غرقتُ ولم أتعلّم بعدُ السباحة
مخلص خليل
عليكَ غُلالتان
أنت المضرّج منذ همهمةِ الحليب على لسانكَ،
كم عليَّ لكي أسيرَ بكَ السراطَ
وكم عليَّ لكي اُجنبّكَ الأساورَ،
والنظائرَ
والضبابْ...؟
وكم عليَّ لأستوي ضدين فيكَ، عليكَ
أن أنأى ،
أُقيمُ وأُسترابْ
دمشق 23-11-1985
مرآة لبغداد
أناديكِ...
أنتِ الغريمُ..
ونصلُكِ في الظلِّ،
أنتِ السماءُ..
ونحنُ الذين نرى نصفَها.
وأنتِ السوادُ،
ونحنُ نؤرجحهُ في الليالي خصاماً
أناديك: ياطفلةَ الله،
أنتِ التي يبتدي الطَلْقُ في سَورةٍ منكِ،
نحنُ اليتامى
أناديكِ...
فلتوقظي لي أبي...!
26ـ1ـ 1986
نعت
لأن الهواءَ قليلٌ..
أميلُ إليكِ
لأن بنيكِ النيام ينامون همساً...!
كتبتُ وحيداً:
أنا أرِقٌ، ومريضٌ
أقيسُ المدى بدوائكِ، حتى أجنَّ
أنا أرٍقٌ
لأنكِ، أنتِ التي كنتِ تنحدرينَ،
مريضٌ..
لأنكِ زرقاءُ
كيفَ أردُّ إلى النجمِ
مِعصَمهُ،
وبيتاً فبيتاً أغطيكِ،
من مخفرِ اللّه حتى بيوتِ الصفيحِ
ونهراً فنهراً
وقيدا فقيداً،
وهمساً أخافُ عليكِ
لأن بنيكِ النيام نَموا
وكتبتُ وحيداً
بيروت 25-10-1981
من مجموعة قصائد "مرايا لبغداد"
هِيت
بيننا غيمةٌ
ثم رمل نسجناهُ
يمشي ويغرق
أو بيننا جمرةٌ
والغضا، وحصانٌ طعين
بيننا الكمأ الشيخ
زُوّجَ من جِبوةٍ
فنسيناه في الفيء يكبُر
أو بيننا (ابن برد) نغنّيه
حتى نرى الفقرَ أقرب
تاءٌ، وقالوا تماثلَتا في الحروف
وهاءٌ وكرّره الجدّ في الياء أو في البنين
جارنا الشرقُ
والغربُ قربكَ
دجلة قاربنا
والفراتُ ذراعاكَ بين العرائش
لك الجبلُ الآن والسهلُ لي
وغرقتُ ولم أتعلّم بعدُ السباحة
لك الموج أخضر
والمرجُ لي
ولك الدمع والغجريّ الأمير
وكلبته (الشير)
ماذا يفرقنا الآنَ غير النواعير
من ذلك الشرق
حين امتزجتِ بهذا الصقيع
فأهديتكِ القبّعة
من هو الآن هذا الجنوب
إذا ذبُلَ النخل
ناولتهُ غيمةً من هواكِ
فجمّع أسمالهُ كي يؤوب.
30ـ1ـ1981
خانقين
بيدرٌ أعجميٌّ، وريحٌ وطين
أسلمتْ للسنابل سنّارةً
للقبائل طاحونةً
أخطأت في السنين
فدعت أول الصيف بين مواقدها
ودّعت أول الموت في مايس المتأخر،
ضاعت إذ انحدرَتْ
واستقامت إذا مسّها البردُ والياسمين
خانقين أسلمت للهواء قفافيزها
للحروب أسابيعها
القيدُ في عنقها
لا نبيّ لها
لا طعين سوى شرفها
المائل الآن في الخارطة
كالهواجس تُطوى
وكالبرد تذبلُ
كرديةٌ في البنادق أو في السراويل
خجلى إذا نطقت حرفها الضاد
منفى، وأسرى بلا بيتها يُطردون
بها هبط النفط
وانقرضت سكة الصُلب
فيها الشذى البرتقالي
واليُتم
والليل أبيض،
مهملةٌ كالزنابق
مفتوحةٌ كالظنون
خانقين
قريةٌ تهجسُ: الجارُ أهون
والهجر أهون
والبرتقالةُ إذ تستكين
تاجرٌ وقطاف حزين
خانقين
تشحبُ الآن
لا مُلك في قلبها
غير أخوتها العاشقين.
25ـ1ـ1981
اليوم انتحر رجلٌ وحيد
لم أره إلّا مرةً واحدة
لا يعرفه إلا القليل من عائلتنا المهاجرة.
لم يجد الطريق إلى الشهرة
لم يقاسمه السكن أحد
لم يبح بسره أبداً
فجأةً، ذات مساء
كتب ثلاث كلمات ودسها في جيبه:
أنا الذي اهتديت...
وركب الباص.
تعليقات
إرسال تعليق