القائمة الرئيسية

الصفحات

كرقصةٍ عادلةٍ للموت، أصحّحُ لكِ مقاماتِ البكاءِ / محب خيري الجمال

 كرقصةٍ عادلةٍ للموت، أصحّحُ لكِ مقاماتِ البكاءِ

محب خيري الجمال


كرقصةٍ عادلةٍ للموت - محب خيري الجمال - بيت النص

دعيني أصَحِّحُ لكِ نبرةَ صوتِك
وأنت تقولين: "أحِبُكَ".
لا يوجد سببٌ حقيقيٌ آخر.
أودّ أن أزيلَ الألفَ وأضعُها بجوار شجرةِ برقوقٍ كخيالِ مآته.
اختاري الخط المناسبَ
واغسلي جيوبَك من أغنياتِ خطِ الفقرِ والبطالةِ.
لديّ جُرعاتٌ زائدةُ سببّت لي عاهةً مستديمةً منذُ الطفولةِ
تمسّكي جيدًا، ثلاثةَ حروفٍ مبتسرةٍ آيلةٍ للسقوط
اقرأي من اليسارِ...
نعم أنا أكتبها في سري: "كبح"
أضعُ المتاريسَ والكاوتشوك المحترق دومًا
لابدّ من كبحِ تلك الفكرةِ وقتلِها في المهدِ
"الحب"!
يخطئ الفمُ أحيانا في سلخِ تلك الكلمةِ
من نافذةِ الروحِ.
أو في كتابةِ نصٍ يحصُد الألوانَ الصافية
يربط الناي في عضلة القلب
ويصرخُ نهاية المطافِ من حبكةِ الدفءِ المراوغِ
بعد أن وضعَ نقطة الدمِ على سطرِ السكينِ
وفرّ بالمعبدِ وكهنتِه..

ماذا يفعلُ الشعراءُ بعد أن غادروا الحياةَ.
ربّما يَرتطمُ المكانُ بوشايةِ الزمانِ.
ربّما تُعذّبُ الأرضُ لابتسامةِ امرأةٍ
وخطيئةِ الحطَبِ..
ربّما يرشّون سريرَ العطشِ بامرأةٍ تسيلُ من فرسٍ ونارٍ
يُجرّون كناقةٍ في بطنِ الصحراء
لا ولد لها ولا صاحب
ربّما حدثَ خطأٌ نسبيٌ في المعادلةِ
وهم يفركون مجازَ العجلاتِ الحربية في المشاتل
ماذا تبقّي لكَ أيها الشاعرُ المُفذلَكُ خلف هذا العالمِ الكريه
هل أعددتَ مائدةً كعادتك لتصفَ شفاهً مرتعشةً
لا تلمسَ برتقالةً وتقولَ ثدي نايٍ ينوحُ في عُصارةِ الألمِ
أيها الشاعرُ التعيسُ أنت لا تعرف سوى طعم الريقِ المُرّ
كيف جرّبتَ عسل الشبَق في سلة المهملاتِ؟
ماذا قدمت أيها الأبلهُ الرديء
غيرَ حيواناتِك المنوية لهذا الكوكبِ البائسِ..
ماذا فعل كتابُك العاشرُ أو حتى المليون؟
ربّما امرأةٌ في بلدٍ بعيدٍ؛ تشوي به البردَ من فرطِ الوحدةِ.
نصفُ خُبزة من عجينِ الذُرة كفيلةٌ بصنعِ طابورٍ من قُرّاء
حمحمة صهيل المعدة..
طلقةُ خرطوش في عاصفة الكلام تخلخل مفاصل مدينة
تستحمُّ كلّ صباحٍ بكوابيسِ الحروب
استرِحْ. لا أحدَ هُنا يهتمّ
بما كتبتَ أو قرأتَ أو تنبأتَ..
دعكَ من تلك الأوهام
ماذا تفعل الآن؟
لقد ولدتَ كجثةٍ جافةٍ بلا عملٍ تأكلُ منك الأيامُ
تحكً الحصى والأوتادَ بمترادفاتِ الخَواء
ومُتْ كجُثةٍ باكيةٍ بلا دموعٍ لا تتذكرها الأخبارُ.
كجُثةٍ من أوراقٍ ساقطةٍ في لوحةٍ باهتةٍ
يتكئ عليها بريقُ الجروحِ ورذاذُ الذكريات..
ماذا يفعل الشعراءُ الكبارُ؟
ربّما يديرون العالم ويُخطّطون لإبادة غامضة
ربّما ينتحبون وهم مُعلقون في خطاطيف
لقد فسدَ الملحُ في القصيدة
أيها الشاعرُ التافهُ المشردُ.
ربّما يلوم الرب أنبياءَ الوردِ
لأنهم وقفوا في نهاية النفق يَتْلون حُطام الضوء
في مقابرَ فارغةٍ
وتركوا جسدي المتسولَ بين أسطورتين تُتَمتِما بالنارِ
ظلي ثقيلٌ، والليالي باردةٌ وأصابعي كجليدٍ يرتعشُ
في لحم امرأةٍ سوداءَ تطلُ من قرنيةِ ارتطامي بالفراغ
هكذا كان جسدي المَسكين
يكتبُ ويمحو ثم يغفُو بين العناكب كنتفة غُبار..

