اسمع.. قبلَ أَنْ أَحطَّ على الشاطئ
نعم.. اسمي عادل
وحظّي ليسَ كذلك
ألعبُ في بُحيرةِ الستين
قبلَ الخروجِ مِن البحرِ
رأيتُ كلَّ شيء يعيشُ في النسيان
النسيان.. ربَّيته مثلما أربِّي روحي
وكما أزرعُ يومي بنشاطِ طفلٍ يعاني فرط الحركة
أزرعه بمهارة ماءٍ يتخلّلُ الصَّلصال
النسيانُ.. أخلصت له بعد صدمة أو صدمتين
هُم للأمانة ثلاث صدمات
وقعوا تحت جَناحِ كلِّ مَنْ عليها لها
وليسَ لكَ عليَّ حلفان
صدماتٌ جابته الأرض
كلُّ شيءٍ صار مثلَ كلِّ شيء
النسيانُ.. اندفعَ كطوفان يمحو ما تطوله ذراعاه،
رفعَ فوقَ كتفيه كرَايةِ عصيان لقرصان دمويٍّ أعمى
-كلما اقترب ترى عينيه سحابتين تحدقان فيك وتسبقان
أحلامَكَ -
رفع صدماتي الثلاثة
حين جاءت الرابعةُ جلستُ صارخا
أمام لهيب القبر أو بابه لا فرقَ
طيِّبْ.. ها أنا أنتظرُ المزيدَ
سحابةُ القرصان اليمنى قالت وهي تضحكُ:
لن تصلَ إليَّ ولن أُرسلَ السّهوَ
تعرفُ.. تقولُ السحابةُ اليسرى: كلُّ حَجَرٍ ستقذفه
سينمو صرخة في روحك
النسيانُ حَفرَ بئرا كموميا بدلًا من بئرٍ أخويٍّ
ومضى مطمئنًا
بثقة ساحرٍ مصري يعرف ما يفعل
تركني مثل "قطة شرودنجر"
فإذا اقترب
أزغدُه "أكوان متعددة"
وأهمسُ "نحن نيام ومن مات انتبه"
ميتات مع الوقت
صارت مقابر في حدائق الذكرى
الموت يسكن الآلام المصاحبة لأقدام المحبة
لا شغلةَ لي سوى أنْ
أدفعَ جيوشَ المسرَّةِ عندما يتحرك
لتهاجم جنودَه في الوقت نفسه
ولا أبكي
يهزمني
أُطلق آهةً تلفّ الأرضَ عائدةً
لوجهي قبل أن أنتهي منها
النسيان أو ربما الإنسان
لمَّا يعجز يرفع يديه للإله
وحين يضطّرب القياسُ عليه يرميه فوق عرش الرب
اسمي ما أزال اسمي
لله في لله كما علمني جلال
لم يقابلني إلا السِّفلة، وأولاد الحرام
خذ عندك كنت مثلا؛ دائما ألهو كطفل
أرفع أغطية البالوعات
فيحرق الهواءُ سكَّانَها
صرت مرآةً يكرهونها:
"تضحك دائما"
"ترتدي ملابس كأنك خارج من الكتالوج"
"كل عام ديوان"
"تَرجمَ بفلوسه"
فأبتسمُ، واضعا فهرسا بأعمالي التالية
و "أنامُ ملء..."
نادرا لو ألقت وردةً..
غالبا مرتين أو ثلاث
طَوال ستين حَوْلا، وكنت ممتنًّا
ذراعي لم يخذلني
ولكني خذلتُ نفسي
أكتبُ الشعرَ أبعدَ مِن
خمسة وأربعين عاما بفَرَاشةٍ
وهو سبب كاف للخذلانِ
الخذلانُ الذي يملكُ الأرضَ
ويمدُّ سِماطا فوق فوّهة بركان
ويفردُ فوق رأسي غيمةً من الجحيم
الخذلانُ يضحك: تفضّل.. "خلي البساط أحمدي"
قلت: على الأرض.. أنا شيخي
يضحك، ويجري خلفي.. يمسكني كطفل مِن ذراعي:
أحبك ولا يهون عليَّ أنْ أتركَك وحدك
لا يعرفني أحد ولا أقولُ لأحد إني شاعر
من فوره سيسأل: شاعر بما؟
وأكون مضطرًا أن أمنحه ابتسامةً
يزرعها في حوضِ سماجته وهو يقلِّب فيه كلمتين
ربما تصلحان قصيدة
وأتشكَّكُ.. كتبتُ هذا المعنى مِن قبل!؟
فيضحك النسيانُ
والآن بعد أن صرتُ مُسنًّا
كما يقول الناسُ
وصادف أَنْ تنازلَ ليْ شاب عن مَقْعَده منذ يومين
شاب أو اثنان على ما أذكر في المواصلات العامة
ليتأكد ليْ أَنَّ اسمي عادل
وأَنَّ ما تركته عند الله لن يمسسه غبارُ الناس
أو يقتله البحرُ خلفي ويتركه
فريسةً لأسماكِ النَّميمة؛
كما ترون أَرْضَىٰ بالقليل
وأصنع المعجزات ببراءة ابتسامة طفل
وشقاوة ضحكة طفلة
لم تسألني كيف نجوت؟
ولكنني سأجيبك
نجوت بعد أربع مَيْتات وكارثة
لن أطيلَ عليك
ومن بابِ المودَّة العابرة بين عابرين لديهما
فسحة من الموت
ستقول: خذ راحتك
وقبل نهاية الكلام سأعرف
أنك سبقتني إلى الصمم
هل تصدق
: السماء ليست زرقاء
: لا هذا في الديوان السابق
انظر.. لا أمرُّ على المقابر
أَيَّ مقابر
إِلّا وأقرأُ الفاتحةَ
استعدادا لسفرٍ طويل
لا شيءَ معي
إِلَّا ما حملْتَه على كتفي
واطمَأَن له قلبي
وبالمرة أهزمُ النسيانَ
ألهو في محيط المجاز
وأروّض ثعلب الرمز
أنا نفسي
لي أسبابي
لتَرْكِ الاستعارةَ أسفلَ عربةِ الفول
وأعرف أنها تحيط بي
كلُّ صباحٍ
فاتني أَنْ أقولَ لكَ:
ما أزال طفلا يحبُّ الحلوى..
