاة عن شمالك
والصبح يقدم لك فطيرة الينسون /
هل سمعت صوت اليد المضيئة تهمس فى فمك :
( البركة تنزل فى وسط الطعام , فكل من حافته ) ؟
نحن الآن على سطح البيت :
سياج من خشب البغدادلي /
نجوم تستأجر بقعة مؤقتة من المساء /
قتال شرس بين أرباب وعفاريت /
والرغبة مسمار لا يعرف الموت /
وترفع فيالق الدجاج والهررة أذنابها
فتسقط أكاليل اللغة /
وتمتلئ الكوى باللقاحات الساخنة /
تلك هى الطريق إلى البيت /
تمتد الطريق للبيت إلى حيث تنبثق الخواتم والمواويل
والثيران المطفأة من تحت الأنقاض /
إلى حيث يرتفع شريط من العنعنة والنداءات
التى تشق رأس الدمل /
ثم تمضى خلسة
كملائكة نفضت أجنحتها /
عند ذلك ينبثق من حجرة في البيت
شخص مبلل اليدين بماء الاستنجاء /
على إحدى كتفيه دكة من رخام أبيض /
وعلى الكتف الأخرى برج العذراء /
وعند ذلك
تعبر القرويات المحجلات عتبة الكون
وقد فتحن مزارات أجسادهن للطيور الغامضة /
وحين يقبل الضحى
تزدحم الطريق إلى البيت بسلال النبق والخروب /
بعيدان البردقوش والسرمق /
بأهراء من ثمار السلجم والقلقاس /
وحين يقبل الغروب
يستبد بالطريق إلى البيت إحساس
يشبه رائحة الملاعق المغسولة
ثم يأخذ الحنين فى الترهل حتى يبلغ ذروة الصمت
فإذا جاء الليل
بسط البيت سريره على الماء /
ووضع جسمه بين القيظ والنسيم /
ثم ألقى بأسئلتة فى مهبل مفتوح /
(الأسكندرية)
1995
تعليقات
إرسال تعليق