أنا ممتنٌ جدًا
الساعةُ الآن الرابعةُ صباحًا
انتهيتُ من العملِ بعد حشو أسنانِ الجبلِ بالتبنِ والرمادِ..
صححتُ له خطَّه الركيكَ.
أربعةُ حوادثٍ على الطريقِ السريع.
لا تُكتب في محضر الشرطة
امرأةٌ عاريةٌ تجلسُ على قطعة شطرنج
كزبدٍ يستفيق على شظايا الغرق..
لا تحاول لمسَ يماماتِ الجسدِ المُبتل بالحرائق داخلي..
اليوم هو بداية شهر يوليو ٢٠٢٠
أوثق لغيمتين تتنزهان في صحراءِ العينِ السخنةِ
يبدو أن شاعرًا ما مات الآن..
لقد تخلّص أخيرًا من ذكرياتِه..
ومات سعيدًا لأنه وجَدَ من يدفنُه بعيدًا عن عيون (كوفيد -١٩)
ارتاح من تعلية قلبِه بسورٍ مُهشمٍ..
نطّ كقطٍ برّي من الفرح
لقد نجا أخيرًا من خياناتِ النص ومقاماتِ اشتعالِ البكاءِ
صعد إلي جبلٍ عالٍ ليدعكَ روحَه بالقناديلِ، وفصوصِ الضوءِ
حتى تبيّن له الخيطُ الأبيضُ من الخيطِ الأسودِ
فرأى فيما رأى على سُرُرٍ مصفوفةٍ يأكل منه النص ولا يبقى شيئًا..
أنا أنتظر أيضًا دوري
أنتظر الدرّاجة التي أسافر بها ببطء
روحي خفيفة لا شك
لكن ساقي تؤلمني
لا تعرف ماذا يخبئ لها النصُ القادم؟
ماذا لو أتتْ السنةُ المُقبِلةُ وما زلتُ هنا أشربُ العدمَ
أصدقائي - من المحتمل - أن يغادرَ أحدُهم سريعًا
أن يعقد صفقتَه ويفوزَ قبلي بنحنحةِ التراب
أودّ لو أكون الأول وأسبِق الجميعَ
أنا الذي وُلدتُ آخر العام بوجعٍ في القلبِ
أودّ أن أسقطَ الآن
لا بد أن أنتهي تمامًا
قبل كتابةِ أحدهم عن أيامي القليلة عام ٢٠٢١..

