قبل سقوطهم
غادة نبيل
كنا سنصبح أكثر رحمة
لو عرفنا متي سيموتون
فمن يعرف أكثر منا الآن
أننا حين اعتزلنا فوق جبال
لاستكمال تمارين القسوة
وأن نفي الكراهية
ليس بأسهل من خِتم أبيض نعثر عليه في المحيط
أو بأصعب من عصفور
يفتح جفنيه فجرا
قلنا .. لُعاب الشيطان
وتحولت أكاذيبنا إلى حلزون
خرج من الصَدَفَة و تعلَّمَ الطيران
ثم اختار شجرة إبرية
جذعها يجعلها خُنثى
والتصقَ بها
كان يكفي توحشنا
ساعة
بِحساب ساعة رملية
قبل أن يقفوا مرة ينطقون حبهم الذاهل
والصفة التي تجمعنا
بلا إدانة سوى للغيب
الذي كنت أبادله الركلات
فيما تنقلب كل أمنية
إلى عكسها
ليس لأن الآلهة تُمسخِرنا
لكن
ألم ينجز سيد درويش*
أغنيته لسعد*
ومات
بينما ترسو سفينة الزعيم؟
إلى ماذا يلوِّحون
والسفن تغادر
أو تصل؟
حتى القطط
كان يمكن تجنيدها لمعاكسة القدر
لو أننا عرفنا
متى سيموتون
من مكاننا
قد نتذكر كيفية طيران
أجسادنا
من الطواحين
قبل التحلل و فوح نتانة
خداع الثقة
من التاريخ
والأبناء
واختلاف مصائر
مكتشفي الجواسيس.
كنا سنكون أكثر حنانًا
أثناء عرض فيلمهم المفضَّل
ونفرح بابتسامة كهولتهم
بعلبة التين الشوكي البارد
كما تعودنا شخللة مفاتيحهم
قبل فتحهم الباب
ما يعني
أننا كنا سنتذكر
عملا طيبا واحدا قدمناه
قبل سقوطهم
في فِراش
ثم في قبر
ولا نكبو
حين ينكحِت
جسد صانعة الكاساتا
وخبيرة السمك
كيف يسقط قلبك
بجانبك كَمسلَّة
دفعة واحدة
ويكون الصواب
استبعاد ذلك من القصيدة؟
لو نقدر على نزع أعضائنا
ثم يهطل مطر
سنخترع عذرا
غير البلل
حتى لو استمر جهلنا بالذنب
حد تمزيقنا
لوحة "بنات بحري"*
أو اكتشافنا أن للجهل
قدمين مفلطحتين
كأقدامنا
تعجز عن العودة
للمدن التي رافقناهم فيها
أو التي طردت شعراءنا
المفضّلين
والتي جندت سقراط في الجيش.
ليس صحيحا أن الآلهة
تُمسخِرنا
لأن لدينا أسرارًا
ولا أنه كان بإمكاننا
أن نكون أكثر رحمة،
حين نستدير نعلم
كان يمكن لحقيقة واحدة أن تُنقذنا :
التعبير عن الافتداء ولو في الجحيم
وكل كتابة عدا ذلك
شهادة زور.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*سيد درويش: رائد التلحين ومجدد الموسيقى المصرية والعربية ومؤسس الأغنية الوطنية وغير الوطنية في النصف الأول من القرن العشرين.
*سعد زغلول: زعيم وطني إبان الاستعمار الإنجليزي لمصر. نفاه الإنجليز و عاد بعد سنوات من اندلاع ثورة ١٩١٩
* "بنات بحري": من أهم أعمال الرائد التشكيلي المصري محمود سعيد
تعليقات
إرسال تعليق