وصايا للولد الكهل
امضِ الى الرفِّ الثالثِ من الرفوف الواقعة على الجهة اليسرى في المطبخ، هناكَ ستجدُ علبةً صفراء وفي منتصفها مستطيلٌ أحمر مكتوبٌ عليهِ (شاي الغزالين)، حاولْ أن تصلَ إليها بشتّى الطرق، حاولْ، وحين تقعُ في يدك قمْ بإلقائها في سلّةِ النفايات، فهيَ فارغةٌ منذ أصيبتْ أمُّكَ بالصداع لنقصٍ في الكافايين .
إمضِ الى القططِ التي تجتمعُ في الحديقة، وقربَ النوافذ، حاولْ أن تكون لطيفاً دونَ انكسارٍ واعتذرْ منها قطّةً قطّة، ليس لدينا قِططٌ ذكور، حاولْ أن تهمسَ في آذانها كي لاتخدشَ أرواحَها فتشعر بالهوان، أخبرْها أنّكَ لم تعدْ كما أنت، أخبرها كذلكَ بما يعزُّ عليك أن تقوله، قُلْهُ بكلامْ هو أشبهُ بالصمت، وإن تعذّرَ عليك ذلكَ فلا تقل شيئاً، فهي ستفهمُ ماتريد من خلال النظرِ إلى عينيكَ قبل شروعك بالبكاء .
*****
عدْ إلى بيتِكَ متأخّراً، بعد نومِ الأرض، واخرج منه قبل استفاقتِهمْ أولئك الذين يتربَّصون بِصحوِكَ، كي يقتلوا آخرَ اعتذارٍ ينام كريماً في لسانك.
*****
لاوقتَ للتفكير بجرائمَ كبرى، أو خطايا أكبر، فالقتلةُ لم يبقوا لك مايمكنُ أن تبتكرَه، عليك أن تفكّر بماهو أكبرُ من إزهاقِ روحٍ أو احراق حقلٍ عامرٍ بالبذور، يمكنكَ مثلاً أن تصمتَ عاماً كاملاً ، أو لماتبقّى من عمرك إن كنتَ ذا جلَدٍ، ذلكَ وحدهُ سيجعلُهم يتناقلون أخبارك، أخبارَ صمتِك المتين، سيجعلُهم كذلك يمعنون في التأويل وتأليفِ القصص عنك، سيقولونَ إنّكَ تلقّيتَ ضربةً على رأسكَ فقدت إثرَها النطق، أو انّكَ سقطتَ من حُلمٍ عالٍ وعضضْتَ على لسانِك، ربّما سيطلقونّ عليكَ النار لأنّك كما يظنّون، لن تصرخَ عندما تبردُ الرصاصةُ في قلبك .
*****
ستزوركَ المرأة التي تحبّ، تزوركَ لترى وجهك، تزورك لترى على أيِّ جنبٍ وقعتَ حين تعثرَّتَ باسمها في الراديو، تزوركَ كي تتقصّى لسانَك والأسماءَ التي صبغتْهُ بهذا الشحوب، وعندما تتأكّد من خلوّكَ من الأسماءِ السارية؛ تشعلُ ضوءَ سيّارتها وتنطلقُ بأقصى سرعةٍ، وحين تبتعدُ يتناهى الى سمعك صدى أغنيةٍ تشعلُ بهجتها حين تجوبُ الشوارع وترمي أوصالكَ.. حرفاً ..حرفاً..
قد يعجبك ايضا
تعليقات
إرسال تعليق