أنا لا أمزحُ..
أغلبُ الظنِ أنّ هناك مائة طريقةٍ أُخرى
لتقليبِ عجينةِ الحبِّ.
لنفكرَ معًا..
كيف يُشكّلُ صانعُ الصلصالِ لُعبةَ الخيالِ؟
هل يبدأ من السُرّة؟
إنه جائعٌ...
ستنقلبُ لرغيفٍ من الخُبزِ وحقلٍ من النبيذِ والموسيقى..
هل يبدأ من الأصابعِ؟
لقد عاش يتيمًا يكنسُ وجَعَه ويدسُه في جيوبِه
ستنقلبُ لحلوى وشموعٍ وقبلاتٍ طريةٍ وساخنةٍ..
هل يبدأُ من الرأسِ؟
لقد عاش وحيدًا ومطاردًا كجريمةٍ
يحكُّ فروة الطينِ بلا شجرةٍ تحملُه.
ستنقلب لهدفٍ للتمرينِ على القتل..
هل يبدأُ من رائحةِ الصدرِ؟
لقد عاش يكشطُ التعبَ والدموعَ من الجدرانِ
ولم يواسِهِ الحنانُ وهو أعزلٌ لا يجدي نفعًا
يُصفّقُ للرياحِ
ولا أحدَ يبكي معهُ سوى حذائِه وكلبِه الضرير..

لنفكرَ معًا..
تربيةُ الضوء بين حلمتين توأمين.
حبْسُ فرسٍ جامحٍ في زاويةِ كأسِ الكونياك
عنعناتُ الحنجرةِ على رفّ المداعبةِ وضُحاها
لمباتُ السقفِ المحترقةِ في كراكيبِ الرأسِ
سقوطُ القمِر في وعاءِ أحصنةٍ تتلكأُ في قِلادة العتمة
إنقاذُ العالم كلّه من نصفِ تفاحة ممتلئةٍ
بندوبِ امرأة أحبّت الحديثَ عن الفشلِ والسقوط.
الوسوسةُ في أذن مشابكٍ تعضُ قُمصان العُزلة
وتحصدُ قشّ رُعاة التعبِ من إِبِط البردِ والقادة
وقيلولة الدم..
أسهلُ كثيرًا من كتابة خطأٍ: "أحِبك"
لرجلٍ فقيرٍ يُخربشُ بطنَ الجبلِ بأظافرَ متعبةٍ
ويقول: أنا بخيرٍ كهذا الوطن الطائش
أمصّ أصابعَ البيانو كمحرومٍ من رقصة عادلةٍ للموتِ
وأضحكُ لتنهيدةٍ تحترقُ في جوفِ صندوقٍ وحيدٍ
يحمل رائحةَ النهرِ وقُبلتَه فائقةَ الحنانِ..

دعيني أصحّحُ لكِ معنى أن أكتبَ نصًا
يبدأ بحياكة أصابعَ لا تلتفت لتثاؤب الحروف
وهي تبكي في صناديقَ صدئت من طول بال النهر
يلهو الفيضانُ في البحيرةِ
ولا يجدُ من يُصفّفَ الشوكَ الذي نبَتَ في حلقِ الطمي فجأةً
دعيني أفسّر لكِ كيف أحملُ الصليبَ على كتفين
من طينٍ ورغبةٍ ولا أستطيعُ الكلامَ.
كمُحللِ استراتيجياتٍ، يفشلُ في حلّ مكوّناتِ
بحيرةٍ من الكُحلِ.
ثرثرة أقلام الرصاص في أذنٍ مضطربةٍ
الأذنُ التي أصبحتْ آلةً لتدويرِ نفاياتِ الكوابيس
وصوتِ أبواب المقابر
الأذنُ المدربةُ على سماعِ الألغازِ وبكاءِ الأيتامِ
والشك من مصادفة أرملة جديدة
تركضُ في ضفائرِ الليل المنكوشِ بلا مُصافِحٍ..