على سبيل المزاح
في صغري كان الملبنُ حلوايَ المفضلة
وفي كهولتي...
يوميًّا مع الإفطار، وأحيانا قبل النوم
أصنع الدوبامين قدر الطاقة على شكل حلوى
وأغمر الناقلات العصبية في بهجة التفاؤل
كلَّ صباح.. أرفع الوعودَ بالمكافآت تميمةً لتطردَ أشباح يومي
في وقتِ فراغٍ يختاره
الشعرُ أكتبه مخافة النسيان والجدوى
النسيان لم يثمر فيه شيء
ولم يصن العيش والملح
عاملني كالنَّاس بعد أن تعاهدنا خدعني
وظلَّ يجري ورائي بما لا أريد
والجدوى وهي تحاصرني بضحك غير مبرر
فاضحك في وجهها
انظري الكونَ قصيدةً
وليس عليَّ أَنْ أحملَ ذنوبَ تاريخٍ
صناعته الكذب والنسيان
لم أحصل على جائزة
- غائبٌ مع أمّةٍ في جيب الجنرال -
وأعرفُ أنه لن يحدث؛ فلست أبله ديستوفسكي
لم ينوّه أحد بأشعاري، ولا غيرها
وبما أنني ابن ناس ككل الناس
وليس لي عُصبةٌ.. أو عصائبُ تهتدي...
لم يهتم أحد بما أكتب
فقط اسمي عادل
محسوبك عادل
مثلك على باب الله
لن أطيلَ عليكَ
محسوبك.. عادل
بعد هذا العمر على فيض الكريم؛
فعلتُ عمْدا لأرحلَ خفيفا
ومع ذلك خلفي أثقالٌ تجرني
وأمامي أثقالٌ تسحبني؛
أَأْكل مثل الناس أشرب مثل الناس
أَنام مثل الناس أو أكثر
تمضي الأمورُ كلُّها في دوَّامة قضاء الحاجة
لغدٍ أفضل لن يأتي
وفي لعبة الخداع..
كلَّ يومٍ يمرُّ مِن أجل يوم آخر
بلا ملل.. الوهْمُ طيِّبٌ ومريحٌ ولص يشبه دود القبر
ألم أقل يومي كله فراغ
وفي الفراغ أعمل أكثر من الناس
يستأجرني قوت يومي
سبق وأن قلت أكتب الشعر، ويستبد بي:
أنا أم النسيان؟!
أعيشُ في هالة من سوء الحظ
لم تقابلني محاسن الصدف
ولا حتى صدفة سعيدة
فقط أشباح تلهو وأعرف أنها أشباح
وأشباح ترتدي أحلاما أو ملابس حسب طاقتها
ومع هذا أستسلم لها
منها شبح الغد الأفضل
أكذوبة "غدا أفضل"
وهْم غدٍ.. سأصنع ما أريد
أكرِّرُها في القصائد
غدا سيأتي الأفضل
وأنسى، وعيبٌ على هذا العمر أن ينسى،
كلَّ يوم يمرُّ يكبرُ الفقدُ عاما
وأنَّ لا شيءَ في الخارج
أصنعُ الخيالَ
ولا أخضع للخيالِ
في الشِّارعِ
دائما يقابلني ما لا أريد
كالكثير مِن الناس
أصبحتُ لا أحزنُ
ولا أملكُ طولةَ البال ليلهو الحزنُ في حدائقي
صارَ الوقتُ معلما وصديقا
تماما كحائط زنزانة.. مخلصا لكلّ مَنْ مرَّ
بلا تمييز كعادة الحوائط،
قال الحائطُ في الأثر:
إذا تركتَ الشارع وحده
لا تتركَ الطريق وحده
لا تترك الوردة
قلت: أنا وحدي
قال: صحبة طيبة
الحياة في الداخل
تموت من الوحدة
ثم التفت: اترك الشعراء يتغنّون موتهم
وامْضِ مع لغزِكَ الأبديِّ
تعرفُ.. لن تصلَ
شئتَ أم أبيت ستمضي
فسرتُ وصرت مع الوقت
لا أنتظرُ شيئا يقطع الوحدة
سوى قصيدة من وقت لآخر
تُطِلُّ برأسها
أو ترمي السلام مِن الضَّفَّةِ الأخرى
فأبتسمُ في وجهها
كطفل أصابته الحياةُ مرَّاتٍ
وصار ينسى ماذا سيفعل بعد خمس ثوان
ماذا سيفعل قبل خمس ثوان
تباغتني بالتعارف
أعني القصيدة
فأردّ كمريض نسيانٍ تائهٍ في الذَّاكرة القصيرة
ونسيان ينتظرني كالعادة بما لا أريد في عواصفِ النفس
أردُّ على نسيانٍ
اعْتَبَرني ذاكرته
اسمي عادل
فقط..
أريدُ أنْ أَذْهَبَ إلى البيت.
تعليقات
إرسال تعليق