في الطريق الى الكافتريا
محمد صالح
في الطريق الى الكافتريا
دائما ما أتخذ الشوارع الجانبية
الشوارع الجانبية منجاة من العيون اللزجة ،
وضجيج الباعة ،
ولقيا من لا أحب .
البيوت التي أشم فيها رائحة العرق والصبر .
البيوت التي كانت مفتوحة دائما على بعضها
البيوت التي كانت أطباقها تدور كما تدور الشمس .
ضاع نصف عمري في هذه البيوت ،
وهذي الأزقة ،
وأمر كل يوم كي أصافحه ..
أستأنس به ..
أبحث عن جوربي الذي صار كرة
عن الأهداف التي لم أحرزها
عن الأحلام التي فرت من بين يديّ .
عن بنت الجيران التي أيقظت حواسي ،
ودفعت بدماء جديدة الي شرايني .
بعضي لم يزل هنا ،
يفتقد البعض الآخر ..
يفتش عنه بين العتبات والأبواب
في الحصى الذي يركله المارة
في بنت الجيران التي صار لها كومة من الأولاد ,
وافترش النمش وجهها .
ان غاب عنك بعضك عليك أن تسعى لاستعادته
عليك أن تمشي خفيفا حتى لا تدوس بعضك
عليك أن تستعيد صوتك القديم
صورتك التي يعرفك بها بعضك .
البيوت في هذه الأزقة لا تمرض ،
ولكن تتقزم قليلا .
لا تعجز ، ولكن تنهار دفعة واحدة .
لا تتألم ولكن تتثائب في كسل .
البيوت في الأزقة تعرفني
تطبطب علي قلبي
تبتسم لي ، تعابثني ..
تناديني باسمي
تحتفي بي كلما مررت
تذكرني بما كنت عليه
وتنظر بشفقة الي شعري الذي ابيض
الي خطواتي التي تباطأت
الي خطوط الزمن علي وجهي
الى أكياس الدواء التي بين يديّ
الي حنيني الذي يتدفق كلما مشيت .
البيوت في الأزقة لا تنام حين ينام أصحابها ،
بل تظل ساهرة تحرس النائمين
حتي تزهر أحلامهم .
تأتي الذكريات دوما من أماكن بعيدة
من حقول فاتها الفلاحون وراء ظهورهم ،
ومضوا بحثا عن حياة أخرى في مدن أطعمتهم القسوة ،
وشربوا حليبها الجاف ،
ومياهها الملونة .
وسواق لم تزل تشكو شوقها للماء والحقول
من عصافير فقدت أشجارها
ونامت على الرصيف ..
من طرق لم تعد معبدة بالأحلام
من أحبة تساقطوا في الطريق دون وداع يليق
من ألبوم صور أعيد نسخه علي هاتفي النقال للمرة العاشرة .
كل الذين بكيت من أجلهم صرت واحدا منهم
أحمل أحلامهم على كتفيّ ،
وأمضي مثقل الخطو الى الكافتريا
أصفق للنادل كي يبكي معي .
قد يعجبك ايضا
تعليقات
إرسال تعليق