لا بأس..
أنا أربّي لساني على التحليقِ معكِ دون مشقة
أربّيه على النُطق السليم قبل فواتِ الأوانِ
دعيني أدبّرُ له ذلك.
أدلّه على لِحافِ اللغةِ الخاليةِ من الحربِ
ولُعبةِ العسكرِ ولُصوصِ النخيل
دعيني أصحّحُ لكِ محنة الجلوسِ - إذا لزم الأمر -
داخل القصيدة..
أنصبُ لكِ الفخّ في جُملة مبللةٍ بقمحٍ وآثارِ فأسٍ قصيرٍ
وضحكاتِ القطنِ.
القطنُ الذي يرمشُ للبناتِ حين ترفرفُ جلاليبهن
تحيةً للندى الساقعِ
وتفكّرُ في الرجلِ السافلِ الذي يتلصّصُ
من خلفِ النصِّ على ساقٍ بيضاءَ
دكّت الحقلَ كإلهٍ تجلّى للتوّ..

إلي الآن لا أعرفُ كيف أجلسُ على طاولةِ الكلامِ
لأصطادَ المعاناةَ من عينيكِ، وأنت تكتبين السِفرَ الأخير
على سُبورة العالم..
لا تترددي في إزالةِ الريشِ الأصفرِ والفئرانِ المتوحشةِ،
المناديلِ التي يرقدُ فيها البكاءُ،
البيتِ الذي يشيخُ ينز بالزواحف والدودِ.
احترسي..
أشجارُ الصفصاف ضعيفةٌ
النيلُ يخلع ثيابه أمامَ مدينةٍ من الموتى
أمام كلمةٍ تموتُ في السجنِ
كلمة يابسة في ملحمة ضائعة.
لا تخرُجي من زِنّة النص وتوسّله المقدس
امنحيه عُطلةً أو اربطيه في رقبتك كوردةٍ خضراءَ
لا تشعلي الجمرَ مدخل العتبة الحزينة.
ضعيه في فراشك الدافئ كطفلٍ مُدللٍ
اقطعي الطائرةَ الورقيةَ من حبل الزمن
خفّفِي من حمل النيل
واستلقي على عُشب الظلِ بالغِ الدلالِ والنعومةِ..
تقولُ صرخةُ جبلِ: أنا الآن أكثرُ حزنًا
من ساقِ وردةٍ تاهت في جسدِ مخطوطٍ
يُطقطقُ عظامي في القصائد..

الكلّ تخلّوا عني
ألهثُ وراءَ حصّالة الليلِ الممتلئةِ بالرملِ وأفواهٍ نيئةٍ
بجسدٍ مُنهكٍ وغارقٍ في النُدوب..
أُصحّحُ وضعَ القُبلةِ التي تسيلُ في الفواصلِ الفارغةِ
أعيدُ كتابةَ العبارةِ التي لا تمنحُني لطشةَ الجنون
ولا تجلسُ على حِجركِ كعصافيرَ ثَمِلة.
تأكّدي، لقد وصلتُ للسنِّ الذي أنسى فيه اسمي
تلعثُم الأصابعِ في همسِ الشفاهِ.
أزيلي الحرفَ الزائد من اسمك،
الحرفَ الثاني تحديدًا،
يبدو جميلاً وهو يسقطُ من فمي،
ككائنٍ بالغٍ سدّد ضرائبَه للحياة
واستسلم لدلالة الوقت..

يُمكنني الآنَ كتابةَ النصِّ دون نُباحٍ من كلاب السُلطة
في دماءِ الخريطةِ..
فقط.. لا تتركي النصَّ قبل أن نتخلّص من خطأٍ جسيم
يتكاثرُ في متنِ النيلِ..
افتحي الكرّاسَ، واكتبي نُطفةَ التاريخِ
ودعي النهرَ يُكملُ الحكايةَ لنهاية البحرِ
النهرُ وحده يعرفُ كيف يهذّبُ لحيةَ الملح
وحده يمكنه تصحيح كلمة "أحبك" بتكلفةٍ بسيطة
يُمكنني الآنَ كتابةَ النصِ
الذي يحملُ قواعدَ الحُب المُتفقِ عليها؛
دونَ الوقوعِ في تفسيرِ التعبِ وتأويلِ محنةِ الندمِ..



قد يعجبك ايضا

تعليقات